(كتاب ارشاد المفيد قدس سره) اخبرني ابو القاسم بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن جماعة عن رجاله عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند ابي عبدالله((عليه السلام)) فورد عليه رجل من اهل الشام فقال له: اني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة اصحابك، فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): كلامك هذا من كلام رسول الله((صلى الله عليه وآله)) او من عندك؟ فقال: من كلام رسول الله((صلى الله عليه وآله)) بعضه ومن عندي بعض، فقال له ابو عبدالله: فانت اذاً شريك رسول الله((صلى الله عليه وآله))؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عزوجل يخبرك؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله((صلى الله عليه وآله))؟ قال: لا، فالتفت ابو عبدالله الي فقال: يا نونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيا لها من حسرة، فقلت: جعلت فداك اني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): انما قلت فويل لقوم تركوا قولي وذهبوا الى ما يريدون، ثم قال: اخرج الى الباب وانظر من ترى من المتكلمين فأدخله، قال: فخرجت فوجدت حمران ابن اعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن النعمان الأحول وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانا متكلمين فأدخلتهم عليه، فلما استقربهم المجلس وكنا في خيمة لأبي عبدالله((عليه السلام)) على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل ايام الحج بأيام اذ خرج ابو عبدالله((عليه السلام)) رأسه من الخيمة فاذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة، قال: فظننّاان هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبدالله((عليه السلام)) فاذا هو هشام بن الحكم قد ورد وهو اول ما اختطت لحيته وليس فينا الا من هو اكبر منه سناً قال: فوسع له ابو عبدالله((عليه السلام)) وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ثم قال لحمران: كلم الرجل ـ يعني الشامي ـ فكلمه حمران فظهر عليه، ثم قال: يا طافي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن النعمان، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه فتفارقا، ثم قال لقيس الماصر: كلمه فكلمه واقبل ابو عبدالله((عليه السلام)) يبتسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي: كلم هذا يعني هشام بن الحكم، فقال: نعم، ثم قال الشامي لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا يعني ابا عبدالله((عليه السلام))، فغضب هشام حتى ارعد ثم قال له: اخبرني يا هذا اربك انظر لخلقه ام هم لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال: كلفهم واقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم وأراح في ذلك عللهم، فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي: هو رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال هشام: فبعد رسول الله من؟ قال: الكتاب والسنة، قال له هشام: فهل نفعتا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى يرفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم، قال هشام: فلم اختلفنا نحن وانت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم ان الرأي طريق الدين وانت مقر بأن الرأي لا يجمع الى القول الواحد المختلفين؟ فسكت الشامي كالمفكر.
فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): ما لك لا تتكلم؟ فقال: ان قلت ما اختلفنا كابرت وان قلت ان الكتاب والسنة يرفعان الاختلاف ابطلت لأنهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك. فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): سله تجده ملياً، فقال الشامي لهشام: من انظر للخلق ربهم ام انفسهم؟ فقال هشام: بل ربهم انظر، قال الشامي: فهل اقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم؟ قال هشام: نعم، قال الشامي، من هو؟ قال هشام: اما في ابتداء الشريعة فرسول الله((صلى الله عليه وآله)) واما بعد النبي فغيره، فقال الشامي: ومن هو غير النبي((صلى الله عليه وآله)) القائم مقامه في حجته؟ قال هشام: في وقتنا هذا ام قبله؟ قال الشامي: بل في وقتنا هذا، قال هشام: هذا الجالس يعني ابا عبدالله((عليه السلام)) الذي تشد اليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن اب عن جد، قال الشامي: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال.
فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): انا اكفيك المسألة يا شامي اخبرك عن مسيرك وسفرك يوم كذا وكان طريقك كذا ومررت على كذا وكذا ومر بك كذا وكذا، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من امره يقول: صدقت والله، ثم قال له الشامي: اسلمت لله الساعة، فقال له ابو عبداالله((عليه السلام)): بل آمنت بالله الساعة ان الإسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والايمان عليه يثابون. قال الشامي: صدقت فأنا اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وانك وصي الأوصياء.
قال: واقبل ابو عبدالله((عليه السلام)) على حمران فقال: يا حمران تجري الكلام على الاثر فتصيب، والتفت الى هشام بن سالم فقال: تريد الاثر ولا تعرفه، ثم التفت الى الأحول فقال: قياس رواغ تكسر باطلا الا ان باطلك اظهر، ثم التفت الى قيس الماصر فقال: تتكلم واقرب ما يكون من الخبر عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ابعد ما تكون منه تمزج الحق بالباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، انت والأحول قفازن حاذقان، قال يونس بن يعقوب: فظننت والله انه يقول لهشام بن الحكم قريباً مما قال لهما، فقال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك اذا هممت بالارض طرت، مثلك فليكلم الناس اتقي الزلة والشفاعة من ورائك.
(ومنه ايضاً) اخبرني ابو القاسم جعفر بن محمد القمي عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن العباس بن عمر الفقيمي ان ابن ابي العوجاء وابن طالوت وابن الاعمى وابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام وابو عبدالله جعفر بن محمد الصادق((عليه السلام)) فيه اذ ذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات، فقال القوم لابن ابي العوجاء: هل لك في تغليطك هذا الجالس وسئواله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو علامة زمانه، فقال لهم ابن ابي العوجاء: نعم، ثم تقدم ففرق الناس ثم قال: يا ابا عبدالله ان المجالس امانات ولابد لكل من له سؤال يسأل فتأذن لي في السؤال، فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): سل ان شئت، فقال له ابن ابي العوجاء: الى كم تدرسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الجهر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون هرولة البعير اذا نفر من فكر في ذلك وتدبر علم انه فعل غير حكيم ولا ذي نظر؟ فقل فانك رأس هذا الأمر وسنامه وابوك أسه ونظامه، فقال له الصادق((عليه السلام)): ان من اضله اللّه واعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه يورد منا هل الهلكة ولا يصدره، وهذا بيت استعبد اللّه به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه حثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي الى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال، خلقه الله تعالى قبل دحو الارض بألفي عام فأحق من اطيع فيما امر وانتهى عما زجر الله تعالى المنشىء للأرواح والصور. فقال له ابن ابي العوجاء: ذكرت ابا عبدالله فأحلت على غائب! فقال الصادق((عليه السلام)): كيف يكون يا ويلك غائباً من هو مع خلقه شاهد واليهم اقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم ويعلم اسرارهم لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون من مكان اقرب من مكان، يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه افعاله، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد((صلى الله عليه وآله)) جاءنا بهذه العبادة، فان شككت في شيء من امره فاسأل عنه اوضحه.
قال: فأبلس ابن ابي العوجاء ولم يدر ما يقول وانصرف من بين يديه، فقال لأصحابه: سألتكم ان تلتمسوا الى جمرة فألقيتموني على جمرة، فقالوا له: اسكت فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك، وما رأينا احقر منك اليوم في مجلسه، فقال لهم: اتقولون هذا انه من حلق رؤوس من ترون واومأ بيده الى اهل الموسم.
(بيان) الطوب بالضم الآجر. يقال لطعام «وخيم» اي غير موافق واستوخمه لم يستمره. وقوله الله المنشيء خبر لقوله احق. ويقال ابلس اي يئس وتحير. والجمرة بالفتح النار المتقدة والحصاة والمراد بالأول الثاني وبالثاني الاول اي سألتكم ان تطلبوا لي حصاة العب بها وارميها فألقيتمونى في نار متقدة ولم يمكني التخلص منها. تمت حكاية ابن ابي العوجاء مع بيان ألفاظها.
فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): ما لك لا تتكلم؟ فقال: ان قلت ما اختلفنا كابرت وان قلت ان الكتاب والسنة يرفعان الاختلاف ابطلت لأنهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك. فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): سله تجده ملياً، فقال الشامي لهشام: من انظر للخلق ربهم ام انفسهم؟ فقال هشام: بل ربهم انظر، قال الشامي: فهل اقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم؟ قال هشام: نعم، قال الشامي، من هو؟ قال هشام: اما في ابتداء الشريعة فرسول الله((صلى الله عليه وآله)) واما بعد النبي فغيره، فقال الشامي: ومن هو غير النبي((صلى الله عليه وآله)) القائم مقامه في حجته؟ قال هشام: في وقتنا هذا ام قبله؟ قال الشامي: بل في وقتنا هذا، قال هشام: هذا الجالس يعني ابا عبدالله((عليه السلام)) الذي تشد اليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن اب عن جد، قال الشامي: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال.
فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): انا اكفيك المسألة يا شامي اخبرك عن مسيرك وسفرك يوم كذا وكان طريقك كذا ومررت على كذا وكذا ومر بك كذا وكذا، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من امره يقول: صدقت والله، ثم قال له الشامي: اسلمت لله الساعة، فقال له ابو عبداالله((عليه السلام)): بل آمنت بالله الساعة ان الإسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والايمان عليه يثابون. قال الشامي: صدقت فأنا اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وانك وصي الأوصياء.
قال: واقبل ابو عبدالله((عليه السلام)) على حمران فقال: يا حمران تجري الكلام على الاثر فتصيب، والتفت الى هشام بن سالم فقال: تريد الاثر ولا تعرفه، ثم التفت الى الأحول فقال: قياس رواغ تكسر باطلا الا ان باطلك اظهر، ثم التفت الى قيس الماصر فقال: تتكلم واقرب ما يكون من الخبر عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ابعد ما تكون منه تمزج الحق بالباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، انت والأحول قفازن حاذقان، قال يونس بن يعقوب: فظننت والله انه يقول لهشام بن الحكم قريباً مما قال لهما، فقال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك اذا هممت بالارض طرت، مثلك فليكلم الناس اتقي الزلة والشفاعة من ورائك.
(ومنه ايضاً) اخبرني ابو القاسم جعفر بن محمد القمي عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن العباس بن عمر الفقيمي ان ابن ابي العوجاء وابن طالوت وابن الاعمى وابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام وابو عبدالله جعفر بن محمد الصادق((عليه السلام)) فيه اذ ذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات، فقال القوم لابن ابي العوجاء: هل لك في تغليطك هذا الجالس وسئواله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو علامة زمانه، فقال لهم ابن ابي العوجاء: نعم، ثم تقدم ففرق الناس ثم قال: يا ابا عبدالله ان المجالس امانات ولابد لكل من له سؤال يسأل فتأذن لي في السؤال، فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): سل ان شئت، فقال له ابن ابي العوجاء: الى كم تدرسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الجهر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون هرولة البعير اذا نفر من فكر في ذلك وتدبر علم انه فعل غير حكيم ولا ذي نظر؟ فقل فانك رأس هذا الأمر وسنامه وابوك أسه ونظامه، فقال له الصادق((عليه السلام)): ان من اضله اللّه واعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه يورد منا هل الهلكة ولا يصدره، وهذا بيت استعبد اللّه به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه حثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي الى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال، خلقه الله تعالى قبل دحو الارض بألفي عام فأحق من اطيع فيما امر وانتهى عما زجر الله تعالى المنشىء للأرواح والصور. فقال له ابن ابي العوجاء: ذكرت ابا عبدالله فأحلت على غائب! فقال الصادق((عليه السلام)): كيف يكون يا ويلك غائباً من هو مع خلقه شاهد واليهم اقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم ويعلم اسرارهم لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون من مكان اقرب من مكان، يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه افعاله، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد((صلى الله عليه وآله)) جاءنا بهذه العبادة، فان شككت في شيء من امره فاسأل عنه اوضحه.
قال: فأبلس ابن ابي العوجاء ولم يدر ما يقول وانصرف من بين يديه، فقال لأصحابه: سألتكم ان تلتمسوا الى جمرة فألقيتموني على جمرة، فقالوا له: اسكت فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك، وما رأينا احقر منك اليوم في مجلسه، فقال لهم: اتقولون هذا انه من حلق رؤوس من ترون واومأ بيده الى اهل الموسم.
(بيان) الطوب بالضم الآجر. يقال لطعام «وخيم» اي غير موافق واستوخمه لم يستمره. وقوله الله المنشيء خبر لقوله احق. ويقال ابلس اي يئس وتحير. والجمرة بالفتح النار المتقدة والحصاة والمراد بالأول الثاني وبالثاني الاول اي سألتكم ان تطلبوا لي حصاة العب بها وارميها فألقيتمونى في نار متقدة ولم يمكني التخلص منها. تمت حكاية ابن ابي العوجاء مع بيان ألفاظها.