بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
هنالك مرحلة انتقالية ما بين الحياة الدنيا وبين المعاد يوم القيامة هذه المرحلة هي التي تسمى بعالم البرزخ، والبرزخ لغة هو الحد الفاصل بين أمرين وهنا بين الحياة الدنيوية الزائلة وبين الحياة الأخروية الخالدة.
قال تعالى: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ آرْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).[سورة المؤمنون: الآيتان 99-100].
وفي تفسير علي بن إبراهيم، البرزخ هو أمر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو قول الإمام الصادق (عليه السلام): والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ (26)...
فإذن يمر الإنسان بهذه المرحلة بعد الموت أي بعد دفنه بالقبر فالقبر أول منازل الحياة الأخرى كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده ليس أقل منه) وقال الإمام علي (عليه السلام) (يا ذوي الحيل والآراء والفقه والأبناء اذكروا مصارع الآباء فكأنكم بالنفوس قد سلبت والأبدان قد عريت وبالمواريث قد قسّمت فتصير يا ذا الدّلال والهيبة والجمال إلى منزلة شعثاء ومحلة غبراء فتُنوَّم على خدك في لحدك... حتى تشق عن القبور وتبعث إلى النشور(27).
فإذن هذه المرحلة من المراحل الطبيعية التي يمر بها الإنسان كما مر من قبل بمرحلة الأصلاب والأرحام ثم مرحلة الدنيا... وبعد الموت تكون أرواح المؤمنين في نعيم وسرور على عكس أرواح الكافرين والمنافقين فإنها تعيش في حياة ملؤها الكآبة والعذاب.
قال الإمام الصادق(عليه السلام): (البرزخ قبر وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة) وفي حديث آخر: (والله أتخوف عليكم من البرزخ قلت ما البرزخ؟ فقال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة) وفي الحديث النبوي(النوم أخو الموت كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون) وقال الله سبحانه: (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها).
وروي في (الكافي) بإسناده عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال في قصة لمنكري المعاد في الأمم الماضية: (فأحدث الله فيهما الأحلام ولم يكن قبل ذلك فأتوا نبيهم فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال الإمام: إن الله تعالى أراد أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى يبعث الله الأبدان)..
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (فإذا قبضه الله صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا)(28).
وقال الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في قوله تعالى: (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ..) (هو القبر وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا والله إن القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار)(29).
أما الأبدان فيقول عنها أمير المؤمنين (عليه السلام): (سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً، سلطت الأرض عليهم فيه فأكلت لحومهم..).
وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الميت يبلى جسده قال: (نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة).
وقال سبحانه: (ألَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).[سورة القيامة: الآية 40].
فمن هذه الروايات الشريفة نتبين أن البرزخ عالم خاص له مقاييسه المعينة تحدد منزلة الإنسان على ضوء أعماله في الدنيا فهي مقدمة ليوم الحساب الأكبر فإما أن يتحول القبر إلى روضة ونعيم مؤقت وإما إلى عذاب وجحيم مؤقت كل ذلك يعتبر المنزل الأول والمرحلة الأولى من مراحل الآخرة حيث الحساب الأكبر.
قال تبارك وتعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).[سورة آل عمران: الآية 169]
*{{صدق الله العلي العظيم}}*