بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((اللّهم إنك تعلم أني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي))..
انّ واقعة كربلاء الحسين في يوم عاشوراء قد تعدّت كلّ المقاييس في كلّ شيء، ومنها انّ أصحاب الامام الحسين عليه السلام كانوا أفضل الأصحاب حتى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، مع ما لهم من السبق في الدخول الى الإسلام ومن ثمّ نشره وقد عانوا ما عانوا بسبب ذلك من التهجير والتعذيب والتقتيل، ولكن مع ذلك كان أصحاب الامام عليه السلام هم الأفضل..
وما قاله الامام عليه السلام لم يكن نابعاً من عاطفة قد يتخيّلها البعض فيحسب انّ الأمر كما يقِسه الآخرون من عوام الناس، فالامام لا يقول كلاماً إلاّ كان مستنداً الى علم الله تعالى وما ينطق تبعاً لأهوائه (حاشاه من ذلك) فهو عليه السلام ريحانة المصطفى صلّى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنّة وهو المعصوم، وقد جاء علمه لما خبرهم من الجلادة والصلابة والاستعداد بالفداء بأنفسهم الطاهرة في سبيل الدين، وهذا ما نراه واضحاً من قوله عليه السلام لأخته زينب عليها السلام عندما سألته عن أصحابه فقال ((والله لقد بلوتهم فما وجدت بينهم إلاّ الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أُمّه))، وجاء مدح الامام عليه السلام لأصحابه بعد أن قال لهم في ليلة العاشر ((هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فان القوم انما يطلبوني ولو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري. فقال له اخوته وابناءه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل لنبقى بعدك؟ لا ارانا الله ذلك ابدا))،
حتى انّ أحدهم وهو زهير بن القين قال للامام عليه السلام ((والله! لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل على هذه ألف مرة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك))، وبالتأكيد هي عقيدة كلّ أصحاب الامام عليه السلام، مع العلم بأنّهم رضوان الله تعالى عليهم يعلمون تمام العلم انّ ليس هناك أي نصر عسكري أبداً على أرض الواقع وهو ما أبلغهم به الامام عليه السلام..
فهذه صفات أصحاب الامام عليه السلام في ذلك اليوم وقد شهد لهم التاريخ في تلك الواقعة بأنّهم كانوا أشد فرحاً وسعادة في ملاقاة الموت بل ويستعجلونه، ولا يذكر لنا التاريخ بأنّ أحداً منهم قد جبُن أو تخاذل أو هرب من المعركة، بل حتى عند إدراكه الامام عليه السلام وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يعتذر للامام عن تقصيره وانّه سوف يتركه من غير أن يدفع عنه الأعداء، ولا تكون وصيته الأخيرة لأصحابه إلاّ بأن لا يقصّروا عن الذود عن إمامهم..
ولكن عندما نستقرئ التاريخ لبقية الأصحاب وخاصة أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله لا نجد هذه الصفات متوفّرة فيهم، وهذا ما يشهد به القرآن الكريم عند مطالعة آياته الكريمة من خلال الأحداث التي واجهها المسلمون آنذاك:
ففي واقعة بدر المباركة كان المسلمون يريدون أن ينقضّوا على القافلة دون مقاتلة جيش قريش، وهذا واضح في قوله تعالى ((وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ))الأنفال: 7، بينما علمنا في أصحاب الامام عليه السلام عزمهم على البقاء مع إمامهم والذبّ عنه، ولا وجود لأيّ مطمع سياسي أو ماديّ، بل كان ينتظرهم القتل لا غيره، وفي واقعة بدر كانت الملائكة تقاتل إلى جنبهم بعد استغاثتهم بربّهم ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ))الأنفال: 9، بينما لم تقاتل الملائكة في واقعة الطف لأنّهم يعلمون جلد قلوب أصحاب الامام والتي أبت إلاّ الاستشهاد بين يدي الامام ولا ترضى للحياة أبداً، فكانت اقدامهم ثابتة وقلوبهم مطمئنّة لا تزلزلها الأعاصير بالرغم من العطش الشديد الذي أصابهم بمنع الماء عنهم، بينما أصحاب بدر أنعم الله تعالى عليهم بانزال السكينة والأمن بعد أن كانوا خائفين وجلين وإضافة لذلك أنزل عليهم المطر ليغتسلوا ويشربوا كلّ ذلك ليربط على قلوبهم ويثبّت أقدامهم ((إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ))الأنفال : 11..
أما بقية الأحداث التي يذكرها القرآن فسنتعرّض لها في القسم الثاني ان شاء الله تعالى..
تعليق