بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
هذه تفصيلات حول الاية المباركة من سورة الرحمن عقدنا عليها البحث وادرجنا كلمات الاعلام من مختلف المشارب النقلية والعقلية والفلسفية والعرفانية واللغوية ، اذ لم يكن لنا اي تعلق لانهم لم يبقوا لنا اي حصة ، ومن يقارع الاعلام بعلمهم
(يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)
عند الاعلام
قوله : « شؤون يبديها » أي يظهرها في الوجود الخارجي بعد أن كان معلوماً عند الباري ، لا أنه تعالى يبتديها من غير أن يكون له علم بها في الأزل[1]
الحديث والرواية والمأثور:
1ـ أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : قال ( تبارك وتعالى ) : ( كل يوم هو في شأن ) فإن من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين[2]
(الحمد لله الذي لا يموت ولا ينقضي عجائبه لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن)
وعقب عليه المازندراني قائلاً : فإنه صريح في أنه تعالى يحدث في كل وقت ما أراد إحداثه من
الأشخاص والأحوال
وعن ابن عباس في قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ) قال : إن مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه من ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، وعرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمأة وستين نظرة ، يخلق في كل نظرة ، ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويفك ويفعل ما يشاء فذلك قوله ( كل يوم هو في شأن )[3]
وسئل أبو الدرداء عن هذه الآية ( كل يوم هو في شأن، فقال : سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من شأنه يغفر ذنبا ، ويكشف كربا ، ويرفع أقواما ، ويصنع آخرين[4]
أي في كل وقت وحين يحدث أمورا ويجدد أحوالا من إهلاك وإنجاء ، وحرمان وإعطاء[5] وقال في موضع آخر: أنه ليس بزماني يرد عليه الأزمان و يخلقه ، بل كل يوم عنده متجدد كأنه لم يكن قبله زمان بالنظر إليه ، أو كل يوم من الأزمان السالفة والآتية حاضر عند علمه عالم بما فيه[6]
وعقب عليه السيد شرف الدين قائلاً: هذا هو الذي تقول به الشيعة وتسميه بداء ، وغير الشيعة يقولون به ، لكنهم لا يسمونه بداء[7]
الشيخ الطوسي: والمعنى إن كل يوم اله تعالى في شأن من احياء قوم وإماتة آخرين ، وعافية قوم ومرض غيرهم ، ونجاة واهلاك ورزق وحرمان وغير ذلك من الأمور والنعمة[8] واما الشبخ الطبرسي فقد عدد الاقوال والاراء بعد حكم بعدم الاتفاق ولم يرجح قولاً[9] لكن ابن شهر آشوب رجح ان يكون الشأن: الأمر العظيم فمن شأنه أن يغفر ذنبا ويعرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين[10] وقال المفسر مير سيد علي الطهراني: أي كلّ وقت من الأوقات والمراد بطن الزمان في الحقيقة وهو اليوم الإلهيّ الَّذي هو الآن وهو غير منقسم في شأن من الأشؤن من الإعطاء والمنع والفقر والغنى ويأتي بأحوال منها ويذهب بأحوال منها من العزّة والذلَّة والصحّة والمرض ونحو ذلك حسب ما يقتضيه الحكمة البالغة[11] واشار المفسر البروجردي الى ذلك: فانّ شؤون الرّبوبيّة دائمة مستمرة سيّالة كاستمرار الزّمان وسيلانه ففي كلّ آن له شأن بل شؤون[12] وعند المعاصرين ومنهم العلامة الطباطبائي قائلاً: للدلالة على التفرق والاختلاف فالمعنى : كل يوم هو تعالى في شأن غير ما في سابقه ولاحقه من الشأن فلا يتكرر فعل من أفعاله مرتين ولا يماثل شأن من شؤونه شأنا آخر من جميع الجهات وإنما يفعل على غير مثال سابق وهو الابداع ومعنى ظرفية اليوم إحاطته تعالى في مقام الفعل على الأشياء فهو سبحانه في كل زمان وليس في زمان وفي كل مكان وليس في مكان ومع كل شئ ولا يداني شيئا[13]
عند العامة
في شأن يحدثه لا يبديه يعز ويذل ويحيي ويميت ويخفض ويرفع ويغفر ذنباً ويكشف كرباً ويجيب داعياً[14]
عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قوله تعالى : ( كل يوم هو في شان ) . قال : في شأنه أن يغفر ذنبا ، ويكشف كربا ، ويجيب داعيا ، ويرفع قوما ويضع آخرين[15] واخرج نفس الحديث ابن حبان في صحيحه، وكذلك الطبراني في معجمه الاوسط، وابن عبد البر في الاستيعاب والطبري عن قتادة ، قوله : يسأله من في السماوات والأرض ، كل يوم هو في شأن لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض ، يحيى حيا ، ويميت ميتا ويربي صغيرا ، ويذل كبيرا ، وهو مسأل حاجات الصالحين ، ومنتهى شكواهم ، وصريخ الأخيار[16] وقال الاندلسي: أي يظهر شان من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها الا هو تعالى والشأن اسم جنس للأمور[17]
تقريب بمثل ورده:
( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ ) * سبحانه * ( فِي شَأْنٍ ) * فإذا قدر الفقر ثم سأله إنسان أن يغنيه أغناه ، وهكذا ، فهو يتصرف في الكون في كل آن ، لا يقال ما هي الحاجة إلى ذلك وقد كان بقدرته سبحانه أن يكون كصاحب معمل يشغل معمله لحظة ، ثم يتركه طيلة حركته ، فيخلق اللَّه الكون لحظة ، ثم لا يعمل شيئا ؟ لأنه يقال المحال لا يقع تحت قدرة اللَّه تعالى فإن الأشياء عدم بدون استمرار عناية اللَّه بها مثل أن النور عدم بدون إفاضة الشمس دائما له ، ومثال المعمل غير صحيح ، لأن صاحب المعمل لا يأتي إلا بالمعدّ أي بحركة أعضائه وجوارحه في اللحظة الأولى أما دوران المعمل فهو حسب قانون جعله اللَّه في الكون فاللَّه قائم على دوران المعمل لا إنه يدوره بنفسه كما أن من يضغط على جهاز الكهرباء أتى بالمعدّ وانتهى فالإنارة المستمرة إنما هي حسب قانون اللَّه في جريان تيار الكهرباء ، وهذا بحث طويل مربوط بالفلسفة[18]
نكتة معرفية:
يقول السيد حيدر اللآملي: وهكذا ينبغي أن يكون الملك يستشرف كلّ يوم على أحوال أهل ملكه ، يقول تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)لأنّه يسأله من في السّموات والأرض ، بلسان الحال وبلسان المقال[19] ومعناه ، أي كلّ يوم من أيّام الألوهيّة أو الرّبوبية أو الزمانيّة المقدرة من نقطة إلى نقطة هو في شأن من إظهار تلك الحروف الوجوديّة والآيات والكلمات المركبة منها ، وهذه الآية نزلت في معرض أنّ النّبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال فرغ اللَّه تعالى من أربع ، من الخلق والخلق ، والرزق والأجل ، فقالت اليهود فالآن ليس له شغل ، وهذا أمر بالتعطيل ، وإعتقاد فاسد عند التحقيق[20] وقريب منه السيد مصطفى الخميني بقوله: فمن أسمائه تعالى هو " القابض " فكل آن يكون كل موجود في قبضته ، ومن أسمائه تعالى " الباسط " ، فكل موجود في كل آن في بسط [ يده ] تعالى[21]
نكتة بلاغية:
يقول الشيخ حسن المصطفوي: يراد ظهور الإفاضات الرحمانيّة والألطاف الجارية على مقتضى السؤالات والدعوات بألسنة حاليّة أو مقاليّة . وتنكير الشأن : يدلّ على التنوّع والتبدّل والتغيّر ، وعلى هذا لا يمكن أن يراد منه مقام الصفات ولا مقام العلم والإدراك ولا مقام الحال ، فانّ هذه المقامات لا تقبل التحوّل والتنوّع في مقام الالوهيّة ، وإن كانت اعتباريّة صرفة في تلك المقام - وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه[22]وقال الثعلبي: ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت[23]
ذوق :
يقول ابن عربي: ( كل يوم هو في شأن ) * بإفاضة ما يناسب كل استعداد ويستحقه فله كل وقت في كل خلق شأن بإفاضة ما يستحقه ويستأهله باستعداده ، فمن استعد بالتصفية والتزكية للكمالات الخيرية والأنوار يفيضها عليه مع حصول الاستعداد ، ومن استعد بتكدير جوهر نفسه بالهيئات المظلمة والرذائل ولوث العقائد الفاسدة والخبائث للشرور والمكاره وأنواع الآلام والمصائب والعذاب والوبال يفيضها عليه مع حصول الاستعداد[24]
ختام سهل ومفيد:
نعم إن خلقه مستمر ، واجاباته لحاجات السائلين والمحتاجين لا تنقطع ، كما أن إبداعاته مستمرة فيجعل الأقوام يوما في قوة وقدرة ، وفي يوم آخر يهلكهم ، ويوما يعطي السلامة والشباب ، وفي يوم آخر الضعف والوهن ، ويوما يذهب الحزن والهم من القلوب وآخر يكون باعثا له . وخلاصة الأمر أنه في كل يوم - وطبقا لحكمته ونظامه الأكمل - يخلق ظاهرة جديدة وخلقا وأحداثا جديدة . والالتفات إلى هذه الحقيقة من جهة يوضح احتياجاتنا المستمرة لذاته المقدسة ، ومن جهة أخرى فإنه يذهب اليأس والقنوط من القلوب ، ومن جهة ثالثة فإنه يلوي الغرور ويكسر الغفلة في النفوس[25]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ شرح اصول المازندراني: ج4،ص239
[2] ـ امالي الطوسي: ص521
[3] ـ بحار الانوار: ج54،ص374
[4] ـ الفرج بعد الشدة: التنوخي، ج1،ص20
[5] ـ بحار الانوار: ج83،ص65
[6] ـ المصدر السابق: ج83،ص106
[7] ـ اجوبة مسائل جار الله: ص103
[8] ـ التبيان: ج9،ص472
[9] ـ مجمع البيان: ج9،ص338
[10] ـ متشابه القران ومختلفه: ج1،ص89
[11] ـ مقتنيات الدرر: ج11،ص9
[12] ـ تفسير الصراط المستقيم: ج4،ص456
[13] ـ الميزان في تفسير القران: ج19،ص102
[14] ـ عمدة القاري: ج25،ص176
[15] ـ السنة: ابن ابي عاصم،ص129
[16] ـ جامع البيان عن تأويل أي القران: ج27،ص174
[17] ـ المحرر الوجيز: ج5،ص239
[18] ـ تقريب القران الى الاذهان: السيد محمد الشيرازي: ج5،ص298
[19] ـ تفسير المحيط الاعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله المحكم: ج2،ص84
[20] ـ المصدر لسابق: ج2،ص352
[21] ـ تفسير القران الكريم: ج6،ص63
[22] ـ التحقيق في كلمات القران الكريم: ج6،ص10
[23] ـ الكشف والبيان: ج9،ص154
[24] ـ تفسير ابن عربي: ج2،ص287
[25] ـ الامثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج17،ص400
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
هذه تفصيلات حول الاية المباركة من سورة الرحمن عقدنا عليها البحث وادرجنا كلمات الاعلام من مختلف المشارب النقلية والعقلية والفلسفية والعرفانية واللغوية ، اذ لم يكن لنا اي تعلق لانهم لم يبقوا لنا اي حصة ، ومن يقارع الاعلام بعلمهم
(يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)
عند الاعلام
قوله : « شؤون يبديها » أي يظهرها في الوجود الخارجي بعد أن كان معلوماً عند الباري ، لا أنه تعالى يبتديها من غير أن يكون له علم بها في الأزل[1]
الحديث والرواية والمأثور:
1ـ أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : قال ( تبارك وتعالى ) : ( كل يوم هو في شأن ) فإن من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين[2]
(الحمد لله الذي لا يموت ولا ينقضي عجائبه لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن)
وعقب عليه المازندراني قائلاً : فإنه صريح في أنه تعالى يحدث في كل وقت ما أراد إحداثه من
الأشخاص والأحوال
وعن ابن عباس في قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ) قال : إن مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه من ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، وعرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمأة وستين نظرة ، يخلق في كل نظرة ، ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويفك ويفعل ما يشاء فذلك قوله ( كل يوم هو في شأن )[3]
وسئل أبو الدرداء عن هذه الآية ( كل يوم هو في شأن، فقال : سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من شأنه يغفر ذنبا ، ويكشف كربا ، ويرفع أقواما ، ويصنع آخرين[4]
أي في كل وقت وحين يحدث أمورا ويجدد أحوالا من إهلاك وإنجاء ، وحرمان وإعطاء[5] وقال في موضع آخر: أنه ليس بزماني يرد عليه الأزمان و يخلقه ، بل كل يوم عنده متجدد كأنه لم يكن قبله زمان بالنظر إليه ، أو كل يوم من الأزمان السالفة والآتية حاضر عند علمه عالم بما فيه[6]
وعقب عليه السيد شرف الدين قائلاً: هذا هو الذي تقول به الشيعة وتسميه بداء ، وغير الشيعة يقولون به ، لكنهم لا يسمونه بداء[7]
الشيخ الطوسي: والمعنى إن كل يوم اله تعالى في شأن من احياء قوم وإماتة آخرين ، وعافية قوم ومرض غيرهم ، ونجاة واهلاك ورزق وحرمان وغير ذلك من الأمور والنعمة[8] واما الشبخ الطبرسي فقد عدد الاقوال والاراء بعد حكم بعدم الاتفاق ولم يرجح قولاً[9] لكن ابن شهر آشوب رجح ان يكون الشأن: الأمر العظيم فمن شأنه أن يغفر ذنبا ويعرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين[10] وقال المفسر مير سيد علي الطهراني: أي كلّ وقت من الأوقات والمراد بطن الزمان في الحقيقة وهو اليوم الإلهيّ الَّذي هو الآن وهو غير منقسم في شأن من الأشؤن من الإعطاء والمنع والفقر والغنى ويأتي بأحوال منها ويذهب بأحوال منها من العزّة والذلَّة والصحّة والمرض ونحو ذلك حسب ما يقتضيه الحكمة البالغة[11] واشار المفسر البروجردي الى ذلك: فانّ شؤون الرّبوبيّة دائمة مستمرة سيّالة كاستمرار الزّمان وسيلانه ففي كلّ آن له شأن بل شؤون[12] وعند المعاصرين ومنهم العلامة الطباطبائي قائلاً: للدلالة على التفرق والاختلاف فالمعنى : كل يوم هو تعالى في شأن غير ما في سابقه ولاحقه من الشأن فلا يتكرر فعل من أفعاله مرتين ولا يماثل شأن من شؤونه شأنا آخر من جميع الجهات وإنما يفعل على غير مثال سابق وهو الابداع ومعنى ظرفية اليوم إحاطته تعالى في مقام الفعل على الأشياء فهو سبحانه في كل زمان وليس في زمان وفي كل مكان وليس في مكان ومع كل شئ ولا يداني شيئا[13]
عند العامة
في شأن يحدثه لا يبديه يعز ويذل ويحيي ويميت ويخفض ويرفع ويغفر ذنباً ويكشف كرباً ويجيب داعياً[14]
عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قوله تعالى : ( كل يوم هو في شان ) . قال : في شأنه أن يغفر ذنبا ، ويكشف كربا ، ويجيب داعيا ، ويرفع قوما ويضع آخرين[15] واخرج نفس الحديث ابن حبان في صحيحه، وكذلك الطبراني في معجمه الاوسط، وابن عبد البر في الاستيعاب والطبري عن قتادة ، قوله : يسأله من في السماوات والأرض ، كل يوم هو في شأن لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض ، يحيى حيا ، ويميت ميتا ويربي صغيرا ، ويذل كبيرا ، وهو مسأل حاجات الصالحين ، ومنتهى شكواهم ، وصريخ الأخيار[16] وقال الاندلسي: أي يظهر شان من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها الا هو تعالى والشأن اسم جنس للأمور[17]
تقريب بمثل ورده:
( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ ) * سبحانه * ( فِي شَأْنٍ ) * فإذا قدر الفقر ثم سأله إنسان أن يغنيه أغناه ، وهكذا ، فهو يتصرف في الكون في كل آن ، لا يقال ما هي الحاجة إلى ذلك وقد كان بقدرته سبحانه أن يكون كصاحب معمل يشغل معمله لحظة ، ثم يتركه طيلة حركته ، فيخلق اللَّه الكون لحظة ، ثم لا يعمل شيئا ؟ لأنه يقال المحال لا يقع تحت قدرة اللَّه تعالى فإن الأشياء عدم بدون استمرار عناية اللَّه بها مثل أن النور عدم بدون إفاضة الشمس دائما له ، ومثال المعمل غير صحيح ، لأن صاحب المعمل لا يأتي إلا بالمعدّ أي بحركة أعضائه وجوارحه في اللحظة الأولى أما دوران المعمل فهو حسب قانون جعله اللَّه في الكون فاللَّه قائم على دوران المعمل لا إنه يدوره بنفسه كما أن من يضغط على جهاز الكهرباء أتى بالمعدّ وانتهى فالإنارة المستمرة إنما هي حسب قانون اللَّه في جريان تيار الكهرباء ، وهذا بحث طويل مربوط بالفلسفة[18]
نكتة معرفية:
يقول السيد حيدر اللآملي: وهكذا ينبغي أن يكون الملك يستشرف كلّ يوم على أحوال أهل ملكه ، يقول تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)لأنّه يسأله من في السّموات والأرض ، بلسان الحال وبلسان المقال[19] ومعناه ، أي كلّ يوم من أيّام الألوهيّة أو الرّبوبية أو الزمانيّة المقدرة من نقطة إلى نقطة هو في شأن من إظهار تلك الحروف الوجوديّة والآيات والكلمات المركبة منها ، وهذه الآية نزلت في معرض أنّ النّبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال فرغ اللَّه تعالى من أربع ، من الخلق والخلق ، والرزق والأجل ، فقالت اليهود فالآن ليس له شغل ، وهذا أمر بالتعطيل ، وإعتقاد فاسد عند التحقيق[20] وقريب منه السيد مصطفى الخميني بقوله: فمن أسمائه تعالى هو " القابض " فكل آن يكون كل موجود في قبضته ، ومن أسمائه تعالى " الباسط " ، فكل موجود في كل آن في بسط [ يده ] تعالى[21]
نكتة بلاغية:
يقول الشيخ حسن المصطفوي: يراد ظهور الإفاضات الرحمانيّة والألطاف الجارية على مقتضى السؤالات والدعوات بألسنة حاليّة أو مقاليّة . وتنكير الشأن : يدلّ على التنوّع والتبدّل والتغيّر ، وعلى هذا لا يمكن أن يراد منه مقام الصفات ولا مقام العلم والإدراك ولا مقام الحال ، فانّ هذه المقامات لا تقبل التحوّل والتنوّع في مقام الالوهيّة ، وإن كانت اعتباريّة صرفة في تلك المقام - وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه[22]وقال الثعلبي: ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت[23]
ذوق :
يقول ابن عربي: ( كل يوم هو في شأن ) * بإفاضة ما يناسب كل استعداد ويستحقه فله كل وقت في كل خلق شأن بإفاضة ما يستحقه ويستأهله باستعداده ، فمن استعد بالتصفية والتزكية للكمالات الخيرية والأنوار يفيضها عليه مع حصول الاستعداد ، ومن استعد بتكدير جوهر نفسه بالهيئات المظلمة والرذائل ولوث العقائد الفاسدة والخبائث للشرور والمكاره وأنواع الآلام والمصائب والعذاب والوبال يفيضها عليه مع حصول الاستعداد[24]
ختام سهل ومفيد:
نعم إن خلقه مستمر ، واجاباته لحاجات السائلين والمحتاجين لا تنقطع ، كما أن إبداعاته مستمرة فيجعل الأقوام يوما في قوة وقدرة ، وفي يوم آخر يهلكهم ، ويوما يعطي السلامة والشباب ، وفي يوم آخر الضعف والوهن ، ويوما يذهب الحزن والهم من القلوب وآخر يكون باعثا له . وخلاصة الأمر أنه في كل يوم - وطبقا لحكمته ونظامه الأكمل - يخلق ظاهرة جديدة وخلقا وأحداثا جديدة . والالتفات إلى هذه الحقيقة من جهة يوضح احتياجاتنا المستمرة لذاته المقدسة ، ومن جهة أخرى فإنه يذهب اليأس والقنوط من القلوب ، ومن جهة ثالثة فإنه يلوي الغرور ويكسر الغفلة في النفوس[25]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ شرح اصول المازندراني: ج4،ص239
[2] ـ امالي الطوسي: ص521
[3] ـ بحار الانوار: ج54،ص374
[4] ـ الفرج بعد الشدة: التنوخي، ج1،ص20
[5] ـ بحار الانوار: ج83،ص65
[6] ـ المصدر السابق: ج83،ص106
[7] ـ اجوبة مسائل جار الله: ص103
[8] ـ التبيان: ج9،ص472
[9] ـ مجمع البيان: ج9،ص338
[10] ـ متشابه القران ومختلفه: ج1،ص89
[11] ـ مقتنيات الدرر: ج11،ص9
[12] ـ تفسير الصراط المستقيم: ج4،ص456
[13] ـ الميزان في تفسير القران: ج19،ص102
[14] ـ عمدة القاري: ج25،ص176
[15] ـ السنة: ابن ابي عاصم،ص129
[16] ـ جامع البيان عن تأويل أي القران: ج27،ص174
[17] ـ المحرر الوجيز: ج5،ص239
[18] ـ تقريب القران الى الاذهان: السيد محمد الشيرازي: ج5،ص298
[19] ـ تفسير المحيط الاعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله المحكم: ج2،ص84
[20] ـ المصدر لسابق: ج2،ص352
[21] ـ تفسير القران الكريم: ج6،ص63
[22] ـ التحقيق في كلمات القران الكريم: ج6،ص10
[23] ـ الكشف والبيان: ج9،ص154
[24] ـ تفسير ابن عربي: ج2،ص287
[25] ـ الامثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج17،ص400
تعليق