إنَّ علياً عليه السلام سار في أهل البغي ـ إذا انهزموا ـ بسيرة رحيمة، حيث يتركهم ولم يقتلهم ولم يطلبهم إذا لم تكن لديهم لهم فئة من ورائهم، وروي عن الشعبي قال: لما أسر عليّ أسرى يوم صفين ـ إلى أن قال ـ وكان لا يجيز على الجرحى، ولا على من أدبر بصفين
وعن عمر بن سعد بإسناده قال: إنَّ مالك الأشتر أخذ الأصبغ بن ضرار أسيراً من غير أن يقاتل يوم صفين، فجاء به ليلاً وشدّ وثاقه وألقاه مع أضيافه ينتظر به الصباح، وكان الأصبغ شاعراً مفوّهاً، ونام أصحابه فرفع صوته وأسمع الأشتر أبياتاً يذكر فيها حاله ويستعطفه، فغدا به الأشتر على عليّ عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هذا رجل من المسلحة لقيته بالأمس، والله لو علمت أنَّ قتله الحق قتلته، وقد بات عندنا الليلة وحركنا، فإن كان فيه القتل فاقتله وإن غضبنا فيه، وإن كنت فيه بالخيار فهبه لنا، قال عليه السلام: (هو لك يا مالك، فإذا أصبت أسير أهل قبلة فلا تقتله فإنَّ أسير أهل القبلة لا يفادى ولا يقتل). فرجع به الأشتر إلى منزله وقال: لك ما أخذنا منك وليس لك عندنا غيره
وذكر ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة) أنَّ (معاوية) لما غلب على ماء الفرات لم يسمح لجيش عليّ عليه السلام بالشرب من الفرات، وبعد أن اقتحم مالك الأشتر الشريعة وأرجع جيش (معاوية) عن الماء، بعث إلى عليّ قائلاً له: هلم يا أمير المؤمنين، قد غلب الله لك على الماء .
فلما غلب أهل العراق على الماء لم يمنع عليّ بن أبي طالب الماء عن أعدائه، وهذا من خلق السماء، ولذا قال (معاوية): إنَّ علياً لايستحل منك ما استحللت منه، وإنَّ الذي جاء له غير الماء
إنَّ (معاوية) كان يعرف الحق ويخالفه، ولذا فإنَّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال له في أحد كتبه: (فاتق الله في نفسك، ونازع الشيطان قيادك، واصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا وطريقك، واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعةٍ تمس الأصل، وتقطع الدابر
لم يكن عليّ بن أبي طالب عليه السلام يتعامل مع البغاة في صفين وغيرها على أنهم كفرة كما فعل الخوارج بل عاملهم على أنهم أتوا البغي بعد أن أسلموا وقرؤوا القرآن وعرفوا أهل الفضل لقد عاملهم عليه السلام بعدالة الإسلام ومبادئ القرآن، فعن محمد بن يعقوب قال في حديث عبد الرحمن بن جندب عن أبيه إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يأمر في كل موطن لقينا فيه عدونا فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مُدبراً، ولا تجيزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة ولا تمثّلوا بقتيل
كان عدله عليه السلام في أعدائه يتجسد بمصاديق عديدة، وقد روي عنه أنه خطب بالكوفة، فقام رجل من الخوارج فقال: لا حكم إلا لله، فسكت أمير المؤمنين، ثم قام آخر وآخر، فلما اكثروا قال: (كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم مساجد الله أن تصلوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ماكانت أيديكم مع أيدينا، ولانبدؤكم بحرب حتى تبدؤونا به وأشهد لقد أخبرني النبي الصادق(صلى الله عليه وآله وسلم)، عن الروح الأمين، عن ربّ العالمين، أنه لا يخرج علينا منكم من فئة قلّت أو كثرت إلى يوم القيامة، إلا جعل الله حتفها على أيدينا، وإنَّ أفضل الجهاد جهادكم، وأفضل المجاهدين من قتلكم، وأفضل الشهداء من قتلتموه، فاعملوا ما أنتم عاملون، فيوم القيامة يخسر المبطلون، ولكلّ نبأ مستقر فسوف تعلمون )
هكذا كان يتعامل عليه السلام مع أعدائه بمنتهى العدالة والأخلاق الإسلامية، ويعلق المفكر الإسلامي محمد عمارة في كتابه (مسلمون ثوار) على صيحة الخوارج: لا حكم إلا لله، ويقول بأنها: وجدت لها مكاناً عند بعض الغلاة، من أهل الجمود والتقليد الذين انتزعوا عبارات كتبها أبو الأعلى المودودي يوهم نصّها وظاهرها نفي الحاكمية عن البشر، مع أنه لا بد للناس من أمير يعيش المؤمن بظله ويتمتع الناس مسلمين وغير مسلمين بعدله .
بدأت شبهات هؤلاء الغلاة في الثقافة الإسلامية، بصيحة الخوارج: لا حكم إلا لله، وهم يقصدون تحريم وتجريم حكم البشر في النزاع الذي ثار بين عليّ و(معاوية) حول مقتل عثمان، ولكن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد جلا هذه الشبهة عندما ميز بين حكم الله وقضائه وتشريعه، الذي لا شريك له فيه، وبين حاكمية البشر الذين استخلفهم الله لإقامة حاكمية الله، وخاصة في مناطق الفقه والاجتهاد، لأنَّ الحاكمية الإنسانية هنا ـ حتى وإن تعددت بتعدد الاجتهادات ـ هي مقتضى حكم الله باستخلاف الإنسان ليقيم حكم الله
كان يمكن لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لو كان من أهل الحقد أن يعاقب هؤلاء الخوارج ويوقع بهم أقسى العقوبة، ولكنه لم يفعل ذلك وفسح المجال للرأي الآخر أن يعبر عن نفسه ؛ على أن يلتزم هؤلاء بالموازين الشرعية وأن لا يشهروا سيفاً على المسلمين، فإذا شهروا سيفاً وجب قتالهم .
وأروع مافعله أمير المؤمنين (ع) هو أنه لم يمارس إرهاباً فكرياً ولا جسدياً بحق أعدائه، بل أعطاهم حقوقهم الشرعية، وسمح لهم بالصلاة في المساجد، ولم يمنعهم من إداء العبادة، كما منحهم عليه السلام الفيء مادامت أيديهم بأيدي المجاهدين، ولذا لم يكرههم عليه السلام أبداً على اعتناق آرائه ومواقفه .
ومن الملاحظ أنه عليه السلام لم يترك الأمر دون توضيح، حيث ذكر للخوارج بعد صيحتهم (لاحكم إلا لله) قائلاً لهم: كلمة حق يراد بها باطل. شارحاً لهم أنهم إذا سلوا سيف الفرقة بين المسلمين، فإنَّ جهادهم يكون خير الجهاد، ويوم القيامة يخسر المبطلون .
وعن عمر بن سعد بإسناده قال: إنَّ مالك الأشتر أخذ الأصبغ بن ضرار أسيراً من غير أن يقاتل يوم صفين، فجاء به ليلاً وشدّ وثاقه وألقاه مع أضيافه ينتظر به الصباح، وكان الأصبغ شاعراً مفوّهاً، ونام أصحابه فرفع صوته وأسمع الأشتر أبياتاً يذكر فيها حاله ويستعطفه، فغدا به الأشتر على عليّ عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هذا رجل من المسلحة لقيته بالأمس، والله لو علمت أنَّ قتله الحق قتلته، وقد بات عندنا الليلة وحركنا، فإن كان فيه القتل فاقتله وإن غضبنا فيه، وإن كنت فيه بالخيار فهبه لنا، قال عليه السلام: (هو لك يا مالك، فإذا أصبت أسير أهل قبلة فلا تقتله فإنَّ أسير أهل القبلة لا يفادى ولا يقتل). فرجع به الأشتر إلى منزله وقال: لك ما أخذنا منك وليس لك عندنا غيره
وذكر ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة) أنَّ (معاوية) لما غلب على ماء الفرات لم يسمح لجيش عليّ عليه السلام بالشرب من الفرات، وبعد أن اقتحم مالك الأشتر الشريعة وأرجع جيش (معاوية) عن الماء، بعث إلى عليّ قائلاً له: هلم يا أمير المؤمنين، قد غلب الله لك على الماء .
فلما غلب أهل العراق على الماء لم يمنع عليّ بن أبي طالب الماء عن أعدائه، وهذا من خلق السماء، ولذا قال (معاوية): إنَّ علياً لايستحل منك ما استحللت منه، وإنَّ الذي جاء له غير الماء
إنَّ (معاوية) كان يعرف الحق ويخالفه، ولذا فإنَّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال له في أحد كتبه: (فاتق الله في نفسك، ونازع الشيطان قيادك، واصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا وطريقك، واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعةٍ تمس الأصل، وتقطع الدابر
لم يكن عليّ بن أبي طالب عليه السلام يتعامل مع البغاة في صفين وغيرها على أنهم كفرة كما فعل الخوارج بل عاملهم على أنهم أتوا البغي بعد أن أسلموا وقرؤوا القرآن وعرفوا أهل الفضل لقد عاملهم عليه السلام بعدالة الإسلام ومبادئ القرآن، فعن محمد بن يعقوب قال في حديث عبد الرحمن بن جندب عن أبيه إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يأمر في كل موطن لقينا فيه عدونا فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مُدبراً، ولا تجيزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة ولا تمثّلوا بقتيل
كان عدله عليه السلام في أعدائه يتجسد بمصاديق عديدة، وقد روي عنه أنه خطب بالكوفة، فقام رجل من الخوارج فقال: لا حكم إلا لله، فسكت أمير المؤمنين، ثم قام آخر وآخر، فلما اكثروا قال: (كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم مساجد الله أن تصلوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ماكانت أيديكم مع أيدينا، ولانبدؤكم بحرب حتى تبدؤونا به وأشهد لقد أخبرني النبي الصادق(صلى الله عليه وآله وسلم)، عن الروح الأمين، عن ربّ العالمين، أنه لا يخرج علينا منكم من فئة قلّت أو كثرت إلى يوم القيامة، إلا جعل الله حتفها على أيدينا، وإنَّ أفضل الجهاد جهادكم، وأفضل المجاهدين من قتلكم، وأفضل الشهداء من قتلتموه، فاعملوا ما أنتم عاملون، فيوم القيامة يخسر المبطلون، ولكلّ نبأ مستقر فسوف تعلمون )
هكذا كان يتعامل عليه السلام مع أعدائه بمنتهى العدالة والأخلاق الإسلامية، ويعلق المفكر الإسلامي محمد عمارة في كتابه (مسلمون ثوار) على صيحة الخوارج: لا حكم إلا لله، ويقول بأنها: وجدت لها مكاناً عند بعض الغلاة، من أهل الجمود والتقليد الذين انتزعوا عبارات كتبها أبو الأعلى المودودي يوهم نصّها وظاهرها نفي الحاكمية عن البشر، مع أنه لا بد للناس من أمير يعيش المؤمن بظله ويتمتع الناس مسلمين وغير مسلمين بعدله .
بدأت شبهات هؤلاء الغلاة في الثقافة الإسلامية، بصيحة الخوارج: لا حكم إلا لله، وهم يقصدون تحريم وتجريم حكم البشر في النزاع الذي ثار بين عليّ و(معاوية) حول مقتل عثمان، ولكن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد جلا هذه الشبهة عندما ميز بين حكم الله وقضائه وتشريعه، الذي لا شريك له فيه، وبين حاكمية البشر الذين استخلفهم الله لإقامة حاكمية الله، وخاصة في مناطق الفقه والاجتهاد، لأنَّ الحاكمية الإنسانية هنا ـ حتى وإن تعددت بتعدد الاجتهادات ـ هي مقتضى حكم الله باستخلاف الإنسان ليقيم حكم الله
كان يمكن لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لو كان من أهل الحقد أن يعاقب هؤلاء الخوارج ويوقع بهم أقسى العقوبة، ولكنه لم يفعل ذلك وفسح المجال للرأي الآخر أن يعبر عن نفسه ؛ على أن يلتزم هؤلاء بالموازين الشرعية وأن لا يشهروا سيفاً على المسلمين، فإذا شهروا سيفاً وجب قتالهم .
وأروع مافعله أمير المؤمنين (ع) هو أنه لم يمارس إرهاباً فكرياً ولا جسدياً بحق أعدائه، بل أعطاهم حقوقهم الشرعية، وسمح لهم بالصلاة في المساجد، ولم يمنعهم من إداء العبادة، كما منحهم عليه السلام الفيء مادامت أيديهم بأيدي المجاهدين، ولذا لم يكرههم عليه السلام أبداً على اعتناق آرائه ومواقفه .
ومن الملاحظ أنه عليه السلام لم يترك الأمر دون توضيح، حيث ذكر للخوارج بعد صيحتهم (لاحكم إلا لله) قائلاً لهم: كلمة حق يراد بها باطل. شارحاً لهم أنهم إذا سلوا سيف الفرقة بين المسلمين، فإنَّ جهادهم يكون خير الجهاد، ويوم القيامة يخسر المبطلون .
تعليق