الإمام زين العابدين (ع) بقية السيف من موجة الإبادة الأموية لأهل البيت (ع) ، وما تلاها من طغيان واضطهاد لهم وشيعتهم ، حتى جعلوا شتم علي (ع) ولعنه فريضة على منابر المسلمين !
ومع أنه (ع) كان يستعمل معهم المداراة والتقية وكانت له معهم علاقات واسعة ، لكنه استطاع بأسلوبه أن يجهر بالحق كله ، ويُعْلي صَرْحَ التشيع !
وبعد الحسين صلوات الله عليه لم يبق من هؤلاء العظماء الذين ناصروا الدين إلا تلك القلة القليلة الذين بدأ بهم الإمام زين العابدين صلوات الله عليه بناء المجتمع الشيعي ! فهو المؤسس للطائفة من جديد بعد شهادة أبيه الحسين عليه السلام!
1- كان يجهر بأن أهل البيت النبوي أفضل من آل ابراهيم، وأن ولايتهم والبراءة من أعدائهم فريضة لايقبل الله عملاً إلا بها ! :
فقد سأله رجل عن الصلاة: ما سبب قبولها؟ قال: (ولايتنا والبراءة من أعدائنا). (الإحتجاج:3/274) .
(عن أبي حمزة قال: قال لنا علي بن الحسين: أي البقاع أفضل؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال: إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ، ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ولقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه شيئاً).(المحاسن:1/91) .
2- كان يصلي على تربة كربلاء:
(كان له خريطة فيها تربة الحسين ) ( عليه السلام) وكان لايسجد إلا على التراب).(مناقب آل أبي طالب:3/290 ) و هو أول من سجد على التربة الحسينيه ، و بهذا العمل يكون الامام (ع) قد ربط الشيعة بأبيه رابطةً قويةً جداً ، و جعلهم في تذكار و إعظام دائم لإمامهم أبي عبد الله الحسين (ع) ...
3- وكان يجهر بفضائل أمير المؤمنين و اهل البيت عليهم السلام في مواجهة سياسة الأمويين :
كان يروي للناس قول النبي صلى الله عليه و آله : (ما بال أقوام إذا ذ كر عندهم آل إبراهيم فرحوا واستبشروا ، وإذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم؟! والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ،ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي). (أمالي الطوسي/140) .
و أخرج الحافظ الجعابي : (و هو من علماء العامه) أن الإمام زين العابدين رضي الله عنه قال: نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يأمن من ركبها ويغرق من تركها ، وإن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق من يحبنا وهم في أصلاب آبائهم فلا يقدرون على ترك ولايتنا ، لأن الله عز وجل جعل جبلتهم على ذلك).(خلاصة العبقات:4/202).
وله دعاء خاص في الصلاة عليهم : (رب صل على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك ، وجعلتهم خَزَنَةَ علمك ، وحَفَظة دينك، وخلفاءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك وجعلتهم الوسيلة إليك ، والمسلك إلى جنتك .
ربِّ صلَّ على محمد وآله ، صلاةً تجزل لهم بها من نحلك وكرامتك ، وتكمل لهم الأشياء من عطاياك ونوافلك ، وتوفر عليهم الحظ من عوائدك وفوائدك . رب صلِّ عليه وعليهم ، صلاةً لا أمد في أولها ، ولا غاية لأمدها ، ولا نهاية لآخرها ، رب صل عليهم زنة عرشك وما دونه ، وملءَ سمواتك وما فوقهن ، وعدد أرضيك...). (الصحيفة السجادية/253).
و روى عن النبي قوله : ( أن الله تعالى خلق محمداً وعلياً وأحد عشر من ولده من نور عظمته ، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه ، قبل خلق الخلق يسبحون الله ويقدسونه ). (الأصول الستة عشر/15) .
و روى عنه صلى الله عليه و آله : أنه سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ قال: خاطبني بلسان علي (عليه السلام) ). (خاتمة المستدرك:1/244).
ويروي عن أبيه الحسين حديث جده النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) في ولاية علي والأئمة (عليهم السلا م) : (قال: سمعت جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي ، فَلْيَتَولَّ عليَّ بن أبي طالب وذريته الطاهرين ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى إلى باب ضلالة ) . (البحار:23/143).
ويروي عن النبي(ص) أن المخاطَبَيْن بقوله تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ، هما محمد وعلي (تفسير القمي:2/324).
4- روى أحاديث جده الأعظم صلى الله عليه و آله في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام :
منها ما رواه أبو خالد الكابلي قال: (دخلت على زين العابدين فقلت: أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم والإقتداء بهم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ؟قال: يا كنكر أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين ثم انتهى الأمر إلينا ثم سكت . فقلت: يا سيدي رويَ لنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة لله على عباده ، فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقراً ، ومن بعده ابنه جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق . قلت: وكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ فقال: حدثني أبي عن أبيه ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة افتراءً على الله ، فهو عند الله جعفر الكذاب) . (ألقاب الرسول وعترته/60) .
و منها: قوله عليهم السلام مبيناً مفتخراً: (نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين ، وقادة الغر المحجلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمانٌ لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة ، ويُخرج بركات الأرض ، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها ، ثم قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله). (كمال الدين:1/207) .
5- وكان يبشر بالمهدي صلوات الله عليه وأنه من ولده بوعدٍ الله ورسوله :
فيقول في تفسير قوله تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً: (هم شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأمة ، وهو الذي قال رسول الله لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحد لطوَّلَ الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي ، إسمه إسمي ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). (مجمع البيان:7/152، وتأويل الآيات:1/369).
وقال عليه السلام : (فينا نزلت هذه الآية: وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ. وفينا نزلت هذه الآية: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ .والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب إلى يوم القيامة . وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى). (كمال الدين:1/323،واستوفينا أحاديثه في معجم الإمام المهدي )
6- وكان يصرِّح بأن الله فرض الخمس لأهل بيت نبيه صلوات الله عليهم أجمعين :
قال في فتح الباري:6/167: (الثالث قول زين العابدين الخمس كله لذوي القربى والمراد باليتامى يتامى ذوي القربى وكذلك المساكين وابن السبيل).انتهى.
وقد تواترت الأحاديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) أنه عيَّن الصحابي محمية بن جزء مسؤولاً عن الخمس بعد معركة بدر ، وخصه ببني هاشم ، وفصَل مالية أهل البيت( عليهم السلام) عن الصدقات وبيت المال لعامة المسلمين ! ( راجع: نور الثقلين:2/157).
7- وكان يجهر بأن الصلاة على آل محمد فريضة :
وأن الله تعالى فرضها على المسلمين في صلاتهم ، وأنها وسيلة لقبول صلاتهم ودعائهم ، ولذا جعل الإمام الصلاة على محمد وآل محمد مطلعاً ومُفتتحاً لكل فقرات أدعيته في صحيفته السجادية .
وله دعاء في الصلاة على الإمام من أهل البيت عليهم السلام وأتباعه في كل عصر:
(اللهم إنك أيَّدتَ دينك في كل أوانٍ بإمام أقمته علَماً لعبادك ، ومناراً في بلادك ، بعد أن وصلتَ حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضتَ طاعته ، وحذرتَ معصيته ، وأمرتَ بامتثال أمره ، والإنتهاء عند نهيه ، وألا يتقدمه متقدم ولا يتأخر عنه متأخر ، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين وعروة المتمسكين ، وبهاء العالمين .
اللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه ، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً ، وافتح له فتحاً يسيراً ، وأعنه بركنك الأعز ، واشدد أزره ، وقوِّ عضده ، وراعِهِ بعينك ، واحْمِه بحفظك ، وانصره بملائكتك ، وامدُدهُ بجُندك الأغلب، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، وأحيِ به ما أماته الظالمون من معالم دينك ، واجْلُ به صَدَأَ الجوْر عن طريقتك ، وأبِنْ به الضراء من سبيلك ، وأزلْ به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عِوجاً ، وألِنْ جانبه لأوليائك وابسط يده على أعدائك ، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطَّفَهُ وتحنَّنه ، واجعلنا له سامعين مطيعين وفي رضاه ساعين ، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكنفين ، وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين .
اللهم وصلِّ على أوليائهم المعترفين بمقامهم ، المتبعين منهجهم ، المقتفين آثارهم ، المستمسكين بعروتهم ، المتمسكين بولايتهم ، المؤتمِّين بإمامتهم ، المسلِّمين لأمرهم ، المجتهدين في طاعتهم ، المنتظرين أيامهم ، المادين إليهم أعينهم ، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات ، وسلم عليهم وعلى أرواحهم ، واجمع على التقوى أمرهم ، وأصلح لهم شؤنهم ، وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم وخير الغافرين ، واجعلنا معهم في دار السلام برحمتك يا أرحم الرحمين). (الصحيفة السجادية/255) .
8- وكان يبشر شيعة أهل البيت عليهم السلام رغم الإضطهاد الذي يعيشون فيه :
(كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: إن أحقَّ الناس بالورع والإجتهاد فيما يحب الله ويرضى: الأوصياء وأتباعهم ، أما ترضون أنه لو كانت فزعة من السماء ، فزع كل قوم إلى مأمنهم ، وفزعتم إلينا وفزعنا إلى نبينا ! إن نبينا آخذ بحَجْزة ربه، ونحن آخذون بحَجْزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا) . (المحاسن:1/182) .
وروي عنه عليه السلامفي مناقب آل أبي طالب: ( 3/298 ) : (إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم).
وقد أصدر تعليماته للشيعة فقال لهم بصراحة: (إذا كنتم في أئمة جور فاقضوا في أحكامهم ، ولا تَشهروا أنفسكم فتقتلوا ، وإن تعاملتم بأحكامنا كان خيراً لكم ). (تذكرة الفقهاء:9/448) .
9- وكان يمدح الصحابة المخلصين ويعرِّض بالمنحرفين :
وكان من دعائه عليه السلام في الصلاة على أتباع الرسل ومصدقيهم : ( اللهم وأتباعُ الرسل ومصدقوهم من أهل الأرض بالغيب ، عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب ، والإشتياق إلى المرسلين بحقائق الإيمان ، في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولاً ، وأقمت لأهله دليلاً ، من لدن آدم إلى محمد من أئمة الهدى وقادة أهل التقى، على جميعهم السلام ، فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان .اللهم وأصحابُ محمد خاصة ، الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته .
فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك ، وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم ، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه .
اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان ، خير جزائك ، الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم ، لم يثنهم ريب في بصيرتهم ، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم ، والإيتمام بهداية منارهم ، مكانفين وموازرين لهم ، يدينون بدينهم ويهتدون بهديهم ). ( الصحيفة السجادية/38 - الدعاء الرابع) .
10- ويكشف المكذوبات لتفضيل أبي بكر :
قيل لسيد العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه: إن الناس يقولون: إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ؟! قال: فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي أنه قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟فمن كان في زمن موسى مثل هارون؟). (الهداية/162، ومعاني الأخبار/74) .
كانت هذه بعض أعمال الامام السجاد صلوات الله عليه التي قدمها و بذلها في ذات الله تكملةً لمسيرة آبائه الأمجاد ... ثم قضى بعد عمرٍ من البكاء و الأحزان شهيداً مسموماً على يد طاغية زمانه الوليد بن عبد الملك الأموي لعنه الله
فصلى الله عليه بما صبر و رضي ......
تعليق