عفة المرأة لا تعني الانكفاء والانطواء، ولا تعني الجمود والأحجام عن تحمل المسؤولية وممارسة الدور الاجتماعي، وقد رأينا السيدة زينب وهي تمارس دورها الاجتماعي في أعلى المستويات
لكن العفة تعني عدم الابتذال، وتعني حفاظ المرأة على رزانتها وجدية شخصيتها أمام الآخرين فإذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة إلى ساحة المعركة فلا تتردد في ذلك، وإذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع وهكذا في سائر المجالات النافعة والمفيدة.
فلنتأمل ما يقوله أحد المعاصرين لها والمجاورين لمنزلها برهة من الزمن، ليتضح لنا معنى العفة والاحتشام عند السيدة زينب حدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً.
لقد تكاملت نواحي العظمة في شخصية السيدة زينب فتجسدت فيها معالي الصفات ومكارم الأخلاق، وذلك هو سر تفردها وخلودها وإنما تتحدد قيمة الإنسان ومكانته حسب ما يتمتع به من مواهب وكفاءات، ويترشح عنه من فضائل وأخلاق وشخصية السيدة زينب زاخرة بالمواهب العالية، وسيرتها طافحة بالمكارم الرفيعة ومن خلال تلك المواقف والأحداث التي تعرضت لها تجلت لنا كفاءات السيدة زينب وعظمة شخصيتها، وتبدي لنا من نورها المضيء، وأفقها الرحيب بقدر ما كانت أبصارنا تستوعب الرؤية والنظر.
السيدة زينب وهي العالمة بالله و (إنما يَخْشَى الله من عِبَادهِ العُلَمَاءُ) وهي الناشئة في أجواء الإيمان والعبادة والتقوى، كانت قمة سامقة في عبادتها وخضوعها للخالق عزّ وجلّ كانت ثانية أمها الزهراء (عليها السلام) في العبادة وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى أنّ الحسين (عليه السلام) عندما ودّع عياله الوداع الأخير يوم عاشوراء، قال لها: يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل كما ذكر ذلك البيرجندي، وهو مدوّن في كتب السّير وعن عبادة السيدة زينب، ليلة الحادي عشر من المحرم، يقول الشيخ محمد جواد مغنية وأيّ شيء أدلّ على هذه الحقيقة، من قيامها بين يدي الله للصلاة، ليلة الحادي عشر من المحرم، ورجالها بلا رؤوس على وجه الأرض، تسفي عليهم الرياح، ومن حولها النساء والأطفال، في صياح وبكاء ودهشة وذهول، وجيش العدو يحيط بها من كل جانب.
إنّ صلاتها في مثل هذه الساعة، تماماً كصلاة جدّها رسول الله في المسجد الحرام، والمشركون من حوله يرشقونه بالحجارة، ويطرحون عليه رحم شاة، وهو ساجد لله (عزّ وعلا)، وكصلاة أبيها أمير المؤمنين، في قلب المعركة بصفين، وصلاة أخيها سيد الشهداء يوم العاشر، والسهام تنهال عليه كالسيل.
ولا تأخذك الدهشة إذا قلت إنّ صلاة السيدة زينب، ليلة الحادي عشر من المحرم، كانت شكراً لله على ما أنعم، وأنّها كانت تنظر إلى تلك الأحداث على أنّها نعمة خصّ الله بها أهل بيت النبوة، من دون الناس أجمعين، وأنّه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله والناس وروي عن ابنة أخيها فاطمة بنت الحسين قولها: "وأمّا عمّتي زينب، فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها، تستغيث إلى ربّها فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنّة". زهد وعطاء
كانت زينب تعيش في كنف زوجها عبد الله بن جعفر في المدينة، وهو رجل موسر غني، وباذل كريم لكن حياة الراحة والرفاه، حيث البيت الواسع، والخدم والحشم، والمال والثروة، لم تتمكّن من قلب السيدة زينب، فتخلّت عن كلّ تلك الأجواء المريحة، واختارت السفر مع أخيها الحسين، حيث المصاعب والمشاق، والآلام المتوقعة، لم يكن قلب زينب متعلقاً بشيء من متاع الدنيا، بل كانت نفسها منشدّة إلى آفاق السّموّ والرفعة.
ورُوي عن الإمام زين العابدين أنّه قال عنها: (أنّها ما ادّخرت شيئاً من يومها لغدها أبداً.. ) ونُقل عنها: أنّها كانت أثناء سفر الأسر إلى الشام، تتنازل في غالب الأيّام عن حصّتها من الطعام، لصالح الأطفال الجائعين، والجائعات من الأسارى، وتطوي يومها جائعة، حتى أنّ الجوع كان يقعد بها عن التمكّن من أداء صلاة الليل قياماً، فتؤدّيها وهي جالسة وحينما رجعت إلى المدينة، مع قافلة السبايا، نزعت حليّها، وحليّ أختها، لتقدمه هدية للنعمان بن بشير، مكافأة له على حسن صحبته ورفقته.
إنّ العفّة تُعدّ واحدة من أمّهات الفضائل الأخلاقية الأربع (العفّة، الشجاعة، الحكمة، والعدالة)، وتبنى عليها الحياة الإنسانية والاجتماعية، لذا كان لهذه الفضيلة الأخلاقية آثار جليلة تنعكس على الشخصية الإنسانية دنيا وآخرة وقد جاء في اللغة عن ابن منظور أنّها "الكفّ عمّا لا يحلّ ويَجمُلُ، عفّ عن المحارم والأطماع الدنية يعِفُّ عِفّة وعفا وعفافاً فهو عفيف، وعفّ أي كفّ"
أمّا في الاصطلاح: فقد عرّفها النراقي بأنّها "انقياد القوّة الشهويّة للعاقلة فيما تأمرها به وتنهاها عنه حتّى تكتسب الحريّة وتتخلّص عن أسر عبوديّة الهوى".
وهي من الصفات الممدوحة لدى الناس، وأغلب الأخبار والروايات تُشير إلى عفّة البطن والفرج، وكفّهما عن مشتهياتهما المحرّمة، وهما من أفضل العبادات، وقد ورد عن الإمام أبي جعفر عليها السلام: "إنّ أفضل العبادة عفّة البطن والفرج" وقد أشارت الروايات إلى أنّ العفة من الأمور الفطريّة، ومن لوازم الفطرة لدى الإنسان، وهي من جنود العقل أيضاً فالعفّة والحياء والخجل من لوازم الفطرة البشريّة، كما أنّ التهتُّك والفحش وعدم الحياء على خلاف ذلك ومن الخطأ الظنّ أنّ هذه الصفة الحسنة خاصة بالنساء، دون الرجال، بل هي صفة لكلا الصنفين، وهي ترقى بهما بحسب مواردهما إلى الكمال الإنساني المنشود. العفة الزينبية نموذجاً
ومن أهم نماذج العفيفات التي قدمها الإسلام بعد السيدة الزهراء عليها السلام ابنتها عقيلة الطالبيين زينب بنت علي بن أبي طالب وقد بلغت من الحرص على الحجاب والستر حدّ أن تجعل في أول ما وبَّخت يزيد الطاغية عليه رغم كثرة وعظم جرائمه هتك ستور النساء وتعريضهن لأنظار القوم في مسير السبي ولا عجب فإن الحجاب والعفاف رافق حياة هذه العظيمة. لماذا السيدة زينب في كربلاء؟
كثيرة تلك الأقلام التي تحدثت عن السيدة زينب عليها السلام ودورها في واقعة الطف والأحداث التي أعقبت تلك الثورة إلا انها اختلفت في مضمون خطابها فالبعض عد وجودها وسيلة من وسائل الضغط التي استخدمها الامام الحسين عليه السلام والبعض الاخر اختصر دورها بالإعلام عن نتائج الثورة والبعض الاخر تناول الامر بشكل عاطفي بحت فاختلق صور ومواقف رسم فيها ملامح الضعف والذلة بهدف استدرار الدمعة وتهييج المشاعر والأحاسيس.
ولعل هنالك حقائق مغيبة تكمن في ان خروج السيدة زينب مع اخيها الحسين عليهما السلام لم يكن وليد اللحظة التي انطلقت بها القافلة بل ان الاعداد لتلك المصاحبة كان مخطط لها في وقت سابق يتضح ذلك في اشتراط الامام أمير المؤمنين عليه السلام على عبد اللّه بن جعفر عندما تقدم لخطبتها بالسماح لها بالخروج مع اخيها الحسين لنلمس من ذلك الموقف بل نتيقن بان هنالك اعداد وتهيأة مسبقة للسيدة زينب عليها السلام لاداء مهام وادوار مهمة في كربلاء.
وبالتالي فان مراجعة ما وثقته كتب التاريخ عن السيدة زينب وجمع وجهات النظر نجد ان من غير المنطقي ان يختزل دور السيدة زينب بموقف معين او حادثة عفوية او مفردة بسيطة بل انها جمعت ادوار ومواقف يعجز المداد على وصفها، حيث ان الامام الحسين عليه السلام حينما اصطحبها معه الى كربلاء.
قلد بذلك جده رسول الله صلى واله الذي كان يصطحب معه بعض زوجاته وعدد من النساء اللواتي شهد التاريخ ببطولتهن ومواقفهن الخالدة في معارك عدة، وبالتالي فان السيدة زينب اعطت زخما معنويا كبيرا للإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ولعل كتاب المقاتل يذكرون ان الامام الحسين كلما يستشهد احد اولاده يرجع الى خيمة السيدة زينب لتعينه على الم المصاب بل ان الروايات اكدت انها في ليلة عاشوراء شحذت همم الانصار كذلك، فضلا عن موقفها في منع الامام زين العابدين الذي انصاع لكلمتها وعكف عن الخروج لنصرة ابيه الامام الحسين حتى لا تخلو الارض من نسل محمد وال محمد.
كما ان للسيدة زينب دور مهم في الحفاظ على العائلة والأطفال من التشتت والضياع نتيجة الهجمات التي تعرضت لها الخيام، فضلا عن دورها البارز في تأليب الرأي العام في الكوفة ومخاطبة اهل الشام وفضح الماكنة الاعلامية الاموية على الرغم من تأثيرها في المجتمع آنذاك بل ان تصديها للإلقاء خطبة في الكوفة وعدم السماح للإمام السجاد عليه السلام في ان يخطب ساهمت بالحفاظ على حياته من ان يقتل قبل نزوله من على المنبر وأتاحت الفرصة له لإلقاء خطبته في مجلس يزيد.
كما ان هنالك مواقف كثيرة من الصعب حصرها في هذه المقالة ولعل أبرزها الوقوف بوجه المجتمع الذكوري انذاك الذي كان يعتبر المرأة اداة من ادوات المنزل بل انها خلقت للرجل فاثبتت لذلك المجتمع ان دور المرأة لايقل اهمية عن دور الرجل اذا ما نقول يفوق ذلك في كثير من المواقف، فضلا عن رسم صورة مميزة للمرأة في تحمل الصبر والحفاظ على الحجاب في احلك الظروف وعدم الضعف ومشروعية الجهاد والمحافظة على الصلاة الواجبة والمستحبة في المصائب وشكر الله والثناء له عند الشدائد. ابنة بيت الحياء والعفة
ممّا لا شكّ فيه تأثير الوراثة والعائلة في سلوك الإنسان وأعماله وقد ثبت اليوم بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ جزءاً من الصفات الحسنة والسيئة تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثة، لذلك كانت العائلات التي ولد فيها الأنبياء، عائلات طاهرة وأصيلة، لذلك نجد النصوص الدينية توصي بعدم الزواج من الجميلات اللواتي يَعِشْنَ في عائلات غير طاهرة وعارية من الحياء.
وهناك التربية إلى جانب الوراثة، لأن العديد من الفضائل والكمالات تنتقل إلى الأبناء من خلال التربية الصحيحة ويلاحظ أن هذين العاملين (الوراثة والتربية) متواجدان في أعلى درجاتهما فيما يخصّ زينب عليها السلام، حيث نقرأ في زيارتها: "السلام على من رضعت بِلُبان الإيمان".
نعم، زينب الكبرى عليها السلام وُلدت في بيت الوحي والولاية، من أب وأم معصومين وعاشت في حضن النبوة ومهد الإمامة والولاية ومركز نزول الوحي الإلهي ورضعت من المرأة المعصومة الفردية في عالم الوجود "فاطمة الزهراء عليها السلام" ومنها تعلمت الحنان والعفة والحياء والشهامة والعطوفة وإلى جانب ذلك فقد كبرت وتربت إلى جانب كبار أساتذة عالم الإنسانية، أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وأخويها الحسن والحسين عليهما السلام. الحياء منذ بداية الشباب
تقول الدكتور "عائشة بنت الشاطئ" وهي سيدة من اهل السنة وباحثة: كيف كانت زينب في بداية الشباب؟ امتنعت المراجع التاريخية عن وصف صورة زينب في هذه الأوقات، لأنها كانت تعيش في البيت كان لا يمكن النظر إليها إلا من وراء حجاب، ولكن وبعد عشرات السنين من هذا التاريخ، خرجت زينب من البيت حيث أظهرتها لنا مصيبة كربلاء العظيمة.
إذاً لم يشاهدها التاريخ لأن حياءَها كان يمنع ذلك وقد أوصت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام النساء قائلة: "خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهنَّ الرجال" ولولا الأمر الإلهي حيث "إن الله شاء أن يراهنّ سبايا" لم يكن الإمام الحسين عليه السلام ليسمح لنفسه أن ترافقه زينب في رحلة كربلاء. مظهر الحياء عند الحركة من المدينة
تذكر المدينة ليلة خروج قافلة الحياء مجللة بالحياء والعظمة متجهة نحو مكة كانت تلك الليلة، إحدى ليالي شهر رجب حيث خرجت من المدينة قافلة مجللة، كانت سيدتا "الحياء والعفة" تحيطان شباب بني هاشم وعلى رأسهم سيد شباب أهل الجنة ينقل أحد الرواة في أحد المقاطع التاريخية: "رأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج.
قال: فعند ذلك أمر الحسين عليه السلام بني هاشم بأن يُركبوا محارمهنَّ على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشابّ قد خرج من دار الحسين عليه السلام وهو طويل القامة وعلى خده علامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم! وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفّت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل وجثى على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أمّا إحداهما فزينب، والأُخرى أُمّ كلثوم بنتا أمير المؤمنين.
فقلت: ومن هذا الشابّ؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العبّاس بن أمير المؤمنين.
ثمّ رأيت بنتين صغيرتين كأنّ الله تعالى لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب، والأُخرى مع أمّ كلثوم، فسألتُ عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين عليه السلام، ثمّ خرج غلام آخر كأنّه البدر الطالع، ومعه امرأة، وقد حفّت بها إماؤها، فأركبها ذلك الغلام المحمل، فسألت عنها وعن الغلام، فقيل لي: أمّا الغلام فهو عليّ الأكبر ابن الحسين عليه السلام، والامرأة أُمّه ليلى زوجة الحسين عليه السلام". تجلِّي الحياء في دار الإمارة في الكوفة
عندما وصلت زينب الكبرى عليها السلام أثناء الأسر إلى دار الإمارة، أمسكت غضبها، لأنها تعرف هذا المكان، حيث كان المكان بيتاً لزينب في يوم من الأيام عندما كان يذكر اسم أبيها علي عليه السلام مع تلك العظمة اجتمعت الدموع في عينيها لكنها امتنعت عن البكاء هناك ألقت نظرها فرأت عبيد الله ابن زياد يجلس في مكان كان يجلس فيه والدها يستقبل الضيوف لم تعره اهتماماً بل أزاحت بواجهها عنه وانزوت في زاوية من المكان يجللها الحياء والنجابة والطهارة.
سأل ابن زياد: من هذه المرأة؟ (وكرر السؤال ثلاث مرات) أمّا زينب فلم تجب، فمن جهة كان حياؤها، ومن جهة أخرى علمها بما يريده ابن زياد من احتقارها يمنعها من الجواب إلى أن غضب ابن زياد الملعون وألقى بعض السموم التي على لسانه وقال: "كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك"؟ أمّا زينب فقدمت جواباً مختصراً جميلاً يعود إلى حيائها ثم قالت: "ما رأيت إلا جميلاً". مجلس يزيد، قوة المواجهة وقمة الحياء
دعا يزيد كبار أهل الشام والسفراء الأجانب، ثم أمر بإدخال الأسرى كان الحاضرون في المجلس ينظرون إلى بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الذين كانوا مجللين بالعزة والاحترام إلى الأمس القريب، هؤلاء الطاهرون الذين لم يشاهد الأجانب وجوههم من قبل تذكّر الحاضرون عظمة أقارب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فغرقوا في الخجل والندم، إلا أنّ هناك رجلاً شامياً قوياً أحمرَ الوجه، أخذ يحدق بفاطمة ابنة الحسين عليه السلام وكأنه أراد أن يبتلعها بنظراته أمّا فاطمة فقد ظهر عليها الخوف فاحتمت بعمتها زينب عليها السلام.
نهض الرجل الشامي وطلب من يزيد إهداءه فاطمة عليها السلام تمسّكت فاطمة بعمتها زينب عليها السلام التي حضنتها وخاطبته بعبارات أوضحت له أنه بعيد كل البعد عن مناه ثم جرى حديث بين زينب عليها السلام ويزيد حتى علا صوت الحياء ينهال بسهامه على من لا يملك أدنى مرتبة منه فقالت: "أَمِنَ العدلِ يابن الطلقاء تخديرُك حرائرك وإمائك وسَوْقُك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا قد هُتكت ستورهنَّ وأُبديت وجوهُهن تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد يستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههنَّ القريب والبعيد والدنيُّ والشريف، ليس معهنَّ من رجالهنَّ وليّ ولا من حُماتهن حمي؟! وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء".
ثم هدأت زينب عليها السلام وكان كلامها قد دفع يزيد إلى السكوت فسكت الجميع يقال إنّ هند ابنة عبد الله بن عامر وهي امرأة يزيد قد سمعت ما دار في مجلس زوجها، حتى إنها دخلت المجلس لتوبخ يزيد على عدم حيائه المسألة الهامة التي تحدثت وأشارت إليها السيدة زينب عليها السلام أنّ نساء يزيد قد ارتدَيْنَ الحجاب وقد حافظن عليه، إلا أنّ نساء أهل البيت عليهم السلام يشاهدهنّ كلّ من هو في المجلس من غير المحارم، لذلك لم تتحدث عن أن نساء يزيد تسكن القصور والأسرى يسكنون الأكواخ بل تحدثت فقط وفقط حول الحجاب والحفاظ على الحرمة والحياء، وهذا الذي يشكل أكبر درس للنسوة في مجتمعنا المعاصر اللواتي يجب عليهن الحفاظ على حدود الحياء تحت أي ظروف وفي أي حال. العفة والطهارة نتيجة لحياء زينب
إنّ العفة والطهارة هي أبرز وأهم زينة للنساء وأغلى الجواهر التي يمكن أن يمتلكنها لقد تعلمت زينب درس العفة من مدرسة أبيها، هناك عندما كان يقول: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعَفَّ يكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة" ثم إنّ الحياء الذاتي لزينب عليها السلام هو الذي جعل منها في قمة العفة والطهارة، لأن أبرز نتائج الحياء، العفة والطهارة وكما يقول علي عليه السلام: "سبب العفة الحياء" ويقول في مكان آخر: "على قدر الحياء تكون العفة" إن التربية العائلية والحياء الذاتي لزينب عليها السلام هما اللذان دفعاها للحفاظ على عفتها في أصعب الظروف يقول المؤرخون: "وهي تستر وجهها بكفها لأن قناعها أُخذ منها". عوامل تنمية العفة
الزواج: جعِل الزواج وسيلة لتهذيب وإشباع هذه الشهوة، وقد جُعِلت شهوة الجنس في الإنسان من أجل حفظ واستمرار النسل البشريّ، ولولا ذلك لما أقدم الإنسان على الزواج، ولما تحمّل العديد من المشاكل والصعوبات المترتّبة على وجود الولد والذريّة ولهذا حثّ الإسلام على الزواج وإليه أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، ويُقصد بالأيامى هنا العزّاب أي من لا أزواج لهم وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "إذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف الدِّين فليتقّ الله في النصف الباقي".
غضُّ البصر: أولى الله تعالى غضّ البصر أهمّيّة خاصّة بغية إرساء وبناء قواعد متينة لتأسيس مجتمع عفيف، ولهذا نرى أنّه فصّل في الخطاب بين الذكر والأنثى عندما أمر بغضِّ البصر، للدلالة والإشارة إلى أهمّيّة الغضِّ ولما يتركه من آثار إيجابيّة على بناء النفس والمجتمع والتكليف موجّه لكلٍّ من الرجل والمرأة على السواء، وقد بدأ توجيه الخطاب إلى الرجال قبل النساء تأكيداً منه على الدور والمسؤوليّة الواقعة على عاتقهم وكأنّ بناء المجتمع العفيف يبدأ من غضِّ بصر الرجال أوّلاً يقول تعالى في خطابهم ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ثمّ أردف تعالى بعدها مباشرة الخطاب الخاصّ بالنساء مشيراً إلى نفس الحكم ومضيفاً إليه أموراً أخرى تتعلّق بالمرأة ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
اجتناب مثيرات الشهوة وهي عديدة نذكر منها
أ-وسائل الإعلام الّتي تبثّ البرامج غير المحتشمة والمُحِلَّة أخلاقيّاً سواء كانت على شاشة التلفاز أم الإنترنت، وكذا الفضائيّات السامّة الّتي غزت المنازل والنفوس وعشّشت في القلوب الشابّة كالمسلسلات المدبلجة فعلى الإنسان اجتناب هذه الوسائل أو تنظيمها بحيث تكون تحت رقابة ممنهجة بغية الاستفادة من البرامج المفيدة منها.
ب– التفريق في المضاجع أثناء المبيت إنّ لهذا الموضوع أثراً هامّاً على الحياة الجنسيّة لكلٍّ من الذكر والأنثى، حيث يعتبر ذهن الطفل بمثابة لاقط لكلِّ الصور والمشاهد الّتي تمرّ عليه في بداية عمره وقد أمر الشرع المقدّس بالتفريق في المضاجع بين الذكور والإناث لأجل أن ينشؤوا نشأة عفيفة محتشمة بعيدة عن كلِّ موجبات الإثارة وتحريك الشهوات الباطنيّة.
ج-الأكل المتوازن: من المهمّ الالتفات إلى نوع الأكل الّذي يتناوله الإنسان نفسه، وأن يُحاول الالتزام بنظام غذائيّ محدّد ومنظّم، فإنّ بعض الأطعمة من شأنها تهييج القدرة الجنسيّة وتأجيجها فعليه تجنّب هذه الأطعمة ممّا هو مذكور في محلِّه.
د-التقيُّد بالالتزام بالحجاب الستر الشرعيّ وترك الزينة أمام الأجانب ممّا لا شكّ فيه أن التعرّي والتزيّن من شأنهما تحريك الغريزة الجنسيّة، بحيث ينجرّ إليها الشباب، ولهذا جاء الأمر الإلهيّ بوجوب ستر المرأة لكامل بدنها وتركها للزينة بالخصوص كونها عنصر إثارة للرجل إلّا أنّه لا يُراد من الحجاب هنا هو القماش الّذي تضعه المرأة وتُغطّي به جسدها الظاهريّ فحسب، فهو وإن كان مهمّاً وضروريّاً وأساساً إلّا أنّه ليس هو الواجب كلّه من الحجاب، بل هو مطلوب بالإضافة إلى الحجاب الباطنيّ والّذي يتمثّل بالعفاف الباطنيّ للمرأة وهو الأهمّ لها فالحجاب بالمفهوم القرآنيّ لا يكتمل إلّا بمجموعة مفردات يتشكّل منها الحجاب الكامل.
ستر كامل الجسد بالجلباب وهو اللباس الفضفاض الواسع كما قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ إسدال الخمار وهو المقنعة الّتي توضع على الرأس وتُغطّي الكتفين والرقبة والشقّ من الصدر ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾.
عدم إبداء الزينة باستثناء الظاهريّة منها، وهي الكفّان والوجه، شرط أن لا يكون عليها زينة خارجيّة من مساحيق التجميل طلاء الأظافر، ومكياج، حلي، وغير ذلك وكذلك عدم إظهار الزينة الباطنيّة، وهي كلّ ما عدا الوجه والكفّين من الجسد للأجانب ما عدا طائفة من الناس وهم اثنا عشر صنفاً من المحارم وغيرهم، والّتي حدّدها وذكرها القرآن الكريم في سورة النور
تعليق