استغرب سالم عندمانظر الى رسالة تحمل اسم المرسل اليه فقط ولا تحمل اسم المرسِل(بالكسر) فبمجرد ان فتحها عرف من ارسلها اليه فهي من امه التي كان قد اودعها قبل اشهر في دار العجزة ولم يسأل عنها او يفكر ان يزورها فقد ازال عن كاهله بارسالها اعباءا طالما عانى منها حسب تصوره من طلبات امه المتكررة للادوية وبعض المستلزمات رغم ان تلك الامور لا تؤثر على حاله الميسور لكنه سئم ايضا من تكرار كلمات امه ( لماذا تاخرت اليوم ؟! .. كنت قلقة عليك !!.. هل اتصلت باختك ؟ .. ما اخبار خالتك المريضة ؟ ... لماذا لا يأتيني اولادك لأراهم ؟؟!! وغيرها من الاسئلة )
ندم على فتحه للرسالة, فلو كان يعلم انها من امه لما فتحها !!
لكن مع ذلك بدأ بتثاقل وبرود يقرأ ما كُتب فيها ..
لكنه ما ان بدأ بقراءة اول سطر حتى تسمّر في مكانه وارتعشت اطرافه !!
ماذا قرأ ؟!
اليك ياولدي
اعلم ان صورتك لم تفارق مخيلتي فقد اعدت شريط الذكريات فتذكرت معاناتي من حملك في الاشهر الثلاث الاخيرة فلم اكن استطيب النوم من كثرة الالام ولكن مع كل آلامي التي عانيتها كنت اشعر بسعادة لا توصف وانا اتحسس حركاتك وانت بين احشائي
وتذكرت كيف عاينت الموت خلال المخاض عند وضعك وولادتك لكن تلك الساعة لم تكن اشد قساوة من رميك اياي من فوق السرير وانت تصرخ بوجهي اخرجي من بيتي !!
هل تذكر كم مرة كنت تلطم وجهي بيدك ؟! وفي احدى المرات سال الدم من فمي مع اللعاب !! لكنني كنت اتلذذ برشف ما يسيل من فمك عندما كنت صغيرا
وكم مرة كنت تصرخ في وجهي لمجرد ان يقع الطعام من يديّ المرتعشتين بينما كنت اشعر بسعادة غامرة وأنا أشاهدك وانت تبعثر بالاشياء واحيانا تعبث بالطعام وتلطخ ملابسك !!
كم مرة تخرجني بتثاقل على كرسيي المتحرك الى حديقة المنزل وتتركني لساعات دون طعام او شراب الحديقة التي طالما كنت ألاعبك فيها ولا تغيب عن عيني واخشى عليك حتى من شمس الصباح وزخات مطرالربيع وبين الفينة ولاخرى آتيك ببعض الحلوى او السندويش او العصائر والحليب !!
بني حبيبي .. لم اقصرمعك في شيء !!
فقد كنت اجوع لأشبعك..!! و لايغمض لي جفن حتى تنام !!
فان احتجت الى غطاء لشدة البرودة نزعت بعض ثيابي لأغطيك ..
لا تدري بتنظيفك في صغرك
او سهر وقلق عليك لمرضك او احزان لغيابك
وغيرها كثير كثير ..
انا لا اريد منك بعدالآن شيئا سوى اني أخاف ان يصنعك بك اولادك ما صنعت بي !!
فبعد دقائق معدودة سأنقل الى المستشفى لفتح انسداد حاد في الشرايين وقد لا افيق او اصحو بعد العملية الى الابد فطلبت من احدى العاملات ان تكتب ربما اخر رسالة امليها عليها الى ولدي وقرةعيني .. وداعا ولدي ..
امك الحنونة التي لم تقصر معك .
صمت سالم لبرهة لايدري ما يصنع هل يذهب الى دار العجزة ليسأل عن اسم المستشفى الذي ارسلوا والدته اليه لكي يعتذر منها ويكفر عما يستطيع من ذنوبه ويصحح اخطاءه قبل فوات الاوان ويترك موعد النزهة التي اتفق مع زوجته ان يخرجا فيها الى حديقة الحيوان ؟! وهل ستقبل زوجته عذره لو اخبرها بالامر خصوصا وهي التي كانت شديدة التذمر من امه ولا تطيق ان تسمع أي حديث عنها .
وكسر صمته رنين الهاتف فنظر الى رقم غير معروف لديه في قائمة الارقام فاجاب : نعم تفضل ؟
فسمع صوت امرأة :السيد سالم ؟
سالم : نعم أنا هو !!تفضلي
المرأة : نحن سكرتارية ادارة مستشفى الشفاء : نأسف ان نخبرك بأن والدتك قد توفيت ، فنرجوا حضورك لاستلام جنازتها .
فتيقن ان الأوان قد فات ..........
فالى كل من عنده اب او ام وقد قصر بحقهما ...
تداركوا امركم قبل فوات الاوان ..
تعليق