شهادة السيدة رقية
( عليها السلام ) صفحةٌ مؤلمةٌ
من صفحات ملحمة عاشوراء الخالدة ..
السلامُ عليكِ يا ابنة الحسين الشهيد الذبيح العطشان ،
المرمّل بالدماء ،
السلام عليكِ يا مهضومة ،
السلام عليكِ يا مظلومة ،
السلام عليكِ يا محزونة ،
تنادي يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك ،
يا أبتاه من الذي قطع وريدك ،
يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سنّي ،
يا أبتاه مَنْ لليتيمة حتّى تكبر .
لقد عظُمت رزيّتكم وجلّت مصيبتكم ،
عظُمت وجلّت في السماء والأرض ،
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ،
ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ،
جعلنا الله معكم في مستقرّ رحمته ،
والسلام عليكم ساداتي ومواليّ جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
ولله درّ الشاعر القائل :
بدمشقَ قبرُكِ يا رقيّةُ يُشرقُ *** وبـه عظاتٌ بـالحقيقة تنطقُ
كنتِ أسيرةَ دولـةٍ مغرورةٍ *** فعصفتِ فيما زوّروا أو لفّقوا
وإذا بها عند النهـاية عَبْرةٌ *** وإذا بقبرِكِ فيه تـزهو جلّقُ
وإذا بمجدكِ وهو مجدُ محمّـدٍ *** زاهٍ ويختـرقُ المـدى ويحلّقُ
تلك الحقيقةُ سوف يبقى نورُها *** أبَدَ الزمانِ على العوالمِ يخفُقُ
مرّت سبايا البيت المحمّدي بعد استشهاد أبي الأحرار
( عليه السلام ) بمحطات ومواقف عديدة ،
ومن تلكم المواقف المأساوية والتي جسّدت ظلم الأمويّين
وزمرتهم الحاكمة لآل البيت ( عليهم السلام )
هي شهادة السيدة رقية بنت الإمام الحسين ( عليهما السلام ) ،
والتي توافق اليوم الخامس من صفر الخير ،
ففي مثل هذا اليوم من سنة ( 61هـ ) ارتحلت حبيبةُ
الإمام الحسين ( عليه السلام ) أثناء تواجد أهل البيت
( عليهم السلام ) في خربة الشام ،
وقد رأت السيدة رقية في منامها أباها الحسين
( عليه السلام )
فقامت من منامها مفجوعةً باكيةً وهي تقول :
( أين أبي الحسين فإنّي رأيتُهُ الساعة
في المنام مضطرباً شديداً ؟ )
فلمّا سمعت النسوةُ بكين وبكى معهنّ سائرُ
الأطفال وارتفع العويلُ ،
فانتبه الطاغيةُ يزيد من نومه وقال : ما الخبر ؟ .
ففحصوا عن الواقعة وأخبروه بها فأمر
أن يذهبوا إليها برأس أبيها ،
فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطّىً بمنديل ،
فوُضِع بين يديها ،
فلمّا كشفت الغطاء رأت الرأس الشريف ونادت :
« يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك ؟
يا أبتاه مَن الذي قطع وريدك ؟
يا أبتاه مَن الذي أيتمني على صغر سنّي ؟
يا أبتاه مَن بقي بعدك نرجوه ؟
يا أبتاه مَن لليتيمة حتّى تكبر » ؟
ثمّ إنّها وضعت فمها على فمه الشريف ،
وبكت بكاءً شديداً حتّى غُشِي عليها ،
فلمّا حرّكوها وجدوها قد فارقت روحها الحياة ،
فعلا البكاءُ والنحيب ،
واستجدّ العزاء ،
فلم يُرَ ذلك اليوم إلّا باكٍ وباكيةٌ ،
ومضت سعيدةً الى ربّها مخبرةً جدَّها رسولَ الله
وجدَّتها الزهراء ما لقيت من ظلم الطغاة .
حضرت السيّدة رقية ( عليها السلام ) واقعة كربلاء ،
وهي بنتُ ثلاثِ سنين ،
ورأت بأُمّ عينيها الفاجعة الكبرى والمأساة العظمى لما
حلّ بأبيها الإمام الحسين ( عليه السلام )
وأهل بيته وأصحابه من القتل ،
ثمّ أُخذت أسيرةً مع أُسارى أهل البيت ( عليهم السلام )
إلى الكوفة ،
ومن ثمّ إلى الشام ،
وكان دورها الأبرز في خربة دمشق جوار عروش
الظالمين من بني أمية ،
فكانت صرختها ( سلام الله عليها )
قد هزّت أركان السلطان الأموي فكانت بحقّ
( كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر ) ،
صرخاتٌ تتلو صرخات قائلة ( أين أبي ... أين أبي ) ،
لله درّك يا مولاتي وأنتِ لم تتجاوزي الربيع الرابع من عمرك .
ويُحيي محبّو وأتباع أهل البيت ( عليهم السلام )
هذه المصيبة بإقامة مجالس العزاء واللطم والمسير
بمواكب عزائية وفي جميع الأصقاع ،
وهذا ما شهدته مدينة أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام )
مساء البارحة واليوم من توافد المواكب المعزّية
لأبيها وعمّها ( عليهما السلام ) وهم يبكون ويندبون ،
ترافقهم تشابيه مجسّدة لهذه الحادثة تقدح في الأذهان
وتقرّب الصورة واللحظات المأسوية التي مرّت على
آل البيت المحمّدي ( عليهم السلام )
في مثل هذا اليوم من سنة ( 61هـ ) .
لمزيد من التفاصيل عن الموضوع
اضغط هنا