(( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا))
_________________
نقدُ التفسير
__________________
عند النظر في تفسير قوله تعالى فيما يخص قصة النبي يوسف (عليه السلام) ومراودة زليخا له
تجد أثر اليهود والحاقدين على الإسلام واضحاً في تحميل الآية ما لا تحتمله أصلا من دلالةٍ تسيء إلى مقام النبي المعصوم (يوسف الصديق)
ولستُ بصدد عرض ما ذكره المفسرون من العامة والخاصة في هذه الآية
بقدر ما أقصد من تسجيل لحاظات لغوية وفَهمية عرفية الارتكاز في الذهن العربي بلاغةً وبياناً ونحوا وتركيبا ومرادا.
حيث قال اللهُ تعالى
(( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) (24) يوسف
وقبل الخوض في النقد يتبيّن قرآنيا أنّ الآيات الثلاث السابقات على هذه الآية من سورة يوسف
قد سجّلتْ ثلاثة سلوكيات شروعيّة قامتْ بها زليخا لتحقيق ما تصبو إليه من النبي المعصوم يوسف من المراودة القوية
ومن إغلاق الأبواب (مما يعني أنها أرادتْ وبجد المواقعة بحيث أغلقت الأبواب جميعها لا باب واحد مخصوص)
ومن دعوتها اللفظية (هيّتَ لك) والطلب المباشر بالمواقعة .
ولم يُسجّل القرآن الكريم أيِّ سلوك مُريب من لدن النبي يوسف قبالة ما قامت به زليخا
إلاّ هذه الآية موضع البحث (( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا))
بل على العكس إذ أنّ النبي يوسف امتنع من الوقوع في تحقيق رغبة زليخا حين قال (معاذ الله )
وبعد هذه الإستعاذة همّ بالتخلّص منها و استبق الباب وزليخا خلفه .
ليكون معنى الآية محل الذكر هو أنّ زليخا همّتْ بتحقيق الرغبة و المواقعة
وأما النبي المعصوم فقد همّ بأمر التخلّص منها
والدليل هو استباقه الباب وتزكيّة الله تعالى له من هذا الفعل المشين ولو على مستوى البعد النفسي أو الذهني
بخلاف ما أساء به المفسرون من أنّ النبي المعصوم يوسف قد همَّ بها على مستوى النفس والتفكير فعصمه الله من السوء
وهذا هو التجني على قداسة النبي المعصوم الذي يمتنع وبإرادة نفسه وذهنه وعقله عن ممارسة اللامشروع .
والدليل اللغوي والنحوي والبياني هو الحالكم في المقام
لِما تسالم به عند النحّاة من أنّ العطف بقوة تكرار العامل ومن أحكامه المغايرة المفهومية بين المعطوف والمعطوف عليه وإن إشتركا في الحكم جمعاً أو ترتيبا أو غير ذلك .
مما يعني أنَّ هم النبي يوسف كان غير هم زليخا
وإن اشتركا في سنخ الهم لفظا لكن مفهوم الهم عند النبي يوسف يختلف عن مفهوم الهم عند زليخا
ولذا جاء العطف بتكرار العامل لا حذفه
فلو كان الهًمُ واحدا لإقتضى التركيب حذف العامل الثاني (همّ)
ولو كان الهمُّ واحداً لحكاه القرآن الكريم بعامل واحدٍ لاعطف فيه .
وما جاء العطف بحرف النسق (الواو ) إلاَّ ليبعد كلَّ إساءة قد يعلّقها المفسرون بالنبي المعصوم .
_______________________________________
مرتضى علي الحلي / النجف الأشرف
تعليق