-يضع لنا الإمام علي عليه السلام في نهجه نظريه متكاملة عن نشوء الكون والعالم، ما زال العلماء يتخبطون في فرضياتهم عنه، دون أن يصلوا الى نتيجة.
وفي نظري أن هذه النظرية كانت أعظم خطوة جريئة خطاها الامام على عليه السلام ليخبرنا عن عالم مضى وانقضى منذ ملايين السنين، حين لم تكن أرض ولا سماء وانما فراغ وذرات. فمن الذي أنبأه بهذا؟ ومن أين استمد هذا العلم؟ من غير نبع العلم الإلهى!: «عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا».
يفترض الإمام علي عليه السلام أنه أول نشوء الكون، خلق الله سائلاً (عبر عنه بالماء) هو ما يسميه علماء اليوم “بالهيولى الذرية” وهي تتألف من الجسيمات العنصرية (كالبروتون والنترون والإلكترون)، التي صنعت العناصر فيما بعد؛ كالهدرجين والهليوم والليثيوم والكوبون … الخ. وهذه الجسيمات إن وجدت مجتمعة بهذا الشكل في الهيولي تكون ثقيلة جدا، وأثقل من المواد الموجودة على الأرض بآلاف المرات. لذلك كان لا بد لحملها في الفضاء ومنعها من الانتشار والتبعثر من ريح قوية جدا، سماها الإمام عليه السلام بالريح العاصفة، تحيط بالهيولي من كل جانب كالوعاء، فتجمعها إلى بعضها.
ثم تأتي ريح من نوع آخر سماها الإمام عليه السلام بالريح العقيم، فتلعب بالهيولي من جانب واحد هو سطحها السائب، فتمخضها كما نمخض اللبن في السقاء، وتصنع منها أول غاز ملأ الكون وهو غاز الهدرجين، الذي عبر عنه القرآن بالدخان، في قوله تعالى: «ثم أستوى إلى السماء وهي دخان» (فصلت : ١١ ).
وبتحريك هذا الهدرجين في دوامات متمركزة، نشأت فيما بعد الأجرام والكواكب، التي شكلت المجموعات والمجرات، التي هي الآن موجوده في السماء، سواء لم نرها في النهار، أو رأينا طرفا منها في الليل، تسبح الله وتسير على هدى الله، سابحه في أفلاكها و مساراتها، وملزمه بحركاتها ومداراتها. فسبحان من برأها على غير مثال مضى، وأنشأها على غير نظير يحتذى.
يقول باب مدينه العلم عليه السلام: في الخطبة الأولى من نهج البلاغة: “ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء. فأجرى فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره. حمله على متن الرمح القاصفة، والزغزع العاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق (أي منبسط)، والماء من فوقها دفيق”.
ثم: “ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها، وأدام مربها، وأعصف مجراها، و ابعد منشأها. فأمرها بتصفيق الماء الزخار، واثاره موج البحار فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره. حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه. فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق (أي مفتوح واسع)، فسوى منه سبع سموات؛ جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وعلياهن سقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار ينظمها “.
لبيب بيضون/
تعليق