بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بل.. اقسروا أولادكم على مكارم الأخلاق
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بل.. اقسروا أولادكم على مكارم الأخلاق
مقولة كرَّرها الكثير من العلماء والباحثين المسلمين وغيرهم منسوبة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) نصُّها: "لا تُقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
موضوع الإثارة في هذه المقولة أنَّها تتضمَّن القول بنسبيَّة الأخلاق، فقد تصلح بعض الأخلاق لزمان، ولا تصلح لزمان آخر، وهذا المنطق مرفوض كما بحثه بعض المفكِّرين كالشَّهيد مطهريّ وغيره؛ لأنَّ الموقف من الأخلاق لا يتبدَّل أبدًا، إذ أنَّ كلمة "أخلاق" تعني سجايا أو صفات، ولا يمكن تغيير الموقف الإسلاميِّ منها من حيث الأصل، فالشَّجاعة من مكارم الأخلاق، وهي سجيَّة مطلوبة، والجبن من رذائل الأخلاق، وهي صفة منبوذة، وهكذا الصَّدق في مقابل الكذب، والكرم في مقابل البخل، والحلم في مقابل الغضب، والسَّماحة في مقابل الانتقام، والأمانة في مقابل الخيانة، والوفاء مقابل نكث العهد… إلخ.
هذه كلّها أخلاق، بعضها من مكارم الأخلاق، والقسم المقابل من رذائل الأخلاق.
المسألة أنَّ العديد من الباحثين يستشهد بهذه الرِّواية المنسوبة للإمام عليّ (عليه السلام)، وعندما يأتي لكلمة "أخلاقكم"، يذهب بعيدًا عن المعنى اللُّغويِّ للكلمة والمعنى الوارد عن أهل بيت العصمة (عليهم السَّلام)، والتي تعني السَّجايا، سواء منها السَّجايا السيِّئة أم السَّجايا الحسنة، فمثلاً ما عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: "عليكم بحسن الخُلق، فإنَّ حسن الخلق في الجنَّة لا محالة، وإيَّاكم وسوء الخلق، فإنَّ سوء الخلق في النَّار لا محالة".
وكلُّ الرِّوايات تنصُّ على أنَّ الخُلق منه السيِّئ ومنه الحسن، ولهذا قال النَّبيُّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): "إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارمَ الأخلاق".
ويضطرُّ مَن يستعين بالكلمة المنسوبة إلى الإمام (عليه السَّلام) إلى اللُّجوء إلى التَّأويلات، كالقول: إنَّ الإمام يقصد بالأخلاق هنا الآداب الاجتماعيَّة من العادات التي تعارف عليها النَّاس والتَّقاليد التي تلائم عصر الآباء ولا تتَّسق مع الأبناء، كطريقة الأكل واللِّبس والنَّوم على الأريكة، أو… إلخ، فلا يصحُّ إجبار الأبناء على لبس الثَّوب، أو الأكل باليد.
وفي الحقيقة هذه تخريجات صحيحة تمامًا، ولكن تصطدم مع المعنى اللُّغويِّ لكلمة "الأخلاق"، ولا تنسجم مطلقًا مع مفهومها الوارد عن أهل البيت (عليهم السَّلام).
المسألة كما يبدو – والله العالم – أنَّه قد ساد عرفٌ يستخدم كلمة أخلاق في السَّجايا الحسنة فقط، ولهذا يكون الذَّمُّ بأنَّ فلانًا عديم الأخلاق، أو ذمّ طرف من الأطراف على أنَّه سلك أسلوبًا غير أخلاقيٍّ، وهذا الذي أدَّى إلى إفساد المعنى الدَّقيق لكلمة أخلاق.
إذًا ما تفسير الرِّواية المنسوبة للإمام عليٍّ (عليه السَّلام) والتي لو سلَّمنا بصحَّتها، قادتنا إلى نسبيَّة الأخلاق المرفوضة بالمطلق؟
ربّما يكون الكاتب المسيحيُّ جورج جرداق أوَّل مَن نسب هذه الكلمة إلى الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في كتابه: روائع نهج البلاغة ( ).
والمفاجأة أنَّ هذه الكلمة لا وجود لها في نهج البلاغة البتَّة.
وللعلم، فبعض العلماء نسبها إلى سقراط بصيغة مختلفة، وهي: "لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"( ).
والحقّ، فقد انفرد بروايتها ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة مع اختلاف جوهريٍّ عمَّا هو متداول، وهذا نصُّها حرفيًّا: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"( ).
والملاحظة المهمَّة هنا، أنَّه استخدم كلمة "آدابكم"، وليس "أخلاقكم" كما راج بين النَّاس، ولكلمة "آداب" معانٍ كثيرة، منها ما هو متداول في كتب الفقه كالتَّأديب بمعنى إنزال العقوبة بالصَّبيِّ بضربه، وقد تأتي بمعنى التَّعليم والتَّعويد، ومنها الآداب الاجتماعيَّة كبعض العادات والتَّقاليد التي تعارف النَّاس عليها واعتادوها، وهو ما قال به بعض العلماء في تفسير كلمة الإمام (عليه السَّلام).
وبحسب البحث والاقتفاء، فإنَّه لا وجود لهذه الكلمة في المصادر القديمة (سنيَّة، أم شيعيَّة) التي سبقت ابن أبي الحديد (توفي في منتصف القرن السَّابع الهجريِّ).
وعلى ذلك كلِّه يصحُّ القول: لا تقسروا أولادكم على آدابكم، ولكن اقسروهم على مكارم الأخلاق، كالفضيلة والشَّجاعة والعفاف والكرم والسماحة والحميَّة والحلم والأمانة والوفاء بالعهد "فإنَّ هذه من أخصِّ ما يجب أنْ يقسر الآباء عليه الأبناء، فإذا كنت متَّصفًا بالكرم والوفاء والتَّسامح والإباء وغيرها من السَّجايا النَّبيلة، فالإمام (عليه السَّلام) أسمى من أنْ ينهاني عن أنْ أروِّض ولدي عليها وألزمه بها"( ).
ويصحُّ – أيضًا – القول: اقسروهم على ترك الأخلاق الرَّذيلة كالبخل والجبن والخيانة ونكث العهد.
موضوع الإثارة في هذه المقولة أنَّها تتضمَّن القول بنسبيَّة الأخلاق، فقد تصلح بعض الأخلاق لزمان، ولا تصلح لزمان آخر، وهذا المنطق مرفوض كما بحثه بعض المفكِّرين كالشَّهيد مطهريّ وغيره؛ لأنَّ الموقف من الأخلاق لا يتبدَّل أبدًا، إذ أنَّ كلمة "أخلاق" تعني سجايا أو صفات، ولا يمكن تغيير الموقف الإسلاميِّ منها من حيث الأصل، فالشَّجاعة من مكارم الأخلاق، وهي سجيَّة مطلوبة، والجبن من رذائل الأخلاق، وهي صفة منبوذة، وهكذا الصَّدق في مقابل الكذب، والكرم في مقابل البخل، والحلم في مقابل الغضب، والسَّماحة في مقابل الانتقام، والأمانة في مقابل الخيانة، والوفاء مقابل نكث العهد… إلخ.
هذه كلّها أخلاق، بعضها من مكارم الأخلاق، والقسم المقابل من رذائل الأخلاق.
المسألة أنَّ العديد من الباحثين يستشهد بهذه الرِّواية المنسوبة للإمام عليّ (عليه السلام)، وعندما يأتي لكلمة "أخلاقكم"، يذهب بعيدًا عن المعنى اللُّغويِّ للكلمة والمعنى الوارد عن أهل بيت العصمة (عليهم السَّلام)، والتي تعني السَّجايا، سواء منها السَّجايا السيِّئة أم السَّجايا الحسنة، فمثلاً ما عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: "عليكم بحسن الخُلق، فإنَّ حسن الخلق في الجنَّة لا محالة، وإيَّاكم وسوء الخلق، فإنَّ سوء الخلق في النَّار لا محالة".
وكلُّ الرِّوايات تنصُّ على أنَّ الخُلق منه السيِّئ ومنه الحسن، ولهذا قال النَّبيُّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): "إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارمَ الأخلاق".
ويضطرُّ مَن يستعين بالكلمة المنسوبة إلى الإمام (عليه السَّلام) إلى اللُّجوء إلى التَّأويلات، كالقول: إنَّ الإمام يقصد بالأخلاق هنا الآداب الاجتماعيَّة من العادات التي تعارف عليها النَّاس والتَّقاليد التي تلائم عصر الآباء ولا تتَّسق مع الأبناء، كطريقة الأكل واللِّبس والنَّوم على الأريكة، أو… إلخ، فلا يصحُّ إجبار الأبناء على لبس الثَّوب، أو الأكل باليد.
وفي الحقيقة هذه تخريجات صحيحة تمامًا، ولكن تصطدم مع المعنى اللُّغويِّ لكلمة "الأخلاق"، ولا تنسجم مطلقًا مع مفهومها الوارد عن أهل البيت (عليهم السَّلام).
المسألة كما يبدو – والله العالم – أنَّه قد ساد عرفٌ يستخدم كلمة أخلاق في السَّجايا الحسنة فقط، ولهذا يكون الذَّمُّ بأنَّ فلانًا عديم الأخلاق، أو ذمّ طرف من الأطراف على أنَّه سلك أسلوبًا غير أخلاقيٍّ، وهذا الذي أدَّى إلى إفساد المعنى الدَّقيق لكلمة أخلاق.
إذًا ما تفسير الرِّواية المنسوبة للإمام عليٍّ (عليه السَّلام) والتي لو سلَّمنا بصحَّتها، قادتنا إلى نسبيَّة الأخلاق المرفوضة بالمطلق؟
ربّما يكون الكاتب المسيحيُّ جورج جرداق أوَّل مَن نسب هذه الكلمة إلى الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) في كتابه: روائع نهج البلاغة ( ).
والمفاجأة أنَّ هذه الكلمة لا وجود لها في نهج البلاغة البتَّة.
وللعلم، فبعض العلماء نسبها إلى سقراط بصيغة مختلفة، وهي: "لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"( ).
والحقّ، فقد انفرد بروايتها ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة مع اختلاف جوهريٍّ عمَّا هو متداول، وهذا نصُّها حرفيًّا: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"( ).
والملاحظة المهمَّة هنا، أنَّه استخدم كلمة "آدابكم"، وليس "أخلاقكم" كما راج بين النَّاس، ولكلمة "آداب" معانٍ كثيرة، منها ما هو متداول في كتب الفقه كالتَّأديب بمعنى إنزال العقوبة بالصَّبيِّ بضربه، وقد تأتي بمعنى التَّعليم والتَّعويد، ومنها الآداب الاجتماعيَّة كبعض العادات والتَّقاليد التي تعارف النَّاس عليها واعتادوها، وهو ما قال به بعض العلماء في تفسير كلمة الإمام (عليه السَّلام).
وبحسب البحث والاقتفاء، فإنَّه لا وجود لهذه الكلمة في المصادر القديمة (سنيَّة، أم شيعيَّة) التي سبقت ابن أبي الحديد (توفي في منتصف القرن السَّابع الهجريِّ).
وعلى ذلك كلِّه يصحُّ القول: لا تقسروا أولادكم على آدابكم، ولكن اقسروهم على مكارم الأخلاق، كالفضيلة والشَّجاعة والعفاف والكرم والسماحة والحميَّة والحلم والأمانة والوفاء بالعهد "فإنَّ هذه من أخصِّ ما يجب أنْ يقسر الآباء عليه الأبناء، فإذا كنت متَّصفًا بالكرم والوفاء والتَّسامح والإباء وغيرها من السَّجايا النَّبيلة، فالإمام (عليه السَّلام) أسمى من أنْ ينهاني عن أنْ أروِّض ولدي عليها وألزمه بها"( ).
ويصحُّ – أيضًا – القول: اقسروهم على ترك الأخلاق الرَّذيلة كالبخل والجبن والخيانة ونكث العهد.
تعليق