(1) الأُسس الطبيعية لحقوق الأُسرة: إنّ أساس وروح لائحة حقوق الإنسان هو أنّ للإنسان كرامة وشخصية ذاتية قابلة للاحترام، وأنّه قد مُنح في أصل خلقته مجموعة من الحقوق والحريات غير القابلة للسلب والانتقال بأيّ حالٍ من الأحوال . إنّ هذا الأساس والروح قد حظي بتأييد الإسلام والفلسفات الشرقية ، وأنّ الذي لا ينسجم مع روح وأساس هذه اللائحة ويعتبرها واهية لا تستند إلى أساس ، هي التفسيرات التي تطرحها المدارس الفلسفية في الغرب حول الإنسان ونسيج خلقه . وبديهي أنّ المصدر الوحيد المخوّل في تعريف حقوق الإنسان والواقعية هو كتاب الخلق الثمين ، فبالرجوع إلى صفحات وسطور هذه الكتاب العظيم ، نطّلع على حقوق الإنسان الحقيقة وعلى حقوق المرأة والرجل تجاه بعضهما البعض . والعجيب أنّ بعضاً من البسطاء ، غير مستعدّين إطلاقاً للاعتراف بهذا المصدر العظيم . وفي نظر هؤلاء إنّ المصدر الوحيد المخوّل هو مجموعة من أفراد البشر الذين كانت لهم يد في تنظيم لائحة حقوق الإنسان وهم اليوم يحكمون العالم كلّه . وهم يلتزمون عملياً ببنود هذه اللائحة ، ولا يجرؤ الآخرون على الاعتراض عليهم . أمّا نحن فباسم حقوق الإنسان نفسها نعطي لأنفسنا حق الاعتراض ونعتبر جهاز الخلقة العظيم ( العالم ) ـ هذا الكتاب الإلهي المعبّر ـ مرجعاً صالحاً لنا في البين . ترابط الحقوق الطبيعية وهدفيّة الطبيعة: إنّ الحقوق الطبيعية والفطرية ـ من وجهة نظرنا ـ ترجع إلى الاستعدادات التي أوجدتها القوّة الخالقة في الموجودات والتي تستثمرها في توجيه هذه الموجودات بهدفيّة وقصد نحو التكامل الذي تريده لها . ففي مقابل كل استعداد طبيعي يوجد ( حق طبيعي ) ويحسب به سنداً طبيعياً فالإنسان ـ مثلاً ـ يملك حق التعليم والذهاب إلى المدرسة ، أمّا الخروف فلا يملك هذا الحق ، لماذا ؟ لأنّ الاستعدادات لتحصيل العلم وبلوغ المراتب العلمية موجودة في بني الإنسان ومفقودة في الخروف . والقدرة الخالقة قد أودعت سند هذا الحق في وجود الإنسان ولم تودعه في وجود الخروف . وهذا يصدق على حق التفكير والتصويت وحرية الإرادة ، ويُخيّل إلى البعض أنّ فرضية ( الحقوق الطبيعية ) وتميّز الإنسان ـ خلقة ـ بحقوق خاصة ؛ ادعاء أجوف وأناني يجب أن يُطرد من الأذهان فلا فرق بين الإنسان وغير الإنسان في الحقوق . كلاّ ، وليس الأمر كذلك ، فإنّ الاستعدادات الطبيعية تختلف ، وأنّ القوّة الخلاّقة قد وضعت كل نوع من أنواع الموجودات في مدار خاص بها ، وحصرت سعادة كل ذلك النوع في حركته ضمن مداره الطبيعي ، وهذه القوّة لها هدف من وراء هذا العمل فهي لم تسلم هذه السندات بيد المخلوقات عبثاً ومصادفة . إنّ أساس وجذر حقوق الأُسرة التي هي مجال بحثنا الآن ـ مثل باقي الحقوق الطبيعية ـ يجب أن يخضع للتدقيق . ومن الاستعدادات الطبيعية ـ للمرأة والرجل ـ التي أودعها الخالق فيهما نستطيع أن نفهم ما إذا كانت المرأة والرجل يملكان حقوقاً وواجبات متشابهة أو لا . ولا تنسوا أنّ مجال بحثنا الآن ـ كما قلنا في المقالات السابقة هو ( تشابه حقوق ) المرأة والرجل في الأسرة وليس ( تساوي حقوقهما ). الحقوق الاجتماعية: يتمتّع أفراد بني الإنسان في مجال الحقوق الاجتماعية غير الأُسرية ـ أي في المجتمع الكبير خارج محيط الأسرة ـ بوضع متساوٍ ومتشابه ، أي إنّ لكل منهم حقوقاً أوّلية طبيعية يتساوى فيها الجميع تماماً . فللجميع حق الاستفادة من مواهبهم الطبيعية ، وللجميع حق العمل وللجميع أن يشتركوا في سباق الحياة ، وللجميع الحق في ترشيح أنفسهم لأيّ مقام اجتماعي شاءوا ولكل منهم أن يسلك للحصول على ذلك كل طريق مشروع ، وللجميع الحق في إظهار استعداداتهم العلمية والعملية . وبالطبع فإنّ نفس هذا التساوي في الحقوق الأوّلية الطبيعية سيجرهم بالتدريج إلى وضع غير متساوٍ في الحقوق المكتسبة ، فهم جميعاً يملكون حقّاً على درجة واحدة في العمل والاشتراك في سباق الحياة ، ولكن حين يصل الأمر إلى كيفيّة إنجاز الأعمال والاجتهاد في السباق ، فإنّ الجميع لا يخرجون من المسابقة بدرجة واحدة من الإجادة والانجاز ، ففيهم مَن هو أكثر استعداداً ، وفيهم مَن هو أقلّ استعداداً ، ومنهم النشيط الفعّال ، ومنهم الكسول المتقاعس . والخلاصة : أنّ بعضهم أعلم وأكمل وأكثر تفنّناً وأكثر إنتاجاً وأليق من البعض الآخر ، وهذا ممّا يؤدّي إلى حصولهم على حقوق مكتسبة غير متساوية ، وإذا أردنا أن نساوي بينهم في الحقوق المكتسبة ، كما تساووا في الحقوق الطبيعية الأوّلية ، فلن يوسم تصرّفنا هذا بغير الظلم والعدوان . ولننظر الآن لماذا كان جميع الأفراد يتمتّعون بقدرٍ متساوٍ ومتشابه من الحقوق الطبيعية الأوّلية في المجتمع ؟ الجواب : قد ثبت من خلال مطالعة أحوال البشر ، أنّ الأفراد لم يولد أيّ منهم رئيساً أو مرؤوساً بالطبع ، ولم يولد أحد منهم عاملاً أو صانعاً أو أُستاذاً أو معلّماً أو ضابطاً أو جندياً أو وزيراً ، فليست هذه المهارات إلاّ مزايا وخصوصيات تُعد جزءاً من الحقوق المكتسبة ، أي أنّ الأفراد يكتسبونها من المجتمع بفعل لياقتهم واستعدادهم ونشاطهم ومثابرتهم ، ويقوم المجتمع بمنح هذه المناصب على أساس من قانون وضعي . ولا تختلف حياة الإنسان الاجتماعية عن حياة الحيوان الاجتماعية كالنحلة مثلاً إلاّ في هذا الجانب ، فإنّ التشكيلات الحياتية لهذه الحيوانات طبيعية مائة في المائة ، فقد وزّعت الطبيعة أعمالها ومراتبها وليس للحيوانات أي دخل في ذلك ؛ فرئيسها رئيس بالطبع ومرؤوسها مرؤوس بالطبع ، وفيها العامل وفيها المهندس وفيها المراقب ، وكلّها قد خُلقت لتكون كذلك ، أمّا الحياة الاجتماعية للإنسان فليست كذلك . ولذا فإنّ بعض العلماء أنكر ـ بالمرّة ـ النظرية الفلسفية القديمة التي تقول : ( الإنسان اجتماعي بالطبع ) وافترض أن يكون المجتمع الإنساني تعاقدياً مائة في المائة . حقوق الأُسرة: كان هذا في المجتمع غير الأُسري ، فما هي الحال في المجتمع الأُسري ؟ هل إنّ أفراد الأُسرة الواحدة متشابهون كذلك في الحقوق الطبيعية ومختلفون في الحقوق المكتسبة ؟ أم أنّ المجتمع الأُسري ( أي المجتمع المكوّن من : الزوجة والزوج ، والأب والأم والأولاد، والإخوان والأخوات ) يختلف عن المجتمع غير الأُسري في الحقوق الطبيعية حيث يخضع أفراد الأُسرة لقانون طبيعي حقوقي خاص بهم ؟ وهنا توجد فرضيتان : الأُولى : أن تكون العلاقة بين الزوجين أو بين الأب وابنه ، أو بين الأم وولدها ؛ مثل باقي العلاقات الاجتماعية التي تحكم المؤسّسات الوطنية والحكومية ، فلا تكون هذه العلاقة سبباً في اكتساب حقوق معيّنة وإنّما الخصائص المكتسبة هي التي تحدّد الرئيس والمرؤوس ... المطيع والمطاع ... الذي يكسب راتباً أكثر ممّن يكسب راتباً أقل . فلا تكون للزوجة باعتبارها زوجة ، وللزوج باعتباره زوجاً ، وللأب كأب ، وللأم كأم ، وللولد كولد ، ميزة خاصة ، وإنّما الخصائص المكتسبة هي التي تحدّد مركز كل منهم بالنسبة إلى الآخر . إنّ فرضية ( تشابه حقوق الزوجة والزوج في حقوق الأسرة ) والتي سُمّيت خطأً بـ (المساواة في الحقوق ) مبنيّة على أساس هذا الفرض . واستناداً إلى هذه الفرضية ، فإنّ الزوجة والزوج بما يتمتّعان به من استعدادات واحتياجات متشابهة ووثائق حقوقية متشابهة منحتها إيّاهما الطبيعة فيجب أيضاً أن تنظّم حقوقهما الأُسرية على أساس التشابه والمماثلة. الثانية : إنّ الحقوق الطبيعية الأوّلية لهؤلاء متباينة ، فكون الزوج زوجاً يمنحه حقوقاً ويفرض عليه واجبات معيّنة والزوجة كزوجة لها حقوق وعليها واجبات أُخرى ، وهذا لا يصدق على الأُبوّة والأُمومة والبنوّة . وعلى أيّ حالٍ فإنّ المجتمع الأُسري يختلف عن سائر الشركات والتعاونيات الاجتماعية الأُخرى . وفرضية ( عدم تشابه الحقوق الأُسرية بين المرأة والرجل ) التي يقبلها الإسلام مبنيّة على هذا المبدأ . والآن أي هاتين الفرضيتين اللتين ذكرنا صحيح ؟ وعن أيّ طريقٍ يمكن لنا أن نثبت صحّتها ؟ يتبع... |
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الأسرة والأسس الطبيعية-1
تقليص
X
-
الأسرة والأسس الطبيعية-1
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس