بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لا يشكُّ باحثٌ درسَ السيرة النبويّة، وعرف التاريخ الإسلامي بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الذي عيّن الأئمة الاثني عشر، ونصّ عليهم ليكونوا خلفاءه من بعده، وأوصياءه على أُمّتهِ. وقد جاء ذكر عددهم في صحاح أهل السنّة، وأنّهم اثنا عشر، وكلّهم من قريش، وقد أخرج ذلك البخاري ومسلم وغيرهما. كما جاء في بعض المصادر السنّية ذكرهم بأسمائهم مُوضحاً (صلى الله عليه وآله) بأنّ أوّلهم علي بن أبي طالب، وبعده ابنه الحسن، ثمّ أخوه الحسين، ثمّ تسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي.
أخرج صاحب ينابيع المودة في كتابه قال: قدم يهوديٌّ يقال له: "الأعتل" فقال: يا محمّد، أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمتُ على يديك. قال: "سل يا أبا عمارة"، فسأله عن أشياء إلى أن قال: صدقت، ثمّ قال: فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبي إلاّ وله وصيٌّ، وإنّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.
فقال: "إنّ وصيّي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين".
قال: يا محمّد فسمّهم لي.
قال: إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا
مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر"، قال: فأسلم اليهودي وحمد الله على الهداية(1).
ولكن يكفينا دليلا أنّ علماء "أهل السنّة والجماعة" يعترفون بعدد الأئمة الاثني عشرة، ولا وجود لهؤلاء الأئمّة غير علي وبنيه الطّاهرين.
وممّا يزيدنا يقيناً أنّ الأئمة الاثني عشر من أهل البيت، لم يتتلمذوا على أيّ واحد من علماء الأُمّة، فلم يروِ لنا أصحاب التواريخ ولا المحدّثون وأصحاب السير، بأنّ أحد الأئمّة من أهل البيت تلقّى علمه من بعض الصحابة أو التابعين، كما هو الحال بالنّسبة لكلّ علماء الأُمّة وأئمّتهم(2).
فأبو حنيفة تتلمذ على جعفر الصادق، ومالك تتلمذ على أبي حنيفة، والشافعي تلقّى عن مالك وأخذ عنه، وهكذا أحمد.
أمّا أئمّة أهل البيت فعلمهم موهوب من الله سبحانه وتعالى، يتوارثونه أباً عن جدّ، فهم الذين خصّهم الله بقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(3).
وقد عبّر الإمام جعفر الصادق عن هذه الحقيقة مرّةً بقوله: "عجباً للنّاس يقولون بأنّهم أخذوا علمهم كلّه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعملوا به واهتدوا! ويروون أنّا أهل البيت لم نأخذ علمه ولم نهتد به ونحن أهله وذريته، في منازلنا أُنزل الوحيُ، ومن عندنا خرج العلم إلى الناس، أفتراهم علموا واهتدوا وجهلنا وضللنا؟!"(4).
نعم، كيف لا يتعجّب الإمام الصادق من أُولئك الذين يدّعون أنّهم أخذوا العلم من رسول الله، وهم يعادون أهل بيته، وبابَ علمه الذي منه يؤتَى! وكيف لا يتعجّبْ من انتحالهم اسم "أهل السنّة" وهم يُخالفون هذه السنّة؟!
وإذا كان الشيعة ـ كما يشهدُ التاريخ ـ قد اختصّوا بعليّ، فناصروه ووقفوا ضدّ عدوّه، وحاربوا حربه، وسالموا سلمه، وأخذوا كلّ علومهم منه، فأهل السنّة والجماعة لم يتشيّعوا له ولم ينصروه، بل حاربوه وأرادوا القضاء عليه، وقد تتبّعوا أولاده من بعده قتلا وسجناً وتشريداً، وخالفوه في أكثر الأحكام باتّباعهم أدعياء العلم الذين اختلفوا بآرائهم واجتهاداتهم في أحكام الله، فبدّلوها حسب أهوائهم وما اقتضته مصالحهم.
وكيف لا نعجب نحن اليوم من الذين يدّعون اتّباع السنّة النبويّة، ويشهدون على أنفسهم أنّهم تركوا سنّة النبيّ لأنّها أصبحت شعاراً للشّيعة(5)، أليس ذلك عجيباً؟!
كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنّهم "أهل السنّة والجماعة" وهم جماعات متعدّدة مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية، يُخالفون بعضهم في الأحكام الفقهيّة، ويدّعون بأنّ ذلك الاختلاف هو رحمة لهم، فيصبح بذلك دين الله أهواء وآراء وما تشتهيه أنفسهم(6).
نعم، إنّهم جماعاتٌ متعدّدة تفرّقوا في أحكام الله ورسوله، ولكنّهم اجتمعوا واتّفقوا على تصحيح خلافة السقيفة الجائرة، وترك وإبعاد العترة الطاهرة.
كيف لا نعجب من هولاء الذين يتبجّحون بأنّهم "أهل السنّة" وقد تركوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتمسّك بالثّقلين كتاب الله والعترة، رغم إخراجهم هذا الحديث وتصحيحه؟! فإنّهم لم يتمسكوا لا بالقرآن ولا بالعترة; لأنّهم بتركهم للعترة الطاهرة فقد تركوا القرآن، لأنّ الحديث الشريف مفاده أنّ القرآن والعترة لا يفترقان أبداً، كما أخبر بذلك رسول الله بقوله: "وقد أنبأني اللّطيف الخبير بأنّهما (القرآن والعترة) لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض "(7).
وكيف لا نعجبُ من قوم يدّعون أنّهم "أهل السنّة" وهم يخالفون ما ثبت في صحاحهم من فعل النبيّ وأوامره ونواهيه(8)؟
أمّا إذا اعتقدنا وصحّحنا حديث: "تركت فيكم كتاب الله وسنّتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً" كما يحلو لبعض "أهل السنّة" أن يثبتوه اليوم، فإنّ العجب سيكونُ أكبر والفضيحة أظهر; إذ إنّ كُبراءهم وأئمّتهم هم الذين أحرقوا السنّة التي تركها رسول الله فيهم، ومنعوا من نقلها وتدوينها، كما عرفنا ذلك فيما تقدم من أبحاث سابقة.
وقد قال عمر بن الخطّاب بصريح اللّفظ: "حسبنا كتاب الله يكفينا".
وهو ردّ صريح على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والراد على رسول الله رادٌ على الله كما لا يخفى.
وقول عمر بن الخطّاب هذا خرجته كلّ صحاح "أهل السنّة" بما فيهم البخاري ومسلم، فإذا كان النبيّ قد قال: "تركتُ فيكم كتاب الله وسنّتي" فعمر قال له: حسبنا كتاب الله ولا حاجة لنا بسنّتك، وإذا كان عمر قد قال بمحضر النبيّ: حسبنا كتاب الله، فإنّ أبا بكر أكّد على تنفيذ رأي صاحبه فقال عندما أصبح خليفة: "لا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه"(9).
كيف لا نعجب من قوم تركوا سنّة نبيّهم ونبذوها وراء ظهورهم، وأحلّوا محلّها بدعاً ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، ثمّ يُسمّون أنفسهم وأتباعهم "أهل السنّة والجماعة"؟!
ولكنّ العجب يزول عندما نعرف بأنّ أبا بكر وعمر وعثمان ما كانوا يعرفون هذه التسمية أبداً، فهذا أبو بكر يقول: "لئن أخذتموني بسنّة نبيكم (صلّى الله عليه وآله) لا أطيقها"(10).
كيف لا يطيق أبو بكر سنّة النبيّ؟ فهل كانت سنّته (صلى الله عليه وآله) أمراً مستحيلا حتى لا يطيقها أبو بكر؟
وكيف يدّعي "أهل السنّة" أنّهم متمسّكون بها إذا كان إمامهم الأول ومؤسس مذاهبهم لا يُطيقها؟!
ألم يقل الله سبحانه في حقّها: {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(11)؟ وقال في حقّها أيضاً: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}(12)، وقال أيضاً: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}(13).
فهل يرى أبو بكر وصاحبه عمر أنَّ رسول الله ابتدع ديناً غير الذي أنزل الله، فأمر المسلمين بما لا يُطاق وكلّفهم عُسراً؟
حاشاه فقد كان كثيراً ما يقول: "بشّروا ولا تُنفّروا، يسّروا ولا تُعسّروا"(14)، "لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإنّ قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدد اللّه عليهم"(15).
ولكنّ اعتراف أبي بكر بأنّه لا يُطيق سنّة النبيّ يؤكّد ما ذهبنا إليه من أنّه أحدثَ بدعةً يطيقها حسب هواه، وتتماشى وسياسة الدّولة التي ترأسها.
ولعلّ عمر بن الخطّاب كان يرى هو الآخر بأنّ أحكام القرآن والسنّة لا تُطاق، فعمد إلى ترك الصلاة إذا أجنب ولم يجد الماء، وأفتى بذلك أيّام خلافته، وقد عرف ذلك الخاصّ والعامّ، وأخرج ذلك عنه كلّ المحدّثين!!
وبما أنّ عمر كان مولعاً بكثرة الجماع، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}(16)، لأنّه لم يصبر على الجماع وقت الصيام(17)، وبما أنّ الماء كان قليلا رأى عمر أنّه من الأسهل أن يترك الصلاة ويرتاح إلى أن يتوفّر لديه الماء الكافي للغسل، عند ذلك يعود إلى الصلاة(18).
أمّا عثمان فقد خالف السنّة النبويّة ـ كما هو معروف ـ حتّى أخرجتْ عائشة قميص النبيّ وقالت: لقد أبلى عثمان سنّة النبيّ قبل أن يبلى قميصه(19)، وحتّى عابه الصحابة بأنّه خالف سنّة النبيّ وسنّة الشيخين، وقتلوه من أجل ذلك.
أمّا معاوية فحدّث ولا حرج، فإنّه عاند القرآن والسنّة وتحدّاهما، فبينما يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله): "علي منّي وأنا من علي"(20) "من سبّ علياً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله"(21); نجد معاوية قد أمعن في سبّه ولعنه، ولم يكتف بذلك حتّى أمر كلّ ولاته وعمّاله أن يسبّوه ويلعنوه، ومن امتنع منهم عزله وقتله(22).
وإذا عرفنا بأنّ معاوية هو الذي سمّى نفسه وأتباعه بـ "أهل السنّة والجماعة" في مقابل تسمية الشيعة بأتباع الحقّ.
وينقل بعض المؤرّخين بأنّ العام الذي استولى فيه معاوية على الخلافة الإسلامية بعد صلح الحسن بن علي، قد سُمّيَ ذلك العام بعام الجماعة.
ويزول العجب عندما نفهَمُ بأن كلمة "السنّة" لا يقصد بها معاوية وجماعته إلاّ لعن علي بن أبي طالب من فوق المنابر الإسلامية في أيام الجمعة والأعياد.
وإذا كانتْ "السنّة والجماعة" من ابتكار معاوية بن أبي سفيان، فنسأله سبحانه أن يُميتَنا على بدعة الرفض التي أسسها علي بن أبي طالب وأهل البيت (عليهم السّلام)!!
ولا تستَغرب أيّها القارئ العزيز أن يُصبحَ أهل البدعة والضلالة هم "أهل السنّة والجماعة"، ويصبح الأئمّة الطاهرون من أهل البيت هم أهل البدعة.
فها هو العلاّمة ابن خلدون من مشاهير علماء "أهل السنّة والجماعة"
يقولها بكلّ وقاحة، بعد أن عدّد مذاهب الجمهور قال: "وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح"(23).
ألم أقل لك أيّها القارئ من البداية: "لو عكستَ لأصبتَ" فإذا كان الفسّاق من بني أُميّة هم "أهل السنّة" وأهل البيت هم أهل البدعة ـ كما يقول ابن خلدون ـ فعلى الإسلام السلام، وعلى الدّنيا العفا!!
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لا يشكُّ باحثٌ درسَ السيرة النبويّة، وعرف التاريخ الإسلامي بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الذي عيّن الأئمة الاثني عشر، ونصّ عليهم ليكونوا خلفاءه من بعده، وأوصياءه على أُمّتهِ. وقد جاء ذكر عددهم في صحاح أهل السنّة، وأنّهم اثنا عشر، وكلّهم من قريش، وقد أخرج ذلك البخاري ومسلم وغيرهما. كما جاء في بعض المصادر السنّية ذكرهم بأسمائهم مُوضحاً (صلى الله عليه وآله) بأنّ أوّلهم علي بن أبي طالب، وبعده ابنه الحسن، ثمّ أخوه الحسين، ثمّ تسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي.
أخرج صاحب ينابيع المودة في كتابه قال: قدم يهوديٌّ يقال له: "الأعتل" فقال: يا محمّد، أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمتُ على يديك. قال: "سل يا أبا عمارة"، فسأله عن أشياء إلى أن قال: صدقت، ثمّ قال: فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبي إلاّ وله وصيٌّ، وإنّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.
فقال: "إنّ وصيّي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين".
قال: يا محمّد فسمّهم لي.
قال: إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا
مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر"، قال: فأسلم اليهودي وحمد الله على الهداية(1).
ولكن يكفينا دليلا أنّ علماء "أهل السنّة والجماعة" يعترفون بعدد الأئمة الاثني عشرة، ولا وجود لهؤلاء الأئمّة غير علي وبنيه الطّاهرين.
وممّا يزيدنا يقيناً أنّ الأئمة الاثني عشر من أهل البيت، لم يتتلمذوا على أيّ واحد من علماء الأُمّة، فلم يروِ لنا أصحاب التواريخ ولا المحدّثون وأصحاب السير، بأنّ أحد الأئمّة من أهل البيت تلقّى علمه من بعض الصحابة أو التابعين، كما هو الحال بالنّسبة لكلّ علماء الأُمّة وأئمّتهم(2).
فأبو حنيفة تتلمذ على جعفر الصادق، ومالك تتلمذ على أبي حنيفة، والشافعي تلقّى عن مالك وأخذ عنه، وهكذا أحمد.
أمّا أئمّة أهل البيت فعلمهم موهوب من الله سبحانه وتعالى، يتوارثونه أباً عن جدّ، فهم الذين خصّهم الله بقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(3).
وقد عبّر الإمام جعفر الصادق عن هذه الحقيقة مرّةً بقوله: "عجباً للنّاس يقولون بأنّهم أخذوا علمهم كلّه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعملوا به واهتدوا! ويروون أنّا أهل البيت لم نأخذ علمه ولم نهتد به ونحن أهله وذريته، في منازلنا أُنزل الوحيُ، ومن عندنا خرج العلم إلى الناس، أفتراهم علموا واهتدوا وجهلنا وضللنا؟!"(4).
نعم، كيف لا يتعجّب الإمام الصادق من أُولئك الذين يدّعون أنّهم أخذوا العلم من رسول الله، وهم يعادون أهل بيته، وبابَ علمه الذي منه يؤتَى! وكيف لا يتعجّبْ من انتحالهم اسم "أهل السنّة" وهم يُخالفون هذه السنّة؟!
وإذا كان الشيعة ـ كما يشهدُ التاريخ ـ قد اختصّوا بعليّ، فناصروه ووقفوا ضدّ عدوّه، وحاربوا حربه، وسالموا سلمه، وأخذوا كلّ علومهم منه، فأهل السنّة والجماعة لم يتشيّعوا له ولم ينصروه، بل حاربوه وأرادوا القضاء عليه، وقد تتبّعوا أولاده من بعده قتلا وسجناً وتشريداً، وخالفوه في أكثر الأحكام باتّباعهم أدعياء العلم الذين اختلفوا بآرائهم واجتهاداتهم في أحكام الله، فبدّلوها حسب أهوائهم وما اقتضته مصالحهم.
وكيف لا نعجب نحن اليوم من الذين يدّعون اتّباع السنّة النبويّة، ويشهدون على أنفسهم أنّهم تركوا سنّة النبيّ لأنّها أصبحت شعاراً للشّيعة(5)، أليس ذلك عجيباً؟!
كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنّهم "أهل السنّة والجماعة" وهم جماعات متعدّدة مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية، يُخالفون بعضهم في الأحكام الفقهيّة، ويدّعون بأنّ ذلك الاختلاف هو رحمة لهم، فيصبح بذلك دين الله أهواء وآراء وما تشتهيه أنفسهم(6).
نعم، إنّهم جماعاتٌ متعدّدة تفرّقوا في أحكام الله ورسوله، ولكنّهم اجتمعوا واتّفقوا على تصحيح خلافة السقيفة الجائرة، وترك وإبعاد العترة الطاهرة.
كيف لا نعجب من هولاء الذين يتبجّحون بأنّهم "أهل السنّة" وقد تركوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتمسّك بالثّقلين كتاب الله والعترة، رغم إخراجهم هذا الحديث وتصحيحه؟! فإنّهم لم يتمسكوا لا بالقرآن ولا بالعترة; لأنّهم بتركهم للعترة الطاهرة فقد تركوا القرآن، لأنّ الحديث الشريف مفاده أنّ القرآن والعترة لا يفترقان أبداً، كما أخبر بذلك رسول الله بقوله: "وقد أنبأني اللّطيف الخبير بأنّهما (القرآن والعترة) لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض "(7).
وكيف لا نعجبُ من قوم يدّعون أنّهم "أهل السنّة" وهم يخالفون ما ثبت في صحاحهم من فعل النبيّ وأوامره ونواهيه(8)؟
أمّا إذا اعتقدنا وصحّحنا حديث: "تركت فيكم كتاب الله وسنّتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً" كما يحلو لبعض "أهل السنّة" أن يثبتوه اليوم، فإنّ العجب سيكونُ أكبر والفضيحة أظهر; إذ إنّ كُبراءهم وأئمّتهم هم الذين أحرقوا السنّة التي تركها رسول الله فيهم، ومنعوا من نقلها وتدوينها، كما عرفنا ذلك فيما تقدم من أبحاث سابقة.
وقد قال عمر بن الخطّاب بصريح اللّفظ: "حسبنا كتاب الله يكفينا".
وهو ردّ صريح على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والراد على رسول الله رادٌ على الله كما لا يخفى.
وقول عمر بن الخطّاب هذا خرجته كلّ صحاح "أهل السنّة" بما فيهم البخاري ومسلم، فإذا كان النبيّ قد قال: "تركتُ فيكم كتاب الله وسنّتي" فعمر قال له: حسبنا كتاب الله ولا حاجة لنا بسنّتك، وإذا كان عمر قد قال بمحضر النبيّ: حسبنا كتاب الله، فإنّ أبا بكر أكّد على تنفيذ رأي صاحبه فقال عندما أصبح خليفة: "لا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه"(9).
كيف لا نعجب من قوم تركوا سنّة نبيّهم ونبذوها وراء ظهورهم، وأحلّوا محلّها بدعاً ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، ثمّ يُسمّون أنفسهم وأتباعهم "أهل السنّة والجماعة"؟!
ولكنّ العجب يزول عندما نعرف بأنّ أبا بكر وعمر وعثمان ما كانوا يعرفون هذه التسمية أبداً، فهذا أبو بكر يقول: "لئن أخذتموني بسنّة نبيكم (صلّى الله عليه وآله) لا أطيقها"(10).
كيف لا يطيق أبو بكر سنّة النبيّ؟ فهل كانت سنّته (صلى الله عليه وآله) أمراً مستحيلا حتى لا يطيقها أبو بكر؟
وكيف يدّعي "أهل السنّة" أنّهم متمسّكون بها إذا كان إمامهم الأول ومؤسس مذاهبهم لا يُطيقها؟!
ألم يقل الله سبحانه في حقّها: {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(11)؟ وقال في حقّها أيضاً: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}(12)، وقال أيضاً: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}(13).
فهل يرى أبو بكر وصاحبه عمر أنَّ رسول الله ابتدع ديناً غير الذي أنزل الله، فأمر المسلمين بما لا يُطاق وكلّفهم عُسراً؟
حاشاه فقد كان كثيراً ما يقول: "بشّروا ولا تُنفّروا، يسّروا ولا تُعسّروا"(14)، "لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإنّ قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدد اللّه عليهم"(15).
ولكنّ اعتراف أبي بكر بأنّه لا يُطيق سنّة النبيّ يؤكّد ما ذهبنا إليه من أنّه أحدثَ بدعةً يطيقها حسب هواه، وتتماشى وسياسة الدّولة التي ترأسها.
ولعلّ عمر بن الخطّاب كان يرى هو الآخر بأنّ أحكام القرآن والسنّة لا تُطاق، فعمد إلى ترك الصلاة إذا أجنب ولم يجد الماء، وأفتى بذلك أيّام خلافته، وقد عرف ذلك الخاصّ والعامّ، وأخرج ذلك عنه كلّ المحدّثين!!
وبما أنّ عمر كان مولعاً بكثرة الجماع، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}(16)، لأنّه لم يصبر على الجماع وقت الصيام(17)، وبما أنّ الماء كان قليلا رأى عمر أنّه من الأسهل أن يترك الصلاة ويرتاح إلى أن يتوفّر لديه الماء الكافي للغسل، عند ذلك يعود إلى الصلاة(18).
أمّا عثمان فقد خالف السنّة النبويّة ـ كما هو معروف ـ حتّى أخرجتْ عائشة قميص النبيّ وقالت: لقد أبلى عثمان سنّة النبيّ قبل أن يبلى قميصه(19)، وحتّى عابه الصحابة بأنّه خالف سنّة النبيّ وسنّة الشيخين، وقتلوه من أجل ذلك.
أمّا معاوية فحدّث ولا حرج، فإنّه عاند القرآن والسنّة وتحدّاهما، فبينما يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله): "علي منّي وأنا من علي"(20) "من سبّ علياً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله"(21); نجد معاوية قد أمعن في سبّه ولعنه، ولم يكتف بذلك حتّى أمر كلّ ولاته وعمّاله أن يسبّوه ويلعنوه، ومن امتنع منهم عزله وقتله(22).
وإذا عرفنا بأنّ معاوية هو الذي سمّى نفسه وأتباعه بـ "أهل السنّة والجماعة" في مقابل تسمية الشيعة بأتباع الحقّ.
وينقل بعض المؤرّخين بأنّ العام الذي استولى فيه معاوية على الخلافة الإسلامية بعد صلح الحسن بن علي، قد سُمّيَ ذلك العام بعام الجماعة.
ويزول العجب عندما نفهَمُ بأن كلمة "السنّة" لا يقصد بها معاوية وجماعته إلاّ لعن علي بن أبي طالب من فوق المنابر الإسلامية في أيام الجمعة والأعياد.
وإذا كانتْ "السنّة والجماعة" من ابتكار معاوية بن أبي سفيان، فنسأله سبحانه أن يُميتَنا على بدعة الرفض التي أسسها علي بن أبي طالب وأهل البيت (عليهم السّلام)!!
ولا تستَغرب أيّها القارئ العزيز أن يُصبحَ أهل البدعة والضلالة هم "أهل السنّة والجماعة"، ويصبح الأئمّة الطاهرون من أهل البيت هم أهل البدعة.
فها هو العلاّمة ابن خلدون من مشاهير علماء "أهل السنّة والجماعة"
يقولها بكلّ وقاحة، بعد أن عدّد مذاهب الجمهور قال: "وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح"(23).
ألم أقل لك أيّها القارئ من البداية: "لو عكستَ لأصبتَ" فإذا كان الفسّاق من بني أُميّة هم "أهل السنّة" وأهل البيت هم أهل البدعة ـ كما يقول ابن خلدون ـ فعلى الإسلام السلام، وعلى الدّنيا العفا!!
ـــــــــــــــــ
1- ينابيع المودة للقندوزي 3: 282، عن فرائد السمطين للحمويني 2: 132 ح431.
2- نعم، ورد في الكتب الروائية رواية الأئمة عن الصحابي أو التابعي، وهذا غير أخذ العلم والتتلمذ عليهم، فالرواية عن شخص شيء وأخذ العلم عنه شيء آخر، وهذا الدهلوي يعترف ويصرّح بأنّ علماء أهل السنّة تتلمذوا على يد الأئمة (عليهم السّلام) وأخذوا العلم عنهم (راجع مختصر التحفة للآلوسي: 8، 34، 193، التحفه الاثني عشرية للدهلوي: 93، 142، 467، والإمام الصادق لأبي زهرة: 53).
ثمّ إنّ جهات علوم الأئمة (عليهم السّلام) متعدّدة، فقد ورد في الكافي 1: 264 إنّ مبلغ علمهم على ثلاثة وجوه: ماض، وغابر، وحادث. أمّا الماضي فمفسّر، وأمّا الغابر فمزبور، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضلهاولا نبيّ بعد نبيّنا.
ويقول المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول 3: 126 عند شرحه لهذا الحديث: " (أمّا الماضي فمفسّر) أي فسّره لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (وأمّا الغابر) أي المتعلّق بالأمُور الآتية المحتومة (فمزبور) أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام) وغيرها، والشرائع والأحكام داخل فيهما أو في أحدهما، (وأمّا الحادث) وهو ما يتجدّد من الله تعالى حتمه من الأُمور أو العلوم أو المعارف الربانية أو تفصيل المجملات (فقذف في القلوب) بالإلهام من الله تعالى بلا توسّط ملك (أو نقر في الأسماع) بتحديث الملك إيّاهم... ولما كان هذا القول منه (عليه السّلام) يوهم ادّعاء النبوة ـ فإنّ الأخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء ـ نفى ذلك الوهم بقوله: (ولا نبيّ بعد نبيّنا)...".
وعند مراجعة كتاب كشف الجاني لعثمان الخميس: 171 نجده غالط في موارد كثيرة وأُمور متعدّدة، فذكر أنّ المؤلّف يكذب بقوله: إنّ أئمة أهل البيت لم يتتلمذوا على أي عالم من علماء الأُمّة، فيشكل عليه بأنّهم تتلمذوا على يد غيرهم، مستدلا علي ذلك بكتب أهل السنّة أنفسهم!! وفي هذه مغالطة واضحة; إذ كيف يعترض على خصمه ويتهمه بالكذب، ثمّ يستدلّ على كذبه بمصادره لا بمصادر الخصم، أو بمصادر مقبولة من الطرفين؟! وهذا عين المغالطة والخلط في الاستدلال.
وذكر في كلامه أيضاً ترجمة لأئمة أهل البيت (عليهم السّلام)، وقد نحى في ترجمته لأئمة أهل البيت (عليهم السّلام) منحى النواصب والمعادين لهم (عليهم السّلام)، إذ إنّه عندما يذكر ترجمة إمام من الأئمة يذهب إلى المترجمين الشاذين والمبغضين لأهل البيت (عليهم السّلام)، والذين يسعون دائماً إلى التقليل من شأنهم وتضعيف فضائلهم فيذهب إلى هؤلاء ويأتي بكلامهم، ويترك كلام علماء أهل السنّة المعتدلين والمنصفين والذين لهم شأنهم في الوسط العلمي. ونذكر على سبيل المثال نماذج لذلك:
ذكر في الصفحة 173 في ترجمة الإمام الرضا كلام ابن طاهر وابن حبان والذي فيه طعن وتقليل من شأن الإمام، وترك كلام بقية العلماء من أئمة الرجال والجرح والتعديل، فترك كلام إمام السنّة أحمد بن حنبل والذي قال عن رواية ورد في سندها الإمام الرضا، وكان يرويها عن آبائه فقال: (لو قرأت هذه الإسناد على مجنون لبرئ من جنته) أورده ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: 310.
وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه: (كان يفتي في مسجد رسول اللّه وهو ابن نيف وعشرين سنة، روى عنه من أئمة الحديث: آدم بن أبي أياس، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمّد بن رافع القشيري) نقل كلامه ابن حجر في تهذيب التهذيب 5: 746.
وقال الحافظ جمال الدين بن الجوزي في المنتظم 10: 120: (علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... سمع أباه وعمومته، وكان يفتي في مسجد رسول اللّه وهو ابن نيف وعشرين سنة).
وقال ابن النجار: (وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي في مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة) ذيل تاريخ بغداد 4: 135.
إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة والتي تتجاوز عشرات الأقوال في حق الإمام الرضا ومنزلته وعلمه.
وذكر في الصفحة 173 الإمام الحسن العسكري فقال عنه: قال ابن حجر: ضعّفه ابن الجوزي في الموضوعات فهو اعتمد فقط على ابن الجوزي وترك بقية العلماء، مع أنّ ابن الجوزي معروف بالتساهل وعدم التثبت، ولذلك ألّف الذهبي كتاب تلخيص الموضوعات استدراكاً عليه، وارجع إلى مقدمة الكتاب لترى كلماتهم في ابن الجوزي وكيفية تساهله وعدم تثبّته.
قال سبط بن الجوزي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام): (هو الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى الرضا.. كان عالماً ثقة) تذكرة الخواص: 324.
وقال ابن الصباغ المالكي: (مناقب سيّدنا أبي محمّد الحسن العسكري دالّة على أنّه السري بن السري، فلا يشكّ في إمامته أحد ولا يمتري... واحد زمانه من غير مدافع ونسيج وحده من غير منازع، إمام أهل دهره، أقواله سديدة وأفعاله حميدة..) الفصول المهمة: 279.
وقال الشيخ مؤمن الشبلنجي: (فصل في ذكر مناقب الحسن الخالص بن علي الهادي.. رضي اللّه عنهم: ومناقبه (رضي الله عنه) كثيرة.. ولما ذاع خبر وفاته ارتجت سرّمن رأى، وقامت صيحة واحدة، وعطلت الأسواق، وغلقت الدكاكين وركب بنو هاشم والكتّاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرّمن رأى يومئذ شبيهة بالقيامة). نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار: 183 ـ 185.
وقال عارف أحمد: (كان من الزهد والعلم على أمر عظيم..) الجوهر الشفاف في أنساب السادة الأشراف 1: 160.
وقد ذكرنا هذين الإمامين سلام اللّه عليهما كنموذجين للقارئ حتى يعرف كيف يتعامل أعداء أهل البيت ومبغضيهم مع فضائلهم ومناقبهم، وأنّهم دائماً يسعون للطعن بهم والتقليل من شأنهم.
3- فاطر: 32.
4- بصائر الدرجات: 32، الكافي 1: 398.
5- يراجع في ذلك كتاب "مع الصادقين" ص159 ـ 160 ليعرف بأنّ ابن تيميّة يقول بترك السنّة النبويّة إذا أصبحت شعاراً للشيعة ومع ذلك يسمّونه مجدّد السنّة.
6- قال الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في الضعيفة 1: 141 ـ 142 تعليقاً على حديث "57 ـ اختلاف أُمتي رحمة": (وإنّ من آثار هذا الحديث السيئة أنّ كثيراً من المسلمين يقرّون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة، ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسنّة الصحيحة، كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي اللّه عنهم، بل إنّ أُولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي اللّه عنهم إنّما هي كشرائع متعدّدة!!
وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية..
وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف، والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد; تجد فيها أربعة محاريب يصلي فيها أربعة من الأئمة، ولكلّ منهم جماعة ينتظرون الصلاة مع إمامهم كأنّهم أصحاب أديان مختلفة! وكيف لا وعالمهم يقول: إنّ مذاهبهم كشرائع متعددّة!!..) إلى آخر كلامه الذي يبيّن فيه شدّة الاختلاف الواقع بينهم بحيث أصبحوا شرائع متعددّة; لأنّهم يختلفون كثيراً في الأُصول والفروع، وعليه فمقولة أهل السنّة والجماعة ما هي إلاّ أُكذوبة، يكذبونها أنفسهم كما رأيت من كلام الشيخ الألباني.
ويوجد نحو هذا الكلام ـ أيضاً ـ عند المناوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 272 نقلا عن الإمام الذهبي.
7- أخرجه الإمام أحمد 3: 17 من مسنده، والمستدرك للحاكم 3: 148. وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، وصحّحه الإمام الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته على شرط الشيخين، وورد بلفظ (يتفرّقا) في مجمع الزوائد 1: 170 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، سنن الترمذي 5: 329، المصنّف لابن أبي شيبة 7: 418، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني 4: 355، ح1761.
8- أخرج البخاري في صحيحه بأنّ النبيّ نهى عن صلاة التراويح في رمضان جماعة وقال: "صلّوا أيّها الناس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته ما عدا الصلاة المكتوبة". ولكنّ أهل السنّة تركوا نهي الرسول واتّبعوا بدعة عمر بن الخطّاب.
9- تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 3.
10- مسند أحمد 1: 14 وصرّح محقّق الكتاب أحمد محمّد شاكر بأنّه حديث حسن، كنز العمال 5: 588 ح14046.
11- الأحزاب: 21.
12- البقرة: 286.
13- الحج: 78.
14- صحيح مسلم 5: 141 (كتاب الجهاد، باب تحريم الغدر).
15- سنن ابن داود 2: 457 ح4904، مجمع الزوائد للهيثمي 6: 256، وغيرها.
16- البقرة: 187.
17- ذكر عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني: 174 اعتراضين على المؤلّف:
الأوّل: إنّ عمر بن الخطّاب لم يأتِ أهله وقت الصيام وإنّما جاء أهله ليلا.
الثاني: إنّ الآية نزلت في قيس بن صرمة وليست في عمر بن الخطّاب كما روى البخاري.
وللجواب على هذا الكلام نقول: إن الآية واضحة الدلالة في تحريم الجماع والأكل والشرب في ليالي شهر رمضان إذا نام الصائم، ولأجل ذلك سماه اللّه سبحانه وتعالى وقت الصيام. روى أحمد في المسند 3: 460، والطبري في التفسير 2: 223 ح2407، والقرطبي في التفسير 2: 314، وابن كثير في التفسير 1: 226 وغيرهم: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثمّ إنّ أناساً من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطّاب...).
وأمّا جواب الاعتراض الثاني فنقول: إن عثمان الخميس يحاول حصر سبب النزول بقيس بن صرمة فقط، معتمداً على رواية البخاري، وهذا غير صحيح وذلك:
أوّلا: أنّ البخاري نفسه قطع الرواية ولم يكملها وإلاّ فهي نفس الرواية التي وردت في مسند أحمد وذكر فيها اسم عمر بن الخطّاب، كما نقلناها في جواب الاعتراض الأوّل.
ثانياً: أنّ البخاري نفسه روى الحديث في كتاب التفسير وفيه: (.. وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل اللّه...)، فصرّح بأن الآية نزلت في جماعة وليس في واحد فقط، كما يحاول عثمان الخميس تصوير ذلك، وبما أنّ الرواية الصحيحة
صرّحت بأنّ عمر بن الخطّاب من أُولئك الجمع الخائنين فيكون مشمولا بالآية الكريمة.
وثالثاً: إذا تنزلنا عن جميع ذلك فنقول: إنّ اثبات شيء لا ينفي غيره، فرواية البخاري بأنّ الآية نزلت في قيس بن صرّمة لا تعارض رواية مسند أحمد وغيره من أنّ عمر بن الخطّاب ممّن شملته الآية الكريمة; لأنّ البخاري نقل فقط اسماً واحداً، وهذا لا يعني أنّه لا يوجد هناك أسماء مشمولة للآية.
ولأجل توضيح عدم وجود التنافي قال الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول: 32 بعد أن ذكر حديث البخاري الأوّل: (الحديث أعاده البخاري في كتاب التفسير مع تغيير في بعض السند.. ولفظ متنه: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كلّه; وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ..}، وظاهرها التغاير، لكن لا مانع من أن تكون نزلت في هؤلاء وهؤلاء، ورواه أبو داود 2: 265 والنسائي 4: 121 وقد جمع حديثي البخاري فعلمنا أن القضيتين كانتا سبب النزول).
18- إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه 1: 193، من أنّ رجلا قال لعمر: إنّي أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل، فاعترض عليه عمّار وذكّره بالتيمم، وفي لفظ سنن أبي داود باب التيمم: أنّ السائل قال: إنّا نكون بالمكان الشهر أو الشهرين، فقال عمر: أمّا أنا فلم أكن أُصلّي حتى أجد الماء، فاعترض عليه عمّار.
19- تاريخ اليعقوبي 2: 175، تاريخ أبي الفداء 1: 239، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 9، المعيار والموازنة: 21، المحصول للفخر الرازي 4: 343، وبهذا تعرف أن ما ذكره عثمان الخميس في كشف الجاني: 174 من اتهام المؤلّف بالكذب، وأن عائشة لم تقل ذلك; ما هو إلاّ جهل أو مكابرة على الحقيقة المرّة التي لا يستسيغها.
20- كتاب السنّة لابن أبي عاصم: 550 ح1187 ولفظه "عليّ منّي وأنا منه" قال الألباني محقّق الكتاب: "إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم، والحديث اخرجه الترمذي 2: 297، وابن حبان (2203) والحاكم 3: 110، وأحمد 4: 437، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقرّه الذهبي".
21- تاريخ دمشق 42: 266، نظم درر السمطين: 105، الجامع الصغير 2: 608 ح8736، وذكر صدره الحاكم في المستدرك 3: 121 وصحّحه، وفي خصائص الإمام علي للنسائي: 76 ح86، وقال محقّق الكتاب أبو إسحاق الحويني الأثري: "إسناده صحيح". ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، سنن النسائي 5: 133 ح8476.
22- روى ابن ماجة في سننه 1: 56 ح121: (حدّثنا علي بن محمّد، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا موسى بن مسلم.. عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه)..."، وقد صحّح الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني الحديث في صحيح ابن ماجة 1: 72، وعلّق عليه بقوله: (قوله: (فنال منه) أي نال معاوية من علي وتكلّم فيه).
وفي عون المعبود بشرح سنن أبي داود 12: 312 ح 4636; بعد أن نقل حديثاً ورد فيه: "لمّا قدم فلان إلى الكوفة أقام فلان خطيباً.." قال عون المعبود معلّقاً على الحديث: (.. قال في فتح الودود: ولقد أحسن أبو داود في الكناية عن اسم معاوية والمغيرة بفلان ستراً عليهما في مثل هذا المحل.. قال بعض العلماء: كان في الخطبة تعريضاً بسب علي (رضي الله عنه)).
فمعاوية كان ينال من علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، بل وأقام أُمراء وخطباء ينالون من علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، فقد أمّر المغيرة بن شعبة على الكوفة، وكان المغيرة يسب عليّاً وينال منه، وأقام خطباء ينالون من علي (عليه السّلام)!! سير أعلام النبلاء، الذهبي 3: 31.
23- مقدمة ابن خلدون: 417، الفصل السابع في علم الفقه وما يتبعه من الفرائض.
1- ينابيع المودة للقندوزي 3: 282، عن فرائد السمطين للحمويني 2: 132 ح431.
2- نعم، ورد في الكتب الروائية رواية الأئمة عن الصحابي أو التابعي، وهذا غير أخذ العلم والتتلمذ عليهم، فالرواية عن شخص شيء وأخذ العلم عنه شيء آخر، وهذا الدهلوي يعترف ويصرّح بأنّ علماء أهل السنّة تتلمذوا على يد الأئمة (عليهم السّلام) وأخذوا العلم عنهم (راجع مختصر التحفة للآلوسي: 8، 34، 193، التحفه الاثني عشرية للدهلوي: 93، 142، 467، والإمام الصادق لأبي زهرة: 53).
ثمّ إنّ جهات علوم الأئمة (عليهم السّلام) متعدّدة، فقد ورد في الكافي 1: 264 إنّ مبلغ علمهم على ثلاثة وجوه: ماض، وغابر، وحادث. أمّا الماضي فمفسّر، وأمّا الغابر فمزبور، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضلهاولا نبيّ بعد نبيّنا.
ويقول المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول 3: 126 عند شرحه لهذا الحديث: " (أمّا الماضي فمفسّر) أي فسّره لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (وأمّا الغابر) أي المتعلّق بالأمُور الآتية المحتومة (فمزبور) أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام) وغيرها، والشرائع والأحكام داخل فيهما أو في أحدهما، (وأمّا الحادث) وهو ما يتجدّد من الله تعالى حتمه من الأُمور أو العلوم أو المعارف الربانية أو تفصيل المجملات (فقذف في القلوب) بالإلهام من الله تعالى بلا توسّط ملك (أو نقر في الأسماع) بتحديث الملك إيّاهم... ولما كان هذا القول منه (عليه السّلام) يوهم ادّعاء النبوة ـ فإنّ الأخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء ـ نفى ذلك الوهم بقوله: (ولا نبيّ بعد نبيّنا)...".
وعند مراجعة كتاب كشف الجاني لعثمان الخميس: 171 نجده غالط في موارد كثيرة وأُمور متعدّدة، فذكر أنّ المؤلّف يكذب بقوله: إنّ أئمة أهل البيت لم يتتلمذوا على أي عالم من علماء الأُمّة، فيشكل عليه بأنّهم تتلمذوا على يد غيرهم، مستدلا علي ذلك بكتب أهل السنّة أنفسهم!! وفي هذه مغالطة واضحة; إذ كيف يعترض على خصمه ويتهمه بالكذب، ثمّ يستدلّ على كذبه بمصادره لا بمصادر الخصم، أو بمصادر مقبولة من الطرفين؟! وهذا عين المغالطة والخلط في الاستدلال.
وذكر في كلامه أيضاً ترجمة لأئمة أهل البيت (عليهم السّلام)، وقد نحى في ترجمته لأئمة أهل البيت (عليهم السّلام) منحى النواصب والمعادين لهم (عليهم السّلام)، إذ إنّه عندما يذكر ترجمة إمام من الأئمة يذهب إلى المترجمين الشاذين والمبغضين لأهل البيت (عليهم السّلام)، والذين يسعون دائماً إلى التقليل من شأنهم وتضعيف فضائلهم فيذهب إلى هؤلاء ويأتي بكلامهم، ويترك كلام علماء أهل السنّة المعتدلين والمنصفين والذين لهم شأنهم في الوسط العلمي. ونذكر على سبيل المثال نماذج لذلك:
ذكر في الصفحة 173 في ترجمة الإمام الرضا كلام ابن طاهر وابن حبان والذي فيه طعن وتقليل من شأن الإمام، وترك كلام بقية العلماء من أئمة الرجال والجرح والتعديل، فترك كلام إمام السنّة أحمد بن حنبل والذي قال عن رواية ورد في سندها الإمام الرضا، وكان يرويها عن آبائه فقال: (لو قرأت هذه الإسناد على مجنون لبرئ من جنته) أورده ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: 310.
وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه: (كان يفتي في مسجد رسول اللّه وهو ابن نيف وعشرين سنة، روى عنه من أئمة الحديث: آدم بن أبي أياس، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمّد بن رافع القشيري) نقل كلامه ابن حجر في تهذيب التهذيب 5: 746.
وقال الحافظ جمال الدين بن الجوزي في المنتظم 10: 120: (علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... سمع أباه وعمومته، وكان يفتي في مسجد رسول اللّه وهو ابن نيف وعشرين سنة).
وقال ابن النجار: (وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي في مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة) ذيل تاريخ بغداد 4: 135.
إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة والتي تتجاوز عشرات الأقوال في حق الإمام الرضا ومنزلته وعلمه.
وذكر في الصفحة 173 الإمام الحسن العسكري فقال عنه: قال ابن حجر: ضعّفه ابن الجوزي في الموضوعات فهو اعتمد فقط على ابن الجوزي وترك بقية العلماء، مع أنّ ابن الجوزي معروف بالتساهل وعدم التثبت، ولذلك ألّف الذهبي كتاب تلخيص الموضوعات استدراكاً عليه، وارجع إلى مقدمة الكتاب لترى كلماتهم في ابن الجوزي وكيفية تساهله وعدم تثبّته.
قال سبط بن الجوزي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام): (هو الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى الرضا.. كان عالماً ثقة) تذكرة الخواص: 324.
وقال ابن الصباغ المالكي: (مناقب سيّدنا أبي محمّد الحسن العسكري دالّة على أنّه السري بن السري، فلا يشكّ في إمامته أحد ولا يمتري... واحد زمانه من غير مدافع ونسيج وحده من غير منازع، إمام أهل دهره، أقواله سديدة وأفعاله حميدة..) الفصول المهمة: 279.
وقال الشيخ مؤمن الشبلنجي: (فصل في ذكر مناقب الحسن الخالص بن علي الهادي.. رضي اللّه عنهم: ومناقبه (رضي الله عنه) كثيرة.. ولما ذاع خبر وفاته ارتجت سرّمن رأى، وقامت صيحة واحدة، وعطلت الأسواق، وغلقت الدكاكين وركب بنو هاشم والكتّاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرّمن رأى يومئذ شبيهة بالقيامة). نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار: 183 ـ 185.
وقال عارف أحمد: (كان من الزهد والعلم على أمر عظيم..) الجوهر الشفاف في أنساب السادة الأشراف 1: 160.
وقد ذكرنا هذين الإمامين سلام اللّه عليهما كنموذجين للقارئ حتى يعرف كيف يتعامل أعداء أهل البيت ومبغضيهم مع فضائلهم ومناقبهم، وأنّهم دائماً يسعون للطعن بهم والتقليل من شأنهم.
3- فاطر: 32.
4- بصائر الدرجات: 32، الكافي 1: 398.
5- يراجع في ذلك كتاب "مع الصادقين" ص159 ـ 160 ليعرف بأنّ ابن تيميّة يقول بترك السنّة النبويّة إذا أصبحت شعاراً للشيعة ومع ذلك يسمّونه مجدّد السنّة.
6- قال الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في الضعيفة 1: 141 ـ 142 تعليقاً على حديث "57 ـ اختلاف أُمتي رحمة": (وإنّ من آثار هذا الحديث السيئة أنّ كثيراً من المسلمين يقرّون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة، ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسنّة الصحيحة، كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي اللّه عنهم، بل إنّ أُولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي اللّه عنهم إنّما هي كشرائع متعدّدة!!
وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية..
وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف، والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد; تجد فيها أربعة محاريب يصلي فيها أربعة من الأئمة، ولكلّ منهم جماعة ينتظرون الصلاة مع إمامهم كأنّهم أصحاب أديان مختلفة! وكيف لا وعالمهم يقول: إنّ مذاهبهم كشرائع متعددّة!!..) إلى آخر كلامه الذي يبيّن فيه شدّة الاختلاف الواقع بينهم بحيث أصبحوا شرائع متعددّة; لأنّهم يختلفون كثيراً في الأُصول والفروع، وعليه فمقولة أهل السنّة والجماعة ما هي إلاّ أُكذوبة، يكذبونها أنفسهم كما رأيت من كلام الشيخ الألباني.
ويوجد نحو هذا الكلام ـ أيضاً ـ عند المناوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 272 نقلا عن الإمام الذهبي.
7- أخرجه الإمام أحمد 3: 17 من مسنده، والمستدرك للحاكم 3: 148. وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، وصحّحه الإمام الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته على شرط الشيخين، وورد بلفظ (يتفرّقا) في مجمع الزوائد 1: 170 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، سنن الترمذي 5: 329، المصنّف لابن أبي شيبة 7: 418، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني 4: 355، ح1761.
8- أخرج البخاري في صحيحه بأنّ النبيّ نهى عن صلاة التراويح في رمضان جماعة وقال: "صلّوا أيّها الناس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته ما عدا الصلاة المكتوبة". ولكنّ أهل السنّة تركوا نهي الرسول واتّبعوا بدعة عمر بن الخطّاب.
9- تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 3.
10- مسند أحمد 1: 14 وصرّح محقّق الكتاب أحمد محمّد شاكر بأنّه حديث حسن، كنز العمال 5: 588 ح14046.
11- الأحزاب: 21.
12- البقرة: 286.
13- الحج: 78.
14- صحيح مسلم 5: 141 (كتاب الجهاد، باب تحريم الغدر).
15- سنن ابن داود 2: 457 ح4904، مجمع الزوائد للهيثمي 6: 256، وغيرها.
16- البقرة: 187.
17- ذكر عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني: 174 اعتراضين على المؤلّف:
الأوّل: إنّ عمر بن الخطّاب لم يأتِ أهله وقت الصيام وإنّما جاء أهله ليلا.
الثاني: إنّ الآية نزلت في قيس بن صرمة وليست في عمر بن الخطّاب كما روى البخاري.
وللجواب على هذا الكلام نقول: إن الآية واضحة الدلالة في تحريم الجماع والأكل والشرب في ليالي شهر رمضان إذا نام الصائم، ولأجل ذلك سماه اللّه سبحانه وتعالى وقت الصيام. روى أحمد في المسند 3: 460، والطبري في التفسير 2: 223 ح2407، والقرطبي في التفسير 2: 314، وابن كثير في التفسير 1: 226 وغيرهم: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثمّ إنّ أناساً من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطّاب...).
وأمّا جواب الاعتراض الثاني فنقول: إن عثمان الخميس يحاول حصر سبب النزول بقيس بن صرمة فقط، معتمداً على رواية البخاري، وهذا غير صحيح وذلك:
أوّلا: أنّ البخاري نفسه قطع الرواية ولم يكملها وإلاّ فهي نفس الرواية التي وردت في مسند أحمد وذكر فيها اسم عمر بن الخطّاب، كما نقلناها في جواب الاعتراض الأوّل.
ثانياً: أنّ البخاري نفسه روى الحديث في كتاب التفسير وفيه: (.. وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل اللّه...)، فصرّح بأن الآية نزلت في جماعة وليس في واحد فقط، كما يحاول عثمان الخميس تصوير ذلك، وبما أنّ الرواية الصحيحة
صرّحت بأنّ عمر بن الخطّاب من أُولئك الجمع الخائنين فيكون مشمولا بالآية الكريمة.
وثالثاً: إذا تنزلنا عن جميع ذلك فنقول: إنّ اثبات شيء لا ينفي غيره، فرواية البخاري بأنّ الآية نزلت في قيس بن صرّمة لا تعارض رواية مسند أحمد وغيره من أنّ عمر بن الخطّاب ممّن شملته الآية الكريمة; لأنّ البخاري نقل فقط اسماً واحداً، وهذا لا يعني أنّه لا يوجد هناك أسماء مشمولة للآية.
ولأجل توضيح عدم وجود التنافي قال الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول: 32 بعد أن ذكر حديث البخاري الأوّل: (الحديث أعاده البخاري في كتاب التفسير مع تغيير في بعض السند.. ولفظ متنه: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كلّه; وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ..}، وظاهرها التغاير، لكن لا مانع من أن تكون نزلت في هؤلاء وهؤلاء، ورواه أبو داود 2: 265 والنسائي 4: 121 وقد جمع حديثي البخاري فعلمنا أن القضيتين كانتا سبب النزول).
18- إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه 1: 193، من أنّ رجلا قال لعمر: إنّي أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل، فاعترض عليه عمّار وذكّره بالتيمم، وفي لفظ سنن أبي داود باب التيمم: أنّ السائل قال: إنّا نكون بالمكان الشهر أو الشهرين، فقال عمر: أمّا أنا فلم أكن أُصلّي حتى أجد الماء، فاعترض عليه عمّار.
19- تاريخ اليعقوبي 2: 175، تاريخ أبي الفداء 1: 239، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 9، المعيار والموازنة: 21، المحصول للفخر الرازي 4: 343، وبهذا تعرف أن ما ذكره عثمان الخميس في كشف الجاني: 174 من اتهام المؤلّف بالكذب، وأن عائشة لم تقل ذلك; ما هو إلاّ جهل أو مكابرة على الحقيقة المرّة التي لا يستسيغها.
20- كتاب السنّة لابن أبي عاصم: 550 ح1187 ولفظه "عليّ منّي وأنا منه" قال الألباني محقّق الكتاب: "إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم، والحديث اخرجه الترمذي 2: 297، وابن حبان (2203) والحاكم 3: 110، وأحمد 4: 437، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقرّه الذهبي".
21- تاريخ دمشق 42: 266، نظم درر السمطين: 105، الجامع الصغير 2: 608 ح8736، وذكر صدره الحاكم في المستدرك 3: 121 وصحّحه، وفي خصائص الإمام علي للنسائي: 76 ح86، وقال محقّق الكتاب أبو إسحاق الحويني الأثري: "إسناده صحيح". ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، سنن النسائي 5: 133 ح8476.
22- روى ابن ماجة في سننه 1: 56 ح121: (حدّثنا علي بن محمّد، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا موسى بن مسلم.. عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه)..."، وقد صحّح الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني الحديث في صحيح ابن ماجة 1: 72، وعلّق عليه بقوله: (قوله: (فنال منه) أي نال معاوية من علي وتكلّم فيه).
وفي عون المعبود بشرح سنن أبي داود 12: 312 ح 4636; بعد أن نقل حديثاً ورد فيه: "لمّا قدم فلان إلى الكوفة أقام فلان خطيباً.." قال عون المعبود معلّقاً على الحديث: (.. قال في فتح الودود: ولقد أحسن أبو داود في الكناية عن اسم معاوية والمغيرة بفلان ستراً عليهما في مثل هذا المحل.. قال بعض العلماء: كان في الخطبة تعريضاً بسب علي (رضي الله عنه)).
فمعاوية كان ينال من علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، بل وأقام أُمراء وخطباء ينالون من علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، فقد أمّر المغيرة بن شعبة على الكوفة، وكان المغيرة يسب عليّاً وينال منه، وأقام خطباء ينالون من علي (عليه السّلام)!! سير أعلام النبلاء، الذهبي 3: 31.
23- مقدمة ابن خلدون: 417، الفصل السابع في علم الفقه وما يتبعه من الفرائض.