دَورُ الإعلامِ في عَهدِ الإمامِ عليّ بنِ أَبي طَالب(عليه السلام)
خطبة الزهراء( عليها السلام) أنموذجاً
كما كانت المرأة حاضرة في أقوال وخطب الإمام علي(عليه السلام) كذلك كان الإمام علي(عليه السلام) حاضراً في خطب النساء وبلاغاتهنّ التي نقلتها لنا المراجع التاريخية.
إن التأكيد على خطب النساء أو بلاغاتهن هنا لتوضيح ما لهذه الوسيلة التوثيقية من أهمية في حفظ وقائع تاريخية حدثت في أزمان غير زماننا، كما أنّ الخطبة كانت تُعدّ الوسيلة الإعلامية الأمضى أثراً في نفوس المتلقين آنذاك، فالعرب ككيان مجتمعي، وحضارة حية، اعتزّوا بالكلمة وإلقائها، وكانت مشاهدهم ووقفاتهم الحاسمة تؤطرها خطب وأشعار تُلقى، فتُبيّن الهدف من الجمع أو المشهد، ثم تُثير المشاعر وتخطف العقول بأفكار تصوغها كلمات تتناقلها فيما بعد الأفواه إلى أبعد مدَياتها، فتصبح وثيقة حيّة لا تموت تؤطر حياتهم وما مرّ بهم من وقائع.
وحيثما كانت الكلمة لها هذا الوقع المبين في أنفسهم فإن الله} قد أنزل عليهم معجزة نبيّهم من لدنها، فكانت كلمات معجزات في كتاب معجز منزّل من السماء اسمه القرآن.
وسوف نتناول في بحثنا هذا بلاغات النساء من خطب ذكرت الإمام علياً(عليها السلام) وما له من فضل وأسبقية في الإسلام، وسنسلط الضوء على خطب سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام) التي بيّنت فيها خصال أبي الحسن وانتصارها له، مع بعض خطب للوافدات على معاوية ممّن اشتملت كلماتهن على شهادات لفظية راقية حفظت للإمام علي(عليه السلام) إمامته ووصايته بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، وأبانت مدى الإعزاز والتقدير الذي أكنّته قلوب هذه النسوة إزاء علي في حياته وبعد استشهاده.
كان عليّ حاضراً في خطب وأقوال الزهراء(عليها السلام) تصريحاً وتلميحاً، في دفاعها عنه وعن حقّه في الخلافة بعد النبيّ المصطفى(صلى الله عليه وآله)، وكذلك كان حاضراً في خطب مَن صاحبه ومَن أحبّه، لا أحد يستطيع نكران فضله وسموّ خصاله وتعدد فضائله.
ولو تفحصنا خطب الوافدات على معاوية لوجدنا كماً من الأقوال البلاغية، جاءت على ألسن أنطقها الحق ولم تأخذهنّ فيه لومة لائم، فلم يمنعهنّ الخوف من جور سلطان معاوية (لعنه الله)، أن يذكرن لأبي الحسن(عليه السلام)غيضاً من فيض محاسنه. فقد لاحق معاوية كلّ أصحاب الإمام ومريديه وقتلهم شر قتلة، وهم المتبتلون في حبّ الإمام علي(عليه السلام)، ذاك النور المحمديّ الحاضر بينهم وإن غاب عنهم، وما خطبة ضرار فيه ببعيدة عن الأذهان.
ويبقى للنساء شرف الوقوف هذا الموقف المبدئي من الإمام علي(عليه السلام)، والقائلات فيه مقالة أرّختها صفحات التاريخ، ووثقتها الكتب والمراجع، فأصبحت من درر الكلم ومأثور القول.
قلنا إنّ هذه الخطب هي وسيلة إعلامية، ورسائل فائقة الأهمية نشرها معاوية رغماً عنه، ودون أن يدري أن استنطاقه لهؤلاء النسوة، إنّما كان يسجل شهادات تقدير (رسمية) تاريخية بحقِّ الإمام علي(عليه السلام).
أمّا الزهراء(عليها السلام) فقد أدّت دوراً إعلامياً متميّزاً بإلقائها خطبتها في المسجد النبوي الشريف، ومن ثمّ أقوالها لمَن زارها من النساء في بيتها بعد احتجابها عن المجتمع الظالم لها، وهي دائمة التذكير بحقِّ زوجها قائلة: "ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم".
إنّ موقف الزهراء(عليها السلام)، السياسي – الإعلامي في توضيح (ما هي الإمامة) في ذاك اليوم وفي تلك الخطبة العصماء هو موقف عظيم، فهيh لم تكن معزولة عن حركة المجتمع، ولا عن تداعيات الموقف، وقضايا العدل والظلم، بل كانت تشارك مشاركة حقيقية حسب ما قدر لها، فهي على الرغم من أنها ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وزوجة الإمام علي(عليه السلام)، وسيّدة نساء العالمين، وأطهر النساء، وأبعدهنّ عن الدنس، وتتمثل فيها كلّ صفات الكمال، لكنها لم تتخلَ عن مسؤولياتها حينما واجهت الانحراف والظلم، فقد كانت على استعداد لتحمّل كلّ المحن والأذى.
فالسيّدة الزهراء(عليها السلام) في وقفتها تلك لم تكن راغبة في الظهور إلى العلن لمجرد الظهور ليس إلا، بل إنها كانت عازفة عن كلّ الخلق لجثوم حزنها على أبيها المصطفى على قلبها، وانذهالها عن الحياة ومباهجها، وركونها إلى سكب الدمعة في بيت الأحزان.
وأمسكت الزهراء(عليها السلام) صامتة لا تعقب، ومضت أيام بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وهي في عزلة عن الناس، لا تنشط للنضال عن ميراثها الذي أباه عليها أبو بكر، وهل أبقى لها الحزن من قوة تسعفها على نضال..؟ وكانت بحيث تظل منطوية على جراحها وحزنها، لو لم يدعها الواجب أن تؤدّي حقّ زوجها وولديها عليها، فتسعى في ردّ الأمر إلى أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله).
................................
خطبة الزهراء( عليها السلام) أنموذجاً
كما كانت المرأة حاضرة في أقوال وخطب الإمام علي(عليه السلام) كذلك كان الإمام علي(عليه السلام) حاضراً في خطب النساء وبلاغاتهنّ التي نقلتها لنا المراجع التاريخية.
إن التأكيد على خطب النساء أو بلاغاتهن هنا لتوضيح ما لهذه الوسيلة التوثيقية من أهمية في حفظ وقائع تاريخية حدثت في أزمان غير زماننا، كما أنّ الخطبة كانت تُعدّ الوسيلة الإعلامية الأمضى أثراً في نفوس المتلقين آنذاك، فالعرب ككيان مجتمعي، وحضارة حية، اعتزّوا بالكلمة وإلقائها، وكانت مشاهدهم ووقفاتهم الحاسمة تؤطرها خطب وأشعار تُلقى، فتُبيّن الهدف من الجمع أو المشهد، ثم تُثير المشاعر وتخطف العقول بأفكار تصوغها كلمات تتناقلها فيما بعد الأفواه إلى أبعد مدَياتها، فتصبح وثيقة حيّة لا تموت تؤطر حياتهم وما مرّ بهم من وقائع.
وحيثما كانت الكلمة لها هذا الوقع المبين في أنفسهم فإن الله} قد أنزل عليهم معجزة نبيّهم من لدنها، فكانت كلمات معجزات في كتاب معجز منزّل من السماء اسمه القرآن.
وسوف نتناول في بحثنا هذا بلاغات النساء من خطب ذكرت الإمام علياً(عليها السلام) وما له من فضل وأسبقية في الإسلام، وسنسلط الضوء على خطب سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام) التي بيّنت فيها خصال أبي الحسن وانتصارها له، مع بعض خطب للوافدات على معاوية ممّن اشتملت كلماتهن على شهادات لفظية راقية حفظت للإمام علي(عليه السلام) إمامته ووصايته بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، وأبانت مدى الإعزاز والتقدير الذي أكنّته قلوب هذه النسوة إزاء علي في حياته وبعد استشهاده.
كان عليّ حاضراً في خطب وأقوال الزهراء(عليها السلام) تصريحاً وتلميحاً، في دفاعها عنه وعن حقّه في الخلافة بعد النبيّ المصطفى(صلى الله عليه وآله)، وكذلك كان حاضراً في خطب مَن صاحبه ومَن أحبّه، لا أحد يستطيع نكران فضله وسموّ خصاله وتعدد فضائله.
ولو تفحصنا خطب الوافدات على معاوية لوجدنا كماً من الأقوال البلاغية، جاءت على ألسن أنطقها الحق ولم تأخذهنّ فيه لومة لائم، فلم يمنعهنّ الخوف من جور سلطان معاوية (لعنه الله)، أن يذكرن لأبي الحسن(عليه السلام)غيضاً من فيض محاسنه. فقد لاحق معاوية كلّ أصحاب الإمام ومريديه وقتلهم شر قتلة، وهم المتبتلون في حبّ الإمام علي(عليه السلام)، ذاك النور المحمديّ الحاضر بينهم وإن غاب عنهم، وما خطبة ضرار فيه ببعيدة عن الأذهان.
ويبقى للنساء شرف الوقوف هذا الموقف المبدئي من الإمام علي(عليه السلام)، والقائلات فيه مقالة أرّختها صفحات التاريخ، ووثقتها الكتب والمراجع، فأصبحت من درر الكلم ومأثور القول.
قلنا إنّ هذه الخطب هي وسيلة إعلامية، ورسائل فائقة الأهمية نشرها معاوية رغماً عنه، ودون أن يدري أن استنطاقه لهؤلاء النسوة، إنّما كان يسجل شهادات تقدير (رسمية) تاريخية بحقِّ الإمام علي(عليه السلام).
أمّا الزهراء(عليها السلام) فقد أدّت دوراً إعلامياً متميّزاً بإلقائها خطبتها في المسجد النبوي الشريف، ومن ثمّ أقوالها لمَن زارها من النساء في بيتها بعد احتجابها عن المجتمع الظالم لها، وهي دائمة التذكير بحقِّ زوجها قائلة: "ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم".
إنّ موقف الزهراء(عليها السلام)، السياسي – الإعلامي في توضيح (ما هي الإمامة) في ذاك اليوم وفي تلك الخطبة العصماء هو موقف عظيم، فهيh لم تكن معزولة عن حركة المجتمع، ولا عن تداعيات الموقف، وقضايا العدل والظلم، بل كانت تشارك مشاركة حقيقية حسب ما قدر لها، فهي على الرغم من أنها ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وزوجة الإمام علي(عليه السلام)، وسيّدة نساء العالمين، وأطهر النساء، وأبعدهنّ عن الدنس، وتتمثل فيها كلّ صفات الكمال، لكنها لم تتخلَ عن مسؤولياتها حينما واجهت الانحراف والظلم، فقد كانت على استعداد لتحمّل كلّ المحن والأذى.
فالسيّدة الزهراء(عليها السلام) في وقفتها تلك لم تكن راغبة في الظهور إلى العلن لمجرد الظهور ليس إلا، بل إنها كانت عازفة عن كلّ الخلق لجثوم حزنها على أبيها المصطفى على قلبها، وانذهالها عن الحياة ومباهجها، وركونها إلى سكب الدمعة في بيت الأحزان.
وأمسكت الزهراء(عليها السلام) صامتة لا تعقب، ومضت أيام بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وهي في عزلة عن الناس، لا تنشط للنضال عن ميراثها الذي أباه عليها أبو بكر، وهل أبقى لها الحزن من قوة تسعفها على نضال..؟ وكانت بحيث تظل منطوية على جراحها وحزنها، لو لم يدعها الواجب أن تؤدّي حقّ زوجها وولديها عليها، فتسعى في ردّ الأمر إلى أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله).
................................
- المرأة في ظل الإسلام/ مريم فضل الله، ص210.
- محمد باقر الحكيم، الزهراء(عليها السلام)، ص42.
- ذكر تفاصيل هذه الأحداث، ابن سعد في طبقاته/ ج2، ص60 وما بعدها؛ وكذلك البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن حنبل في صحاحهم.
د. بيان العريض
تم نشره في مجلة رياض الزهراء( عليها السلام) في العدد 68 شهر جمادي الأول
تعليق