بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وبه تعالى نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله :
وبعد :
عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لقد قضى
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقضية ما سمعت بأعجب منها ولا مثلها قبل ولا بعد .
قيل : وما ذاك ؟ قال : دخلت المسجد ومعي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فا ستقبله شاب حدث يبكي ، وحوله قوم يسكنونه ، فلما رأى الشاب أمير المؤمنين
( عليه السلام )
قال : يا أمير المؤمنين ، إن شريحا قضى علي بقضية ، وما أدري ما هي . فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وما ذاك ؟ قال الشاب : إن هؤلاء النفر خرجوا مع أبي في السفر ، فرجعوا ولم يرجع أبي ، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله ، فقالوا : ما ترك مالا ، فقدمتهم إلى شريح ، فاستحلفهم ، وقد علمت - يا أمير المؤمنين - أن أبي خرج ومعه مال كثير . فقال لهم : ارجعوا ، فرجعوا ، وعلي يقول : أوردها سعد وسعد مشتمل * يا سعد ما تروى بها ذاك الإبل (1)
فقال : والله لأحكمن فيهم بحكم ما حكمه أحد قبلي إلا داود النبي ( عليه السلام ) ، يا قنبر ، ادع لي شرطة الخميس ، فوكل بكل رجل رجلين من الشرطة ، ثم دعاهم ونظر في وجوههم ، ثم قال لهم : تقولون ماذا كأني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى إني إذا لجاهل ، ثم أمر بهم ففرق بينهم ، وأقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد ، ثم دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع ، فقال : اكتب ، ثم قال للناس : إذا كبرت فكبروا ، ثم دعا بأحدهم ،
فقال : في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم ؟
فقال : في يوم كذا وكذا .
فقال : ففي أي سنة ؟
قال : في سنة كذا وكذا .
قال : ففي أي شهر ؟
قال : في شهر كذا وكذا .
قال : في منزل من مات أبو هذا الفتى ؟
قال : في منزل فلان بن فلان .
قال : وما كان مرضه ؟
قال : كذا وكذا .
قال : كم مرض ؟
قال : كذا وكذا .
قال : فمن كان ممرضه ؟
قال : فلان .
قال : فأي يوم مات ؟ ومن غسله ؟ ومن كفنه ؟ وفيما كفنتموه ؟ ومن صلى
عليه ؟ ومن أدخله القبر ؟
قال : فلان .
فلما سأله عن جميع ما يريد كبر وكبر الناس كلهم أجمعون ، فارتاب أولئك
الباقون ولم يشكوا إلا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه ، وأمر أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) بالرجل إلى الحبس ، ثم دعا بآخر ، فقال له : كلا زعمت أني لا أعلم
ما صنعتم بأبي هذا الفتى إني إذا لجاهل .
فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أنا إلا كواحد منهم ، ولقد كنت كارها لقتله .
فلما أقر جعل يدعو بواحد واحد ، وكان يقر بالقتل والمال ، ثم دعا بالذي
أمر به إلى السجن فأقر أيضا معهم ، فألزمهم المال والدم .
فقال شريح : يا أمير المؤمنين ، كيف كان هذا الحكم ؟
قال : إن داود ( عليه السلام ) مر بغلمة وهم يلعبون ، وينادي بعضهم : يا مات الدين ، يا
مات الدين ، وغلام يجيبهم ، فدنا داود ( عليه السلام ) ، فقال : يا غلام ، ما اسمك ؟
قال : مات الدين .
قال داود ( عليه السلام ) : ومن سماك بهذا الاسم ؟
قال : أمي .
قال له داود ( عليه السلام ) : أين أمك ؟
قال : في منزلها .
قال داود ( عليه السلام ) : انطلق بنا إلى أمك ، فانطلق به الغلام إلى أمه ، فاستخرجها من
منزلها ، فقال لها داود ( عليه السلام ) :
يا أمة الله ، ما اسم ابنك هذا ؟
قالت : اسمه مات الدين .
فقال لها داود ( عليه السلام ) : ومن سماه بهذا الاسم ؟
قالت : أبوه .
قال : وأين أبوه ؟
قالت : مات .
قال : وكيف كان سبب موته حتى سماه بهذا الاسم ؟
قالت : إن أباه خرج في سفر ومعه قوم وأنا حامل بهذا الصبي ، فانصرف
القوم ولم ينصرف زوجي ، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله ، فقالوا : ما
ترك مالا ، فقلت لهم : فهل أوصاكم بوصية ؟ قالوا : نعم ، زعم أنك حبلى ، فما ولدت
من ولد جارية أو غلاما فسميه مات الدين ، فولدت هذا الغلام فسميته كما أمر
ولم أحب مخالفته
ــــــــــــــ
( 1) مثل سائر ضربه صلوات الله عليه لبيان أن شريحا لا يتأتى منه القضاء ولا يحسنه ، والاشتمال تعليق
الشمال ، والشمال ككتاب : شئ كمخلاة يغطى به ضرع الشاة إذا ثقلت .
والحمد لله رب العالمين وبه تعالى نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله :
وبعد :
عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لقد قضى
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقضية ما سمعت بأعجب منها ولا مثلها قبل ولا بعد .
قيل : وما ذاك ؟ قال : دخلت المسجد ومعي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فا ستقبله شاب حدث يبكي ، وحوله قوم يسكنونه ، فلما رأى الشاب أمير المؤمنين
( عليه السلام )
قال : يا أمير المؤمنين ، إن شريحا قضى علي بقضية ، وما أدري ما هي . فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : وما ذاك ؟ قال الشاب : إن هؤلاء النفر خرجوا مع أبي في السفر ، فرجعوا ولم يرجع أبي ، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله ، فقالوا : ما ترك مالا ، فقدمتهم إلى شريح ، فاستحلفهم ، وقد علمت - يا أمير المؤمنين - أن أبي خرج ومعه مال كثير . فقال لهم : ارجعوا ، فرجعوا ، وعلي يقول : أوردها سعد وسعد مشتمل * يا سعد ما تروى بها ذاك الإبل (1)
فقال : والله لأحكمن فيهم بحكم ما حكمه أحد قبلي إلا داود النبي ( عليه السلام ) ، يا قنبر ، ادع لي شرطة الخميس ، فوكل بكل رجل رجلين من الشرطة ، ثم دعاهم ونظر في وجوههم ، ثم قال لهم : تقولون ماذا كأني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى إني إذا لجاهل ، ثم أمر بهم ففرق بينهم ، وأقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد ، ثم دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع ، فقال : اكتب ، ثم قال للناس : إذا كبرت فكبروا ، ثم دعا بأحدهم ،
فقال : في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم ؟
فقال : في يوم كذا وكذا .
فقال : ففي أي سنة ؟
قال : في سنة كذا وكذا .
قال : ففي أي شهر ؟
قال : في شهر كذا وكذا .
قال : في منزل من مات أبو هذا الفتى ؟
قال : في منزل فلان بن فلان .
قال : وما كان مرضه ؟
قال : كذا وكذا .
قال : كم مرض ؟
قال : كذا وكذا .
قال : فمن كان ممرضه ؟
قال : فلان .
قال : فأي يوم مات ؟ ومن غسله ؟ ومن كفنه ؟ وفيما كفنتموه ؟ ومن صلى
عليه ؟ ومن أدخله القبر ؟
قال : فلان .
فلما سأله عن جميع ما يريد كبر وكبر الناس كلهم أجمعون ، فارتاب أولئك
الباقون ولم يشكوا إلا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه ، وأمر أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) بالرجل إلى الحبس ، ثم دعا بآخر ، فقال له : كلا زعمت أني لا أعلم
ما صنعتم بأبي هذا الفتى إني إذا لجاهل .
فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أنا إلا كواحد منهم ، ولقد كنت كارها لقتله .
فلما أقر جعل يدعو بواحد واحد ، وكان يقر بالقتل والمال ، ثم دعا بالذي
أمر به إلى السجن فأقر أيضا معهم ، فألزمهم المال والدم .
فقال شريح : يا أمير المؤمنين ، كيف كان هذا الحكم ؟
قال : إن داود ( عليه السلام ) مر بغلمة وهم يلعبون ، وينادي بعضهم : يا مات الدين ، يا
مات الدين ، وغلام يجيبهم ، فدنا داود ( عليه السلام ) ، فقال : يا غلام ، ما اسمك ؟
قال : مات الدين .
قال داود ( عليه السلام ) : ومن سماك بهذا الاسم ؟
قال : أمي .
قال له داود ( عليه السلام ) : أين أمك ؟
قال : في منزلها .
قال داود ( عليه السلام ) : انطلق بنا إلى أمك ، فانطلق به الغلام إلى أمه ، فاستخرجها من
منزلها ، فقال لها داود ( عليه السلام ) :
يا أمة الله ، ما اسم ابنك هذا ؟
قالت : اسمه مات الدين .
فقال لها داود ( عليه السلام ) : ومن سماه بهذا الاسم ؟
قالت : أبوه .
قال : وأين أبوه ؟
قالت : مات .
قال : وكيف كان سبب موته حتى سماه بهذا الاسم ؟
قالت : إن أباه خرج في سفر ومعه قوم وأنا حامل بهذا الصبي ، فانصرف
القوم ولم ينصرف زوجي ، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله ، فقالوا : ما
ترك مالا ، فقلت لهم : فهل أوصاكم بوصية ؟ قالوا : نعم ، زعم أنك حبلى ، فما ولدت
من ولد جارية أو غلاما فسميه مات الدين ، فولدت هذا الغلام فسميته كما أمر
ولم أحب مخالفته
ــــــــــــــ
( 1) مثل سائر ضربه صلوات الله عليه لبيان أن شريحا لا يتأتى منه القضاء ولا يحسنه ، والاشتمال تعليق
الشمال ، والشمال ككتاب : شئ كمخلاة يغطى به ضرع الشاة إذا ثقلت .
تعليق