الاسلوب العلمي حول عدم عدالة جميع الصحابة
حاججت احد الكتاب قبل ان استبصر بهذه الاية على عدالة جميع الصحابة
قال تعالى : ( كُنتُمْ خيرَ أُمَّة أُخرجَتْ للنّاسِ تأمُرُونَ بالمعروفِ وتَنهَونَ عَنِ المنكرِ وتؤمنونَ باللهِ... ) ([1]) .
فاجابني برسالة هذا جزء ماورد فيها
قالوا : نزلت هذه الآية في المهاجرين من مكّة إلى المدينة كما ورد عن عبدالله بن عباس أنّه قال : (هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه واله من مكّة إلى المدينة) ([2]) .
وعن عكرمة ومقاتل : (نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، وذلك أنّ مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إنَّ ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالى هذه الآية...) ([3]) .
والآية حتى لو كانت نازلة في مورد خاص إلاّ أنّ المفسرين وسّعوا المفهوم ليشمل جميع الاُمّة الإسلامية كما يقول ابن كثير : (والصحيح أنَّ هذه الآية عامة في جميع الاُمّة كل قرن بحسبه) ([4]) .
واختلف العلماء القراءة المشهورة ـ في تشخيص من تشمله الآية ، هل هو الاُمّة بأفرادها فرداً فرداً ؟ أي أنّ كلّ فرد من الاُمّة الإسلامية هو موصوف بالخيرية ، أو هو الاُمة إجمالاً ، أي بمجموعها دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً .
فذهب جماعة إلى الرأي الأول ومنهم : الخطيب البغدادي ، وابن حجر العسقلاني ، وابن عبدالبر القرطبي ، وابن الصلاح ، وابن النجّار الحنبلي ([5]) .
فالآية في نظرهم شاملة لجميع أفراد الاُمّة وهم الصحابة آنذاك ، فكل صحابي يتصف بالخيرية والعدالة مادام يشهد الشهادتين .
وذهب آخرون إلى الرأي الثاني ، وهو اتصاف مجموع الاُمّة بالخيرية دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً ، وقيّدوا هذه الصفة بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يتصف بالخيرية من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ، سواء كان فرداً أو أُمّة .
قال الفخر الرازي : (... المعنى أنّكم كنتم في اللوح المحفوظ خير الاُمم وأفضلهم ، فاللائق بهذا أن لا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة... وأن تكونوا منقادين مطيعين في كلِّ ما يتوجه عليكم من التكاليف... والألف واللام في لفظ (المعروف) ، ولفظ (المنكر) يفيدان الاستغراق ، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكلِّ معروف وناهين عن كلِّ منكر... (تأمرون) المقصود به بيان علة تلك الخيرية)([6]) .
وقال الفضل الطبرسي : (كان بمعنى صار ، ومعناه : صرتم خير أُمّة خلقت لأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر وإيمانكم بالله ، فتصير هذه الخصال... شرطاً في كونهم خيراً) ([7]) .
وقال القرطبي : (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر : مدح لهذه الاُمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به ، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر ، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم) ([8]) .
فالخيرية تزول إن زالت علّتها ، وذهب إلى ذلك ـ أيضاً ـ نظام الدين النيسابوري ([9]) ، والشوكاني ([10]) ، وآخرون .
وذكر ابن كثير قولين ـ في ذكر الشروط ـ أحدهما لرسول الله صلى الله عليه واله والآخر لعمر بن الخطّاب :
قال رسول الله صلى الله عليه واله : خيرُ الناس أقرأهم، وأتقاهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم([11]) .
فالآية الكريمة ناظرة إلى مجموع الاُمّة ، أمّا الأفراد فقد وضع صلى الله عليه واله مقياساً لاتصافهم بالخيرية كما جاء في قوله .
وفي حجة حجّها عمر بن الخطاب رأى من الناس دعة ، فقرأ هذه الآية ، ثم قال : (من سرّه أن يكون من هذه الاُمّة فليؤدِ شرط الله فيها) ([12]) .
وذهب أحمد مصطفى المراغي إلى أنّ الخيرية مختصة بمن نزلت فيهم الآية في حينها ، ثم وسّع المفهوم مشروطاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال : (... أنتم خير أُمّة في الوجود الآن ، لأنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون إيماناً صادقاً يظهر أثره في نفوسكم... وهذا الوصف يصدق على الذين خوطبوا به أولاً ، وهم النبي صلى الله عليه واله وأصحابه الذين كانوا معه وقت التنزيل... وما فتئت هذه الاُمّة خير الاُمم حتى تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ([13]) .
وأضاف محمد رشيد رضا : الاعتصام بحبل الله ، وعدم التفرّق ، إلى شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال : (شهادة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه واله ومن اتّبعه من المؤمنين الصادقين إلى زمن نزولها بأنّها خير أُمّة أُخرجت للناس بتلك المزايا الثلاث ، ومن اتّبعهم فيها كان له حكمهم لا محالة ، ولكن هذه الخيرية لا يستحقها من ليس لهم من الإسلام واتّباع النبي صلى الله عليه واله إلاّ الدعوى وجعل الدين جنسية لهم ، بل لا يستحقها من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحجّ البيت الحرام والتزم الحلال واجتنب الحرام مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام، إلاّ بعد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالاعتصام بحبل الله مع اتّقاء التفرّق والخلاف في الدين...
إنّ هذه الصفات العالية والمزايا الكاملة لذلك الإيمان الكامل ، لم تكن لكلِّ من يطلق عليه المحدثون اسم الصحابي) ([14]) .
ومن خلال طرح هذه الآراء نجد أنّ الرأي الثاني هو الأقرب للمعنى المراد ، فإنَّ الآية ناظرة إلى مجمل الاُمّة وليس إلى الأفراد فرداً فرداً .
وأكدّ الدكتور عبدالكريم النملة هذا المعنى فقال : (... لا يجوز استعمال اللفظ في معنيين مختلفين ، فالمراد مجموع الاُمّة من حيث المجموع ، فلا يراد كل واحد منهم ـ أي من الصحابة ـ) ([15]) .
[1]) سورة آل عمران 3 : 110 .
[2]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 1 : 399 . والدر المنثور ، للسيوطي 2 : 293 . وبنحوه في الجامع لاحكام القرآن ، للقرطبي 4 : 170 .
[3]) أسباب نزول القرآن ، للواحدي : 121 .
[4]) تفسير القرآن العظيم 1 : 399 .
[5]) الكفاية في علم الرواية : 46 . الاصابة 1 : 6 . والاستيعاب 1 : 2 . ومقدمة ابن الصلاح : 427 . وشرح الكوكب المنير 2 : 274 .
[6]) التفسير الكبير 8 : 189 ـ 191 .
[7]) مجمع البيان في تفسير القرآن ، للطبرسي 1 : 486 .
[8]) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي 4 : 173 .
[9]) تفسير غرائب القرآن ، للنيسابوري 2 : 232 .
[10]) فتح القدير ، للشوكاني 1 : 371 .
[11]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 1 : 399 .
[12]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 1 : 404 .
[13]) تفسير المراغي ، لاحمد مصطفى المراغي 4 : 29 .
[14]) تفسير المنار 4 : 58 ـ 59 .
[15]) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف : 82 .
[2]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 1 : 399 . والدر المنثور ، للسيوطي 2 : 293 . وبنحوه في الجامع لاحكام القرآن ، للقرطبي 4 : 170 .
[3]) أسباب نزول القرآن ، للواحدي : 121 .
[4]) تفسير القرآن العظيم 1 : 399 .
[5]) الكفاية في علم الرواية : 46 . الاصابة 1 : 6 . والاستيعاب 1 : 2 . ومقدمة ابن الصلاح : 427 . وشرح الكوكب المنير 2 : 274 .
[6]) التفسير الكبير 8 : 189 ـ 191 .
[7]) مجمع البيان في تفسير القرآن ، للطبرسي 1 : 486 .
[8]) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي 4 : 173 .
[9]) تفسير غرائب القرآن ، للنيسابوري 2 : 232 .
[10]) فتح القدير ، للشوكاني 1 : 371 .
[11]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 1 : 399 .
[12]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 1 : 404 .
[13]) تفسير المراغي ، لاحمد مصطفى المراغي 4 : 29 .
[14]) تفسير المنار 4 : 58 ـ 59 .
[15]) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف : 82 .
تعليق