{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}
فكما أن هارون كان خليفة أخيه موسى بن عمران في قومه، ولكنهم لن يأخذوا بقوله وخالفوه وتوجهوا إلى العجل الذي صنعه السامري لهم فعبدوه، ولما منعهم هارون من ذلك، وقال لهم: هذا شرك وكفر بالله عز وجل، هاجموه وكادوا يقتلوه ، ولما لم يجد أعوانا وأنصارا سكن وسكت وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون.
كذلك أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي (عليه السلام) ـ الذي شبهه النبي (صلى الله عليه وآله) بهارون في حديث المنزلة وقد ذكرناه في الليالي السالفة مع المصادر والمعتبرة عندكم ـ لما رأى القوم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) انقلبوا على أعقابهم وتركوا الحق وخالفوا أمر ربهم فوعظهم وأرشدهم، ولكنهم هاجموه وكادوا يقتلونه، فسكت وسكن وتحمل وصبر.
وذكر كبار علمائكم: أن عمر وأصحابه لما جاءوا بعلي (عليه السلام) إلى المسجد، وطلبوا منه البيعة، وهددوه بالقتل إن لم يبايع، نظر إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشار إليه مخاطبا: يا {ابن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني}
1- سورة الاعراف، الآية 150.
2- ذكر ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفي سنة: 270 من أكبر علماء السنة وأشهر أعلامهم، قال في كتابه الامامة والسياسة تحت عنوان : كيف كانت بيعة ..>>>>...<<<<
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: قال و إن أبا بكرتفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي ع فبعث إليهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم و هم في دار علي ع فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب وقال: و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال: و إن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال حلفت أن لا أخرج و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن. فوقفت فاطمة ع على بابها فقالت:لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا و لم تردوا لنا حقا فأتى عمر أبا بكر فقال له أ لا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له اذهب فادع عليا قال فذهب قنفذ إلى علي ع فقال له: ما حاجتك؟ قال يدعوك خليفة رسول الله ص قال علي (عليه السلام): لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة .قال فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر ثانية: أ لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة. قال: فبكى أبو بكر طويلا. ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ع فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟!
فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تتفطر و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليا و مضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع. فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟
قالوا: إذن و الله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال: إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله فقال عمر: أما عبد الله فنعم و أما أخا رسوله فلا. و أبو بكر ساكت
ثم إن سيرة خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) خير دليل لنا، وهو (صلى الله عليه وآله) كتم رسالته في مكة عشر ثم أعلنها ثلاث سنين لا يطالب أهلها إلا بكلمة التوحيد، هاتفا: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وسكت عن سائر عاداتهم الجاهلية، ومع ذلك هجموا عليه الدار وأرادوا قتله، ففر منهم مهاجرا إلى يثرب، لأنه لم يكن له أنصار في مكة يتمكنون من حمايته والذب عنه. وقد قيل:
الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين.
والأعجب من هذا انه (صلى الله عليه وآله) حتى عندما أصبح مقتدرا وحاكما ما تمكن من تغيير ما كان يرى تغييره لازما.
الشيخ عبد السلام: هذا كلام غريب وأمر عجيب! كيف عجز رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تغيير ما كان يلزم تغييره؟!
قلت: هذا الأمر العجيب الغريب عندكم قد نقله بعض كبار أعلامكم منهم أحمد بن حنبل في المسند، والعلامة الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة! لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة
لا يتكلم. فقال له عمر: أ لا تأمر فيه بأمرك!! فقال:لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي بقبر رسول الله ص يصيح و يبكي و ينادي: يا(ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي.).
اقول: والحديث ذو شجون، وانا لله وانا اليه راجعون.
فألزقتها بالأرض و جعلت لها بابين: بابا شرقيا و بابا غربيا، و زدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة(1).
فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقدم على مثل ذلك الأمر المهم رعاية لبعض المصالح، فكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو تلميذ النبي (صلى الله عليه وآله)، والمتعلم منه، فهو (ع) رعاية لبعض الجهات الدينية العامة والمصالح الإسلامية الهامة سكت وسكن وصبر وتحمل كل ما أوردوه عليه من الظلم والجفاء، بسبب البغضاء والشحناء التي كانت مكتومة في صدورهم ومكنونة في قلوبهم، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعلم ذلك فيخبر عليا في حياته ويبكي على غربته ومظلوميته، كما روى الخوارزمي في مناقبه والعلامة الفقيه ابن المغازلي أيضا في مناقبه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) يوما نظر إلى علي (عليه السلام) فبكى، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليك؟ قال (صلى الله عليه وآله): ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا. قال (ع): فما أصنع يا رسول الله؟ قال: تصبر فيعطيك ربك أجر الصابرين
1- صحيح مسلم: ج2 / كتاب الحج باب 69 نقض الكعبة وبنائها: رواه بطرق شتى وكلها بالاسناد الى عائشة بألفاظ مختلفة.
((المترجم))
2- المذكور في متن الكتاب إنما هو الترجمة العربية لما ذكره السيد المؤلف بالفارسية، وأما نص الحديث كما في ينابيع المودة للعلامة القندوزي الباب الخامس والاربعون، قال: اخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي والحمويني بالاسناد عن أبي عثمان النهدي عن علي كرم الله وجهه قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتينا على حديقة فاعتنقني ثم أجهش باكيا فقلت يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال :لماذا قعد علي(ع)السلام ولم يطالب بحقه؟
إن عليا (ع) كان متفانيا في الله سبحانه، فلا يريد شيئا لنفسه و لا يطلب المصالح الشخصية، بل أثبت في حياته وسلوكه أنه (ع) كان وراء المصالح العامة، وكان يبتغي مرضات الله تعالى بالحفاظ على الدين، وإبقاء شريعة سيد المرسلين، و لا يخفى أن الإسلام في ذلك الوقت كان بعد جديدا ولم ينفذ في قلوب كثير من معتنقيه، فكانوا مسلمين بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، لذا كان الإمام علي (عليه السلام) يخشى من حرب تقع بين المسلمين إذا جرد السيف لمطالبة حقه بالخلافة التي كانت له لا لغيره، أو مطالبة فدك لفاطمة الزهراء (ع) أو مطالبة إرثها من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي منعها أبو بكر بحجة الحديث الذي افتراه على النبي (صلى الله عليه وآله): " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "!
فسكت علي (عليه السلام) وسكن لكي لا تقع حرب داخلية، لأنه كان يرى في المطالبة بحقه في تلك الظروف الزمنية زوال الدين
(صلى الله عليه وآله): أبكي لضغائن في صدر قوم لا يبدونها لك إلا بعدي قلت: في سلامة من ديني؟ قال في سلامة من دينك.
اقول: ورواه العلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب الباب السادس والستون بالاسناد الى ابن عساكر وهو باسناده الى أنس بن مالك والرواية أكثر تفصيلا مما في المناقب والينابيع ثم قال العلامة الكنجي بعد نقل الرواية هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله ومنه وهذا سياق الحافظ مؤرخ الشام، في مناقب أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وإفناء الإسلام لو وقعت حرب بين المسلمين. وقد كان أكثرهم ينتظرون الفرصة حتى يرتدوا إلى الكفر.
لذلك جاء في روايات أهل البيت والعترة الطاهرة (ع) أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما رجعت من المسجد بعدما خطبت خطبتها العظيمة وألقت الحجج على خصومها، خاطبت أبا الحسن (ع) وهو جالس في البيت فقالت: يا بن أبي طالب... اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، وخانك ريش الأعزل! هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابني، لقد أجهر في خصامي، و ألفيته الألدّ في كلامي... الخ.
فأجابها علي (عليه السلام): نهنهي عن نفسك يا ابنة الصفوة، و بقية النبوّة، فما ونيت عن ديني، و لا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البُلْغةَ، فرزقك مضمون، و كفيلك مأمون، و ما أعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك.
قالوا: فبينما علي (عليه السلام) يكلمها ويهدؤها وإذا بصوت المؤذن ارتفع ، فقال لها علي (عليه السلام): يا بنت رسول الله! إذا تحبين أن يبقى هذا الصوت مرتفعا ويخلد ذكر أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحتسبي الله واصبري.
فقالت: حسبي الله. وأمسكت.
فضحى علي (عليه السلام) بحقه وحق زوجته فاطمة وسكت عن المغتصبين، حفظا للدين وشريعة سيد المرسلين من الضياع والانهيار.
فكما أن هارون كان خليفة أخيه موسى بن عمران في قومه، ولكنهم لن يأخذوا بقوله وخالفوه وتوجهوا إلى العجل الذي صنعه السامري لهم فعبدوه، ولما منعهم هارون من ذلك، وقال لهم: هذا شرك وكفر بالله عز وجل، هاجموه وكادوا يقتلوه ، ولما لم يجد أعوانا وأنصارا سكن وسكت وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون.
كذلك أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي (عليه السلام) ـ الذي شبهه النبي (صلى الله عليه وآله) بهارون في حديث المنزلة وقد ذكرناه في الليالي السالفة مع المصادر والمعتبرة عندكم ـ لما رأى القوم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) انقلبوا على أعقابهم وتركوا الحق وخالفوا أمر ربهم فوعظهم وأرشدهم، ولكنهم هاجموه وكادوا يقتلونه، فسكت وسكن وتحمل وصبر.
وذكر كبار علمائكم: أن عمر وأصحابه لما جاءوا بعلي (عليه السلام) إلى المسجد، وطلبوا منه البيعة، وهددوه بالقتل إن لم يبايع، نظر إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشار إليه مخاطبا: يا {ابن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني}
1- سورة الاعراف، الآية 150.
2- ذكر ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفي سنة: 270 من أكبر علماء السنة وأشهر أعلامهم، قال في كتابه الامامة والسياسة تحت عنوان : كيف كانت بيعة ..>>>>...<<<<
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: قال و إن أبا بكرتفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي ع فبعث إليهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم و هم في دار علي ع فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب وقال: و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال: و إن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال حلفت أن لا أخرج و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن. فوقفت فاطمة ع على بابها فقالت:لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا و لم تردوا لنا حقا فأتى عمر أبا بكر فقال له أ لا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له اذهب فادع عليا قال فذهب قنفذ إلى علي ع فقال له: ما حاجتك؟ قال يدعوك خليفة رسول الله ص قال علي (عليه السلام): لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة .قال فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر ثانية: أ لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة. قال: فبكى أبو بكر طويلا. ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ع فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟!
فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تتفطر و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليا و مضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع. فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟
قالوا: إذن و الله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال: إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله فقال عمر: أما عبد الله فنعم و أما أخا رسوله فلا. و أبو بكر ساكت
ثم إن سيرة خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) خير دليل لنا، وهو (صلى الله عليه وآله) كتم رسالته في مكة عشر ثم أعلنها ثلاث سنين لا يطالب أهلها إلا بكلمة التوحيد، هاتفا: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وسكت عن سائر عاداتهم الجاهلية، ومع ذلك هجموا عليه الدار وأرادوا قتله، ففر منهم مهاجرا إلى يثرب، لأنه لم يكن له أنصار في مكة يتمكنون من حمايته والذب عنه. وقد قيل:
الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين.
والأعجب من هذا انه (صلى الله عليه وآله) حتى عندما أصبح مقتدرا وحاكما ما تمكن من تغيير ما كان يرى تغييره لازما.
الشيخ عبد السلام: هذا كلام غريب وأمر عجيب! كيف عجز رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تغيير ما كان يلزم تغييره؟!
قلت: هذا الأمر العجيب الغريب عندكم قد نقله بعض كبار أعلامكم منهم أحمد بن حنبل في المسند، والعلامة الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة! لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة
لا يتكلم. فقال له عمر: أ لا تأمر فيه بأمرك!! فقال:لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي بقبر رسول الله ص يصيح و يبكي و ينادي: يا(ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي.).
اقول: والحديث ذو شجون، وانا لله وانا اليه راجعون.
فألزقتها بالأرض و جعلت لها بابين: بابا شرقيا و بابا غربيا، و زدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة(1).
فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقدم على مثل ذلك الأمر المهم رعاية لبعض المصالح، فكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو تلميذ النبي (صلى الله عليه وآله)، والمتعلم منه، فهو (ع) رعاية لبعض الجهات الدينية العامة والمصالح الإسلامية الهامة سكت وسكن وصبر وتحمل كل ما أوردوه عليه من الظلم والجفاء، بسبب البغضاء والشحناء التي كانت مكتومة في صدورهم ومكنونة في قلوبهم، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعلم ذلك فيخبر عليا في حياته ويبكي على غربته ومظلوميته، كما روى الخوارزمي في مناقبه والعلامة الفقيه ابن المغازلي أيضا في مناقبه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) يوما نظر إلى علي (عليه السلام) فبكى، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليك؟ قال (صلى الله عليه وآله): ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا. قال (ع): فما أصنع يا رسول الله؟ قال: تصبر فيعطيك ربك أجر الصابرين
1- صحيح مسلم: ج2 / كتاب الحج باب 69 نقض الكعبة وبنائها: رواه بطرق شتى وكلها بالاسناد الى عائشة بألفاظ مختلفة.
((المترجم))
2- المذكور في متن الكتاب إنما هو الترجمة العربية لما ذكره السيد المؤلف بالفارسية، وأما نص الحديث كما في ينابيع المودة للعلامة القندوزي الباب الخامس والاربعون، قال: اخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي والحمويني بالاسناد عن أبي عثمان النهدي عن علي كرم الله وجهه قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتينا على حديقة فاعتنقني ثم أجهش باكيا فقلت يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال :لماذا قعد علي(ع)السلام ولم يطالب بحقه؟
إن عليا (ع) كان متفانيا في الله سبحانه، فلا يريد شيئا لنفسه و لا يطلب المصالح الشخصية، بل أثبت في حياته وسلوكه أنه (ع) كان وراء المصالح العامة، وكان يبتغي مرضات الله تعالى بالحفاظ على الدين، وإبقاء شريعة سيد المرسلين، و لا يخفى أن الإسلام في ذلك الوقت كان بعد جديدا ولم ينفذ في قلوب كثير من معتنقيه، فكانوا مسلمين بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، لذا كان الإمام علي (عليه السلام) يخشى من حرب تقع بين المسلمين إذا جرد السيف لمطالبة حقه بالخلافة التي كانت له لا لغيره، أو مطالبة فدك لفاطمة الزهراء (ع) أو مطالبة إرثها من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي منعها أبو بكر بحجة الحديث الذي افتراه على النبي (صلى الله عليه وآله): " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "!
فسكت علي (عليه السلام) وسكن لكي لا تقع حرب داخلية، لأنه كان يرى في المطالبة بحقه في تلك الظروف الزمنية زوال الدين
(صلى الله عليه وآله): أبكي لضغائن في صدر قوم لا يبدونها لك إلا بعدي قلت: في سلامة من ديني؟ قال في سلامة من دينك.
اقول: ورواه العلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب الباب السادس والستون بالاسناد الى ابن عساكر وهو باسناده الى أنس بن مالك والرواية أكثر تفصيلا مما في المناقب والينابيع ثم قال العلامة الكنجي بعد نقل الرواية هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله ومنه وهذا سياق الحافظ مؤرخ الشام، في مناقب أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وإفناء الإسلام لو وقعت حرب بين المسلمين. وقد كان أكثرهم ينتظرون الفرصة حتى يرتدوا إلى الكفر.
لذلك جاء في روايات أهل البيت والعترة الطاهرة (ع) أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما رجعت من المسجد بعدما خطبت خطبتها العظيمة وألقت الحجج على خصومها، خاطبت أبا الحسن (ع) وهو جالس في البيت فقالت: يا بن أبي طالب... اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، وخانك ريش الأعزل! هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابني، لقد أجهر في خصامي، و ألفيته الألدّ في كلامي... الخ.
فأجابها علي (عليه السلام): نهنهي عن نفسك يا ابنة الصفوة، و بقية النبوّة، فما ونيت عن ديني، و لا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البُلْغةَ، فرزقك مضمون، و كفيلك مأمون، و ما أعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك.
قالوا: فبينما علي (عليه السلام) يكلمها ويهدؤها وإذا بصوت المؤذن ارتفع ، فقال لها علي (عليه السلام): يا بنت رسول الله! إذا تحبين أن يبقى هذا الصوت مرتفعا ويخلد ذكر أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحتسبي الله واصبري.
فقالت: حسبي الله. وأمسكت.
فضحى علي (عليه السلام) بحقه وحق زوجته فاطمة وسكت عن المغتصبين، حفظا للدين وشريعة سيد المرسلين من الضياع والانهيار.
تعليق