بسم الله الرحمن الرحيم
آسية زوجة فرعون التي كانت تعيش مع كل الثراء والنعم والدعة والراحة والجاه في
قصر فرعون الذي أحاطه بسور سميك يحجبه عن الله تعالى.
ترى كيف اخترق الإيمان ذلك السور الضخم وجدران ذلك القصر السميكة ليدخل قلب
هذه المرأة؟
لقد حصل ذلك بسبب وجود رجل مؤمن في داخل قصر فرعون اسمه حزقيل، وهو الذي ورد
فيه "الصديقون ثلاثة علي بن أبي طالب، وحبيب النجار، ومؤمن آل فرعون..."
لقد كان حزقيل من آل فرعون, ويقال إنه كان خازنه، وهو قد كتم إيمانه فترة طويلة جداً ،
وكانت لديه عائلة مؤمنة بالله تعالى تشاطره في كتمان الإيمان.
وكانت زوجته ماشطة لبنات فرعون ولزوجته آسية, وفي مسألة دخول الإيمان إلى قلب آسية
ورد أنه بينما كانت زوجة حزقيل تمشط ابنة فرعون وقع مشطها فقالت: بسم الله، قالت
بنت فرعون: أبي؟ قالت: لا, بل ربي وربك ورب أبيك، فأخبرت فرعون فدعا بها وبولدها،
قال: من ربّك؟ قالت: إن ربي وربّك الله.
فأمر بتنّور من نحاس فأحماه فدعا بها وبولدها، فقالت: إن لي إليك حاجة وهي أن تجمع
عظامي وعظامي ولدي فتدفنها .
تأثرت آسية بإيمان هذه المرأة، فآمنت, وقرّرت التصدي للكفر من داخل القصر وقد ورد أن
فرعون دخل عليها بعدما قتل الماشطة, فقالت له: الويل لك يا فرعون، ما أجرأك على الله
جل وعلا فقال لها: لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبك؟
فقالت: ما اعتراني جنون، بل آمنت بالله ربي وربك ورب العالمين.
حاول فرعون أن يرجعها عن عقيدتها فأبت, فأمر بها حتى مُدَّت بين أربعة أوتاد, ثم لا زالت
تعذّب فقالت: وهي في العذاب: "رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ "
الملاحظ أنه رغم كونها في قصر عظيم تطلب من الله تعالى "بيتاً" لا قصراً؛ لأن غايتها ليست
البيت, بل كانت غايتها " رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ" إنّها تريد موقع القرب من الله تعالى, إنّها مرتبة
العندية, تماماً كالشهداء فإنهم "أحياء عند ربّهم "
إنها قصة إيمان امرأة أقبلت عليها الدنيا على حساب آخرتها فتخلّت عنها لأجل آخرتها.
إنها قصة إيمان امرأة هُدّدت بالعذاب لأجل الدين فاختارت العذاب على أن تترك دينها.
لقد أصبحت آسية نموذجاً وقدوة لكل إنسان لينطلق من انسانيته نحو الله تعالى في سلوكه في
هذه الدنيا مهما كانت التضحيات.
إنها النموذج الذي أراد الله تعالى للمرأة أن تقتدي به فإذا فعلت فإنّها ستتقدم في كمالها
وستدفع في تقدمها المجتمع معها.
لذا التقت آسية مع فاطمة(عليها السلام) وخديجة(عليها السلام)) ومريم(عليها السلام)) فكنّ أفضل النساء.
--------------------------
* الشيخ الدكتور أكرم بركات
تعليق