إن شأن وعظمة هذه الزيارة وفضلها معروف، فهي من الكنوز المعرفية التي يمكن للمتأمل بعبائرها بعد ابداء السلام على أمير المؤمنين (عليه السلام) يجد فيها من الاشعاعات النورية التي لو غرست بقلب تاليها لنفذ النور في كل وجوده، ولتعمق الايمان في نفسه ولارتقت روحه، ففي أولى عبائرها التي نقول فيها "فَاجْعَلْ نَفْسي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ، راضِيَةً بِقَضائِكَ".
نجد أن هناك تَقديم لطلب جعل النفس مطمئنة ثم الرضا، ولو أردنا معرفة شيء من العلة -الممكن فهمها من ذلك- يمكن أن نجدها بنفس العبارة، إذ إن الاطمئنان رُبط بالقدر، والرضا رُبط بالقضاء.
وكما يُعرف القدر بشكل عام بأنه مقدمة لحدوث الأشياء وتسبيب الأسباب، أما القضاء فهو النتيجة المتحققة لتلك الأقدار التي يسعى الانسان لبلوغها في حركته الحياتية بعون الله وعلمه وارادته، كما وإن نزول القضاء يكون وفق مصلحة العبد فالله تعالى المدبر ومسبب الأسباب لا يصدر منه إلا ما يصب في صالح ونفع الانسان، وإن كان ظاهر الأمر خلاف تصوره ونظرته.
من هنا فإن وجود حالة الاطمئنان في النفس الانسانية للأقدار الالهية يجعله يسعى ويتحرك بل ويبدع في كل حركة من حركات حياته، وفقا للأسباب الطبيعية مع ما يحمله من روحية تتسم بالثقة وحسن الظن بمسبب الأسباب، عند ذلك المكسب يكون في النفس أولاً وهو الرضا بالنتائج التي يجنيها من حركته مهما كانت، إن كانت وفق رغبته أو خلافها، لأنه ذو نفس مطمئنة وبالتالي هي ستقابل أي نتيجة برضا تام، وهذه الحقيقة هي حقيقة قرآنية كما نقرأ في سورة الفجر {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً...} إذ قدم تحقق الاطمئنان النفسي أولاً لبلوغ مرتبة الرضا، وهذا الاطمئنان والرضا موجب لتحقق العبارة الثالثة -كما يبدو-في النفس وهي "مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعآئِكَ".
فالولع من معانيه هو "شدة التعلق" أي المداومة على ذكر الله تعالى وطاعته على كل حال، ومن معاني الولع هو "الاشتعال" فإن النفس المولعة بذكر الله تعالى وطلب الخير والأصلح لحالها هي نفس ذات نور متقد غير منقطع.
فكثير من النفوس الغير مطمئنة عندما لا تصل لمبتغاها ولا تحصد ثمار سعيها-ظاهراً- التي كانت ترتجيها يصيبها السخط على قضاء الله، فتهجر ذكره، وتنفر من طاعته إلى معصيته، فيضعف نور الايمان فيها فيحل الظلام بينما النفس المطمئنة الراضية هي تكون من أهل المداومة على ذكر ربها على كل حال.
بالنتيجة هذه العبارة تبين لنا ثلاث بذور على الانسان أن يسعى لتحقيقها بعون الله تعالى وتوفيقه لغرسها في داخله وهي الاطمئنان والرضا والذكر على كل حال، والثمرة هي نفس ذات علاقة متزنة مع خالقها.
كتبه - د. فاطمة الركابي
كتبه - د. فاطمة الركابي
تعليق