ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)
تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة والعمر. إنها دورة الأشهر الثلاثة رجب وشعبان وشهر رمضان.
ويكشف التأمل في منظومة برامج أعمال كل من شهري رجب وشعبان عن تمهيد رجب لشعبان وتمهيد الشهرين لشهر رمضان لتظهر الشخصية الواحدة لهذه الأشهر من خلال خصائص الدورة الثقافية الواحدة التي تمتد من بداية أول ليلة من رجب إلى ما بعد توزيع الجوائز في يوم العيد.
وقد ورد التعبير بالجوائز في الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون: أن اغدوا إلى جوائزكم».
الأشهر الثلاثة والشخصية الواحدة:
ورد الحديث عن الشخصية الواحدة للأشهر الثلاثة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في الحديث الشريف الآتي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن من عرف حرمة رجب وشعبان، ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الأعظم شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها، وينادي مناد: يا رجب يا شعبان ويا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم وكيف كانت طاعته لله عز وجل؟ فيقوم رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك واستمدادا لمواد فضلك، ولقد تعرض بجهده لرضاك، وطلب بطاقته محبتك. فقال للملائكة الموكلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد؟ فيقولون يا ربنا صدق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلا متقلبا في طاعتك، مجتهدا في طلب رضاك، صائرا فيه إلى البر والاحسان، ولقد كان يوصله إلى هذه الشهور فرحا مبتهجا. أمل فيها رحمتك، ورجا فيها عفوك، ومغفرتك وكان مما منعته فيها ممتنعا وإلى ما ندبته إليه فيها مسرعا لقد صام ببطنه وفرجه و سمعه وبصره، وساير جوارحه ولقد ظمأ في نهارها ونصب في ليلها، وكثرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين، وعظمت أياديه وإحسانه إلى عبادك، صحبها أكرم صحبة، وودعها أحسن توديع أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك، ولم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك، فنعم العبد هذا. فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنة فتلقاه ملائكة الله بالحباء و الكرامات، ويحملونه على نجب النور، وخيول النواق، ويصير إلى نعيم لا ينفد، ودار لا تبيد، لا يخرج سكانها، ولا يهرم شبانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها، ولا يبلى جديدها، ولا يتحول إلى الغموم سرورها لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، قد أمنوا العذاب، وكفوا سوء الحساب وكرم منقلبهم ومثواهم»[1].
محور العمر كله:
يؤكد هذا الحديث الشريف ست حقائق:
1- شهادة هذه الأشهر لمن عمل فيها بطاعة الله تعالى.
2- شهادة خاصة من الملائكة لمن انتظر هذه الشهور وأحسن صحبتها.
3- الخطوط العامة للعمل في هذه الدورة – المسابقة.
4- المحافظة على روح هذه الدورة ومواد العمل فيها، بعد انقضاء أشهرها. (ولم عند إدبارها ستور حرماتك).
5- النعيم الخاص وكفاية سوء الحساب، ويعني الأخير عدم المداقة في الحساب وهو في بابه فوز عظيم.
والحديث حول دوام روح هذه الأشهر وعدم هتك سترها عند إدبارها، حديث عن محورية هذه الدورة الثقافية العبادية في البناء الثقافي العقيدي والعبادي للسنة كلها. ثم إن تكرارها السنوي يجعلها محور العمر كله.
ومن الأهمية بمكان أن يلحظ في هذا السياق بالتحديد العلاقة بين ليلة قدر هذه الدورة التربوية الإلهية وبين ليلة الجمعة. ليلة الجمعة ليلة قدر الأسبوع كما هي ليلة القدر التي تقع في نهايات دورة الأشهر الثلاثة، ليلة قدر السنة.
حرمة رجب وليلته الأولى:
ولابد من التنبه أيضاً في خصائص الأشهر الثلاثة أنها تبدأ بأحد الأشهر الحرم وهو شهر رجب.
في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) عام حجة الوداع.. إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً: منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية رجب مضر الذي بين جمادي وشعبان[2].
شاء الله تعالى أن يكون الشهر الأول من أشهر دورة السنة التأهيلية شهراً حراماً وأن تختم بالشهر الذي لا يضاهي فضله شهر، وهو شهر رمضان. وما بينهما شهر خاص – وبامتياز- برسول الله: «ألا إن شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري»[3].
كما شاء سبحانه أن تكون الليلة الأولى من هذا الموسم السنوي ودورته الإلهية التأهيلية، من الليالي التي يستحب إحياؤها بالعبادة.
عن الإمام الرضا عن أبيه الإمام الكاظم عن أبيه الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر (عليه السلام): «أن علياً عليه السلام كان يعجبه أن يفرغ الرجل نفسه في أربع ليال من السنة: ليلة الفطر، وليلة النحر (الأضحى) وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رجب»[4].
فرادة البرامج:
لدى التأمل في برامج الأشهر الثلاثة المتنوعة والشاملة، تتجلى فرادة المنهج الإسلامي المعتمد في بناء الشخصية المؤمنة. إن الواجبات التي حدد لها وقت معين، ووفرة الأعمال المستحبة الموزعة على الأشهر الإثني عشر، والتي تشكل أعمال الأشهر الثلاثة منها القلب والجوهر، سواء أكانت هذه الأعمال ذكراً أم دعاءً أم صلاة أم صياماً، أم زيارة عن قرب أو بعد – ينبغي أن ينظر إليها جميعاً، الواجبات والمستحبات – باعتبارها تظهيراً فريداً لمفاهيم الثقافة الإسلامية التي عقد المسلم القلب عليها حين اعتقد بالأصول بالدليل والبرهان.
لابد للمنتمي إلى خط فكري أن يتواصل على الدوام مع الفكر الذي انتمى إليه، وليست هذه الأعمال المبثوثة في كل مفاصل الزمن إلا تجسيد رعاية منهج التوحيد للقلب الذي استضاء بنوره، حتى لا يخبو هذا النور لفرط ما يواجه من رياح الظلام والأعاصير.
كما يلتزم القانون اعتماداً على المختص، يجب التعامل مع الثابت من المستحبات والمكروهات اعتماداً على من أظهرهم الله تعالى على الحقائق والأسرار. ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[5].
ولتثبيت حقيقة أن التعامل مع القانون الإلهي ومنه المستحبات والمكروهات، هو من سياق التزام القانون ثقة بالمختص، نجد في روايات المستحبات عموماً وروايات رجب بالخصوص التأكيد مكرراً على أن هذا الثواب الكثير وهذه النتائج المرجوة رهن اليقين. فهل نُقبل على موسم الأشهر الثلاثة ودورتها الأم، بملء اليقين؟
رزقنا لاله تعالى اليقين وأن نقرن القول بالعمل.
* سماحة الشيخ حسين كوراني
[1] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 94 - ص 38
[2] الخصال - الشيخ الصدوق - ص 487.
[3] إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس - ج 3 ص 288.
[4] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 94 ص 39.
[5] سورة الملك / 14.
تعليق