الحـب الحقيقـي …بعـد الزواج
دُهشت كثيراً عندما قرأت ذات مرة نتيجة لبحث علمي أُجري بالولايات المتحدة الأمريكية يفيد بأن الزواج القائم على الحب يفشل في غالبيته العظمي!!.
ودفعني فضولي للبحث عن السبب، لأن خلاصة هذا البحث هي عكس المتوقع تماماً. فالكثير منّا يتصور – وأنا كنت منهم – أن التقارب العاطفي وانجذاب كل طرف للآخر ورغبتهما الملحة أن يكونا معاً للأبد هي عوامل كافية لإنجاح أي زواج…ولكن تلك الدراسة العلمية جداً أثبتت عكس هذا التصور.
السبب في هذا هو أن للحب مفاهيم مختلفة. فعندما نطلق كلمة حب على الانجذاب العاطفي فقد يخفى هذا وراءه انجذابا للشكل والمظهر الخارجي وربما للجنس. ثم نسترسل في خيالنا بأن هذا الشكل الجذّاب لابد ويخفي وراءه مضمون جميل وشخصية مميزة…وسرعان ماتنطفيء جذوة الانبهار والانجذاب الأولى بعد الزواج ويفاجأ كل طرف بإنسان غريب وجديد عليه ويكتشف به أشياء لم يكن يتخيلها.
وعندما ننجذب لإنسان ما لصفة جميلة وجدناها فيه أو فيها فنحن نتصور أن بقية صفات هذا الإنسان بنفس الدرجة من الجمال…ثم نفاجأ بالحقيقة بعد الزواج وأن الصفة المستحبة في ذلك الإنسان كانت لاتمثل أكثر من 10% من مجموع الصفات الأخرى الغير مستحبة..وهذا ليس حباً لأنه يفتقر للمعرفة الحقيقية لمميزات وعيوب الشخص….وبذلك يفشل الزواج المفترض فيه أنه قائم على أساس الحب!!.
ونحن عندما نحب إنسان ما نكون مستعدين للتنازل عن احتياجات وصفات تخصنا من أجل إرضاء الطرف الآخر حتى ولو كان هذا على حساب راحتنا ومهما كلفنا هذا من إرهاق لنفسيتنا..ولكن هل سنحتمل هذا الإرهاق وهذه المعاناة بعد أن يُخفت لهيب العواطف!!!. بالطبع لا وستكون النتيجة أن يعود كل طرف إلى طبيعته الأصلية بلا تنازلات حيوية تمس كيانه وشخصيته. فيصبح التعامل الند للند، ويكون كل طرف متحفز للآخر ويصر أن يكون التنازل من الطرف الآخر أولاً… ويحدث الصدام ويكون الطلاق.
وهنا سننسى أو نتناسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد إستكمل الإيمان".
فالحب الذي لاتبعثه شهوات النفس والبغض الذي لاتبعثه رغبة الانتقام هو الذي يدوم بعد الزواج. وأن يكون العطاء من كل طرف للآخر بلا مقابل إلا مرضاة الله هو الذي يستمر. إن الله يوصي الرجل على المرأة ويحث المرأة على طاعة الرجل…ولكن أنتذكر هذا عندما نتعامل مع بعضنا البعض؟.
إنها ليست مثاليات غير واقعية. لكنها في الواقع تعاليم عميقة تنفذ إلى أعماق النفس التي شكّلها بارؤها: العطاء بلا مقابل، التنازل بلا مقابل، عمل الخير أولاً وثانياً وآخراً. الكلمة الطيّبة صدقة في جميع الأحوال وبالذات وقت الشجار والصدام. احترام كل طرف لكيان وشخصية واحتياجات الآخر شيء أساسي في العلاقات الإنسانية.
إن النضوج النفسي يبيّنه ويظهر صفة الإيثـار Altruism أى أنني أؤثر الآخرين على نفسي، أى أنني لا أنتظر منهم شيء!!. وهذا يعني أنني "ممتلئ" بداخلي. أى أن "نفسي شبعانة" من جميع النواحي. وبذلك فلو قدمت معروف وشُكرت عليه سأسعد به ولكنني لن أتعب وأحزن لأن الناس لم تُقدر ما فعلته.
وكأنني أمتلك ثروة معنوية كبيرة بدخلي لا تنضب، فإذا لم أحصل على مقابل لما أنفقه من هذه الثروة فلن يضيرني في شيء ولن ينقص من قدر نفسي ومن الثروة الكبيرة التي بداخلي!.
ومن هنا ندرك أن التنازل بلا مقابل والعطاء بلا مقابل…لوجه الله فقط هو من أسمى علامات النضوج النفساني.. والسمو الروحي!.
أليس هذا هو الحب الحقيقي؟
عندما أحب شخص ما ليس لأنني أحتاج منه أن يُكمل نقصاً معيناً في داخلي أو احتياج معين عندي وذلك لأنني أشعر بالنضوج والامتلاء النفساني والاكتفاء الذاتي حتى من قبل أن أرتبط به. ولكنني أحتاج للشخص الآخر لأنني أحبه – وليس العكس.
إن المشاعر الحقيقية التي تدوم بعد الزواج هي التي ترتكز على التكافؤ والتساوي. كل منّا لا يحتاج للآخر لملء فراغ معين به ولكن "ليسكن إليه"، ليرتاح في قربه، ليشاركه في الحياة. "وخلقنا لكم من أنفسكم أزواجً لتسكنوا إليها".
الحب الحقيقي هو الذي يرتكز على عناصر:
(1) المعرفة: بمميزات وعيوب الشخص ثم بالتفاهم نتفق على تهذيبها وتحسينها.
(2) الاحترام: وهو ضد سيطرة طرف على الآخر وإجباره على التخلص من جزء أساسي من شخصيته.
(3) الاهتمام والعناية كل طرف بالآخر ليس فقط بالاحتياجات المادية ولكن بالمشاعر والأحاسيس النفسية.
(4) الحنان المتبادل: أن يحرص كل طرف على الآخر ويعطيه من المشاعر ما يشعره بالود والتواصل..وليس بالضرورة الهيام والالتصاق الشديدين اللذان يؤديان للغير الجنونية
ألا تتفقون معي بأن جميع عناصر الحب الحقيقي تتوفر بصورة أفضل مع "العشرة" بعد الزواج؟! وأن نتيجة ذلك البحث العلمي منطقية وأن تقاليد مجتمعنا ليست خاطئة؟!.
منقــــــــــــــول
تعليق