استدلال وبرهان جديد للسيد محمد باقر الصدر على أحقية إمامة الجواد (ع) وهو صغير .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
أسعد الله أيامنا و أيامكم بذكرى ولادة الامام التاسع محمد الجواد (ع) .
تولى الامام الجواد (ع) زمام الامامة وأعبائها وهو صبي صغير لا يتجاوز عمره سبع سنوات ، ولا مانع من ذلك بعد ان كان جائزا وممكنا وواقعا في منصب النبوة ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة وآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً ) - 1 -
وقوله تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) - 2 - والجميع يعلم ان المتحدث في الاية الشريفة هو نبي الله عيسى ابن مريم (ع) وهو لا زال طفل صغير في القماط .
الا انه هناك طريقة اخرى للاستدلال على احقية إمامة الامام محمد الجواد (ع) وهوصغير وهو الدليل العقلي الذي يطلق عليه بـ ( برهان حساب الاحتمالات ) وهو كالتالي :
من كتاب بحث حول الولاية ، الطبعة الخامسة ، لسنة (1422 هـ ) دار التعارف للمطبوعات . قال الشهيد رحمة الله تعالى عليه في ص 79 تحت عنوان ( الامامة المبكرة ) :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
و افضل الصلوات على افضل النبيين و آله الطيبين الطاهرين ، ..... الامام الجواد الذي قدّر الله سبحانه و تعالى ان يكون نفس وجود هذا الامام على خط حياة اهل البيت دليلا وبرهانا على صحة العقيدة التي نؤمن بها نحن بالنسبة الى اهل البيت عليهم الصلاة و السلام ، لأن الظاهرة التي وجدت مع هذا الامام و هي ظاهرة تولّي الشخص للامامة و هو بعد في سنّ الطفولة على أساس أن التاريخ يتفق و يجمع على ان الامام الجواد توفّي ابوه و عمره لا يزيد عن سبع سنين و معنى هذا انه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحيا و دينيا و علميا و فكريا و هو لا يزيد عن سبع سنين.
هذه الظاهرة التي ظهرت لأول مرة في حياة الائمة في الامام الجواد عليه الصلاة و السلام ، لو درسناها بحساب الاحتمالات لوجدنا انها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثّله الامام الجواد عليه الصلاة و السلام ، إذ كيف يمكن أن نفترض فرضا آخر غير فرض الامامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين و يتولّى زعامة هذه الطائفة في كل المجالات الروحية و الفكرية و الفقهية و الدينية ؟
في هذا الموضوع لا مجال لافتراض ان الطائفة لم يتكشّف لديها بوضوح هذا الصبي ، لأن زعامة الامام في أهل البيت لم تكن زعامة محوطة بالشرطة ، والجيش ، و ابهّة الملك ، و السلطان الذي يحجب بين الزعيم و رعيته ، و لم تكن زعامة دعوة سرّية من قبيل الدعوات الصوفية او الفاطمية التي تحجب بين رأس الدعوة و بين قواعد هذه الدعوة لكي يفترض أن هذا الرأس كان محجوبا عن رعيته مع ايمان الرعية به .
إمام اهل البيت كان مكشوفا امام الطائفة ، وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية ، و في قضاياها الروحية و الاخلاقية ، و الامام الجواد عليه الصلاة و السلام نفسه اصرّ على المأمون حينما استقدمه الى بغداد في ان يسمح له بالرجوع الى المدينة ، و سمح له بالرجوع الى المدينة ، و رجع الى المدينة ، وقضي بقية عمره أو اكثر عمره في المدينة .
اذن فقد قضى الامام الجواد عليه الصلاة و السلام اكثر عمره ، او كل عمره و هو على المسرح ، و هو مكشوف أمام المسلمين ، أمام مختلف طبقات المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته و امامته ، فافتراض انه لم يكن الامام الجواد مكشوفا أمام المسلمين و أمام طائفته بالخصوص خلاف طبيعة العلاقة التي أنشئت منذ البداية بين أئمة اهل البيت و قواعدهم الشعبية في المسلمين ، خصوصا اذا اضفنا الى ذلك ان الامام الجواد قد سلّطت عليه اضواء خاصة من قبل الخليفة المأمون في القصة التي تعرفونها .
*** يبقي افتراض آخر و هو افتراض أن المستوى العلمي و الفكري للطائفة وقتئذ كان يعبر عليه هذا الموضوع ، كان بالامكان على المستوي الفكري و العقلي و الروحي للطائفة أن تصدّق هذه الطائفة بإمامة طفل و هو ليس بامام ، هذا أيضا ممّا يكذّبه الواقع التاريخي لهذه الطائفة و ما وصلت إليه من مستوى علميّ و فقهي ، فإن هذه الطائفة قد خلّفها الامام الباقر و الامام الصادق و فيها أكبر مدرسة للفكر الاسلامي في العالم الاسلامي على الاطلاق ، المدرسة التي كانت تتكون من الجيلين المتعاقبين جيل تلامذة الامام الصادق و الكاظم (عليهما السلام) و جيل تلامذة تلامذة الامام الصادق و الكاظم ، هذا الجيلان كانا على رأس هذه الطائفة في ميادين الفقه و التفسير و الكلام و الحديث و الاخلاق ، وكل جوانب المعرفة الاسلامية.
إذن فليس من الممكن ان نفترض ان المستوى الفكري و العلمي لهذه الطائفة كان يعبُر عليه مثل هذا ، لا يمكن أن يعبر على طائفة فيها هذه المدرسة التي كانت هي قبلة الفكر الاسلامي في كال ميادين المعرفة ان يعبرعليها مثل هذا التصور و تتصور ان شخصا طفلا هو امام و هو ليس بامام . ان امكن لشخص ان يتصور ان رجلا عالما كبيرا محيطا مطلعا بلغ الخمسين او الستين يستطيع أن يقنع مجموعة من الناس بإمامته و هو ليس بإمام . لأنه يتصف بدرجة كبيرة من العلم و المعرفة و الذكاء و الاطلاع ، فليس بالامكان أن نفترض ذلك في شخص لم يبلغ العاشرة من عمره ، و كيف يستطيع ان يقنع بإمامته كذبا طائفة و هو مكشوف امامها ؟ و هذه الطائفة تشتمل على مدرسة فكرية من أضخم المدارس الفكرية التي وجدت في العالم الاسلامي يومئذ ، مدرسة كان يوجد بعض قطّاعاتها في الكوفة و بعض قطّاعاتها في قم و بعض قطاعاتها في المدينة ، هذه المدرسة التي كانت موزّعة في حواضر العالم الاسلامي ، و التي كانت كلها على صلة مباشرة بالامام الجواد تستفتيه و تسأله ، و تنقل إليه الاموال من مختلف الاطراف من شيعته ، مثل هذه المدرسة لا يمكن أن نتصوّر فيها أن تعقل عن حقيقة طفل لا يكون اماما.
*** يبقي افتراض آخر وهو أنّ الطائفة لم يكن عندها مفهوم الامام و الامامة ، كانت تتصور ان الامامة مجرد تسلسل نسبي و وراثي و لم تكن تعرف ما هو الامام ، و ما هي قيمة الامام ، و ما هي شروط الامام !!
هذا الافتراض ايضا يكذّبه واقع التراث المتواتر المستفيض من أمير المؤمنين الى الامام الرضا عليه الصلاة و السلام عن شروط الامام و محصول الامام و علامات الامام .
التشيع قام بصورة أساسية على المفهوم الالهي المعمّق للامامة ، هذا هو أوضح و أبدهها ، و أوّل مفهوم من مفاهيم التشيع ، و هو أن الامام انسان فذّ فريد في معارفه و اخلاقه و قوله و عمله ، هذا هو المفهوم الاساسي للتشيع الذي بشرت به الاف النصوص من عهد امير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الى عهد الامام الرضا عليه الصلاة و السلام ، كل الخصوصيات و كل التفاصيل اصبحت بالتدريج واضحة في ارتكاز الطائفة و ذهنيتها حتى بعض التفاصيل الثانوية .
يقول الراوي - 3 - في مناسبة قصة الامام الجواد عليه الصلاة والسلام : دخلت المدينة بعد وفاة الرضا اسأل عن الخليفة بعد الامام الرضا ، فقيل ان الخليفة في قرية قريبة من المدينة فخرجت الى تلك القرية و دخلت داخل القرية ـ و كأنّ هذه القرية كان فيها بيت للامام موسى بن جعفر انتقل بالوراثة الى اولاده و احفاده ـ يقول فرأيت البيت غاصا بالناس و رأيت أحد إخوة الامام الرضا كان جالسا يتصدر المجلس ، إلّا أن الناس يقولون فيما بينهم : إن هذا ليس هو الامام بعد الرضا ، لاننا سمعنا من الائمة أن الامامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين .
كل التفاصيل و كل الخصوصيات النسبية و المعنوية كانت واضحة و محددة عندهم ، إذن فهذا الافتراض ايضا يكذبه واقع التراث المتواتر الثابت عن الائمة السابقين عليهم الصلاة و السلام.
*** ويبقي افتراض اخير و هو افتراض ان يكون هذا تبانيا على الزور والباطل من قبل هذه الطائفة ، و هذا ايضا مما يكذّبه ايماننا الشخصي فقط بورع هذه الطائفة و قدسيتها ، و إنما يكذّبه اضافة الى ايماننا الشخصي بذلك ، الظرف الموضوعي لهذه الطائفة ، لم يكن التشيّع في يوم من الايام في حياة هذه الطائفة طريقا الى الامجاد ، الى المال ، الى الجاه ، الى السلطان ، الى المقامات العالية . التشيع طيلة هذه المدة كان طريقا الى التعذيب ، الى السجون ، الى الحرمان ، الى الويل ، الى الدمار ، كان طريقا الى أي يعيش الانسان حياة الخوف و الذلّ و التقية في كل حركاته و سكناته ، لم يكن التشيع في يوم من الايام طريقا إلى مال أو جاه أو ثراء حتى يكون هذا التباني من قبل هذه الطائفة على ذلك في سبيل مطمع ، لماذا يتبانى عقلاء هذه الطائفة و وجهاؤها و علماؤها على امامة باطلة ؟ مع أن تبانيهم على هذه الإمامة الباطلة يكلّفهم كثيرا من ألوان الحرمان ، و لو أن هؤلاء الوجهاء و العلماء و الأعلام تركوا هذه الطريقة ، و اتبعوا الطريق الرسمي المكشوف وقتئذ المتبع من قبل سائر المسلمين لكانوا في طليعة سائر المسلمين ، فالظروف الموضوعية للطائفة كانت بنفسها تشهد على أن هذا التباني على إمامة يكلّفهم الاعتقاد بها ألوان العذاب و ألوان الحرمان لا يمكن أن يكون ناشئا إلّا عن اعتقاد حقّ بهذه الامامة.
إذن فكل هذه الافتراضات الأخرى لا يمكن أن تكون مقبولة عند أيّ انسان يطّلع على تاريخ الطائفة ، و تاريخ الإسلام وقتئذ ، و على الظروف الموضوعية التي تكتنف امامة الجواد (ع) ، ولا يبقي إلّا الفرض الوحيد المطابق للواقع ، و هو أن يكون الامام الجواد اماما حقا . نحن اليوم نجتمع بمناسبة هذا الامام عليه الصلاة و السلام . فأردت أن أذكر هذا بمناسبة كون اليوم يوم الامام الجواد عليه الصلاة و السلام . انتهى .
***********************************
الهوامش :
1 - سورة مريم ، الاية 12 .
2 - سورة مريم ، الاية 30 .
3 - مناقب آل ابي طالب (ع) ، ج 3 ، ص 489 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
أسعد الله أيامنا و أيامكم بذكرى ولادة الامام التاسع محمد الجواد (ع) .
تولى الامام الجواد (ع) زمام الامامة وأعبائها وهو صبي صغير لا يتجاوز عمره سبع سنوات ، ولا مانع من ذلك بعد ان كان جائزا وممكنا وواقعا في منصب النبوة ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة وآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً ) - 1 -
وقوله تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) - 2 - والجميع يعلم ان المتحدث في الاية الشريفة هو نبي الله عيسى ابن مريم (ع) وهو لا زال طفل صغير في القماط .
الا انه هناك طريقة اخرى للاستدلال على احقية إمامة الامام محمد الجواد (ع) وهوصغير وهو الدليل العقلي الذي يطلق عليه بـ ( برهان حساب الاحتمالات ) وهو كالتالي :
من كتاب بحث حول الولاية ، الطبعة الخامسة ، لسنة (1422 هـ ) دار التعارف للمطبوعات . قال الشهيد رحمة الله تعالى عليه في ص 79 تحت عنوان ( الامامة المبكرة ) :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
و افضل الصلوات على افضل النبيين و آله الطيبين الطاهرين ، ..... الامام الجواد الذي قدّر الله سبحانه و تعالى ان يكون نفس وجود هذا الامام على خط حياة اهل البيت دليلا وبرهانا على صحة العقيدة التي نؤمن بها نحن بالنسبة الى اهل البيت عليهم الصلاة و السلام ، لأن الظاهرة التي وجدت مع هذا الامام و هي ظاهرة تولّي الشخص للامامة و هو بعد في سنّ الطفولة على أساس أن التاريخ يتفق و يجمع على ان الامام الجواد توفّي ابوه و عمره لا يزيد عن سبع سنين و معنى هذا انه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحيا و دينيا و علميا و فكريا و هو لا يزيد عن سبع سنين.
هذه الظاهرة التي ظهرت لأول مرة في حياة الائمة في الامام الجواد عليه الصلاة و السلام ، لو درسناها بحساب الاحتمالات لوجدنا انها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثّله الامام الجواد عليه الصلاة و السلام ، إذ كيف يمكن أن نفترض فرضا آخر غير فرض الامامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين و يتولّى زعامة هذه الطائفة في كل المجالات الروحية و الفكرية و الفقهية و الدينية ؟
في هذا الموضوع لا مجال لافتراض ان الطائفة لم يتكشّف لديها بوضوح هذا الصبي ، لأن زعامة الامام في أهل البيت لم تكن زعامة محوطة بالشرطة ، والجيش ، و ابهّة الملك ، و السلطان الذي يحجب بين الزعيم و رعيته ، و لم تكن زعامة دعوة سرّية من قبيل الدعوات الصوفية او الفاطمية التي تحجب بين رأس الدعوة و بين قواعد هذه الدعوة لكي يفترض أن هذا الرأس كان محجوبا عن رعيته مع ايمان الرعية به .
إمام اهل البيت كان مكشوفا امام الطائفة ، وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية ، و في قضاياها الروحية و الاخلاقية ، و الامام الجواد عليه الصلاة و السلام نفسه اصرّ على المأمون حينما استقدمه الى بغداد في ان يسمح له بالرجوع الى المدينة ، و سمح له بالرجوع الى المدينة ، و رجع الى المدينة ، وقضي بقية عمره أو اكثر عمره في المدينة .
اذن فقد قضى الامام الجواد عليه الصلاة و السلام اكثر عمره ، او كل عمره و هو على المسرح ، و هو مكشوف أمام المسلمين ، أمام مختلف طبقات المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته و امامته ، فافتراض انه لم يكن الامام الجواد مكشوفا أمام المسلمين و أمام طائفته بالخصوص خلاف طبيعة العلاقة التي أنشئت منذ البداية بين أئمة اهل البيت و قواعدهم الشعبية في المسلمين ، خصوصا اذا اضفنا الى ذلك ان الامام الجواد قد سلّطت عليه اضواء خاصة من قبل الخليفة المأمون في القصة التي تعرفونها .
*** يبقي افتراض آخر و هو افتراض أن المستوى العلمي و الفكري للطائفة وقتئذ كان يعبر عليه هذا الموضوع ، كان بالامكان على المستوي الفكري و العقلي و الروحي للطائفة أن تصدّق هذه الطائفة بإمامة طفل و هو ليس بامام ، هذا أيضا ممّا يكذّبه الواقع التاريخي لهذه الطائفة و ما وصلت إليه من مستوى علميّ و فقهي ، فإن هذه الطائفة قد خلّفها الامام الباقر و الامام الصادق و فيها أكبر مدرسة للفكر الاسلامي في العالم الاسلامي على الاطلاق ، المدرسة التي كانت تتكون من الجيلين المتعاقبين جيل تلامذة الامام الصادق و الكاظم (عليهما السلام) و جيل تلامذة تلامذة الامام الصادق و الكاظم ، هذا الجيلان كانا على رأس هذه الطائفة في ميادين الفقه و التفسير و الكلام و الحديث و الاخلاق ، وكل جوانب المعرفة الاسلامية.
إذن فليس من الممكن ان نفترض ان المستوى الفكري و العلمي لهذه الطائفة كان يعبُر عليه مثل هذا ، لا يمكن أن يعبر على طائفة فيها هذه المدرسة التي كانت هي قبلة الفكر الاسلامي في كال ميادين المعرفة ان يعبرعليها مثل هذا التصور و تتصور ان شخصا طفلا هو امام و هو ليس بامام . ان امكن لشخص ان يتصور ان رجلا عالما كبيرا محيطا مطلعا بلغ الخمسين او الستين يستطيع أن يقنع مجموعة من الناس بإمامته و هو ليس بإمام . لأنه يتصف بدرجة كبيرة من العلم و المعرفة و الذكاء و الاطلاع ، فليس بالامكان أن نفترض ذلك في شخص لم يبلغ العاشرة من عمره ، و كيف يستطيع ان يقنع بإمامته كذبا طائفة و هو مكشوف امامها ؟ و هذه الطائفة تشتمل على مدرسة فكرية من أضخم المدارس الفكرية التي وجدت في العالم الاسلامي يومئذ ، مدرسة كان يوجد بعض قطّاعاتها في الكوفة و بعض قطّاعاتها في قم و بعض قطاعاتها في المدينة ، هذه المدرسة التي كانت موزّعة في حواضر العالم الاسلامي ، و التي كانت كلها على صلة مباشرة بالامام الجواد تستفتيه و تسأله ، و تنقل إليه الاموال من مختلف الاطراف من شيعته ، مثل هذه المدرسة لا يمكن أن نتصوّر فيها أن تعقل عن حقيقة طفل لا يكون اماما.
*** يبقي افتراض آخر وهو أنّ الطائفة لم يكن عندها مفهوم الامام و الامامة ، كانت تتصور ان الامامة مجرد تسلسل نسبي و وراثي و لم تكن تعرف ما هو الامام ، و ما هي قيمة الامام ، و ما هي شروط الامام !!
هذا الافتراض ايضا يكذّبه واقع التراث المتواتر المستفيض من أمير المؤمنين الى الامام الرضا عليه الصلاة و السلام عن شروط الامام و محصول الامام و علامات الامام .
التشيع قام بصورة أساسية على المفهوم الالهي المعمّق للامامة ، هذا هو أوضح و أبدهها ، و أوّل مفهوم من مفاهيم التشيع ، و هو أن الامام انسان فذّ فريد في معارفه و اخلاقه و قوله و عمله ، هذا هو المفهوم الاساسي للتشيع الذي بشرت به الاف النصوص من عهد امير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الى عهد الامام الرضا عليه الصلاة و السلام ، كل الخصوصيات و كل التفاصيل اصبحت بالتدريج واضحة في ارتكاز الطائفة و ذهنيتها حتى بعض التفاصيل الثانوية .
يقول الراوي - 3 - في مناسبة قصة الامام الجواد عليه الصلاة والسلام : دخلت المدينة بعد وفاة الرضا اسأل عن الخليفة بعد الامام الرضا ، فقيل ان الخليفة في قرية قريبة من المدينة فخرجت الى تلك القرية و دخلت داخل القرية ـ و كأنّ هذه القرية كان فيها بيت للامام موسى بن جعفر انتقل بالوراثة الى اولاده و احفاده ـ يقول فرأيت البيت غاصا بالناس و رأيت أحد إخوة الامام الرضا كان جالسا يتصدر المجلس ، إلّا أن الناس يقولون فيما بينهم : إن هذا ليس هو الامام بعد الرضا ، لاننا سمعنا من الائمة أن الامامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين .
كل التفاصيل و كل الخصوصيات النسبية و المعنوية كانت واضحة و محددة عندهم ، إذن فهذا الافتراض ايضا يكذبه واقع التراث المتواتر الثابت عن الائمة السابقين عليهم الصلاة و السلام.
*** ويبقي افتراض اخير و هو افتراض ان يكون هذا تبانيا على الزور والباطل من قبل هذه الطائفة ، و هذا ايضا مما يكذّبه ايماننا الشخصي فقط بورع هذه الطائفة و قدسيتها ، و إنما يكذّبه اضافة الى ايماننا الشخصي بذلك ، الظرف الموضوعي لهذه الطائفة ، لم يكن التشيّع في يوم من الايام في حياة هذه الطائفة طريقا الى الامجاد ، الى المال ، الى الجاه ، الى السلطان ، الى المقامات العالية . التشيع طيلة هذه المدة كان طريقا الى التعذيب ، الى السجون ، الى الحرمان ، الى الويل ، الى الدمار ، كان طريقا الى أي يعيش الانسان حياة الخوف و الذلّ و التقية في كل حركاته و سكناته ، لم يكن التشيع في يوم من الايام طريقا إلى مال أو جاه أو ثراء حتى يكون هذا التباني من قبل هذه الطائفة على ذلك في سبيل مطمع ، لماذا يتبانى عقلاء هذه الطائفة و وجهاؤها و علماؤها على امامة باطلة ؟ مع أن تبانيهم على هذه الإمامة الباطلة يكلّفهم كثيرا من ألوان الحرمان ، و لو أن هؤلاء الوجهاء و العلماء و الأعلام تركوا هذه الطريقة ، و اتبعوا الطريق الرسمي المكشوف وقتئذ المتبع من قبل سائر المسلمين لكانوا في طليعة سائر المسلمين ، فالظروف الموضوعية للطائفة كانت بنفسها تشهد على أن هذا التباني على إمامة يكلّفهم الاعتقاد بها ألوان العذاب و ألوان الحرمان لا يمكن أن يكون ناشئا إلّا عن اعتقاد حقّ بهذه الامامة.
إذن فكل هذه الافتراضات الأخرى لا يمكن أن تكون مقبولة عند أيّ انسان يطّلع على تاريخ الطائفة ، و تاريخ الإسلام وقتئذ ، و على الظروف الموضوعية التي تكتنف امامة الجواد (ع) ، ولا يبقي إلّا الفرض الوحيد المطابق للواقع ، و هو أن يكون الامام الجواد اماما حقا . نحن اليوم نجتمع بمناسبة هذا الامام عليه الصلاة و السلام . فأردت أن أذكر هذا بمناسبة كون اليوم يوم الامام الجواد عليه الصلاة و السلام . انتهى .
***********************************
الهوامش :
1 - سورة مريم ، الاية 12 .
2 - سورة مريم ، الاية 30 .
3 - مناقب آل ابي طالب (ع) ، ج 3 ، ص 489 .
تعليق