الندى
تقريرٌ مبسطٌ
يسلط الضوء على بعضِ حقوق الزوجة
في الفقه الجــعفري
للمحامي رامي احـمد الغالبي
عضو اتحاد الحقوقيين العرب
يسلط الضوء على بعضِ حقوق الزوجة
في الفقه الجــعفري
للمحامي رامي احـمد الغالبي
عضو اتحاد الحقوقيين العرب
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
الروم/21
المقدمة
بسمه جلت اسمائه القدسية, الحمد لله رب العالمين, المتفضل علينا بالهداية والتمكين والمنعم على عبادة بكل خير وسعادة ليكونوا صالحين, من توكل عليه كفاه وحفظه من كيد الشياطين ومن تنكب عن صراطه فهو من المخذولين.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين , ناصر المستضعفين والمظلومين , وحبيب المساكين الذين آمنوا بالله رغبة فيما أعده سبحانه لعباده الصادقين..
وعلى آله الطيبين الطاهرين, الذين أعلا الله مقامهم على سائر المخلوقين, ليكونوا قدوة العارفين, ومنارة الهدى وسفينة النجاة التي من تخلف عنها كان من الهالكين..
ثم الرضا والرضوان على أصحابه الميامين الذين بايعوه وناصروه ولم يكونوا من الناكثين, وثبتوا بعده على العهد وما بدلوا وما انقلبوا وكانوا من الشاكرين وعلى من اتبعهم بإحسان وسار على هديهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.
أما بعد فقد تمنيت أن أبين ماهية مكانة المرآة عامة والزوجة خاصة عند المذهب الجعفري سيد المذاهب الإسلامية فهي الأم والأخت والزوجة والبنت وجمعت عدة نقاط هي أساس حقوق المرآة لكن بسبب العرف العقيم قد وئد هذه الحقوق من قبل العرف الذي طالما ادعى انه من أنصار المرآة , واني قد جمعت عدة نقاط أهمها فائدة الزواج ومكانة الزوجة وأوصاف الزوجة وحقوقها وواجباتها, سائلاً المولى عز وجل أن يلهمني التأييد والنجاح في تبيان جزءٍ قليلٍ من مكانة المرأة لدى المذهب الجعفري.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أولاً :ـ فائدة الزواج
يعتبر الزواج عاملاً لإيجاد السكن والاطمئنان النفسي لدى كل من الرجل والمرأة ولذلك نجد أحدهما ناقصاً دون الآخر وهما في الحقيقة يشكلان وجوداً متكاملاً إذ يستند كل منهما إلى شريكه، فإن المرأة كما يقرّه القران الكريم والعلوم الطبيعية والنفسية هي موطن سكن الرجل واستقراره وهو كذلك بالنسبة إليها، ونلاحظ أن وصف (السكن) استخدم في الكتاب الكريم ضمن الحديث عن خلق نعمة الليل للنوم وعن خلق الأزواج فحال الذي لا زوجة له وحال التي لا زوج لها هو كحال الشخص الذي يفتقد الراحة والنوم وهذا جزء يسير من مدلول الآية المتقدمة على ما للتبادل بين الطرفين الموجب والقابل من نتائج ولذا كان الجعل منه سبحانه مودة ورحمة ليتضح محل الزوجة في هذا التركيب .
ثانياً:ـ مكانة الزوجة
إنها خير فائدة بعد التقوى أن يستفيد الرجل زوجة صالحة تعينه على شؤون دينه ودنياه وهي خير متاعها أيضاً ومن أعظم أسباب السعادة حيث لم يكن دورها مقصوراً في النظرة الإلهية يوماً على العلاقة الخاصة. وإنما هي ركن الأسرة وسيدتها التي تعاون الرجل وتسانده ليصلا معاً إلى الغاية التي أرادها اللَّه لهما ولذلك عبّر عنها النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وسلم)) قائلاً: ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللَّه عزّ وجلّ خيراً له من زوجة صالحة))1.
وعن الإمام الصادق ((عليه السلام)) انه قال ((إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد))2.
وهذا بيان لموقعها ودعوة إلى عدم التسرع في الاختيار بل التأني ملياً قبل اتخاذ القرار.
فما هي الأسس التي لا بد من الاختيار والإقدام عند توفرها، والفرار والإحجام عند فقدانها ؟ .. إن هذا ما سنتعرف عليه من خلال عرض الأوصاف الواجب توفرها لدى الزوجة.
ثالثاً:ـ أوصاف الزوجة
وهي تنقسم إلى حميدة وسيئة.
القسم الأول: الأوصاف الحميدة
وهي منحصرة بوصف جامع أنها ذات الدين:
وهو الوصف الأهم الذي عليه المدار وبه يحسن الاختيار وتعمر الديار، وإن كان جمع من الناس اعتمدوا على المال والجمال أو الحسب والنسب فأخطئوا فيما ذهبوا إليه حيث يقول النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)): ((تنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين))3.
وعن الإمام الباقر ((عليه السلام)) أنه قال: ((وعليك بذوات الدين تربت يداك))4.
ويأتي هذا انسجاماً مع المهام المطلوبة والوظائف الواجبة عليها وهي لا تؤدّى بسوى الاستقامة مما ذكر من الأوصاف.
القسم الثاني: الأوصاف السيئة
الأولى: الحمقاء
فقد جاء عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)): انه قال ((إياكم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضياع وولدها ضباع))5.
ويتجه نظر هذه الوصية والتحذير إلى الجهة التربوية في كلا الشطرين: الأول من ناحية العشرة التي لا تقود الزوج إلى الاهتداء والصلاح بل إلى الضياع والهلاك، والثاني من ناحية رعاية الأطفال الذين تمزج نفوسهم بنفسها ويتخلقون بأخلاقها ولما لم تكن هي بمثابة النور فلم يكن بالإمكان انبعاث الضوء منها باتجاههم، بل ضياعهم في ظلمات جهلها.
الثانية: خضراء الدّمن
عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال ((إياكم وخضراء الدمن))، قيل يا رسول اللَّه وما خضراء الدمن؟ قال: ((المرأة الحسناء في منبت السوء))6.
وهي المرأة التي تكون حسنة المظهر وسيئة الجوهر، أما لو اجتمع جمالها مع كمالها وتقواها فهو مرغوب، ولكن الأساس في الاختيار للجوهر وليس للمظهر.
فعن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال : ((من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها، لم ير فيها ما يحب))7.
وعنه ((صلى الله عليه وآله وسلم)): أنه قال ((لا يختار حسن وجه المرأة على حسن دينه))8.
الثالثة: ذات المال غير ذات الدّين:
وهي التي يرغب بها لأجل امتلاكها ثروة مالية بغية الوصول إلى أهداف دنيوية لا ترتبط ولا تنسجم مع روح العلاقة الزوجية الصحيحة ومصيرها الفشل مع ذهاب المال وهي سبب للشقاوة والتعاسة لأنها قائمة على سوء الاختيار. فعن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال ((ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله اللَّه إليه، فعليكم بذات الدين))9.
فأما ذات الدين والمال فلا ضائر منها بل هي سبب للمعاونة..
رابعاً:ـ حقوق الزوجة
1- الحق الأول: النفقة عليها.
حيث يجب على الرجل أن يكفيها من الطعام والشراب واللباس والمسكن وسائر ما هو ضروري في حياتها، فلا يبيت مبطاناً وزوجته جائعة ولا يستأثر بشيء عنها، مريداً بذلك حرمانها.
2- الحق الثاني: وصالها.
الذي هو عبارة عن حقّها الزوجي في العلاقة معه، فلا يكثر من هجرانها والابتعاد عنها زيادة عن المدة التي حدّدها الشرع المبين وهذا من جملة معاني ستر عورتها.
3- الحق الثالث: احترامها.
وهو عبارة عن تصديقها والتعامل معها بإحسان فلا يجوز له تهمتها ولا استعمال الألفاظ النابية معها وإن كان غاضباً أو محقاً، وتضمن هذه الحقوق الثلاثة ما عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال ((حق المرأة على زوجها أن يسد جوعتها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجه))10.
4- الحق الرابع: التجاوز عن عثراتها.
حيث من الممكن أن تخطىء المرأة كما الرجل فلا يكون ذلك مدعاة للعنف معها وإلحاق الأذية بها بل يكون لما هو أقرب للتقوى من العفو والرحمة وإقالة العثرة فعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه ((عليه السلام)): ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال ((عليه السلام)): ((يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر له)).
وإلا فإن الوقوف عند كل صغيرة لا يمكن أن تستقر معه العشرة ويتحول بيت العائلة إلى جحيم.
5- الحق الخامس: استمالة قلبها.
وهي تتم بأمور:
· الهيئة الحسنة في عينها والتجمّل لها.
· التوسعة عليها بالنفقة.
· المعاشرة الجميلة.
· الخطاب المعبّر عن المودّة.
حيث ورد ذلك عن آل البيت ((عليهم السلام)) وفي خصوص الأمر الرابع قول النبي: (( صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال ((قول الرجل للمرأة إني أحبّك لا يذهب من قلبها أبدا ))11.
خامساً:ـ الآداب مع الزوجة
· إطعامها بيده
عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) انه قال : ((إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فيّ امرأته))12.
· الجلوس معها
عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال : ((جلوس المرء عند عياله أحب إلى اللَّه تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا ))13.
· مساعدتها في حالات التعب.
ويكفينا شاهداً ما جرى في بيت علي وفاطمة ((عليهما السلام)) حيث روي عن علي ((عليه السلام)) قوله: ((دخل علينا رسول اللَّه ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وفاطمة ((عليها السلام )) جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس، قال(( يا أبا الحسن، قلت: لبيّك يا رسول اللَّه، قال: اسمع، وما أقول إلا ما أمر ربي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه، عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه اللَّه من الثواب ما أعطاه اللَّه الصابرين، وداود النبي ويعقوب وعيسى ((عليهم السلام))، يا علي من كان في خدمة عياله في البيت ولم يأنف، كتب اللَّه اسمه في ديوان الشهداء، وكتب اللَّه له بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة، وأعطاه اللَّه تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنة.
يا علي، ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة، وألف حج، وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، وألف غزوة، وألف مريض عاده، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهه في سبيل اللَّه، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير اشتراها فأعتقها، وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة.
يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب، يا علي خدمة العيال كفارة للكبائر، ويطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات، يا علي، لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد اللَّه به خير الدنيا والآخرة))14.
الخاتمة
في ختام هذا التقرير المتواضع نستنبط اهمُ نتاجٍ منه الا وهو أن الإسلام الحنيف عامة والمذهب الجعفري خاصة قد أولى المرآة مكانة ساميةً جداً, قد لا نجدها في اي دينٍ أو منهجٍ آخر.
لكن العرف العقيم الذي تغلغل الى اعماقِ مجتمعنا الإسلامي مع شديد الأسف هو الذي حارب المرآة, بتقاليدٍ بائسةٍ لا تمت الى الدين والمذهب بصلةٍ , فالمرأة تعد جوازاً لدخول الجنة بصفتها الأم وهي جواز نزول الرحمة بصفتها الزوجة وهي جواز ازدياد البركة بصفتها البنت وهي وصية رسول الله (((صلى الله عليه وآله وسلم)) في آخر خطبته الشريفة فما نحن فاعلون بهذه الوصية وكيف سنعامل القوارير؟
وقبل ان يجف ريق القلم أقول والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
|
|
القرآن الكريم
1. كنــــــــــــز العمـــال، 44410.
2. معاني الأخبار، 1/144.
3. كنز العمال، 44602.
4. وسائل الشيعة، 2/21/14.
5. البحار، 35/237.
6. البحار 19/235/103.
7. البحار، 35/201/62.
8. كنــــــــــــز العمـــال،44590.
9. وسائل الشيعة، 6/81/7.
10. البحار، 19/235/103.
11. البحار، 60/254.
12. الكافي، 59/569/5.
13. المحجة البيضاء، 70/3.
14. تنبيه الخواطر، 122/2.