إنّ حياة الزهراء عليها السلام منذ بداياتها ونشآتها وأحوالها إلى شهادتها وما بعد شهادتها.. كلُّها مآثرُ شرف، وفضائل ومناقب وكرامات ومقامات لا تضاهى، فقد حباها الله تعالى بأسمى نَسَب فهي ابنة سيّد الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وآله الطاهرين، وبأسمى بَعْل، فهي زوجة سيّد الأوصياء أجمعين صلوات الله عليه وعلى أبنائه الميامين، وبأطهر نَسْل، فهي أمُّ الأئمّة الهداةِ المهديّين سلام الله عليهم أجمعين.
وذلك ما لم تَحظَ به امرأة مِن الأوّلين والآخِرين، أجل.. ففاطمة الزهراء صلوات الله عليها هي سيّدة نساء أهل الجنّة، بل هي سيّدة نساء العالمين على الإطلاق، خُلِقت من النور الإلهيّ هي وأهل بيتها، وشَرُفت على الناس جميعاً إذ هي بَضعةُ سيّد الوجود محمّدٍ المصطفى صلّى الله عليه وآله، والبعض يأخذ حُكم الكلّ في شرفه ورفعته ومقامه، وذلك ما بيّنته الروايات الواردة عن كتب المسلمين، في بياناتٍ واضحةٍ وصريحة.
وقد شاء الباري تبارك وتعالى أن يمتدّ نسلُ رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن أشرف شخصَينِ بعدَه؛ لأنّه أشرف الخلق صلّى الله عليه وآله؛ ولأنّ نسلَه المبارك سيمتدّ بالإمامة المقدّسة والوصاية الشريفة، فيكون من أمير المؤمنين عليّ وسيّدة نساء العالمين فاطمة إمامان، من أحدهما تسعة أئمّةٍ طيّبين صلَواتُ الله عليهم أجمعين.
وتلك إحدى المواهب الإلهيّة المباركة التي حباها أَمَتَه وحبيبته فاطمة عليها السلام، بل منها لا مِن غيرها يستمرّ النسل الكوثر الطاهر لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وهي لا غيرها حلقة الوصل الإلهيّ بين النبوّة والإمامة، ومنها الأئمّة الهداة الذين بهم حياة الدين، وإحياء سيرة سيّد المرسلين، وشريعة ربّ العالمين، وبهم هداية الناس والفوز بمرضاة الله وسعادةِ الدارَين.
لوامع
• عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام: يا ابنَ رسول الله، لِمَ سُمِّيت الزهراء زهراء ؟ فقال: « لأنّها تَزهَر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرّاتٍ بالنور... فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى وُلِد الحسين عليه السلام، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منا أهلَ البيت، إمامٌ بعد إمام » ( علل الشرائع للشيخ الصدوق:180 / ح 2 ـ الباب 143، عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 11:43 / ح 2 ).
• وفي بيانٍ آخر وقد سُئل عليه السلام: لِمَ سُمّيت الزهراء زهراء ؟ قال: « لأنّ اللهَ عزّوجلّ خلَقَها مِن نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماواتُ والأرض بنورها، وغشِيَت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهَنا وسيّدنا، ما هذا النور ؟! فأوحى الله إليهم: هذا نورٌ من نوري، أسكنتُه في سمائي، خلقته من عظمتي، أُخرِجُه مِن صُلبِ بنيٍّ من أنبيائي أُفضّله على جميع الأنبياء، وأُخرج من ذلك النور أئمّةً يقومون بأمري، يَهدون إلى حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وَحْيي » ( علل الشرائع:179 / ح 1 ـ الباب 143، عنه بحار الأنوار 12:43 / ح 5. ورواه الحرّ العاملي في: الجواهر السَّنيّة في الأحاديث القدسيّة:240 ).
• وفي خبر ولادة الزهراء عليها السلام يرويه الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سأل خديجة عليها السلام وكانت حاملةً بابنتها فاطمة عليها السلام: « يا خديجة، مَن تُحدّثين ؟ »، قالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني، فقال صلّى الله عليه وآله لها: « يا خديجة، هذا جبرئيلُ يُبشّرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّةً ويجعلهم خلفاءَه في أرضه بعد انقضاء وحيه » ( أمالي الصدوق:475 / ح 1 ـ المجلس 87 ).
• ويروي جابر بن عبدالله الأنصاري زواج الصديقة فاطمة من الصدّيق الأكبر عليّ صلوات الله عليه فيقول: لمّا زَوّج رسولُ الله صلّى الله عليه وآله فاطمةَ مِن علي... ( إلى أن قال: ) ثمّ رفع صلّى الله عليه وآله يده فقال: « يا ربّ، إنك لم تبعث نبيّاً إلاّ وقد جعلتَ له عترة، اَللّهمَّ فاجعَلِ العترةَ الهادية مِن عليٍّ وفاطمة.. » ( مسند فاطمة عليها السلام للسيوطي الشافعي؛ أمالي الطوسي 263:1، دلائل الإمامة للطبري الإمامي:23 ).
• وفي صبيحة عرس فاطمة وعلي صلَواتُ الله عليهما دعا لهما رسول الله صلّى الله عليه وآله: « اَللّهمّ اجمَعْ شملَهما، وألِّفْ بين قلوبهما، واجعَلْهما وذريّتَهما مِن ورثةِ جنّة النعيم، وارزُقْهما ذريّةً طاهرةً طيّبةً مباركة، واجعلْ في ذريّتهما البركة، واجعَلْهم أئمّةً يَهْدون بأمرك إلى طاعتك، ويأمرون بما يُرضيك » ( بحار الأنوار 117:43 ).
• وخاطبهما صلّى الله عليه وآله وعليهما بعد زواجهما قائلاً لهما: «... لقد أخبرني جَبرئيل أنّ الجنّة مشتاقةٌ إليكما، ولولا أنّ الله عزّوجلّ قدّر أن يُخرِج منكما ما يتّخذُه على الخَلْق حُجّةً لأجاب فيكما الجنّةَ وأهلَها »، ثمّ قال لعليٍّ سلامُ الله عليه: « فنِعمَ الأخُ أنت، ونِعمَ الخَتَنُ أنت، ونعم الصاحبُ أنت، وكفاك برضى الله رضى » ( أمالي الصدوق:654 ـ عنه: بحار الأنوار 103:63 / ح 12. والخَتَن: زوج البنت ).
• في ( نهج الحقّ وكشف الصدق:227 ) كتب العلاّمة الحلّي: روى الزمخشري ـ وهو الثقة المأمون عند الجمهور ـ بإسناده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « فاطمة مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نورُ بَصَري، والأئمّةُ مِن وُلْدها أُمناء ربّي، وحبلٌ ممدودٌ بينه وبين خَلْقه، مَنِ اعتصم بهم نجا، ومَن تخلّف عنهم هَوى » ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي:95، المناقب للزمخشري:213، الفضائل لابن شاذان:197، فرائد السمطين للجويني الشافعي 606:2 / ح 390.. وغيرها ).
• وفي ( أمالي الطوسي:50 ): عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق عن آبائه عليهم السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يا عليّ... إنّ الله أشرَفَ إلى الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثالثة فاختار فاطمةَ على نساء العالمين، ثمّ اطّلع الرابعة فاختار الحسنَ والحسين والأئمّة مِن وُلدِها على رجال العالمين... » ( عنه: بحار الأنوار 388:8 / ح 97 ).
• وفي ( تجهيز الجيش:99 ـ مخطوط ) كتب مؤلّفه حسن بن المولوي أمان الله الدهلوي العظيم آبادي ـ وهو من علماء السنّة ـ: ذكر الشيخ عزّ الدين عبدالسلام الشافعي في رسالته ( مدح الخلفاء الراشدين ) أنّه: لمّا حملت خديجة بفاطمة كانت تُكلّمها ما في بطنها، وكانت تكتمها عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، فدخل عليها يوماً فوجدها تتكلّم وليس معها غيرها، فسألها عمّن كانت تخاطبه، فقالت: مع ما في بطني، فإنّه يتكلّم معي، فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله: « أبشِري يا خديجة، هذه بنتٌ جعلها الله أُمَّ أحدَ عشر من خلفائي يَخرجون بعدي وبعد أبيهم ».
• وسُئل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام عن قوله تعالى: أَلَم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيّبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء ، فقال عليه السلام: « الشجرةُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ونَسَبُه ثابت في بَني هاشم، وفرعُ الشجرة عليُّ ابن أبي طالبٍ عليه السلام، وغصنُ الشجرة فاطمة عليها السلام، وثمراتُها الأئمّة عليهم السلام مِن وُلدِ عليٍّ وفاطمة عليهما السلام، وشيعتُهم ورقها. وإنّ المؤمن مِن شيعتنا ليموت فتسقط مِن الشجرة ورقة، وإنّ المؤمن لَيُولَد فتُورِق الشجرةُ ورقة » ( تفسير القمّي عليّ بن إبراهيم 347:1 ـ عنه: بحار الأنوار 218:9 / ح 97 ).
فسلامٌ على مَن هيَ سليلة القداسة، ووريثة الشرف ومورّثتُه، وسلامٌ على مَن بثّت أنوارَها فأنَعَم بها الوجود، وسلامٌ على مَن أهدت إلى العوالم أسمى ذُريّة، بعضُها من بعض، هم أئمّةٌ هداة، وأسبابُ رحمةٍ وفوزٍ ونجاة.. فسلامٌ عليها وعليهم، وصلواتٌ عليها وعلى أبيها وبعلها، والطيّبين الطاهرين من نسلها.
من شبكة الامام الرضا عليه السلام
تعليق