تسعى الكثير من النخب المثقفة إلى إيجاد مساحة تفاهم مشتركة مع شرائح المجتمع كافة، في توقها للتواصل، ومعرفة آخر تطورات الوضع الفكري والشأن الثقافي، وما قد ينتج ويتمحور عن صراع القيم والمفاهيم في ظل نظم العولمة وتفشيها، واقتحامها للحدود الثقافية، والأطر العامة للمجتمعات.
ولكن قد يؤدي اصطدام هذه التوجهات بالواقع، إلى عدم النظر بعين المثالية إلى تمجيد الفصحى في ظل تداعياتها المستمرة، وغزو اللغة المحكية أو الدارجة محلها، سواء في وسائل الإعلام والاتصال، أو علاقتها بالخطاب السياسي والديني.. وتزداد المخاوف كلما سرت العدوى للمتخصصين في الحقل اللغوي الذين بات معظمهم يعاني من صعوبة إلقاء محاضرة ارتجالية دون الوقوع في فخ اللحن، وإدراج غير الوسطى أو العامية كضرورة لإيصال الفكرة بطريقة أسرع وأقرب للفهم..
اللغة العربية بأصولها وقواعدها العامة تقهقرت إلى الوراء، فهي تكاد تكون جزءاً من التراث العربي القديم؛ لا يهتم بها سوى دارسيها الذين رمتهم الأقدار لدخول معترك صعب يستحيل معه الأخذ بأطراف ردائه، فهم بين أمرين أحدهما: ترامي أطراف هذه اللغة الموزعة في معاجم ومصادر لا حصر لها.. والأمر الآخر: صعوبة تمثيلها وتجسيدها على أرض الواقع.. في مجتمع باتت اللغة الدارجة تتزعم الحياة العامة للمجتمع بمختلف تشعباته، بل وأصبح الحديث بالفصحى من مكمّلات التأنق، وفضول العيش ورفاهيته، وليس من دعائم ومقومات بقائه واستمراريته..!!
الأمر الذي يدعو كتّابنا والنخب المثقفة الإعلامية والتربوية إلى العناية بالمفردة والتراكيب الفصيحة والصحيحة التي تعبر عن جزالة ومكانة لغتنا الأم؛ حفاظاً على التراث العربي الأصيل من الضياع.
تعليق