نص حق من سرك وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام)
(وأما حق من سرك الله به وعلى يديه، فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء، وكافأته على فضل الابتداء، وارصدت له المكافأة، وإن لم يكن تعمدها حمدت الله بها أولا ثم شكرته، وعلمت أنه منه توحدك بها, وأحببت هذا إذ كان سبباً من أسباب نعم الله عليك, وترجو له بعد ذلك خيراً, فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يعتمد, ولا قوة إلا بالله).
مبادرة
يحثنا الإمام زين العابدين (عليه السلام) من خلال هذا الحق على منح المُبادر في إدخال السرور علينا حقهُ بالامتنان, وقبل ذلك الشكر الجزيل لنعم الله سبحانه وتعالى على المؤمنين إذ يجعل في طريقهم من يكون السبب في سعادتهم وإزاحة الهموم عن كاهلهم, ففي هذا الدنيا التي يصفها العلماء بانها دار شقاء كثيراً من المواقف والأحداث التي تجعل الانسان في حيرة من أمره وتُضّيق عليه دائرة الاستمرار في متابعة تفاصيل حياته بالكيفية التي يتمناها لنفسه؛ لذا فنحن نُصادف بعض الأشخاص دون سابق موعد وكأنهم مبعوثين إلينا ليخففوا وطأة المصاعب بمبادرة غير مشروطة بمنفعة ما.. وتكون هذه المبادرات بصور مختلفة فأحياناً تكون الابتسامة اختصاراً غنياً على إدخال السرور لنفوسنا وأحياناً أخرى يكون بمساعدة مادية أو معنوية.
تربية سجادية
ونحن نتصفح مضامين رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) نجد زخماً منهجياً يؤسس لقاعدة تربوية متكاملة الأبعاد, وفي هذا الحق نحتاج أن نتناول البعد الفلسفي والتربوي لمبدأ إدخال السرور على الآخرين وفي الوقت ذاته كيفية إعطاء حق السار.. وعليه فإن هذا الأمر يجب أن يكون موفوراً في أساس تربية الطفل بتعويده على ممارسة العادات التي تسعد الآخرين وليس العكس, وتأديبه على أداء حق من يقدم له معروفاً؛ لأن في ذلك تشجيعاً وحثاً على متابعة سبيل المعروف من شخصٍ لآخر, ويأتي ذلك عن طريق ممارساتنا اليومية التي يتخذ منها الطفل معظم سلوكياته بشكل عفوي عن طريق محاكاته وتفاعله معنا, ولو تم تعويده على مبدأ الشكر والعرفان فإنه سيمارس هذا المبدأ بشكل تلقائي على اعتبار إنه السلوك الطبيعي الواجب اتباعه مع أي شخص يقدم لنا معروفاً مهما كان حجمه ونوعه.
لماذا نسر الاخرين؟
أقدم العلماء في المجال النفسي والتربوي على إجراء بحوث كثيرة على شرائح مختلفة من الناس لدراسة سلوك وطبائع البشر, وتوصلوا إلى مجموعة من النتائج صارت فيما بعد مناهجاً لدارسي النفس البشرية, ومن خلال هذه الدراسات هناك دراسة نفسية تؤكد على إن الانسان الذي يساهم بشكل مستمر على زرع السعادة في نفوس الآخرين هو أكثر الأشخاص توازناً من الناحية النفسية فضلا عن مقاومته لكثير من الأمراض بما يمتلك من دفعاً إيجابياً داخلياً, وإنه من أكثر الأشخاص تأثيراً في المجتمع وأهم ما في الأمر إنه يقوم بعملية أسعاد نفسه ذاتياً في كل موقف يقوم به ويُسر الآخرين, إذن هي عملية تبادل عاطفي إنساني يهبها الله على شكل نعمة لعباده الذين يمعنون في عظمة الخالق ويدركون واسع رحمته, ويقتبسون من هذا الوهج الإلهي قبساً للتراحم فيما بينهم, ومن هنا فإن مضمون هذا الحق الذي نتناوله على شكل رؤية معاصرة لما أورده الإمام السجاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق هو خير دليل على حق السار فالأئمة المعصومين (عليهم السلام) أدخلوا السرور على قلوبنا من خلال أقوالهم الواردة في الروايات المعتبرة لمساعدة الانسان على أداء عبادته بشكل يتوافق مع سلوك الانسان في أي عصر وتحت أي تغيير وما علينا إلا شكر الله جل وعلا كثيراً على نعمة الإسلام, ونعمة التشبث بعترة الرسول (صلى الله عليه وسلم).
إيمان كاظم
تعليق