السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تعاقب طفلك حين يعاندك ولكن اسال نفسك عن خطأك بحقه.
اكثر الاطفال حين يتعرضون للعقوبة لا يعلمون خطأ فعلهم.
كوني مع طفلك لا عليه حين يشعر بخطئه ويأتيك باكياً.
لماذا تستعمل العقوبة مع ابناءك والتي هي ذاتها التي استعملها معك صغيراً؟
العقوبة
تختلف العوائل بعضها عن بعض في شكل العقوبة الموجهة للأبناء... وكلّ يدافع عن طريقته في العقاب وأثره في التربية... ونحن هنا نستعرض ثلاث حالات يحتاج فيها الوالدان للعقوبة والتي هي: (سوء السلوك) حين يستعمل الطفل الكلمات النابية أو يسيئ إلى الآخرين... فلا يجد والده غير العقوبة رادعاً عن قلّة الأدب... (والتصرُّفات الخاطئة) ـ وهي حالة أخرى يوجّه فيها الآباء عادة العقوبة لأبنائهم حين يكون الطفل ثرثاراً أو غير مبال في اتّساخ ملابسه وتنظيم حاجاته... (والعناد) ـ في عدم طاعة والديه تدفع الآباء إلى عقوبة أبنائهم.
ونحن نتساءل هل للعقوبة اسلوب صحيح في التربية الإسلامية؟ وللجواب على هذا التساؤل نجد أنّ الآباء يجدون عادة للحالات الثلاث المتقدّمة والتي يحتاجون فيها عادة إلى عقوبة أبنائهم، علاجاً لتدراك وجودها.... إضافة إلى أنّ الآباء وبالخصوص أولئك الذين يستخدمون العقوبة القاسية... عليهم التريّث قليلاً ليفكّروا بأنّ ما أوصل الطفل إلى الحالة التي جعلته معانداً أو قليل الادب أو غير ذلك هي نتيجة سوء تربيتهم له... فما هو ذنب الأبناء إذن؟
نحن لا نقول أنّ على الوالدين ترك أبنائهم مطلقاً دون عقاب... بل نؤكّد على اختيار العقوبة المفيدة الرادعة للطفل... حيث نلحظ أنّ أنواع العقوبة التي تعارف عليها افراد مجتمعنا هي باختصار:
{{أنواع العقوبة التي يتعرّض لها الطفل}}
1 ـ الإيذاء الجسدي.
2 ـ التحقير.
3 ـ تحطيم المعنويات.
4 ـ الإيذاء النفسي.
5 ـ إظهار الخطأ فقط.
إنّ الإيذاء الجسدي بأن يستخدم الوالدان ضرب الطفل أو شدّه إلى أحد أركان البيت أو حرق أجزاء بدنه إلى غير ذلك من العقوبات الجسدية... واستخدام البعض الآخر الإيذاء النفسي مثل الشتم والسبّ... والقول للطفل بأنّنا لا نحبّك... أو عدم تكليمه لمدة طويلة... إلى غير ذلك من الأساليب المؤذية... إنّ كلّ أنواع هذه العقوبة سواء أكانت جسدية أو نفسية حسب المنظور الإسلامي للتربية خاطئة...
حيث ينص الحديث الشريف:
(دع إبنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبعاً وألزمه نفسك سبع سنين).
بمعنى إنّ السبع سنوات الأولى من حياة الطفل تحمل عنوان اللعب... واللعب يعني تعليمه وإرشاده دون إلزامه وتحمّله لمسؤولية فعله... والعقوبة تعني تحميله مسؤوليات العمل ـ كما سوف نأتي إليه ـ إضافة على أنّ الأذى الجسدي والنفسي الذي نسبّبه للآخرين من الذنوب الجسمية التي لا تنفع الإستغفار وحده لمحوها، بل نحتاج معها إلى الدية، والديّة ضريبة مالية تحدّد قيمتها على الأثر الذي يتركه الأذى الجسدي أو النفسي... وبدونها (الدية) لا يمكن تحقيق العفو الإلهي إلاّ بعفو المقابل ورضاه.
إنّ النهي عن إستخدام العقوبة المؤذية للجسد والنفس... لا تعني مطلقاً ترك الطفل يتمادى في غيّه دون فعل شيء... فالمربّي الإسلامي يدعونا إلى إظهار الخطأ بشكل لطيف وبدون أذى للطفل... ويعتبره من أفضل أنواع العقوبة الرادعة لخلوّها من الآثار السلبية على نفسية الطفل... بالإضافة إلى الجوانب الإيجابية في إعداد الطفل في مرحلته الأولى لتحمُّل المسؤولية.
جاء في الحديث الشريف عن أحد أصحاب الإمام المعصوم قائلاً:
(شكوت إلى أبي الحسن موسى(ع) إبناً لي، فقال: لا تضربه... وأهجره... ولا تطل).
فالمربي الإسلامي في الوقت الذي ينهى عن استعمال الضرب التي هي ذي أثر سيئ على الجسد... كذلك ينهى عن الإيذاء النفسي (لا تطل)، أي لا تطيل مدّة عدم تكليمك إيّاه (الهجر)... والإكتفاء بهجرانه لمدة قصيرة بسبب خطئه.
إنّ توضيح الخطأ للطفل من أهمِّ الامور في هذه المرحلة، ولكنَّ البعض من الآباء يعاقبون أبناءهم دون أن يعرفوا ما الذي ارتكبوه أو أنّ الأم تنظر إلى طفلها فلا تمنعه من عمل يمارسه... وفي وقت آخر يتعرَّض للعقوبة بسبب الفعل ذاته... إنّ هذه الحالة تشوِّش الطفل كثيراً فلا يميِّز بين الخطأ والصواب... وحين يأتي الطفل إلى أمّه باكياً لأنّ لعبته انكسرت بيديه أو عند أصدقائه... وبكاؤه دليل معرفته للخطأ... فلا يصح من الأم أن تعاتبه وتكون عليه... فما دام يفهم الخطأ فعليها أن تكون معه تبدى تأسّفها وحزنها لما حدث له.
{{هل التهديد صحيح في العقوبة}}
إذا كانت العقوبة لغرض التأديب... فليطمئن الوالدان بأنّ التهديد يضعف من أثر التأديب... كيف؟
لأنّ التهديد وحده دون تنفيذ العقوبة... كأن تهدّد الأم صغيرها بالضرب أو حرمانه من شيء يحبَّه... ونفّذت التهديد، فالسلبيات تدخل في أنواع العقوبة المؤذية التي لها آثار سلبية، فضلاً عن عدم جدواها في التأديب... وإذا لم تُنَفِّذْ التهديد فهو خطأ جسيم آخر لأنّه يضعف من شخصيتها أمام الطفل.
من هنا نلحظ أنّ التهديد سواء نفّذ أم لم ينفّذ فلا فائدة مرجوّة منه ولا يصل بالوالدين إلى الهدف الذي يرغبوه في الحصول عليه في تأديب الطفل... حتّى بالتهديد المثير للذعر... مثل تخويفه بالشرطة أو بمن يسرقه أو بالحيوان المفترس... ويجب على الوالدين تركه لأنّه يؤثّر على مشاعره ويزيد في مخاوفه ويثير قلقه.
التهديد في منظور التربية الإسلامية
ولعلّ سائلاً يقول:
لماذا تقرّ التربية الإسلامية اسلوب التهديد، كما جاء في الآية الكريمة المقدّسة:
(فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون) (الماعون/4،5).
وجوابه إنّ العقوبة الإلهية للعبد تختلف عن العقوبة التي يستخدمها الوالدان للطفل... بأنّها (العقوبة الإلهية) نتيجة طبيعية لفعل العبد... مثل حصاد الأشواك لمن زرع بذرته... أو فشل الطالب الذي انشغل باللعب واللهو في وقت الإمتحان... وتختلف عن عقوبة المربين بأنّها عارضة على الإنسان، مثل ضرب الوالدين للطالب لعدم اهتمامه بدراسته، أو طرد الفلاّح من المزرعة لعدم زرعه النباتات المثمرة المفيدة... فالعقوبة الالهية إذن نتيجة طبيعية لفعل الإنسان... وعقوبة الوالدين نتيجة غير طبيعية لفعل الأبناء... ومن هنا كان التهديد الذي استعمله القرآن يختلف تماماً عن التهديد الذي يستعمله المربّون... فهناك اختلاف كبير بين أن تقول للطالب مثلاً:
الويل لك إن لم تهتم بدراستك، فإنّ الفشل نصيبك. (أو الويل لك أن لم تهتم بدراستك، فأن الضرب المبرج نصيبك). فالنوع الأول من التهديد مفيد في التأديب والتربية، لأنّه لا يستبطن العقوبة المؤذية من جهة... ولأنّه (التهديد) يلفت النظر ـ وبدون إيذاء ـ إلى الخطأ الذي ينتظر الفاعل.
أما النوع الثاني من التهديد فهو غير مفيد لعدم تأثيره في الفاعل وللأسباب التي ذكرناها في موضوع التهديد... ومن هنا كان الاسلوب القرآني في تربية العبد باستخدام التهديد مفيداً ومثمراً ومؤثّراً.
ماذا يرى علماء التربية الارضيون؟
إنّ العوامل النفسية التي تكمن وراء استخدام الوالدين أنواع العقوبة القاسية تجاه أخطاء أبنائهم وكما يراها علماء التربية الأرضيون... هي مايلي:
1 ـ تعرّض الوالدين في صغرهم لنفس العقوبة التي يستعملونها مع أبنائهم، كردّة فعل نفسية يندفع إليها الفرد حين لا يتمكّن من ردِّ الأذى عنه ضعيفاً في الصغر.
2 ـ تنفيس لحالة الغضب التي يعايشها المعاقب بسبب توتّره من كلمة أو إهانة أو مشكلة يعاني منها لا يقدر على مواجهتها فتنعكس على الأبناء.
3 ـ شعور الوالدين بالعجز تجاه تصرّفات ابنائهم الخاطئة أو مع الآخرين لضعف شخصيتهم وعدم ثقتهم بأنفسهم، الأمر الذي يدفعهم إلى العقوبة القاسية مع أبنائهم للتغطية على ضعفهم والخروج بمظهر القوَّة.
{{سؤال}}
اذا كانت العقوبة لانتفع، فلماذا نجد الاحاديث الشريفة تؤكد على ضرب الاولاد الذين لا يلتزمون باداء الصلاة في السابعة من عمرهم؟
الفشل والنجاح يميز المرحلة الابتدائية عن التمهيدية، فلماذا؟
لا بد من الاهتمام بتعليم الطفل وترويضه في المرحلة الأولى حتى يكون مؤدباً ومطيعاً في المرحلة الثانية.
لماذا يتمرد طفلك في المرحلة الثانية ويبدو قاسياً وجافاً في تصرفاته مع اسرته.؟
{{القيام بالاعمال}}
إنّ السنوات السبع الأولى من حياة الطفل مهمّة في التربية الإسلامية وضرورية، وعليها تتركّز شخصية الطفل وأخلاقه في السنوات السبع التالية... ومن الخطأ الجسيم الذي يقع فيه الوالدين هو التزامهم بالمنظور الإسلامي في جوانب معيّنة، تاركين الجوانب الأخرى في التعامل مع الأبناء حسب الذوق الشخصي أو الإجتماعي... مثل أن نضر به لعدم تأديته الصلاة في السابعة من عمره من جهة ولا نشبع حاجته في الحبّ والحنان من جهة ثانية... ولا يصح أبداً أن نلزم الولد في السن الرابعة عشرة من العمر بفهم درس الرياضيات للمرحلة المتوسطة دون أن يقطع المرحلة الإبتدائية بحجّة إنّ هذا العمر (العام الرابع عشر) يدرك هذا المستوى من العلوم... نعم بإمكانه إدراكها فيما لو استوعب المرحلة الإبتدائية التي تمهِّد تفكيره لفهم هذه المرحلة من العلوم.
وعلى هذا الأساس لا يصح أن نضرب الولد لعدم إلتزامه بتأدية الصلاة في السابعة من العمر، حسب نصوص التربية الإسلامية في وقت لم نلتزم بها في المرحة الاولى من حياته... وهنا لا بدّ من تسليط الضوء على كيفية ترويض الطفل على القيام بالأعمال حسب المنظور الإسلامي في التربية وبالتدريج.
{{كيفية ترويض الطفل على القيام بالاعمال}}
إنّ النصوص من الأحاديث الشريفة تؤكّد على لعب الطفل وسيادته في المرحلة الأولى من عمره:
(دع ابنك يلعب سبع سنين).
(الولد سيّد سبع سنين).
واللعب يعني عدم تحمُّله لتبعات عمله، وسيادته تعني أنه يطاع فيما يريد أكثر ممّا يطيع فيما يراد منه... وينبغي على الوالدين أن يحقّقوا رغبات أولادهم ومتطلّباتهم ما عدا المضرَّة منها... ولا يفرضان عليه القيام بالاعمال مهما كان نوعها... والفرض يعني تعرض الطفل للعقوبة إن أهمل القيام بالعمل المطلوب منه.
ولا تعني التربية الإسلامية في التأكيد على سيادة الطفل ولعبه في المرحلة الأولى، تركه دون الطلب منه القيام بالأعمال مثل الصلاة... فالطفل حتى السنة الرابعة من عمره يكون مؤهّلاً للترويض على الأعمال مع ملاحظة النقاط التالية:
تأهيل الطفل للقيام بالأعمال من عمر (1 ـ 4 سنين):
1 ـ توفير الفرص المناسبة للعمل.
2 ـ عدم التدخّل أكثر ممّا ينبغي في عمله.
3 ـ مساعدته في إنجاز الأعمال الصعبة.
4 ـ لا يمنع من الأعمال التي يقدر عليها.
{{لا يمنع من الأعمال التي يقدر عليها}}
ليس من الصحيح أن يمنع الطفل في سن (1 ـ 4 سنين) من القيام بالاعمال التي يقدر عليها، مثل ارتدائه ملابسه أو حمله بعض الأطباق إلى المائدة أو سقاية أخيه الصغير... وبعض الأمّهات يرفضن مبادرات أطفالهن في هذا العمر بإنجاز بعض الأعمال بحجّة إسراعهن في الإنتهاء من أعمالهن... إنّ مثل هذه التصرّفات تؤثّر على ترويضه في السنوات اللاحقة... ولا بدّ من استجابة رغبة الأطفال في هذا العمر في القيام بالأعمال التي يطلبون إنجازها، وعلى الأم أن تتحلّى بالصبر ريثما تقطف الثمار قريباً.
مساعدته في إنجاز الأعمال الصعبه
حين يمارس الطفل في هذا العمر بعض الأعمال التي يرغب فيها يشعر بالعجز من النجاح في إنجازها... ففي ارتدائه السروال الذي رفض أن تلبِّسه إيّاه أمه... يصل وحده إلى حدّ العجز عن إيجاد المنفذ لإخراج رجله منه... فكيف تتصرّف الأم؟
من الأولى أن تبادر إليه وتعينه بالقدر الذي يمكّنه من النجاح في عمله فقط وتتركه وحده يكمّل عمله... ومن الخطأ توبيخه لإصراره على القيام بالعمل وحده أو تثبيطه ـ كما مرَّ معنا ـ.
عدم التدخل أكثر ممّا ينبغي في عمله
إنّ الطفل في هذا العمر وهو يقوم بعمل يرغب فيه، من الأولى تركه دون توجيه النصائح والإرشادات والتحذيرات والإنذارات... ففي حمله للأطباق ينبغي تركه وشأنه مع مساعدته قليلاً لإنجاح مهمّته في الوصول إلى المائدة بسلام دون فشل، وهكذا في أعماله الأخرى.
{{توفير الزمن المناسب للعمل}}
يجدر بالوالدين تشجيع أبنائهم في هذا العمر بالقيام ببعض الأعمال الممكنة وعدم تركهم وشأنهم فيما لو لم يبادروا بأنفسهم (الأطفال) إليها، وذلك بإشراكه في العمل الذي يقم به الأب أو الام، مثل أن يطلب الأب من الطفل أن يأتيه بالمسمار حين يكون مشغولاً بإصلاح أمر في المنزل... أو تطلب الأم منه أن يأتيها بالملعقة حين تقوم بتحضير المائدة؟ أو إعداد الطعام... أو وضع ثيابه أو حذائه بجانبه وتشجيعه على ارتدائه.. وهكذا.
أمّا في السن ما بين الرابعة والسادسة فهي مرحلة أخرى يصل إليها الطفل وهي مرحلة التعويد على ممارسة الأعمال... وهي كالتالي:
تعويد الطفل على ممارسة الأعمال (الطفل 4 ـ 6 سنين):
1 ـ إنجاز العمل عن طريق اللعب.
2 ـ الطلب منه بمرح.
{{{إنجاز العمل عن طريق اللعب}}
إنّ الطفل في السن ما بين الرابعة والسادسة ينبغي أن يقوم بالأعمال يومياً ويتعوّد على ذلك... ولكن دون إكراهه عل العمل، كما تؤكّد التربية الإسلامية على سيادته ولعبه في هذه المرحلة... ولذا يجب أن يروّض الطفل ويتعوّد على القيام بالعمل عن طريق اللعب أيضاً، في أن تقول له الأم مثلاً: ما رأيك لو تسابقنا فيمن يسبق أوّلاً في الإنتهاء من عمله أنا ام أنت... فأنا أُنطِّف الغرفة وأنت ترجع ألعابك إلى مكانها... أو تقول له: إنّ هذه القطعة من الحلوى سوف تكون نصيب من لا ينسى صلاته لهذا اليوم.
وهكذا يحاول الوالدان ابتكار الأساليب المتعدّدة لحمل الطفل على إنجاز الأعمال المطلوبة عن طريق اللعب (دون الفرض).
{الطلب منه بمرح}
إنّ الغضب والعبوس وتقطيب الحاجبين بوجه آخر تعدُّ أحد أنواع العقوبة حسب النصوص الإسلامية، وهي إحدى وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ولذا لا يجوز استعمالها مع الطفل في المرحلة ما بين الرابعة والسادسة... لأنّه في هذه المرحلة يكون الطفل غير مكلّف بإنحاز ايّ عمل في منظور المربّي الإسلامي... وينبغي من الوالدين حين الطلب من الطفل القيام بعمل أن يكون بوجه مرح وهادئ.
الخلاصة
إنّ النظم الوضعية تلتزم بما أقرَّته التربية الإسلامية في المرحلة الأولى من عمر الطفل بما يلي:
1 ـ ترويضه على القيام بالأعمال.
2 ـ عدم توجيه العقوبة إليه.
فالمرحلة الدراسية التمهيدية (قبل السابعة من العمر) تلزم الطفل بإنحاز بعض الواجبات المدرسية وتشجيعه على إنجازها بأحسن وجه... ولكنّها لا تعاقبه على الخطأ أو التقصير... أي ليس في المرحلة التمهيدية فشل ونجاح للطلاّب، الأمر الذي يعني عدم صلاحية الطفل لتحمّل مسؤولية الدراسة كما عليه في المرحلة الإبتدائية والتي تبدأ في السن السابعة من العمر.
أمّا في السن السابعة إلى الرابعة عشرة من العمر وهي المرحلة الثانية من حياة الطفل التي تختلف تماماً عن المرحلة الأولى، وسوف نأتي غليها بشيء من التفصيل... يكون القيام بالعمل كالآتي:
القيام بالأعمال عندما يكون الطفل في سن (7 ـ 14)
1 ـ ينجز العمل الذي تعوّد عليه (العادات قاهرات)
إنّ تسلسل الوالدين مع الطفل وحسب توجيه المربّي الإسلامي في حمله على القيام بالأعمال من خلال ترويضه في سن (1 ـ 4 سنين)، وتعويده في سن (4 ـ 6 سنين)، يجعل الطفل في عمر السابعة إلى الرابعة عشرة مؤهّلاً للقيام بالأعمال حتى وبدون طلب من والديه... ذلك لأن العادات قاهرات... ولقد تعوّد الطفل وبصبر والديه في المرحلة الأولى عليه إلى الوصول إلى المرحلة التي تجعلهم يقطفون ثمارها... فما أحلى أن يقوم الطفل بالعمل وحده دون تعب بالطلب منه.
{ما هو سرّ الإختلاف}
إنّ هناك إختلافاً واضحاً بين الأطفال في المرحلة الثانية من عمرهم والتي تتراوح من سن 7 ـ 14 سنة... من حيث طبائعهم وسماتهم، وبين ما تؤكّده النصوص التربوية الإسلامية... فالأخيرة تصف الطفل في هذه المرحلة بأنّه عبد مطيع لوالديه، ويقبل أدبهم وليس الحال كهذا؟؟
وجوابه أنّ النصوص التربوية في الإسلام حين تؤكّد على الأمرين السابقين في الطاعة والأدب:
(دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين).
أو (الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين...).
إنّما ترى أنّ المرحلة الثانية انعكاس للمرحلة الأولى من حياة الطفل... فما بذرة الوالدان أولاً يجدون ثماره في المرحلة الثانية... والمنظور الإسلامي في التربية حين يؤكّد على إشباع حاجة الطفل في المرحلة الأولى بالحنان وإحاطته بالإهتمام وعدم عقوبته وتحقيره... و... الخ.. بالتأكيد سوف تكون ثمار المرحلة الثانية حسن الطاعة (عبد) والتزام أدب والديه (يؤدّب)... فالمسألة متعلّقة إذن بتربية الوالدين واسلوبهم السيئ أو الحسن مع الطفولة المبكرة (السبع سنوات الأولى من حياة الطفل).
ومن أهم الظواهر والتصرّفات التي تصدر من الأولاد في هذه المرحلة حين يتعرّضون إلى سوء تعامل والديهم معهم في المرحلة الأولى من عمرهم... هي ما يلي:
الطفل في المرحلة الثانية انعكاس لسوء التربية في المرحلة الأولى:
1 ـ التمرد على والديه.
2 ـ استعمال الكلمات النابية.
3 ـ رفض نصيحة الوالدين وقبولها من الغرباء.
4 ـ إحاطة نفسه بالأسرار.
5 ـ تقليد الآخرين.
6 ـ يرفض نصيحة الوالدين ويقبلها من الغرباء.
{التمرّد على الوالدين}
إنّ كل الظواهر التي نجدها في هذه المرحلة... تكون متعلّقة بشعور الطفل إلى الإستقلال والتحرّر من والديه... فإذا لم يعزّز الوالدان هذا الشعور عنده، اندفع إلى كثير من التصرّفات التي ينزعج منها الأهل مثل حالة التمرّد على أوامر الوالدين في وقت ينبغي أن يكون عبداً لهما، كما تؤكّد التربية الإسلامية... وحالة التمرّد يتّجه إليها الأبناء عادة لإثبات وجودهم الذي تجاهله الآباء في تعاملهم معه.
رفض نصيحة الوالدين وقبولها من الغرباء
وهذا مظهر آخر اندفع إليه الطفل في المرحلة الثانية حين يرفض نصيحة والديه، في وقت يقبلها من أصدقاء والديه أو المعلّمين... وهو بهذا التصرُّف يحاول إفهام والديه بأنّه ليس جزء منهما، بل له وجود مستقل بذاته يتمكّن من الرفض أو القبول.
{استعمال الكلمات النابية}
قد يستغرب الوالدان من استعمال طفلهم في هذه المرحلة لكلمات جارحة بعد أن كان في المرحلة الأولى يسمعهم كلمات الحبّ والودّ.. أنّه بهذا الاسلوب لا يقصد كراهية والديه، بل يعتبر تصرّفه هذا ردّة فهل لتجاهل الأهل في الأسرة.
{إحاطة نفسه بالأسرار}
إنّ الطفل في المرحلة الثانية من عمره يحيط نفسه بالأسرار في محاولة منه لإفهام والديه بأنّه كائن له استقلاله ووجوده الخاص... خصوصاً حين يتدخّل الآباء دوماً في حياته.
{تقليد الآخرين}
إنّ عدم احترم الطفل وعدم أخذ مشورته تجعله عديم الشخصية وضعيف النفس، لذا يندفع إلى تقليد الآخرين في الأفعال والمظهر لسدِّ النقص الذي يعاني منه... ويقلّد المنبوذين من قبل الأهل بسبب تعرّضه للعقوبة القاسية في طفولته الأولى.
وهكذا نجد حياة الطفل في هذه المرحلة مملوءة بهذه الظواهر المحزنة لوالديه بسبب عدم إشباع غريزته في الإستقلال التي تدفعه إلى التحرّر من والديه.
{{ما هو التعامل الصحيح مع الطفل في مرحلته الثانية؟}}
إنّ التعامل الصحيح مع الطفل يكون عبر تعزيز شعوره بالإستقلال... والأخير يأتي عن طريق تحميله مسؤولية فعله، لا كما كان في المرحلة الأولى:
(إنّ السّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (الاسراء/36).
ومن هنا كانت العقوبة والتي تعني تحمُّل مسؤولية العمل تعزّز شعوره بالإستقلال، على شرط أن تكون العقوبة وكما ألمحنا سابقا خارجة عن إطار الإيذاء الجسدي والنفسي... وكما قلنا سابقاً إنّ المربّين الجدد يتبنّون هذا المنحى، ففي المنهج التربوي الإسلامي... حيث تبتدئ عندهم المرحلة الإبتدائية في سن السابعة، من العمر، وتتميّز عن التمهيدية وهي المرحلة الأولى من عمر الطفل بأنّها مرحلة تعليم والتزام، الأمر الذي يعني النجاح في الإلتزام أو الفشل وهو العقوبة في المنظور التربوي الاسلامي.
إذن العقوبة تعزّز الشعور بالإستقلال، الذي ينمو في المرحلة الثانية من عمر الطفل، وهو شكل يرتاح له الأبناء، ولذا أكّدت النصوص الشريفة على ضرورة تحميل الطفل المسؤولية في هذه المرحلة بالتأديب (ويؤدّب سبع سنين)... ثمّ أكّدت على كونه عبداً مطيعاً لما يريده الأبوان وهي النتيجة الحتمية التي يصل إليها الأبوان بسبب تعاملهم الصحيح معه في المرحلة الأولى... ومن هنا كان الضرب ـ الخالي من الإيذاء الجسدي أو النفسي ـ عقوبة للولد في المرحلة الثانية بسبب تركه الصلاة كما أكّدت النصوص الشريفة:
قال رسول الله(ص):
(مرّوا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين وأضربوهم إذا كانوا أبناء سبع سنين).
لا تعاقب طفلك حين يعاندك ولكن اسال نفسك عن خطأك بحقه.
اكثر الاطفال حين يتعرضون للعقوبة لا يعلمون خطأ فعلهم.
كوني مع طفلك لا عليه حين يشعر بخطئه ويأتيك باكياً.
لماذا تستعمل العقوبة مع ابناءك والتي هي ذاتها التي استعملها معك صغيراً؟
العقوبة
تختلف العوائل بعضها عن بعض في شكل العقوبة الموجهة للأبناء... وكلّ يدافع عن طريقته في العقاب وأثره في التربية... ونحن هنا نستعرض ثلاث حالات يحتاج فيها الوالدان للعقوبة والتي هي: (سوء السلوك) حين يستعمل الطفل الكلمات النابية أو يسيئ إلى الآخرين... فلا يجد والده غير العقوبة رادعاً عن قلّة الأدب... (والتصرُّفات الخاطئة) ـ وهي حالة أخرى يوجّه فيها الآباء عادة العقوبة لأبنائهم حين يكون الطفل ثرثاراً أو غير مبال في اتّساخ ملابسه وتنظيم حاجاته... (والعناد) ـ في عدم طاعة والديه تدفع الآباء إلى عقوبة أبنائهم.
ونحن نتساءل هل للعقوبة اسلوب صحيح في التربية الإسلامية؟ وللجواب على هذا التساؤل نجد أنّ الآباء يجدون عادة للحالات الثلاث المتقدّمة والتي يحتاجون فيها عادة إلى عقوبة أبنائهم، علاجاً لتدراك وجودها.... إضافة إلى أنّ الآباء وبالخصوص أولئك الذين يستخدمون العقوبة القاسية... عليهم التريّث قليلاً ليفكّروا بأنّ ما أوصل الطفل إلى الحالة التي جعلته معانداً أو قليل الادب أو غير ذلك هي نتيجة سوء تربيتهم له... فما هو ذنب الأبناء إذن؟
نحن لا نقول أنّ على الوالدين ترك أبنائهم مطلقاً دون عقاب... بل نؤكّد على اختيار العقوبة المفيدة الرادعة للطفل... حيث نلحظ أنّ أنواع العقوبة التي تعارف عليها افراد مجتمعنا هي باختصار:
{{أنواع العقوبة التي يتعرّض لها الطفل}}
1 ـ الإيذاء الجسدي.
2 ـ التحقير.
3 ـ تحطيم المعنويات.
4 ـ الإيذاء النفسي.
5 ـ إظهار الخطأ فقط.
إنّ الإيذاء الجسدي بأن يستخدم الوالدان ضرب الطفل أو شدّه إلى أحد أركان البيت أو حرق أجزاء بدنه إلى غير ذلك من العقوبات الجسدية... واستخدام البعض الآخر الإيذاء النفسي مثل الشتم والسبّ... والقول للطفل بأنّنا لا نحبّك... أو عدم تكليمه لمدة طويلة... إلى غير ذلك من الأساليب المؤذية... إنّ كلّ أنواع هذه العقوبة سواء أكانت جسدية أو نفسية حسب المنظور الإسلامي للتربية خاطئة...
حيث ينص الحديث الشريف:
(دع إبنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبعاً وألزمه نفسك سبع سنين).
بمعنى إنّ السبع سنوات الأولى من حياة الطفل تحمل عنوان اللعب... واللعب يعني تعليمه وإرشاده دون إلزامه وتحمّله لمسؤولية فعله... والعقوبة تعني تحميله مسؤوليات العمل ـ كما سوف نأتي إليه ـ إضافة على أنّ الأذى الجسدي والنفسي الذي نسبّبه للآخرين من الذنوب الجسمية التي لا تنفع الإستغفار وحده لمحوها، بل نحتاج معها إلى الدية، والديّة ضريبة مالية تحدّد قيمتها على الأثر الذي يتركه الأذى الجسدي أو النفسي... وبدونها (الدية) لا يمكن تحقيق العفو الإلهي إلاّ بعفو المقابل ورضاه.
إنّ النهي عن إستخدام العقوبة المؤذية للجسد والنفس... لا تعني مطلقاً ترك الطفل يتمادى في غيّه دون فعل شيء... فالمربّي الإسلامي يدعونا إلى إظهار الخطأ بشكل لطيف وبدون أذى للطفل... ويعتبره من أفضل أنواع العقوبة الرادعة لخلوّها من الآثار السلبية على نفسية الطفل... بالإضافة إلى الجوانب الإيجابية في إعداد الطفل في مرحلته الأولى لتحمُّل المسؤولية.
جاء في الحديث الشريف عن أحد أصحاب الإمام المعصوم قائلاً:
(شكوت إلى أبي الحسن موسى(ع) إبناً لي، فقال: لا تضربه... وأهجره... ولا تطل).
فالمربي الإسلامي في الوقت الذي ينهى عن استعمال الضرب التي هي ذي أثر سيئ على الجسد... كذلك ينهى عن الإيذاء النفسي (لا تطل)، أي لا تطيل مدّة عدم تكليمك إيّاه (الهجر)... والإكتفاء بهجرانه لمدة قصيرة بسبب خطئه.
إنّ توضيح الخطأ للطفل من أهمِّ الامور في هذه المرحلة، ولكنَّ البعض من الآباء يعاقبون أبناءهم دون أن يعرفوا ما الذي ارتكبوه أو أنّ الأم تنظر إلى طفلها فلا تمنعه من عمل يمارسه... وفي وقت آخر يتعرَّض للعقوبة بسبب الفعل ذاته... إنّ هذه الحالة تشوِّش الطفل كثيراً فلا يميِّز بين الخطأ والصواب... وحين يأتي الطفل إلى أمّه باكياً لأنّ لعبته انكسرت بيديه أو عند أصدقائه... وبكاؤه دليل معرفته للخطأ... فلا يصح من الأم أن تعاتبه وتكون عليه... فما دام يفهم الخطأ فعليها أن تكون معه تبدى تأسّفها وحزنها لما حدث له.
{{هل التهديد صحيح في العقوبة}}
إذا كانت العقوبة لغرض التأديب... فليطمئن الوالدان بأنّ التهديد يضعف من أثر التأديب... كيف؟
لأنّ التهديد وحده دون تنفيذ العقوبة... كأن تهدّد الأم صغيرها بالضرب أو حرمانه من شيء يحبَّه... ونفّذت التهديد، فالسلبيات تدخل في أنواع العقوبة المؤذية التي لها آثار سلبية، فضلاً عن عدم جدواها في التأديب... وإذا لم تُنَفِّذْ التهديد فهو خطأ جسيم آخر لأنّه يضعف من شخصيتها أمام الطفل.
من هنا نلحظ أنّ التهديد سواء نفّذ أم لم ينفّذ فلا فائدة مرجوّة منه ولا يصل بالوالدين إلى الهدف الذي يرغبوه في الحصول عليه في تأديب الطفل... حتّى بالتهديد المثير للذعر... مثل تخويفه بالشرطة أو بمن يسرقه أو بالحيوان المفترس... ويجب على الوالدين تركه لأنّه يؤثّر على مشاعره ويزيد في مخاوفه ويثير قلقه.
التهديد في منظور التربية الإسلامية
ولعلّ سائلاً يقول:
لماذا تقرّ التربية الإسلامية اسلوب التهديد، كما جاء في الآية الكريمة المقدّسة:
(فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون) (الماعون/4،5).
وجوابه إنّ العقوبة الإلهية للعبد تختلف عن العقوبة التي يستخدمها الوالدان للطفل... بأنّها (العقوبة الإلهية) نتيجة طبيعية لفعل العبد... مثل حصاد الأشواك لمن زرع بذرته... أو فشل الطالب الذي انشغل باللعب واللهو في وقت الإمتحان... وتختلف عن عقوبة المربين بأنّها عارضة على الإنسان، مثل ضرب الوالدين للطالب لعدم اهتمامه بدراسته، أو طرد الفلاّح من المزرعة لعدم زرعه النباتات المثمرة المفيدة... فالعقوبة الالهية إذن نتيجة طبيعية لفعل الإنسان... وعقوبة الوالدين نتيجة غير طبيعية لفعل الأبناء... ومن هنا كان التهديد الذي استعمله القرآن يختلف تماماً عن التهديد الذي يستعمله المربّون... فهناك اختلاف كبير بين أن تقول للطالب مثلاً:
الويل لك إن لم تهتم بدراستك، فإنّ الفشل نصيبك. (أو الويل لك أن لم تهتم بدراستك، فأن الضرب المبرج نصيبك). فالنوع الأول من التهديد مفيد في التأديب والتربية، لأنّه لا يستبطن العقوبة المؤذية من جهة... ولأنّه (التهديد) يلفت النظر ـ وبدون إيذاء ـ إلى الخطأ الذي ينتظر الفاعل.
أما النوع الثاني من التهديد فهو غير مفيد لعدم تأثيره في الفاعل وللأسباب التي ذكرناها في موضوع التهديد... ومن هنا كان الاسلوب القرآني في تربية العبد باستخدام التهديد مفيداً ومثمراً ومؤثّراً.
ماذا يرى علماء التربية الارضيون؟
إنّ العوامل النفسية التي تكمن وراء استخدام الوالدين أنواع العقوبة القاسية تجاه أخطاء أبنائهم وكما يراها علماء التربية الأرضيون... هي مايلي:
1 ـ تعرّض الوالدين في صغرهم لنفس العقوبة التي يستعملونها مع أبنائهم، كردّة فعل نفسية يندفع إليها الفرد حين لا يتمكّن من ردِّ الأذى عنه ضعيفاً في الصغر.
2 ـ تنفيس لحالة الغضب التي يعايشها المعاقب بسبب توتّره من كلمة أو إهانة أو مشكلة يعاني منها لا يقدر على مواجهتها فتنعكس على الأبناء.
3 ـ شعور الوالدين بالعجز تجاه تصرّفات ابنائهم الخاطئة أو مع الآخرين لضعف شخصيتهم وعدم ثقتهم بأنفسهم، الأمر الذي يدفعهم إلى العقوبة القاسية مع أبنائهم للتغطية على ضعفهم والخروج بمظهر القوَّة.
{{سؤال}}
اذا كانت العقوبة لانتفع، فلماذا نجد الاحاديث الشريفة تؤكد على ضرب الاولاد الذين لا يلتزمون باداء الصلاة في السابعة من عمرهم؟
الفشل والنجاح يميز المرحلة الابتدائية عن التمهيدية، فلماذا؟
لا بد من الاهتمام بتعليم الطفل وترويضه في المرحلة الأولى حتى يكون مؤدباً ومطيعاً في المرحلة الثانية.
لماذا يتمرد طفلك في المرحلة الثانية ويبدو قاسياً وجافاً في تصرفاته مع اسرته.؟
{{القيام بالاعمال}}
إنّ السنوات السبع الأولى من حياة الطفل مهمّة في التربية الإسلامية وضرورية، وعليها تتركّز شخصية الطفل وأخلاقه في السنوات السبع التالية... ومن الخطأ الجسيم الذي يقع فيه الوالدين هو التزامهم بالمنظور الإسلامي في جوانب معيّنة، تاركين الجوانب الأخرى في التعامل مع الأبناء حسب الذوق الشخصي أو الإجتماعي... مثل أن نضر به لعدم تأديته الصلاة في السابعة من عمره من جهة ولا نشبع حاجته في الحبّ والحنان من جهة ثانية... ولا يصح أبداً أن نلزم الولد في السن الرابعة عشرة من العمر بفهم درس الرياضيات للمرحلة المتوسطة دون أن يقطع المرحلة الإبتدائية بحجّة إنّ هذا العمر (العام الرابع عشر) يدرك هذا المستوى من العلوم... نعم بإمكانه إدراكها فيما لو استوعب المرحلة الإبتدائية التي تمهِّد تفكيره لفهم هذه المرحلة من العلوم.
وعلى هذا الأساس لا يصح أن نضرب الولد لعدم إلتزامه بتأدية الصلاة في السابعة من العمر، حسب نصوص التربية الإسلامية في وقت لم نلتزم بها في المرحة الاولى من حياته... وهنا لا بدّ من تسليط الضوء على كيفية ترويض الطفل على القيام بالأعمال حسب المنظور الإسلامي في التربية وبالتدريج.
{{كيفية ترويض الطفل على القيام بالاعمال}}
إنّ النصوص من الأحاديث الشريفة تؤكّد على لعب الطفل وسيادته في المرحلة الأولى من عمره:
(دع ابنك يلعب سبع سنين).
(الولد سيّد سبع سنين).
واللعب يعني عدم تحمُّله لتبعات عمله، وسيادته تعني أنه يطاع فيما يريد أكثر ممّا يطيع فيما يراد منه... وينبغي على الوالدين أن يحقّقوا رغبات أولادهم ومتطلّباتهم ما عدا المضرَّة منها... ولا يفرضان عليه القيام بالاعمال مهما كان نوعها... والفرض يعني تعرض الطفل للعقوبة إن أهمل القيام بالعمل المطلوب منه.
ولا تعني التربية الإسلامية في التأكيد على سيادة الطفل ولعبه في المرحلة الأولى، تركه دون الطلب منه القيام بالأعمال مثل الصلاة... فالطفل حتى السنة الرابعة من عمره يكون مؤهّلاً للترويض على الأعمال مع ملاحظة النقاط التالية:
تأهيل الطفل للقيام بالأعمال من عمر (1 ـ 4 سنين):
1 ـ توفير الفرص المناسبة للعمل.
2 ـ عدم التدخّل أكثر ممّا ينبغي في عمله.
3 ـ مساعدته في إنجاز الأعمال الصعبة.
4 ـ لا يمنع من الأعمال التي يقدر عليها.
{{لا يمنع من الأعمال التي يقدر عليها}}
ليس من الصحيح أن يمنع الطفل في سن (1 ـ 4 سنين) من القيام بالاعمال التي يقدر عليها، مثل ارتدائه ملابسه أو حمله بعض الأطباق إلى المائدة أو سقاية أخيه الصغير... وبعض الأمّهات يرفضن مبادرات أطفالهن في هذا العمر بإنجاز بعض الأعمال بحجّة إسراعهن في الإنتهاء من أعمالهن... إنّ مثل هذه التصرّفات تؤثّر على ترويضه في السنوات اللاحقة... ولا بدّ من استجابة رغبة الأطفال في هذا العمر في القيام بالأعمال التي يطلبون إنجازها، وعلى الأم أن تتحلّى بالصبر ريثما تقطف الثمار قريباً.
مساعدته في إنجاز الأعمال الصعبه
حين يمارس الطفل في هذا العمر بعض الأعمال التي يرغب فيها يشعر بالعجز من النجاح في إنجازها... ففي ارتدائه السروال الذي رفض أن تلبِّسه إيّاه أمه... يصل وحده إلى حدّ العجز عن إيجاد المنفذ لإخراج رجله منه... فكيف تتصرّف الأم؟
من الأولى أن تبادر إليه وتعينه بالقدر الذي يمكّنه من النجاح في عمله فقط وتتركه وحده يكمّل عمله... ومن الخطأ توبيخه لإصراره على القيام بالعمل وحده أو تثبيطه ـ كما مرَّ معنا ـ.
عدم التدخل أكثر ممّا ينبغي في عمله
إنّ الطفل في هذا العمر وهو يقوم بعمل يرغب فيه، من الأولى تركه دون توجيه النصائح والإرشادات والتحذيرات والإنذارات... ففي حمله للأطباق ينبغي تركه وشأنه مع مساعدته قليلاً لإنجاح مهمّته في الوصول إلى المائدة بسلام دون فشل، وهكذا في أعماله الأخرى.
{{توفير الزمن المناسب للعمل}}
يجدر بالوالدين تشجيع أبنائهم في هذا العمر بالقيام ببعض الأعمال الممكنة وعدم تركهم وشأنهم فيما لو لم يبادروا بأنفسهم (الأطفال) إليها، وذلك بإشراكه في العمل الذي يقم به الأب أو الام، مثل أن يطلب الأب من الطفل أن يأتيه بالمسمار حين يكون مشغولاً بإصلاح أمر في المنزل... أو تطلب الأم منه أن يأتيها بالملعقة حين تقوم بتحضير المائدة؟ أو إعداد الطعام... أو وضع ثيابه أو حذائه بجانبه وتشجيعه على ارتدائه.. وهكذا.
أمّا في السن ما بين الرابعة والسادسة فهي مرحلة أخرى يصل إليها الطفل وهي مرحلة التعويد على ممارسة الأعمال... وهي كالتالي:
تعويد الطفل على ممارسة الأعمال (الطفل 4 ـ 6 سنين):
1 ـ إنجاز العمل عن طريق اللعب.
2 ـ الطلب منه بمرح.
{{{إنجاز العمل عن طريق اللعب}}
إنّ الطفل في السن ما بين الرابعة والسادسة ينبغي أن يقوم بالأعمال يومياً ويتعوّد على ذلك... ولكن دون إكراهه عل العمل، كما تؤكّد التربية الإسلامية على سيادته ولعبه في هذه المرحلة... ولذا يجب أن يروّض الطفل ويتعوّد على القيام بالعمل عن طريق اللعب أيضاً، في أن تقول له الأم مثلاً: ما رأيك لو تسابقنا فيمن يسبق أوّلاً في الإنتهاء من عمله أنا ام أنت... فأنا أُنطِّف الغرفة وأنت ترجع ألعابك إلى مكانها... أو تقول له: إنّ هذه القطعة من الحلوى سوف تكون نصيب من لا ينسى صلاته لهذا اليوم.
وهكذا يحاول الوالدان ابتكار الأساليب المتعدّدة لحمل الطفل على إنجاز الأعمال المطلوبة عن طريق اللعب (دون الفرض).
{الطلب منه بمرح}
إنّ الغضب والعبوس وتقطيب الحاجبين بوجه آخر تعدُّ أحد أنواع العقوبة حسب النصوص الإسلامية، وهي إحدى وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ولذا لا يجوز استعمالها مع الطفل في المرحلة ما بين الرابعة والسادسة... لأنّه في هذه المرحلة يكون الطفل غير مكلّف بإنحاز ايّ عمل في منظور المربّي الإسلامي... وينبغي من الوالدين حين الطلب من الطفل القيام بعمل أن يكون بوجه مرح وهادئ.
الخلاصة
إنّ النظم الوضعية تلتزم بما أقرَّته التربية الإسلامية في المرحلة الأولى من عمر الطفل بما يلي:
1 ـ ترويضه على القيام بالأعمال.
2 ـ عدم توجيه العقوبة إليه.
فالمرحلة الدراسية التمهيدية (قبل السابعة من العمر) تلزم الطفل بإنحاز بعض الواجبات المدرسية وتشجيعه على إنجازها بأحسن وجه... ولكنّها لا تعاقبه على الخطأ أو التقصير... أي ليس في المرحلة التمهيدية فشل ونجاح للطلاّب، الأمر الذي يعني عدم صلاحية الطفل لتحمّل مسؤولية الدراسة كما عليه في المرحلة الإبتدائية والتي تبدأ في السن السابعة من العمر.
أمّا في السن السابعة إلى الرابعة عشرة من العمر وهي المرحلة الثانية من حياة الطفل التي تختلف تماماً عن المرحلة الأولى، وسوف نأتي غليها بشيء من التفصيل... يكون القيام بالعمل كالآتي:
القيام بالأعمال عندما يكون الطفل في سن (7 ـ 14)
1 ـ ينجز العمل الذي تعوّد عليه (العادات قاهرات)
إنّ تسلسل الوالدين مع الطفل وحسب توجيه المربّي الإسلامي في حمله على القيام بالأعمال من خلال ترويضه في سن (1 ـ 4 سنين)، وتعويده في سن (4 ـ 6 سنين)، يجعل الطفل في عمر السابعة إلى الرابعة عشرة مؤهّلاً للقيام بالأعمال حتى وبدون طلب من والديه... ذلك لأن العادات قاهرات... ولقد تعوّد الطفل وبصبر والديه في المرحلة الأولى عليه إلى الوصول إلى المرحلة التي تجعلهم يقطفون ثمارها... فما أحلى أن يقوم الطفل بالعمل وحده دون تعب بالطلب منه.
{ما هو سرّ الإختلاف}
إنّ هناك إختلافاً واضحاً بين الأطفال في المرحلة الثانية من عمرهم والتي تتراوح من سن 7 ـ 14 سنة... من حيث طبائعهم وسماتهم، وبين ما تؤكّده النصوص التربوية الإسلامية... فالأخيرة تصف الطفل في هذه المرحلة بأنّه عبد مطيع لوالديه، ويقبل أدبهم وليس الحال كهذا؟؟
وجوابه أنّ النصوص التربوية في الإسلام حين تؤكّد على الأمرين السابقين في الطاعة والأدب:
(دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين).
أو (الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين...).
إنّما ترى أنّ المرحلة الثانية انعكاس للمرحلة الأولى من حياة الطفل... فما بذرة الوالدان أولاً يجدون ثماره في المرحلة الثانية... والمنظور الإسلامي في التربية حين يؤكّد على إشباع حاجة الطفل في المرحلة الأولى بالحنان وإحاطته بالإهتمام وعدم عقوبته وتحقيره... و... الخ.. بالتأكيد سوف تكون ثمار المرحلة الثانية حسن الطاعة (عبد) والتزام أدب والديه (يؤدّب)... فالمسألة متعلّقة إذن بتربية الوالدين واسلوبهم السيئ أو الحسن مع الطفولة المبكرة (السبع سنوات الأولى من حياة الطفل).
ومن أهم الظواهر والتصرّفات التي تصدر من الأولاد في هذه المرحلة حين يتعرّضون إلى سوء تعامل والديهم معهم في المرحلة الأولى من عمرهم... هي ما يلي:
الطفل في المرحلة الثانية انعكاس لسوء التربية في المرحلة الأولى:
1 ـ التمرد على والديه.
2 ـ استعمال الكلمات النابية.
3 ـ رفض نصيحة الوالدين وقبولها من الغرباء.
4 ـ إحاطة نفسه بالأسرار.
5 ـ تقليد الآخرين.
6 ـ يرفض نصيحة الوالدين ويقبلها من الغرباء.
{التمرّد على الوالدين}
إنّ كل الظواهر التي نجدها في هذه المرحلة... تكون متعلّقة بشعور الطفل إلى الإستقلال والتحرّر من والديه... فإذا لم يعزّز الوالدان هذا الشعور عنده، اندفع إلى كثير من التصرّفات التي ينزعج منها الأهل مثل حالة التمرّد على أوامر الوالدين في وقت ينبغي أن يكون عبداً لهما، كما تؤكّد التربية الإسلامية... وحالة التمرّد يتّجه إليها الأبناء عادة لإثبات وجودهم الذي تجاهله الآباء في تعاملهم معه.
رفض نصيحة الوالدين وقبولها من الغرباء
وهذا مظهر آخر اندفع إليه الطفل في المرحلة الثانية حين يرفض نصيحة والديه، في وقت يقبلها من أصدقاء والديه أو المعلّمين... وهو بهذا التصرُّف يحاول إفهام والديه بأنّه ليس جزء منهما، بل له وجود مستقل بذاته يتمكّن من الرفض أو القبول.
{استعمال الكلمات النابية}
قد يستغرب الوالدان من استعمال طفلهم في هذه المرحلة لكلمات جارحة بعد أن كان في المرحلة الأولى يسمعهم كلمات الحبّ والودّ.. أنّه بهذا الاسلوب لا يقصد كراهية والديه، بل يعتبر تصرّفه هذا ردّة فهل لتجاهل الأهل في الأسرة.
{إحاطة نفسه بالأسرار}
إنّ الطفل في المرحلة الثانية من عمره يحيط نفسه بالأسرار في محاولة منه لإفهام والديه بأنّه كائن له استقلاله ووجوده الخاص... خصوصاً حين يتدخّل الآباء دوماً في حياته.
{تقليد الآخرين}
إنّ عدم احترم الطفل وعدم أخذ مشورته تجعله عديم الشخصية وضعيف النفس، لذا يندفع إلى تقليد الآخرين في الأفعال والمظهر لسدِّ النقص الذي يعاني منه... ويقلّد المنبوذين من قبل الأهل بسبب تعرّضه للعقوبة القاسية في طفولته الأولى.
وهكذا نجد حياة الطفل في هذه المرحلة مملوءة بهذه الظواهر المحزنة لوالديه بسبب عدم إشباع غريزته في الإستقلال التي تدفعه إلى التحرّر من والديه.
{{ما هو التعامل الصحيح مع الطفل في مرحلته الثانية؟}}
إنّ التعامل الصحيح مع الطفل يكون عبر تعزيز شعوره بالإستقلال... والأخير يأتي عن طريق تحميله مسؤولية فعله، لا كما كان في المرحلة الأولى:
(إنّ السّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (الاسراء/36).
ومن هنا كانت العقوبة والتي تعني تحمُّل مسؤولية العمل تعزّز شعوره بالإستقلال، على شرط أن تكون العقوبة وكما ألمحنا سابقا خارجة عن إطار الإيذاء الجسدي والنفسي... وكما قلنا سابقاً إنّ المربّين الجدد يتبنّون هذا المنحى، ففي المنهج التربوي الإسلامي... حيث تبتدئ عندهم المرحلة الإبتدائية في سن السابعة، من العمر، وتتميّز عن التمهيدية وهي المرحلة الأولى من عمر الطفل بأنّها مرحلة تعليم والتزام، الأمر الذي يعني النجاح في الإلتزام أو الفشل وهو العقوبة في المنظور التربوي الاسلامي.
إذن العقوبة تعزّز الشعور بالإستقلال، الذي ينمو في المرحلة الثانية من عمر الطفل، وهو شكل يرتاح له الأبناء، ولذا أكّدت النصوص الشريفة على ضرورة تحميل الطفل المسؤولية في هذه المرحلة بالتأديب (ويؤدّب سبع سنين)... ثمّ أكّدت على كونه عبداً مطيعاً لما يريده الأبوان وهي النتيجة الحتمية التي يصل إليها الأبوان بسبب تعاملهم الصحيح معه في المرحلة الأولى... ومن هنا كان الضرب ـ الخالي من الإيذاء الجسدي أو النفسي ـ عقوبة للولد في المرحلة الثانية بسبب تركه الصلاة كما أكّدت النصوص الشريفة:
قال رسول الله(ص):
(مرّوا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين وأضربوهم إذا كانوا أبناء سبع سنين).