بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
في مجتمعنا المحلي الحس الاجتماعي غالب على الحس الفكري، وهذا الأمر بالنسبة لي هو في منزلة الحقيقة الساطعة التي لا خلاف عليها ولا نزاع، وهذه الحالة ليست جديدة، لكن الجديد فيها أنها ظلت على هذا الحال وبقيت واستمرت، ولم تتغير مع كل التغيرات التي حصلت، وهي تغيرات واسعة ومتعاظمة، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى ما عرف بثورة المعلومات وما جلبته من تغيرت أثرت على العالم برمته.
وأعني بالحس الاجتماعي: الميل القوي الذي يتملك الأشخاص في الخروج من المنزل، إما بقصد التجوال في الشوارع والطرقات والأسواق، وإما بقصد التجمع في المجالس والديوانيات والاستراحات، أو اللقاء في المقاهي والمطاعم والمتنزهات العامة، وتمضية ساعات طويلة في أحاديث أو ألعاب أو مشاهدات أو الجمع بين هذه الأشياء.
واللافت في هذه الظاهرة، أنها بالنسبة للكثيرين تحدث بصورة يومية، وخلال أيام الأسبوع كاملة، وليس في أيام الإجازة فحسب، وعلى مدار السنة، وإلى نهاية العمر، ومن دون الاكتفاء برؤية الناس في فترات العمل النهارية، التي لا تشفي على ما يبدو غليل هذه الشريحة الكبيرة من الناس.
وتصدق هذه الظاهرة على فئات من أعمار مختلفة صغارا وكبارا، شبانا وشيوخا، فهي تبدأ من الصغر ولا تتغير عند الكثيرين، وتستمر إلى الكبر بهذه الوضعية الرتيبة، والرتيبة للغاية.
استعمال تسمية الحس الاجتماعي في وصف هذه الظاهرة الاجتماعية، هو من باب التسامح اللغوي، ولتقريب المقاربة مع الحس الفكري، وحقيقة الأمر فإن هذه الظاهرة لا يصدق عليها وصف الحس الاجتماعي، لأن كلمة الحس تشير إلى جانب الوعي والتنبه والإدراك، والظاهرة التي نقصدها تحدث من دون وعي وتنبه وإدراك، فهي أقرب إلى العادة الاجتماعية التي يتطبع بها الفرد، فينساق معها، ويجد فيها راحة وترفيها عن الذات، ومن ثم يصعب التخلص منها.
ولا تصدق تسمية الحس الاجتماعي كذلك، لكون أن هذه الظاهرة تحدث وتجري من دون أن يكون لها مضمون اجتماعي واع، يجعل منها ظاهرة قابلة للتعريف عند المنخرطين فيها، وبالإمكان تلمس الغاية منها، وإمكانية مقارنتها مع الظواهر الاجتماعية الأخرى القريبة منها والبعيدة، المفارقة لها والمتصلة، المتفقة معها والمختلفة، إلى جانب جعلها في دائرة الجدل والمناقشة، وإمكانية إعادة النظر فيها.
وأعني بالحس الفكري: التنبه المستمر إلى الذات من جهة العلاقة بالفكر بوصفه يمثل حاجة وطموحا وأفقا، كما يمثل جهدا وكسبا وعطاء، التنبه الذي يجعل الفكر حاضرا في المجتمع، ومتجليا بصوره المختلفة، برغبة من الناس وبحرص منهم، بشكل يجعلهم يتساءلون عن الفكر ويتناقشون، يتابعونه ويتواصلون، يعرفون به ويتفاضلون.
الحس الذي يغير من نظرة الفرد إلى ذاته، ينبهه بذاته، ويحسسه بشخصيته، ويشعره بوجوده، وأنه يمثل ذاتا وكيانا، ويكون حاضرا بفعله وأثره في مجتمعه وأمته، ومتطلعا إلى العالم، وباقيا في التاريخ، ورافضا أن يكون اسما بلا أثر، أو رقما بلا فعل، أو مجرد ريشة تتطاير في الهواء لا وزن لها على الأرض، وحتى لا يكون حاله من حال الكثيرين الذين لا حيز لهم في هذه الحياة، ولا مكان لهم في التاريخ.
والحس الذي يغير من نظرة الفرد إلى الزمن، ويتحول الزمن عنده إلى قيمة وقيمة عظيمة لا ينبغي أن تهدر في أمور تافهة، أو تضيع في أحاديث عبثية، أو تستنزف في خلافات ضررية، أو تصرف في فراغات عدمية، فقد أصبح الزمن عندنا أكثر شيء عبثا، يهدر ويبدد بلا رقيب ولا حسيب، وكان يفترض أن يصبح الزمن عندنا أكثر شيء ثمنا، نحرص عليه، ونستغله بكل جهد جهيد متخذين من الحس الفكري بصرا وبصيرة.
لهذا أدرك بعمق حاجتنا إلى الحس الفكري حتى نعطي معنى لوجودنا، وحكمة لحياتنا، ونفعا لعملنا، وأفقا لفكرنا، وبعدا لمستقبلنا، وأثرا باقيا في تاريخنا.
أقول هذا الكلام لأننا متأخرون كثيرا في المجال الفكري، وينقصنا الإدراك بهذا التأخر، كنا على هذه الحالة من قبل، وما زلنا عليها، قد يتغير الحال قليلا وعلى نطاق ضيق ومحدود، لكن الحالة العامة بقيت على حالها، من دون أن نبذل جهدا كبيرا وحقيقيا يمكن أن يسهم في تغيير وضعية هذه الحالة الساكنة.
والسؤال كيف نتنبه كمجتمع إلى الحس الفكري؟ وندرك حاجتنا الملحة إليه؟
لأن من دون هذا التنبه لن تتغير الروح العامة للمجتمع، والمشكلة كانت وما زالت أن الجهات التي يفترض منها أن تنبه المجتمع بهذا الحس الفكري الخلاق، وتدفع به نحو هذا الدرب، لم تتمكن من النهوض بهذا الدور، وأعني بها الجهات التي لها علاقة بالعلم والثقافة والفكر والأدب مثل المدارس والمعاهد والكليات والجامعات والأندية والمنتديات وباقي الجهات والمؤسسات الأخرى.
ومن يتنبه إلى هذا الحس الفكري في مجتمعنا هم أفراد، والقلة من هؤلاء الأفراد هم الذين يجتهدون في هذا الدرب، ويسعون سعيهم، ولا يبدلون في مسلكهم ولا يغيرون، يتحملون المتاعب ولا يتوقفون، يقتنعون بالحياة البسيطة ولا يتراجعون، يتمسكون بهذا الحس الفكري حبا وشغفا على طريقة الحكماء ومحبة الحكمة، وطريقة العلماء ومحبة العلم.
وفي قناعتي الراسخة أن الحس الفكري هو أفضل سبيل لرفع مستوى التعليم، وتحسين جودته في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وجامعاتنا، فكلما تقدم الحس الفكري تقدم وارتفع معه وتميز مستوى التعليم بمراحله كافة، وكلما تراجع الحس الفكري تراجع وانخفض معه مستوى التعليم بمراحله كافة.
ليس هذا فحسب، بل إن الحس الفكري له أثر وتأثير فعال في تحسين تفاصيل حياتنا اليومية، ابتداء من المحافظة على النظافة، ومراعات الذوق العام، وليس انتهاء بالتقيد بإشارات السير.
كنت ولا أزال داعيا لتنمية الحس الفكري، ومتمسكا بهذا الحس، ومدافعا عنه ومنافحا، وساعيا للتنبيه به ومذكرا.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
في مجتمعنا المحلي الحس الاجتماعي غالب على الحس الفكري، وهذا الأمر بالنسبة لي هو في منزلة الحقيقة الساطعة التي لا خلاف عليها ولا نزاع، وهذه الحالة ليست جديدة، لكن الجديد فيها أنها ظلت على هذا الحال وبقيت واستمرت، ولم تتغير مع كل التغيرات التي حصلت، وهي تغيرات واسعة ومتعاظمة، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى ما عرف بثورة المعلومات وما جلبته من تغيرت أثرت على العالم برمته.
وأعني بالحس الاجتماعي: الميل القوي الذي يتملك الأشخاص في الخروج من المنزل، إما بقصد التجوال في الشوارع والطرقات والأسواق، وإما بقصد التجمع في المجالس والديوانيات والاستراحات، أو اللقاء في المقاهي والمطاعم والمتنزهات العامة، وتمضية ساعات طويلة في أحاديث أو ألعاب أو مشاهدات أو الجمع بين هذه الأشياء.
واللافت في هذه الظاهرة، أنها بالنسبة للكثيرين تحدث بصورة يومية، وخلال أيام الأسبوع كاملة، وليس في أيام الإجازة فحسب، وعلى مدار السنة، وإلى نهاية العمر، ومن دون الاكتفاء برؤية الناس في فترات العمل النهارية، التي لا تشفي على ما يبدو غليل هذه الشريحة الكبيرة من الناس.
وتصدق هذه الظاهرة على فئات من أعمار مختلفة صغارا وكبارا، شبانا وشيوخا، فهي تبدأ من الصغر ولا تتغير عند الكثيرين، وتستمر إلى الكبر بهذه الوضعية الرتيبة، والرتيبة للغاية.
استعمال تسمية الحس الاجتماعي في وصف هذه الظاهرة الاجتماعية، هو من باب التسامح اللغوي، ولتقريب المقاربة مع الحس الفكري، وحقيقة الأمر فإن هذه الظاهرة لا يصدق عليها وصف الحس الاجتماعي، لأن كلمة الحس تشير إلى جانب الوعي والتنبه والإدراك، والظاهرة التي نقصدها تحدث من دون وعي وتنبه وإدراك، فهي أقرب إلى العادة الاجتماعية التي يتطبع بها الفرد، فينساق معها، ويجد فيها راحة وترفيها عن الذات، ومن ثم يصعب التخلص منها.
ولا تصدق تسمية الحس الاجتماعي كذلك، لكون أن هذه الظاهرة تحدث وتجري من دون أن يكون لها مضمون اجتماعي واع، يجعل منها ظاهرة قابلة للتعريف عند المنخرطين فيها، وبالإمكان تلمس الغاية منها، وإمكانية مقارنتها مع الظواهر الاجتماعية الأخرى القريبة منها والبعيدة، المفارقة لها والمتصلة، المتفقة معها والمختلفة، إلى جانب جعلها في دائرة الجدل والمناقشة، وإمكانية إعادة النظر فيها.
وأعني بالحس الفكري: التنبه المستمر إلى الذات من جهة العلاقة بالفكر بوصفه يمثل حاجة وطموحا وأفقا، كما يمثل جهدا وكسبا وعطاء، التنبه الذي يجعل الفكر حاضرا في المجتمع، ومتجليا بصوره المختلفة، برغبة من الناس وبحرص منهم، بشكل يجعلهم يتساءلون عن الفكر ويتناقشون، يتابعونه ويتواصلون، يعرفون به ويتفاضلون.
الحس الذي يغير من نظرة الفرد إلى ذاته، ينبهه بذاته، ويحسسه بشخصيته، ويشعره بوجوده، وأنه يمثل ذاتا وكيانا، ويكون حاضرا بفعله وأثره في مجتمعه وأمته، ومتطلعا إلى العالم، وباقيا في التاريخ، ورافضا أن يكون اسما بلا أثر، أو رقما بلا فعل، أو مجرد ريشة تتطاير في الهواء لا وزن لها على الأرض، وحتى لا يكون حاله من حال الكثيرين الذين لا حيز لهم في هذه الحياة، ولا مكان لهم في التاريخ.
والحس الذي يغير من نظرة الفرد إلى الزمن، ويتحول الزمن عنده إلى قيمة وقيمة عظيمة لا ينبغي أن تهدر في أمور تافهة، أو تضيع في أحاديث عبثية، أو تستنزف في خلافات ضررية، أو تصرف في فراغات عدمية، فقد أصبح الزمن عندنا أكثر شيء عبثا، يهدر ويبدد بلا رقيب ولا حسيب، وكان يفترض أن يصبح الزمن عندنا أكثر شيء ثمنا، نحرص عليه، ونستغله بكل جهد جهيد متخذين من الحس الفكري بصرا وبصيرة.
لهذا أدرك بعمق حاجتنا إلى الحس الفكري حتى نعطي معنى لوجودنا، وحكمة لحياتنا، ونفعا لعملنا، وأفقا لفكرنا، وبعدا لمستقبلنا، وأثرا باقيا في تاريخنا.
أقول هذا الكلام لأننا متأخرون كثيرا في المجال الفكري، وينقصنا الإدراك بهذا التأخر، كنا على هذه الحالة من قبل، وما زلنا عليها، قد يتغير الحال قليلا وعلى نطاق ضيق ومحدود، لكن الحالة العامة بقيت على حالها، من دون أن نبذل جهدا كبيرا وحقيقيا يمكن أن يسهم في تغيير وضعية هذه الحالة الساكنة.
والسؤال كيف نتنبه كمجتمع إلى الحس الفكري؟ وندرك حاجتنا الملحة إليه؟
لأن من دون هذا التنبه لن تتغير الروح العامة للمجتمع، والمشكلة كانت وما زالت أن الجهات التي يفترض منها أن تنبه المجتمع بهذا الحس الفكري الخلاق، وتدفع به نحو هذا الدرب، لم تتمكن من النهوض بهذا الدور، وأعني بها الجهات التي لها علاقة بالعلم والثقافة والفكر والأدب مثل المدارس والمعاهد والكليات والجامعات والأندية والمنتديات وباقي الجهات والمؤسسات الأخرى.
ومن يتنبه إلى هذا الحس الفكري في مجتمعنا هم أفراد، والقلة من هؤلاء الأفراد هم الذين يجتهدون في هذا الدرب، ويسعون سعيهم، ولا يبدلون في مسلكهم ولا يغيرون، يتحملون المتاعب ولا يتوقفون، يقتنعون بالحياة البسيطة ولا يتراجعون، يتمسكون بهذا الحس الفكري حبا وشغفا على طريقة الحكماء ومحبة الحكمة، وطريقة العلماء ومحبة العلم.
وفي قناعتي الراسخة أن الحس الفكري هو أفضل سبيل لرفع مستوى التعليم، وتحسين جودته في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وجامعاتنا، فكلما تقدم الحس الفكري تقدم وارتفع معه وتميز مستوى التعليم بمراحله كافة، وكلما تراجع الحس الفكري تراجع وانخفض معه مستوى التعليم بمراحله كافة.
ليس هذا فحسب، بل إن الحس الفكري له أثر وتأثير فعال في تحسين تفاصيل حياتنا اليومية، ابتداء من المحافظة على النظافة، ومراعات الذوق العام، وليس انتهاء بالتقيد بإشارات السير.
كنت ولا أزال داعيا لتنمية الحس الفكري، ومتمسكا بهذا الحس، ومدافعا عنه ومنافحا، وساعيا للتنبيه به ومذكرا.