روي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: سمعت ابي (عليه السلام) يقول: لما كان قبل وفاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بثلاثة ايام هبط عليه جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا أحمد ان اللّه ارسلني اليك اكراماً وتفضيلاً لك وخاصة يسألك عما هو اعلم به منك، يقول كيف تجدك يا محمد قال النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم): اجدني يا جبرائيل مكروباً. فلما كان اليوم الثالث هبط جبرئيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له اسماعيل في الهواء على سبعين الف ملك فسبقهم جبرائيل فقال: يا احمد ان اللّه عز وجل ارسلني اليك اكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك فقال: كيف تجدك يا محمد قال: أجدني يا جبرائيل مغموماً وأجدني يا جبرائيل مكروباً. فاستأذن ملك الموت، فقال جبرائيل: يا احمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على احد قبلك ولا يستأذن على احد بعدك، قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ائذن له فأذن له جبرائيل، فاقبل حتى وقف بين يديه فقال: يا احمد ان اللّه تعالى ارسلني إليك وأمرني ان اطيعك فيما تأمرني، ان امرتني بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها، فقال النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم): اتفعل ذلك يا ملك الموت؟ فقال: نعم بذلك أمرت ان اطيعك فيما تأمرني، فقال له جبرائيل: يا احمد ان اللّه تبارك وتعالى قد اشتاق الى لقائك، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): يا ملك الموت امضِ لما امرت به.
ورُوي في المناقب عن ابن عباس انه أُغمي على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) في مرضه، فدُقّ بابه، فقالت فاطمة (عليها السلام): من ذا؟ قال: انا رجل غريب اتيت اسأل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اتأذنون لي في الدخول عليه فأجابت امض رحمك اللّه، فرسول اللّه عنك مشغول، فمضى ثم رجع، فدق الباب وقال: غريب يستأذن على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اتأذنون للغرباء، فأفاق رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) من غشيته وقال: يا فاطمة اتدرين من هذا؟ قالت: لا يا رسول اللّه قال: هذا مفرق الجماعات ومنغض اللذات، هذا ملك الموت ما استأذن واللّه على احد قبلي ولا يستأذن على احد بعدي. استأذن عليّ لكرامتي على اللّه ائذني له فقالت: ادخل رحمك اللّه فدخل كريح هفافة وقال: السلام على اهل بيت رسول اللّه، فاوصى النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) الى علي (عليه السلام) بالصبر عن الدنيا وبحفظ فاطمة (عليها السلام) وبجمع القرآن وبقضاء دينه وبغسله وان يعمل حول قبره حائطاً ويحفظ الحسن والحسين (عليهما السلام).
وروي عن ابي رافع مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما كان اليوم الذي توفّي فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) غشي عليه فاخذت بقدميه اقبلهما وأبكي فاقاق وانا اقول: من لي ولولدي بعدك يا رسول الّه، فرفع رأسه وقال: اللّه بعدي ووصيي صالح المؤمنينوروي في حديث عن جابر الأنصاري رحمه اللّه انه قال: كانت فاطمة عند النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وهي تقول: واكرباه لكربك يا ابتاه، فقال لها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): لا كرب على ابيك بعد اليوم يا فاطمة انّ النبي لا يشق عليه الجيب ولا يخمش عليه الوجه ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال ابوك على ابراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا ابراهيم محزنون.
وعن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال في قوله تعالى: (ولا يعصينك في معروف) ان رسول اللّه (صلى لاللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام): اذا أنا متُّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ولا ترخي عليّ شَعْراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة ثم قال: هذا المعروف الذي قال اللّه عز وجل.
قال المفيد ثم ثقل (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وحضره الموت وامير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده فلما قرب خروج نفسه قال له : ضع يا عليّ رأسي في حجرك فقد جاء امر اللّه فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجّهني الى القبلة وتولَّ امري وصلِّ عليَّ أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن باللّه تعالى، فأخذ عليّ رأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأَبيض يستسقى الغمامَ بوجهه*** ثمال اليتامى عصمة للأراملففتح رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) عينيه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه ولكن قولي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) فبكت طويلاً فأومى اليها بالدنو منه فدنت منه فأسرَّ اليها شيئاً تهلل وجهها له فجاءت الرواية: انه قيل لفاطمة (عليها السلام) ما الذي اسر اليك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته قالت: انه أخبرني انني اول اهل بيته لحوقاً به وانه لن تطول المدة بي بعده حتى أدركه، فسرى ذلك عني.
وفي رواية الصدوق عن ابن عباس: فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فأراد علي (عليه السلام) ان ينحيهما عنه فأفاق رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثم قال: يا عليّ دعني اشمهما ويشمّاني واتزود منهما ويتزودان مني أما انهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلماً، فلعنة اللّه على من يظلمهما يقول ذلك ثلاثاً ثم مد يده الى علي فجذبه اليه حتى ادخله تحت ثوبه الذي كان عليه ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة صلوات اللّه عليه وآله فانسل عليّ من تحت ثيابه وقال اعظم اللّه أجوركم في نبيكم فقد قبضه اللّه اليه فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء.
وقال الطبرسي وغيره ما ملخصه أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال لملك الموت: امض لما أمرت له فقال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولي الى الدنيا انما كنت انت حاجتي منها فقال له: يا حبيبي جبرائيل ادن مني فدنا منه فكان جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وملك الموت قابض لروحه المقدسة فقضى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ثم وجَّهه وغمضه ومد عليه ازاره واشتغل بالنظر في أمره.
قال الراوي: وصاحت فاطمة (عليها السلام) وصاح المسلمون وهم يضعون التراب على رؤوسهم.
قال الشيخ (الطوسي) في التهذيب: قبض مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة، وفي المناقب وكان بين قدومه المدينة ووفاته عشر سنين وقبض قبل ان تغيب الشمس وهو ابن ثلاث وستين سنة (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
وعن الثعلبي انه قبض حين زاغت الشمس فلما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) جاء الخضر فوقف على باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قد سجِّي بثوب فقال: السلام عليكم يا اهل البيت، كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة، ان في اللّه خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركاً من كل فائت فتوكلوا عليه وثقوا به وأستغفر اللّه لي ولكم، واهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه فقال امير المؤمنين (عليه السلام) هذا اخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.
ان كنت اردت ان تعلم مقدار تأثير مصيبة النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) على امير المؤمنين وعلى اهل بيته فاسمع ما قال امير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك، قال: فنزل بي من وفاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما لم اكن اظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به فرأيت الناس من اهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد اذهب الجزع صبره واذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والاستماع وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معزٍّ يأمر بالصبر وبين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجمع كتاب اللّه وعهده الى خلقه لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لادغ حرقة ولا جزيل مصيبة حتى أدّيت في ذلك الحق الواجب اللّه عز وجل ولرسوله عليَّ وبلغت منه الذي أمرني به واحتملته صابراً محتسباً.
وروى الكليني عن ابي جعفر (عليه السلام) قال لما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بات آل محمد (عليهم السلام) بأطول ليلة حتى ظنوا ان لا سماء تظلهم ولا أرض تُقِلُّهم لأن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وتر الأقربين والابعدين في اللّه، فبينا هم كذلك أذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه فقال: السلام عليكم يا اهل البيت ورحمة اللّه وبركاته، ان في اللّه عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة ودركا لما فات، كل نفس ذائقةُ الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور، ان اللّه اختاركم وفضلكم وطهّركم وجعلكم أهل بيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه.
وقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) ان اللّه لما قبض نبيه دخل على فاطمة عليها السلام من الحزن ما لا يعلمه الا اللّه عز وجل، فأرسل اليها ملكاً يسلّي غمَّها ويحدثها فشكت ذلك الى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها: اذا احسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته ذلك وجعل امير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً قال (عليه السلام): اما انه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
وفي رواية اخرى انه كان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على ابيها ويطيب نفسها.
وروي انه اجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فقالت فاطمة (عليها السلام): اتركن التعداد وعليكنَّ بالدعاء وقال النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم): يا عليّ من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من اعظم المصائب
فلما اراد امير المؤمنين (عليه السلام) غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) استدعى الفضل بن العباس فأمره ان يناوله الماء لغسله بعد ان عصب عينيه ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به الى سرته وتولى غسله وتحنيطه والفضل يعاطيه الماء ويعينه عليه والملائكة كانت اعوانه ايضاً فغسل في قميصه.
روى الشيخ (الطوسي) في التهذيب عن الحرث بن يعلي بن مرة عن أبيه عن جده قال: قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فستر بثوب، ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) خلف الثوب وعلي (عليه السلام) عند طرف ثوبه قد وضع خديه على راحته والريح يضرب طرف الثوب على وجه علي (عليه السلام) قال: والناس على الباب وفي المسجد ينتحبون ويبكون واذا سمعنا صوتاً في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه ولا تغسلوه قال فرأيت علياً (عليه السلام) حين رفع راسه فزعاً فقال: اخسأ عدو اللّه فانه أمرني بغسله وكفنه ودفنه وتلك سنة قال (عليه السلام) نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن ابي طالب استر عورة نبيك ولا تنزع القميص.
وفي نهج البلاغة من كلام له (عليه السلام) قاله وهو يلي غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وتجهيزه: بأبي أنت وامي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء واخبار السماء وخصصت(1) حتى صرت مسلياً عمن سواك وعممت حتى صار الناس فيك سواء ولولا انك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لانفدنا عليك ماء الشؤون ولكان الداء مماطلاً والكمد محالفاً وقلا لك ولكنه ما لا يملك رده ولا يستطاع دفعه بأبي انت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من بالك.
وفي رواية الشيخ قال: لما فرغ من غسله كشف الأزار عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبل وجهه ومد الأزار عليه.
وعن فقه الرضا ان علياً (عليه السلام) لما ان غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليهما وآلهما وسلم) وفرغ من غسله نظر في عينيه فرأى فيهما شيئاً فانكب عليه فادخل لسانه فمسح ما كان فيهما فقال بأبي وأمي يا رسول اللّه، (صلى اللّه عليك) طبت حياً وطبت ميتاً، قاله العالم.
وعن بصائر الدرجات عن ابي رافع قال: ان اللّه ناجى علياً يوم غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
قال الراوي: فلما فرغ علي (عليه السلام) من غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وتحنيطه كفنه في ثلاث أثواب، ثوبين ابيضين صحاريين، وبرد احمر حبرة (وصحار قرية باليمن نسب الثوب اليها).
وروى القطب الراوندي عن علي (عليه السلام) انه قال: امرني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اذا توفي ان استسقي سبع قرب من بئر غرس فاغسله بها فاذا غسلته وفرغت من غسله اخرجت من في البيت، قال: فاذا اخرجتهم فضع فاك على فيَّ ثم سلني عما هو كائن الى ان تقوم الساعة من امر الفتن، قال علي (عليه السلام): ففعلت ذلك فأنبأني بما يكون الى ان تقوم الساعة وما من فئة تكون الا وانا اعرف اهل ضلالها من اهل حقه((روى سليم (بن قيس الهلالي الكوفي) عن سلمان (رضي اللّه عنه) انه قال: اتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وقد كان أوصى ان لا يغسله غير عليٍّ (عليه السلام) وأخبر عنه انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له وقد قال امير المؤمنين (عليه السلام) لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): من يعينني على غسلك يا رسول اللّه قال جبرائيل فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه وصلى عليه والمرأة في الحجرة لا تعلم، قد اخذ جبرائيل ببصرها، قال المفيد: فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه احد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه واين يدفن فخرج اليهم امير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) امامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير امام وينصرفون، وان اللّه لم يقبض نبياً في مكان الا وقد ارتضاه لرمسه فيه وانّي لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك ورضوا به.
روى الكليني عن أبي مريم الانصاري قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف كانت الصلاة على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما غسله امير المؤمنين (عليه السلام) وكفنه سجاه، ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله، ثم وقف امير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال: ان اللّه وملائكته يصلون على النبي، يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، فيقول القوم كما يقول (عليه السلام) حتى صلى عليه أهل المدينة والعوالي.
وروى ابو جعفر (عليه السلام): انهم صلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه الاقرباء والخواص ولم يحضر أهل السقيفة وكان عليّ (عليه السلام) انفذ اليهم بريدة وانما تمت بيعتهم بعد دفنه ( صلى الله عليه وآله وسلم).
وروي عن القسم الصقيل أنه كتب إلى الناحية المقدسة جعلت فداك هل اغتسل امير المؤمنين حين غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عند موته؟
فاجابه: النبي صلى اللّه عليه وآله طاهر مطهر ولكن امير المؤمنين (عليه السلام) فعل وجرت به السند.
قال المفيد: ولما صلى المسلمون عليه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) انفذ العباس بن عبد المطلب برجل الى ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويصرح وكان ذلك عادة اهل مكة وانفذ الى زيد به سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال اللهم خر لنبيك فوجد ابو طلحة زيد بن سهل وقيل له: احفر لرسول اللّه فحضر له لحداً ودخل امير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس واسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فنادت الانصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك اللّه وحقنا اليوم من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ان يذهب، ادخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): فقال: ليدخل اوس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع امير المؤمنين رسول اللّه (صلى اللّه عليهما وآلهما) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ووضع خده على الأرض موجهاً الى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن واهال عليه التراب (انتهى). وروي انه ربَّع قبره.
وعن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال القى شقران مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) في قبره القطيفة وقال: جعل عليّ (عليه السلام) على قبر النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لبناً وقال: قبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) محصب حصباء حمراء.
وروى الحميري: ان قبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) رفع من الأرض قدر شبر وأربع اصابع ورش عليه الماء قال علي (عليه السلام): والسنة ان يرش على القبر ماء.
ورُوي عن بصائر الدرجات عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) انه لما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) هبط جبرائيل (عليه السلام) ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات الى الأرض يغسلون النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) معه ويصلون معه عليه ويحفرون له واللّه ما حفر له غيرهم، حتى اذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه، فسمعه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوصيهم به، فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنما هو صاحبنا بعدك الا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه.
قال في نهج البلاغة من خطبة له (عليه السلام): و لقد علم المستحفظون من اصحاب محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) إنِّي لم ارد على اللّه سبحانه ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته في المواطن التي تنكص فيها الابطال وتتأخر الاقدام نجدة أكرمني اللّه ولقد قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وان رأسه لعلى صدري، وقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ولقد وُلِّيت غسله والملائكة أعواني فضجت الدار والافنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة (اي الكلام الخفي) منهم يصلّون عليه حتى واريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّي حياً وميتاً.
اقول: قد يقال ان المراد بسيلان النفس هبوب النفس عند انقطاع الانفاس وقيل اراد بنفسه دمه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقال ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قاء عند وفاته دما يسيراً وأن علياً عليه السلام) مسح بذلك وجهه واللّه العالم.
قال المفيد: لم يحضر دفن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والانصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات اكثرهم الصلاة عليه لذلك، وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي، واسوء صباحاه فسمعها ابو بكر فقال لها: ان صباحك لصباح سوء.
ورُوي في المناقب عن ابن عباس انه أُغمي على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) في مرضه، فدُقّ بابه، فقالت فاطمة (عليها السلام): من ذا؟ قال: انا رجل غريب اتيت اسأل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اتأذنون لي في الدخول عليه فأجابت امض رحمك اللّه، فرسول اللّه عنك مشغول، فمضى ثم رجع، فدق الباب وقال: غريب يستأذن على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اتأذنون للغرباء، فأفاق رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) من غشيته وقال: يا فاطمة اتدرين من هذا؟ قالت: لا يا رسول اللّه قال: هذا مفرق الجماعات ومنغض اللذات، هذا ملك الموت ما استأذن واللّه على احد قبلي ولا يستأذن على احد بعدي. استأذن عليّ لكرامتي على اللّه ائذني له فقالت: ادخل رحمك اللّه فدخل كريح هفافة وقال: السلام على اهل بيت رسول اللّه، فاوصى النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) الى علي (عليه السلام) بالصبر عن الدنيا وبحفظ فاطمة (عليها السلام) وبجمع القرآن وبقضاء دينه وبغسله وان يعمل حول قبره حائطاً ويحفظ الحسن والحسين (عليهما السلام).
وروي عن ابي رافع مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما كان اليوم الذي توفّي فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) غشي عليه فاخذت بقدميه اقبلهما وأبكي فاقاق وانا اقول: من لي ولولدي بعدك يا رسول الّه، فرفع رأسه وقال: اللّه بعدي ووصيي صالح المؤمنينوروي في حديث عن جابر الأنصاري رحمه اللّه انه قال: كانت فاطمة عند النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وهي تقول: واكرباه لكربك يا ابتاه، فقال لها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): لا كرب على ابيك بعد اليوم يا فاطمة انّ النبي لا يشق عليه الجيب ولا يخمش عليه الوجه ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال ابوك على ابراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا ابراهيم محزنون.
وعن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال في قوله تعالى: (ولا يعصينك في معروف) ان رسول اللّه (صلى لاللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام): اذا أنا متُّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ولا ترخي عليّ شَعْراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة ثم قال: هذا المعروف الذي قال اللّه عز وجل.
قال المفيد ثم ثقل (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وحضره الموت وامير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده فلما قرب خروج نفسه قال له : ضع يا عليّ رأسي في حجرك فقد جاء امر اللّه فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجّهني الى القبلة وتولَّ امري وصلِّ عليَّ أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن باللّه تعالى، فأخذ عليّ رأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأَبيض يستسقى الغمامَ بوجهه*** ثمال اليتامى عصمة للأراملففتح رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) عينيه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه ولكن قولي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) فبكت طويلاً فأومى اليها بالدنو منه فدنت منه فأسرَّ اليها شيئاً تهلل وجهها له فجاءت الرواية: انه قيل لفاطمة (عليها السلام) ما الذي اسر اليك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته قالت: انه أخبرني انني اول اهل بيته لحوقاً به وانه لن تطول المدة بي بعده حتى أدركه، فسرى ذلك عني.
وفي رواية الصدوق عن ابن عباس: فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فأراد علي (عليه السلام) ان ينحيهما عنه فأفاق رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثم قال: يا عليّ دعني اشمهما ويشمّاني واتزود منهما ويتزودان مني أما انهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلماً، فلعنة اللّه على من يظلمهما يقول ذلك ثلاثاً ثم مد يده الى علي فجذبه اليه حتى ادخله تحت ثوبه الذي كان عليه ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة صلوات اللّه عليه وآله فانسل عليّ من تحت ثيابه وقال اعظم اللّه أجوركم في نبيكم فقد قبضه اللّه اليه فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء.
وقال الطبرسي وغيره ما ملخصه أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال لملك الموت: امض لما أمرت له فقال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولي الى الدنيا انما كنت انت حاجتي منها فقال له: يا حبيبي جبرائيل ادن مني فدنا منه فكان جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وملك الموت قابض لروحه المقدسة فقضى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ثم وجَّهه وغمضه ومد عليه ازاره واشتغل بالنظر في أمره.
قال الراوي: وصاحت فاطمة (عليها السلام) وصاح المسلمون وهم يضعون التراب على رؤوسهم.
قال الشيخ (الطوسي) في التهذيب: قبض مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة، وفي المناقب وكان بين قدومه المدينة ووفاته عشر سنين وقبض قبل ان تغيب الشمس وهو ابن ثلاث وستين سنة (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
وعن الثعلبي انه قبض حين زاغت الشمس فلما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) جاء الخضر فوقف على باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قد سجِّي بثوب فقال: السلام عليكم يا اهل البيت، كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة، ان في اللّه خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركاً من كل فائت فتوكلوا عليه وثقوا به وأستغفر اللّه لي ولكم، واهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه فقال امير المؤمنين (عليه السلام) هذا اخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.
ان كنت اردت ان تعلم مقدار تأثير مصيبة النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) على امير المؤمنين وعلى اهل بيته فاسمع ما قال امير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك، قال: فنزل بي من وفاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما لم اكن اظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به فرأيت الناس من اهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد اذهب الجزع صبره واذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والاستماع وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معزٍّ يأمر بالصبر وبين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجمع كتاب اللّه وعهده الى خلقه لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لادغ حرقة ولا جزيل مصيبة حتى أدّيت في ذلك الحق الواجب اللّه عز وجل ولرسوله عليَّ وبلغت منه الذي أمرني به واحتملته صابراً محتسباً.
وروى الكليني عن ابي جعفر (عليه السلام) قال لما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بات آل محمد (عليهم السلام) بأطول ليلة حتى ظنوا ان لا سماء تظلهم ولا أرض تُقِلُّهم لأن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وتر الأقربين والابعدين في اللّه، فبينا هم كذلك أذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه فقال: السلام عليكم يا اهل البيت ورحمة اللّه وبركاته، ان في اللّه عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة ودركا لما فات، كل نفس ذائقةُ الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور، ان اللّه اختاركم وفضلكم وطهّركم وجعلكم أهل بيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه.
وقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) ان اللّه لما قبض نبيه دخل على فاطمة عليها السلام من الحزن ما لا يعلمه الا اللّه عز وجل، فأرسل اليها ملكاً يسلّي غمَّها ويحدثها فشكت ذلك الى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها: اذا احسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته ذلك وجعل امير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً قال (عليه السلام): اما انه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
وفي رواية اخرى انه كان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على ابيها ويطيب نفسها.
وروي انه اجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فقالت فاطمة (عليها السلام): اتركن التعداد وعليكنَّ بالدعاء وقال النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم): يا عليّ من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من اعظم المصائب
فلما اراد امير المؤمنين (عليه السلام) غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) استدعى الفضل بن العباس فأمره ان يناوله الماء لغسله بعد ان عصب عينيه ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به الى سرته وتولى غسله وتحنيطه والفضل يعاطيه الماء ويعينه عليه والملائكة كانت اعوانه ايضاً فغسل في قميصه.
روى الشيخ (الطوسي) في التهذيب عن الحرث بن يعلي بن مرة عن أبيه عن جده قال: قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فستر بثوب، ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) خلف الثوب وعلي (عليه السلام) عند طرف ثوبه قد وضع خديه على راحته والريح يضرب طرف الثوب على وجه علي (عليه السلام) قال: والناس على الباب وفي المسجد ينتحبون ويبكون واذا سمعنا صوتاً في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه ولا تغسلوه قال فرأيت علياً (عليه السلام) حين رفع راسه فزعاً فقال: اخسأ عدو اللّه فانه أمرني بغسله وكفنه ودفنه وتلك سنة قال (عليه السلام) نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن ابي طالب استر عورة نبيك ولا تنزع القميص.
وفي نهج البلاغة من كلام له (عليه السلام) قاله وهو يلي غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وتجهيزه: بأبي أنت وامي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء واخبار السماء وخصصت(1) حتى صرت مسلياً عمن سواك وعممت حتى صار الناس فيك سواء ولولا انك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لانفدنا عليك ماء الشؤون ولكان الداء مماطلاً والكمد محالفاً وقلا لك ولكنه ما لا يملك رده ولا يستطاع دفعه بأبي انت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من بالك.
وفي رواية الشيخ قال: لما فرغ من غسله كشف الأزار عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبل وجهه ومد الأزار عليه.
وعن فقه الرضا ان علياً (عليه السلام) لما ان غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليهما وآلهما وسلم) وفرغ من غسله نظر في عينيه فرأى فيهما شيئاً فانكب عليه فادخل لسانه فمسح ما كان فيهما فقال بأبي وأمي يا رسول اللّه، (صلى اللّه عليك) طبت حياً وطبت ميتاً، قاله العالم.
وعن بصائر الدرجات عن ابي رافع قال: ان اللّه ناجى علياً يوم غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
قال الراوي: فلما فرغ علي (عليه السلام) من غسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وتحنيطه كفنه في ثلاث أثواب، ثوبين ابيضين صحاريين، وبرد احمر حبرة (وصحار قرية باليمن نسب الثوب اليها).
وروى القطب الراوندي عن علي (عليه السلام) انه قال: امرني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اذا توفي ان استسقي سبع قرب من بئر غرس فاغسله بها فاذا غسلته وفرغت من غسله اخرجت من في البيت، قال: فاذا اخرجتهم فضع فاك على فيَّ ثم سلني عما هو كائن الى ان تقوم الساعة من امر الفتن، قال علي (عليه السلام): ففعلت ذلك فأنبأني بما يكون الى ان تقوم الساعة وما من فئة تكون الا وانا اعرف اهل ضلالها من اهل حقه((روى سليم (بن قيس الهلالي الكوفي) عن سلمان (رضي اللّه عنه) انه قال: اتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وقد كان أوصى ان لا يغسله غير عليٍّ (عليه السلام) وأخبر عنه انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له وقد قال امير المؤمنين (عليه السلام) لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): من يعينني على غسلك يا رسول اللّه قال جبرائيل فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه وصلى عليه والمرأة في الحجرة لا تعلم، قد اخذ جبرائيل ببصرها، قال المفيد: فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه احد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه واين يدفن فخرج اليهم امير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) امامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير امام وينصرفون، وان اللّه لم يقبض نبياً في مكان الا وقد ارتضاه لرمسه فيه وانّي لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك ورضوا به.
روى الكليني عن أبي مريم الانصاري قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف كانت الصلاة على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما غسله امير المؤمنين (عليه السلام) وكفنه سجاه، ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله، ثم وقف امير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال: ان اللّه وملائكته يصلون على النبي، يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، فيقول القوم كما يقول (عليه السلام) حتى صلى عليه أهل المدينة والعوالي.
وروى ابو جعفر (عليه السلام): انهم صلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه الاقرباء والخواص ولم يحضر أهل السقيفة وكان عليّ (عليه السلام) انفذ اليهم بريدة وانما تمت بيعتهم بعد دفنه ( صلى الله عليه وآله وسلم).
وروي عن القسم الصقيل أنه كتب إلى الناحية المقدسة جعلت فداك هل اغتسل امير المؤمنين حين غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عند موته؟
فاجابه: النبي صلى اللّه عليه وآله طاهر مطهر ولكن امير المؤمنين (عليه السلام) فعل وجرت به السند.
قال المفيد: ولما صلى المسلمون عليه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) انفذ العباس بن عبد المطلب برجل الى ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويصرح وكان ذلك عادة اهل مكة وانفذ الى زيد به سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال اللهم خر لنبيك فوجد ابو طلحة زيد بن سهل وقيل له: احفر لرسول اللّه فحضر له لحداً ودخل امير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس واسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فنادت الانصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك اللّه وحقنا اليوم من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ان يذهب، ادخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): فقال: ليدخل اوس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع امير المؤمنين رسول اللّه (صلى اللّه عليهما وآلهما) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ووضع خده على الأرض موجهاً الى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن واهال عليه التراب (انتهى). وروي انه ربَّع قبره.
وعن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال القى شقران مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) في قبره القطيفة وقال: جعل عليّ (عليه السلام) على قبر النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) لبناً وقال: قبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) محصب حصباء حمراء.
وروى الحميري: ان قبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) رفع من الأرض قدر شبر وأربع اصابع ورش عليه الماء قال علي (عليه السلام): والسنة ان يرش على القبر ماء.
ورُوي عن بصائر الدرجات عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) انه لما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) هبط جبرائيل (عليه السلام) ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات الى الأرض يغسلون النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) معه ويصلون معه عليه ويحفرون له واللّه ما حفر له غيرهم، حتى اذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه، فسمعه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوصيهم به، فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنما هو صاحبنا بعدك الا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه.
قال في نهج البلاغة من خطبة له (عليه السلام): و لقد علم المستحفظون من اصحاب محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) إنِّي لم ارد على اللّه سبحانه ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته في المواطن التي تنكص فيها الابطال وتتأخر الاقدام نجدة أكرمني اللّه ولقد قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وان رأسه لعلى صدري، وقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ولقد وُلِّيت غسله والملائكة أعواني فضجت الدار والافنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة (اي الكلام الخفي) منهم يصلّون عليه حتى واريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّي حياً وميتاً.
اقول: قد يقال ان المراد بسيلان النفس هبوب النفس عند انقطاع الانفاس وقيل اراد بنفسه دمه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقال ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قاء عند وفاته دما يسيراً وأن علياً عليه السلام) مسح بذلك وجهه واللّه العالم.
قال المفيد: لم يحضر دفن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والانصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات اكثرهم الصلاة عليه لذلك، وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي، واسوء صباحاه فسمعها ابو بكر فقال لها: ان صباحك لصباح سوء.
تعليق