اطلالة على اخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذكرى مولده المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبه تعالى نستعين ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة ومنقذ الأمة محمد وآله الطيبين الطاهرين .
اما بعد،بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبه تعالى نستعين ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة ومنقذ الأمة محمد وآله الطيبين الطاهرين .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :« إن الله يبغض المعبس في إخوانه »
على الرغم من مُضي أكثر من ألف وأربعمائة عام على ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله و حرمان البشر من التشرّف بالنظر إلى صورته الحسّية المباركة ، إلا أن ذكراه بقيت وستبقى ما دامت السماوات والأرض ، وأن نور وجهه الشريف لا زال يتلألأ إشراقاً وكمالاً أمام أنظار المسلمين اليوم وغدٍ ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وآله قمة الكمال الإنساني ، ورمز كل الفضائل ، وآية كل الحسنات ، وتجلي لكل الخيرات ... إنه حقاً هدية الرب للبشرية جمعاء .
ومن هنا صارت كل حركاته وسكناته حجة على البشر ، لأنها تعبير صريح عن تفاصيل الشريعة الربانية ، وتبيان واضح لسنن الدين ، ومرآة صافية للحكمة البالغة .
وقد اختاره الله جل جلاله قدوة وأسوة للبشرية لما امتاز به صلى الله عليه وآله من صفات وطبائع فقال (لقد كان لكُم في رسولِ الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) .
ولأجل أن نستضيء بنور النبوة أكثر ، ولكي نحذو حذو الرسول صلى الله عليه وآله ، وأن نخطو خطوات نحوه يتطلب منّا أن نتعرف ولو على بعض جوانب حياته الشريفة ، وأن نستوعب ولو بعض مواقفه ، وأن نهتدي بهداه . في هذا الصدد نريد ان نبين الراي في تفسير ومعرفة الحقيقة في تناول سورة كريمة من سور القران الكريم الا وهي سورة عبس.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم
( عَبَسَ وَتَوَلّى * أَن جَآءهُ الأَعمَى * وَمَا يُدريكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَو يَذَّكَّر فَتَنفَعَهُ الذِّكرَى * أَمَّا مَنِ استَغنَى * فَأَنت لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيكَ أَلاّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسعَى * وَهُوَ يَخشَى * فَأَنتَ عَنهُ تَلَهَّى ) .
سبب نزول السورة: عندما ناتي الى سبب نزول هذه السورة وماورد من كتب العامة فان هؤلاء المفسّرون من العامة ذهبوا إلى القول أن هذه الآيات الكريمة نزلت في الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لمّا عبس في وجه عبدالله بن أم مكتوم حينما جاءه وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل فرعون قريش والوليد بن المغيرة العتل الزنيم وغيرهم من صناديد قريش ليقنعهم بالإسلام ويستميل قلوبهم ، فقال ابن أم مكتوم : يا رسول الله ، أقرأني وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله قطعه لكلامه وقال في نفسه : الآن يقولون هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد ، فعبس في وجهه وأعرض عنه وأقبل على القوم (الدر المنثور : ج 8/418 نقلا عن الحاكم وابن مردويه) .
ولهذا فان هذه الايات الكريمة قد نزلت عتاباً على الرسول صلى الله عليه وآله بما فعله في حق المسكين ابن أم مكتوم ، فكان صلى الله عليه وآله حينما يرى ابن أم مكتوم يقول : مرحباً بمن عاتبني فيه ربي فيكرمه حتى يستحي ابن مكتوم من كثرة إكرامه له حسب رواياتهم.
اما ماورد عن ال البيت صلوات الله عليهم وفي رواية عن الخاصة أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان وابن أم مكتوم من كثرة إكرامه له .
قال علي بن ابراهيم : كان ابن أم مكتوم مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان أعمى ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أصحابه ، وعثمان عنده ، فقدّمه رسول الله صلى الله عليه وآله على عثمان ، فعبس عثمان في وجهه وتولى عنه ، فأنزل الله ( عبس وتولى ) يعني عثمان ( أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى ) أي يكون طاهراً زكياً (أو يذكر ) قال : يُذكّره رسول الله صلى الله عليه وآله ( فتنفعه الذكرى ) ثم خاطب عثمان فقال ( أما من استغنى * فأنت له تصدى ) قال : أنت إذا جاءك غني تتصدى له وترفعه (وما عليك ألا يزّكى ) أي لا تبالي زكياً كان أو غير زكي ،إذا كان غنياً ( وأما من جاءك يسعى ) يعني ابن أم مكتوم ( وهو يخشى * فأنت عنه تلهى ) أي تلهو ولا تلتفت إليه.
ولهذا فان تحقيق الحال في مقامين :
الأول : فيما يقتضيه البحث القرآني .
الثاني : فيما يعتضيه البحث الروائي .
المقام الأول : البحث القرآني
السورة المباركة جاءت مستنكرة الموقف والحالة التي حدثت مع الأعمى الذي عُبِسَ في وجهه وأُعرض عنه ، فوصفت ذلك المُعَاتَب الذي تولى عن الأعمى وتشاغل عنه بأمور : العبس ، والتولي ، والتصدي للأغنياء ، والتلهي عن الفقراء والمؤمنين ، فقوله تعالى ( عبس وتولى ) إشارة إلى الأولين ، وقوله (فأنت له تصدى ... فأنت عنه تلهى ) إشارة إلى الثالث والرابع ، فليس المتصدي لفئة معينة والمتلهي عن فئة أخرى شخص آخر غير العابس ، فظاهر سياق الآيات صريح في اتحاد العابس مع المتصدي والمتلهي .
بل منشأ العبس والتولي ليس إلا بسبب الاتصاف بالتصدي والتلهي ، وكأن هاتين الصفتين عادة متبعة وملكة راسخة لدى العابس ، لا أنها موقف وانتهى ، والشاهد على ذلك الاتيان بصيغة الفعل المضارع «تصدى» أي تتصدى « تلهى » أي تتلهى ، الصريح على الاستمرارية والتكرار ، ففرق بين قولنا «عثمان عبس في وجوه المؤمنين » وقولنا « عثمان يعبس في وجوه المؤمنين » ، إذ الجملة الأولى لا تفيد إلأ تحقق ذلك في الماضي ، ولا تدل على أن ذلك عادة متبعة أم لا ، بخلاف الجملة الثانية فإنها تدل بصراحة على استمرارية العبس في الوجوه وأن ذلك عادة متبعة وملكة راسخة في عثمان ، فتدبر .
فغرض السورة كما أفاد العلامة الطباطبائي عتاب على مَن يقدم الأغنياء والمترفين على الضعفاء والمساكين من المؤمنين فيرفع أهل الدنيا ويضع أهل الآخرة .
تفسير الآية:
( عبس ) قطّب وكلح ، من العَبس وهو قطوب الوجه وتقبَضه بسبب ضيق الصدر ، ورجل عابس اي كريه الملقى الجهم المحيا ، ومنه اشتق عبّاس ، أي المقطب وجهه أمام أعدائه لكي يرهبهم ويخوفهم .
قال الأصمعي : إذا زَوى ما بين عينيه فهو قاطب وعابس ، فإذا كشر عن أنيابه مع العبوس فهو كالح ، فإذا زاد عبوسه ، فهو باسر ومُكفَهِرٌّ ، وإذا كان عبوسه من الهم فهو ساهم ، فإذا كان عبوسه من الغيظ وكان مع ذلك منتفخاً فهو مُبرطم .
فكلما تحقق العبس لا بد وأن يتحقق الضيق الصدري وعدم الاشتهاء النفسي أولاً ثم يظهر أثر ذلك على قسمات الوجه ، وهو في بعض موارده ملازم للتكبر والتعالي ولذا قال الله تعالى في حق الوليد بن المغيرة ( ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر ) وهو صفة ذميمة ولو وقع من الإنسان مرة واحدة ، لاستلزامه الاستهانة والاستخفاف بالآخرين .
ولهذا فعندما نريد ان ننسب هذه الصفات الى من قال ابناء العامة انها نزلت بحقه ونعني بذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فهل نجدها تتطابق مع اوصاف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (حاشا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان تكون به هذه الوصاف وهو الذي وصفه الله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) وكما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (ادبني ربي فاحسن تاديبي) وقال ايضا (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) فهل تليق برسول الله صلى الله عليه واله وسلم هذه الاوصاف يامن تدعون بحبكم لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، اتنزهون صحابيا وتصفونه باكمل الاوصاف !! وتلصقون هذه الاوصاف برسول الله صلى الله عليه واله وسلم. مالكم كيف تحكمون ...
العبس وعدم الشعور به
وكون الأعمى لا يشعر بالعبوس لا يعني عدم قبحه ، فعدم معرفة الانسان من اغتابه لا تجعل الغيبة من المباحات ، مع أنّا لا نسلم أن ابن أم مكتوم لم يشعر بعملية العبس من قبل العابس ، إذ لم يقتصر هذا العابس بالعبس بل أعرض وتولى ، فإن كان المعبوس في وجهه أعمى لم ير العبس فإن تولى العابس عنه مما لا يخفى عليه كما أن رؤية الحاضرين عملية العبس كافية في الحكم بقبحها شعر بذلك المعبوس في وجهه أم لا.
وعدم التأذي والتأثّر من العابس لا يستلزم عدم قبح التعبيس في وجوه المؤمنين ، إذ لعل ذلك بسبب الروحية العالية التي يمتلكها المعبوس في وجهه ، فكثير من المؤمنين لا يتأذون من غيبتهم واتهامهم وتكفيرهم ، وهذا لا يعني أن من اغتابهم واتهمهم لم يرتكب الذنب والمعصية ، فالأذية النفسية شيء والحرمة والإباحة والقبح شيء آخر ولا ملازمة ذاتية بينهما ، حتى يجزم بعدم القبح والحرمة عند عدم الأذية .
هذا مع ما تكشفه عملية العبس من ضيق نفسي منشأه الخلق السيء والصدر الضيق ، فالعتاب في الآية أولا وبالذات على تلك النفسية التي تَتَنَفّر من الفقراء والمؤمنين وتَتَحَبّب إلى الأغنياء مهما كانوا .
عبس المضايقة لا الاحتقار
والقول : بأن هذا العبس ليس عبس احتقار ، بل هو أقرب إلى عبس المضايقة النفسية التي توجد تقلصاً في الوجه عندما يقطع أحد على الانسان حديث . لا يستلزم : رفع القبح من هذه العملية ، ولو كان هذا التفصي والهروب من الإشكال صحيحاً لكانت الغيبة وبقية الصفات المذمومة أيضاً كذلك ، فَنُقسّم الغيبة إلى غيبة منشؤها الحقد.
ولعمري : اتعاب النفس والجهاد بالقلم في سبيل نفي كل شائبة ومغمز مطلقاً عن ساحة الأنبياء والمرسلين والأولياء لهو أنجع وأنفع وأثوب وأفضل وأحسن من إثبات ما يسمى بـ«ترك الأولى » لبعض الأنبياء والرسل بتأويلات وتوجيهات مختلفة ترجع في لبّها إلى الخدشة في ساحة الأنبياء والرسل في بعض الموارد الخاصة الجزئية التي لا تتنافى مع العصمة .
فالتأدب مع الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم سر العالمين النبي الأمّي صلى الله عليه وآله يقتضي ويوجب علينا رفض كل ما يشينهم عليهم السلام حتى وإن كان ما يسمى بـ« ترك الأولى » أو تأويل المعصية بتأويلات باردة ظاهرها نفي المعصية عنهم ولبّها اثبات ذلك بوجه من الوجوه ، وأن لا نتشبث في إثبات « ترك الأولى » لغير النبي الأمي صلى الله عليه وآله بالأحاديث المرسلة والمروية عن حشوية العامة .
ولا شك أن نسبة العبس والتولي لمن بعثه الله رحمة للعالمين والجزم أو ترجيح أن السورة نزلت فيه ـ بنظر الألمعي ـ منافٍ للتأدب وفيه جرأة واضحة ، والوجدان هو الحاكم .
كما أن من مقتضيات التأدب معهم عليهم السلام انتقاء الألفاظ والكلمات التي تتلاءم مع عظمتهم وقدسيتهم ، والابتعاد عن الألفاظ المجملة المتشابهة المطاطية القابلة للحمل على عدة من المعاني خوفاً من أن يفهم الناس خلاف ما هو المراد من المقصود من ترك الأولى ، وحتى لا يقع الإنسان في مصادمات ويورط نفسه في مشاكل مع من يتحمس لتنزيه الأنبياء والمرسلين ونفي كل ما يشينهم ويخدش في ساحتهم ، وحتى لا يضطر كذلك إلى تفسير كلامه وتأويله وبيان مراده الجدي بما يتناسب مع ترك الأولى .
عصمنا الله وإياكم من الزلل والاشتباه وأخذ بأيدينا لما في الصلاح والفلاح وحشرنا مع زمرة الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين ، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وال بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
ونسالكم الدعاء
هاشم الحسيني الحلي
ونسالكم الدعاء
هاشم الحسيني الحلي
تعليق