إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذكرى انبلاج النور العلوي في جوف الكعبة المشرفة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكرى انبلاج النور العلوي في جوف الكعبة المشرفة










    بسم الله الرحمن الرحيم
    المشهور إن ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب الأصب بعد ثلاثين سنة من عام الفيل في جوف الكعبة المشرفة، وأبوه أبو طالب ابن عبد المطلب اخو عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وآله من أم واحدة، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكان عليه السلام وأخوته أول من ولدوا من هاشميين.





    في جوف الكعبة المشرفة:
    وقد كثرت الروايات في ولادته عليه السلام، والذي روي بأساليب كثيرة منها: قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزَى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حامل بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة اشهر وكان يوم التمام.
    قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء وقالت: أي ربي إني مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، واني مصدِّقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وانه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة انه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت عليَ ولادتي.
    قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه غابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نساءنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل، وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك وتتحدث المخدرَات في خدورهن.
    ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام ثم قالت: إني فضلت من تقدمني من النساء لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطراراً، وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنياً واني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها ولما أردت أن اخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة سمِّيه علياً فهو علي والله العليّ الأعلى يقول: إني شققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي ووقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق بيتي ويقدسني ويمجَدني ويهلَلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه. البحار،ج35،ص36،بتصرف

    في بيان فضائل أمير المؤمنين عليه السلام:
    لا يخفى على أهل العلم والفحص انّ فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لا تحصى في أي كتاب وباب ولا يقدر عدها أي لسان بل لا تدرك درجاته ملائكة السماوات أيضاً، وقد ورد في الأحاديث الكثيرة انّ أهل البيت عليهم السلام هم كلمات الله ولا يمكن إحصاء فضائلهم كما لا تحصى كلمات الله.
    اعلم انّ الفضائل إما نفسية وإما بدنية، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أكمل وأفضل من جميع البشر في كلا القسمين بوجوه عديدة سوى رسول صلى الله عليه وآله.

    في جهاده عليه السلام:
    كان جهاده عليه السلام وعظيم بلائه في الحروب والغزوات أكثر من جميع المسلمين ولم يصل أحد إلى درجته ومرتبته، فقد قَتَل في غزوة بدر الكبرى ـ وهي أول ما امتحن الله تعالى به المؤمنين من المعارك ـ الوليد وشيبة والعاص وحنظلة وطعمة ونوفل وغيرهم من صناديد العرب وشجعان المشركين وفرسانهم، حتى قتل نصف المشركين في تلك المعركة بيده عليه السلام والنصف الآخر بيد المسلمين والملائكة التي نزلت لنصرتهم.


    في حسن خلقه وانبساطه عليه السلام:
    وهذا المطلب أوضح من الشمس حتى أن أعداءه عابوا عليه كثرة دعابته، وكان عمرو بن العاص يقول إن علياً كان كثير الدعابة والمزاح، وقد اخذ عمرو هذا الكلام من عمر فقد جعلها عمر عيباً على أمير المؤمنين عليه السلام كي لا يسلّم إليه الخلافة.
    قال صعصعة بن صوحان وغيره في وصفه عليه السلام: كان فينا كأحدنا لين جانب، وشدة تواضع، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.
    وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشاً بشاَ ذا فكاهة، قال قيس: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبتسم إلى أصحابه وأراك تسر حسواً في ارتغاء وتعيبه بذلك، أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة، أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى وليس كما يهابك طغام أهل الشام.

    في علمه عليه السلام:
    كان عليه السلام اعلم الناس وأفقههم، وتظهر أعلميته من وجوه:
    الأول: انه كان في غاية الذكاء والفطانة والفراسة وكان دائم الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وآله يقتبس علمه من مشكاة النبوة، وهذا برهان جلي على اعلمتيه بعد النبي صلى الله عليه وآله، مضافاً إلى ان النبي صلى الله عليه وآله علمه ـ حين وفاته ـ ألف باب من العلم ينفتح من كل باب ألف باب، وقد ورد في الأخبار الكثيرة المعتبرة المتواترة من طرق الخاصة والعامة ان النبي صلى الله عليه وآله قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها».
    الثاني: ان الأصحاب كثير ما اتفق عندهم الخلط في الأحكام وعدم الفهم لها وحصل لهم الاشتباه في الفتوى مراراً، فكانوا يرجعون إليه عليه السلام فيعلمهم ويهديهم إلى الصواب.
    ولم يذكر أبداً انه عليه السلام رجع إليهم في مسألة جهلها أو حكم لم يعرفه، بل القضية على العكس تماماً ـ كما قلنا ـ فهذا دليل واضح على اعلميته عليه السلام وقصص خطـأ الصحابة في الفتوى ثم الرجوع إلى علي عليه السلام ـ باب علم مدينة النبي صلى الله عليه وآله ـ لا تخفى على أحد سيما المتتبع الخبير.
    الثالث: ان المستفاد من الحديث الشريف «أقضاكم علي» هو أعلميته لان القضاء يستلزم العلم ولا ينفك عنه.
    الرابع: انتهاء جميع علماء الفنون إليه عليه السلام، قال ابن أبي الحديد:


    «قد عرفت ان أشرف العلوم هو العلم الإلهي،... ومن كلامه عليه السلام اقتبس وعنه نقل، وإليه انتهى ومنه ابتدأ، فان المعتزلة تلامذته وأصحابه لان كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه عليه السلام.
    وأما الأشعرية فأنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة، فالاشعرية يتنهون بآخرةٍ إلى أستاذ المعتزلة ومعلمهم وهو علي بن أبي طالب عليه السلام».

    في كثرة جوده وسخائه عليه السلام:
    وهذا المطلب أشهر من أن يذكر، كان عليه السلام يصوم نهاره ويقوم ليله ويبيت جائعاً ويتصدق بقوته على المساكين، فنزلت سورة هل أتى في حقه ونزلت أيضاً هذه الآية الكريمة في شأنه: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» البقرة: 274.
    كان عليه السلام يعمل ويستأجر نفسه ثم يتصدق بأجرته للمساكين والفقراء ويشد هو الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويكفينا ما شهد به معاوية ـ ألد أعدائه، والفضل ما شهدت به الأعداء ـ قال: لو كان لعلي بيتان بيت من تبر (ذهب) وبيت من تبن لتصدق بتبره قبل تبنه.
    لم يملك عليه السلام من مال الدنيا حين وفاته الا دراهم قلائل، أراد بها شراء جارية تعاون أهله وتساعدها على أمور البيت، وكان يخاطب الدنانير والدراهم ويقول: «يا بيضاء ويا صفراء غرِّي غيري»، وحكاية كنسه لبيت المال بعد إنفاقه كله ثم صلاته فيه مشهورة ومذكورة في كتب الخاصة والعامة.

    في زهده عليه السلام:
    لا يخفى انه عليه السلام أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بل هو قبلة الزهاد وسيدهم، ما شبع من طعام قط وكان مأكوله وملبوسه أخشن من كل أحد، وكان يأكل خبز الشعير اليابس ويمهر الجراب مخافة ان يأتي أحد أولاده فيضع الدهن أو الزيت على الخبز وقل ما أضاف اداماً إلى الخبز ولو أراد اداماً الملح أو الخل.
    وسيأتي في باب استشهاده عليه السلام انه كان ليلة التاسع عشر في بيت أم كلثوم للإفطار فجاءت بطبق الطعام وفيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلما نظر إليه بكى بكاءاً عالياً شديداً وقال:
    يا بنية أتقدمين لأبيك ادامين في فرد طبق واحد؟ أنا أريد أن اتبع أخي وابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله ما قُدم إليه ادامان في طبق واحد إلى ان قبضه الله تعالى.
    يا بنية والله لا آكل شيئاً حتى ترفعي أحد الادامين فرفعتُ اللبن، فتناول عليه السلام قليلاً من الطعام ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قام يصلي.
    وقال عليه السلام في الكتاب الذي كتبه إلى عثمان بن حنيف:
    ألا وان أمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه، وقال: ... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات ان يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً حولي بطون غرثى وأكباد حرى.
    أأقنع من نفسي بان يقال: هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوية العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها... .
    فالمتتبع لخطبه وكلماته عليه السلام سيعلم علم اليقين كثرة زهده وعدم اعتنائه لزخارف الدنيا.
    روى الشيخ المفيد انه: لما توجه أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة نزل الربذة فلقيه بها آخر الحاج، فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو في خبائه قال ابن عباس: فأتيته فوجدته يخصف نعلاً فقلت له: نحن إلى ان تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع، فلم يكلمني حتى فرغ من نعله ثم ضمها إلى صاحبتها وقال لي: قومهما.
    فقلت: ليس لهما قيمة، قال: على ذاك، قلت كسر درهم، قال: والله لهما أحب إلي من أمركم هذا الا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.
    ومن كلماته لابن عباس والجدير بها أن تكتب بالذهب هي قوله: أما بعد فان المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته وبسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً، وليكن همك فيما بعد الموت.
    وبالجملة، مطالعة هذه المواعظ تكفينا للزهد في الدنيا وهي خير معين عليه.

    في عبادته عليه السلام:
    كان عليه السلام أعبد الناس بل هو سيد العابدين ومصباح المتهجدين، كثير الصلاة دائم الصوم، وقد تعلم الأولياء منه عليه السلام إقامة الليل والتهجد وصلاة الليل والنوافل وقد أوقدوا شمعة اليقين في الدين من مشعلة الوضّاء.
    قد كثرت ثفنات جبينه النوراني من كثرة السجود، وقد بلغ في محافظته على النوافل مبلغاً لم يكن يتركها أبداً، حتى انه في حرب صفين في ليلة الهرير فرش نطعاً وأخذ يصلي والسهام تتساقط عن يمينه وشماله، لكنه لم يتزلزل ولم يحصل في نفسه شيء منها وبقي يداوم على الصلاة آنذاك حتى أتمها.
    ولما أصابه سهم في رجله وأرادوا إخراجه صبروا حتى انشغل عليه السلام بالصلاة ثم أخرجوه حتى لا يحس بالألم لأنه كان إذا صلى ووقف بين يدي خالقة لم يلتفت إلى غيره أبداً، وقد ثبت إنه عليه السلام كان يصلي في كل ليلة ألف ركعة، ولقد كان يغشى عليه بعض الليالي خوفاً من الله وخشية.
    وكان علي بن الحسين عليه السلام ـ مع كثرة عبادته وصلاته حتى لقب بذي الثفنات وزين العابدين ـ يقول: من يقدر على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام.

    في فصاحته وبلاغته عليه السلام:
    كان عليه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وقد ظهر هذا الأمر حتى ان معاوية قال في حقه: فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره.
    وقد وصف كلامه الفصحاء والبلغاء بأنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، وكتابه نهج البلاغة أقوى حجة على هذا المطلب ولا يدرك أحد مغزى بلاغته ودقائق حكمته الا الله ورسوله.
    ولن يخطر في مخيلة أحد ولن يتمنى الإتيان بمثل خطبة وكلماته عليه السلام، وأما ما قاله بعض أهل السنة بان الخطبة الشقشقية ليست له وهي للسيد الرضي جامع نهج البلاغة، فقد كان ملحوظاً في نظرهم مطلباً دقيقاً في هذه الخطبة، والا فلا يخفى على أهل الأدب والخبرة سخافة قولهم ووهنه.
    وقد قال علماء الأخبار إنهم وجدوا هذه الخطبة الشريفة في كتب علماء السلف قبل ولادة السيد الرضي رحمه الله، وقد ذكرها الشيخ المفيد ـ الذي ولد قبل السيد الرضي بـ(21) سنة ـ في كتابة الإرشاد وقال فيه: وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال: كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام بالرحبة (فذكر هذه الخطبة).
    وقد اتفق فصحاء العرب وبلغاؤهم وعلماء الأدب ومنهم ابن أبي الحديد على عدم كونها للرضي وقالوا: أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب!؟.


    معجزاته الباهرة:
    إعلم ان المعجزة هي إظهار أمر من شخص خارج قدرة البشر مع ادعائه النبوة والإمامة، ويكون خارقاً للعادة، بحيث يعجز الناس عن الإتيان بمثله، لكن لا يجب على ذي المعجزة ان تكون معاجزه ظاهرة دائماً، وكذا لا يجب انه كلما رئي صاحب المعجزة رئيت المعجزة منه، بل يظهر معجزته إذا تحداه أحد أو طلب منه إظهارها.
    أما أمير المؤمنين عليه السلام فقد لازمته الكثير من معاجزه ولم تكن منفكة عنه، وكان يراها الصديق والعدو، ولم يتمكن أحد من إنكارها، وهي أكثر من أن تحصى، منها شجاعته وقوته عليه السلام وقد اتفق على انه كرار غير فرار وغالب غير مغلوب، وهذا الأمر منجلٍ لمن نظر إلى حروبه وغزواته من قبيل بدر، وأحد، وحروب البصرة وصفين وغيرها.
    وقد قتل عليه السلام من الأعداء ليلة الهرير أكثر من خمسمائة نفر وقبل تسعمائة نفر، وكان يكبر في كل ضربة يضربها، ومن المعلوم ان سيفه عليه السلام ينزل على الدروع والخوذ الحديدية فيقدها قدّاً ويقتل صاحبها.
    فهل يقدر أحد على هذا؟ مضافاً إلى ان أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن في صدد إظهار معجزة أو خرق عادة في الغزوات والحروب، بل هذه الشجاعة والقوة كانت ملازمة لوجوده الشريف غير منفكة عنه.
    وقد ذكر ابن شهر آشوب قضايا كثيرة في قوته عليه السلام، كنتره للقماط في طفولته، وقتله الحية بيده وهو في المهد، وأخذه عنقها وإدخال أصابعه فيه حتى ماتت، فسمته أمه حيدرة، وكان منه عليه السلام في ضرب يده في الأسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر وهو باق في الكوفة وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وأثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي صلى الله عليه وآله وأثر رمحه في جبل من جبال البادية وفي صخرة عند قلعة خيبر.
    وحكاية قوته عليه السلام وأخذه قطب الرحى وجعله في عنق خالد بن الوليد، وأخذه أيضاً خالداً بإصبعه السبابة والوسطى وعصره له بهما حتى كاد أن يموت، فصاح صيحة منكرة وأحدث في ثيابه، معلومة لكل أحد.

    كلمات من نور أمير المؤمنين عليه السلام:
    * رب مفتون بحسن القول فيه.
    * الدنيا خلقت لغيرها، ولم تخلق لنفسها.
    * الحلم والأناة توأمان ينتجهما علو الهمة.
    * الغيبة جهد العاجز.
    * ما مزح أمرؤ مزحة إلا مج من عقله مجة.
    * من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته.
    * من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها.
    * إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً في غير طاعة الله، فورثه رجل فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة، ودخل الأول به النار.
    * إن أخسر الناس صفقة وأخيبهم سعياً، رجل أخلق بدنه في طلب ماله، ولم تساعده المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسرته، وقدم على الآخرة بتبعته.






  • #2
    الأخت الفاضلة صدى المهدي . أسعد الله أيامنا وأيامكِ بذكرى ولادة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) . و أحسنتِ وأجدتِ وسلمت أناملكِ على نقل و نشر هذه المقالة عن جانب من سيرته العطرة . جعل الله عملكِ هذا في ميزان حسناتكِ . ودمتِ في رعاية الله تعالى وحفظه .

    تعليق


    • #3
      اللهم صلى على محمد وال محمد
      متباركين
      شكرا لكم كثيرا

      تعليق


      • #4
        الأحاديث الدالة على ثبوت ولادة الإمام علي (عليه السلام) في جوف الكعبة



        ربما يكون إيراد الأحاديث الدالة على ولادة الإمام علي عليه السلام في جوف الكعبة تحصيل حاصل بعد هذه الجولة من الاستدلالات النقلية والعقلية. إلا أنني أحببت أن أورد بعض هذه الأحاديث كي نقطع الطريق على من ظل يماطل في الإذعان لهذه الحقيقة.
        أولاً: ما ورد في كتب أتباع مدرسة الصحابة:
        قبل البدء في إيراد هذه الأقوال كان لزاماً علينا أن نورد أولاً ما ورد عن العترة النبوية عليهم السلام إذ المتقدم عليهم مارق والمتخلف عنهم غارق لكن ابتدأنا بمحدثي مدرسة الصحابة كي نقطع الطريق على المعاندين وليكون ختامه مسك في ذكر روايات أهل البيت عليهم السلام.
        1 . الحاكم النيسابوري (صاحب المستدرك)، فقد رد على مصعب بن عبد الله حينما نسب الولادة في جوف الكعبة إلى فاختة بنت زهير بن أسد حينما كانت حاملاً بولدها حكيم، إذ قال: (وهم مصعب ــ أي توهم ــ فقد تواترت الأخبار: إنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة)[1].
        إذن: الثابت الذي عليه حد التواتر عند المحدثين هو ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة وليس كما يزعم ابن أبي الحديد والحافظ النووي ومسلم النيسابوري وغيرهم بأن ذلك من قول الشيعة.
        2 . قال الزرندي الشافعي (المتوفى عام 750 هـ): (وولد كرم الله وجهه في جوف الكعبة، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة على المشهور)[2].
        3 . قال ابن الصباغ المالكي نقلاً عن أبي المعالي الفقيه المالكي وقد روى خبراً يرفعه إلى علي بن الحسين ــ عليهما السلام ــ أنه قال: (كنا عند علي بن الحسين ــ عليه السلام ــ في بعض الأيام وإذا بنسوة مجتمعين فأقبلت امرأة منهن علينا فقلت لها: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا زيدة ابنة العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: هل عندكِ من شيء تحدثينا به؟ قالت: أي والله حدثتني أم عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالك بن عجلان الساعدي أنها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلت له ما شأنك؟ قال: إن فاطمة بنت أسد في شدة من الطلق. ثم أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة فدخل بها، وقال: اجلسي على اسم الله، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاماً نظيفاً منظفاً لم أر أحسن وجهاً منه، فسماه أبو طالب علياً وقال شعراً:
        سميته بعلي كي يدوم له *** عز العلو وفخر العز أدومه
        وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمله معه إلى منزل أمه، قال علي بن الحسين: فوالله ما سمعت بشيء حسن قط، إلا وهذا من أحسنه»)[3].
        4 . روى الحافظ الكنجي الشافعي في كفايته قائلاً: عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: «لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبيه المسيح عليه السلام إن الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة. فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم. فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال: يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهماماً. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل، فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:
        يا رب هذا الغسق الدجيّ *** والقمر المنبلج المضيّ
        بَيّن لنا من أمرك الخفي *** ماذا ترى في اسم ذا الصبي؟
        قال: فسمع صوت هاتف يقول:
        يا أهل بيت المصطفى النبي *** خصصتمُ بالولد الزكي
        إن اسمه من شامخ العلي *** علي اشتق من العلي
        أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص 260 وقال: تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وهو شيخ الشافعي، وتفرد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا)[4].
        ثانياً: ما ورد في كتب أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام):
        أما ما روي عن علماء الشيعة ومحدثيهم فهو كالآتي: وسنورد قصار الأقوال ونختم بالأحاديث الطويلة إتماماً للفائدة.
        1ــ قال الشريف الرضي (المتوفى سنة 406): (ولا نعلم مولود ولد في الكعبة غيره)[5].
        2ــ قال ابن شهر آشوب المازندراني (المتوفى سنة 588هـ): (ولد في الكعبة، وربى في دار خديجة)[6].
        3ــ قال الفتال النيسابوري (المتوفى سنة 508هـ): (إن علي بن أبي طالب ولد في الكعبة، وفي ذلك يقول السيد الحميري:
        ولدته في حرم الإله أمه *** والبيت حيث فناؤه والمسجد
        بيضاء طاهرة الثياب كريمة *** طابت وطاب وليدها والمولد
        في ليلة غابت نحوس نجومها *** وبدت مع القمر المنير الأسعد
        ما لف في خرق القوابل مثله *** إلا ابن آمنة النبي محمد[7]
        4ــ قال السيد ابن طاووس[8] (المتوفى سنة 664هـ)، والشهيد الأول[9] (المتوفى سنة 786هـ)، ومحمد بن المشهدي[10] (المتوفى سنة 610هـ)، في زيارته عليه السلام: (السلام عليك يا من ولد في الكعبة).
        5ــ روى المجلسي المتوفى سنة (1111هـ): «عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم: علة فضيلة أمير المؤمنين لم تكن لأحد قبله ولا بعده، (أنه ولد في الكعبة)»[11].
        6ــ روى ابن أبي الفتح الأربلي (المتوفى سنة 693هـ) عن كتاب بشاير المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مرفوع إلى يزيد بن قعنب قال: (كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق فقالت: يا رب إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدّقة بكلام جدي إبراهيم الخليل عليه السلام، وإنه بنى البيت العتيق فبحق الذي بنى هذا البيت والمولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله، فرحنا أن ينفتح لنا قفل الباب! فلم ينفتح فعلما أنّ ذلك من أمر الله تعالى، ثم خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
        ثم قالت: إني فضلت على من تقدمني من النساء لأن آسيا بنت مزاحم عبدت الله سراً في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطراراً، وأن مريم بنت عمران حضرت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنياً، وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه علياً، فهو علي، والله العلي الأعلى، يقول: اشتققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي، ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبه وأطاعه وويل لمن أبغضه وعصاه.
        قالت: فولدت علياً ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حباً شديداً وقال لها: «اجعلي مهده بقرب فراشي».
        وكان صلى الله عليه وآله وسلم يلي أكثر تربيته، وكان يطهر علياً في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته، ويقول: «هذا أخي وولي وناصري، وصفي، وذخري، وكهفي، ومهري، ووصيي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي، وخليفتي».
        وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمله دائماً ويطوف به جبال مكة وشجامها وأوديتها وفجاجها صلى الله على الحامل والمحمول)[12].
        7 ــ روى شاذان بن جبرئيل القمي (المتوفى سنة 660هـ) قال: (أخبرنا الشيخ الإمام العالم الورع الناقل ضياء الدين شيخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن يحيى العطار الهمداني في همدان في مسجده في الثاني والعشرين من شعبان سنة ثلاث ثلاثين وستمائة، قال: حدثنا الإمام ركن الدين أحمد بن محمد بن إسماعيل الفارسي، قال: حدثنا عمر بن روق الخطابي، قال: حدثنا الحجاج بن منهال عن الحسن بن عمران عن شاذان بن العلاء، قال: حدثنا عبد العزيز عن عبد الصمد عن سالم عن خالد بن السري عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ميلاد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: «آه آه سألت عجبا يا جابر عن خير مولود ولد بعدي على سنة المسيح، إن الله تعالى خلقه نورا من نوري وخلقني نورا من نوره وكلانا من نور واحد وخلقنا من قبل أن يخلق سماء مبنية والأرض مدحية ولا كان طول ولا عرض ولا ظلمة ولا ضياء ولا بحر ولا هواء بخمسين ألف عام ثم إن الله عز وجل سبح نفسه فسبحناه وقدس ذاته فقدسناه ومجد عظمته فمجدناه فشكر الله تعالى ذلك لنا فخلق من تسبيحي السماء فمسكها والأرض فبطحها والبحار فعمقها وخلق من تسبيح علي الملائكة المقربين فجميع ما سبحت الملائكة لعلي وشيعته.
        يا جابر إن الله تعالى عز وجل نسلنا فقذف بنا في صلب آدم عليه السلام فأما أنا فاستقررت في جانبه الأيمن وأما علي فاستقر في جانبه الأيسر ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في الأصلاب الطاهرة فما نقلني من صلب إلاّ نقل عليا معي فلم نزل كذلك حتى اطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر وهو ظهر عبد المطلب ثم نقلني من ظهر طاهر وهو ظهر عبد الله واستودعني خير رحم وهي آمنة فلما ظهرت ارتجت الملائكة وضجت وقالت: إلهنا وسيدنا ما بال وليك علي لا نراه مع النور الأزهر يعنون بذلك محمداً فقال الله عز وجل: إني أعلم بولي وأشفق عليه منكم.
        فاطلع الله عز وجل عليا من ظهر طاهر من بني هاشم فمن قبل أن يصير في الرحم كان رجل في ذلك الزمان وكان زاهداً عابداً يقال له المثرم بن زغيب الشيقبان وكان من أحد العباد قد عبد الله تعالى مأتين وسبعين سنة لم يسأله حاجة إلا أجابه إن الله عز وجل أسكن في قلبه الحكمة وألهمه بحسن طاعته لربه فسأل الله تعالى أن يريه ولياً له فبعث الله تعالى أبا طالب فلما بصر به المثرم قام إليه وقبَّل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له: من أنت يرحمك الله تعالى، فقام رجل من تهامة قال: أي تهامة؟ فقال: من عبد مناف، ثم قال من هاشم، فوثب العابد وقبَّل رأسه ثانية وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال: ابشر يا هذا فان العلي الأعلى ألهمني إلهاما فيه بشارتك.
        فقال أبو طالب: وما هو؟ قال ولد يولد من ظهرك هو ولي الله عز وجل إمام المتقين ووصي رسول رب العالمين فان أنت أدركت ذلك الولد من ظهرك فاقرأه مني السلام وقل له إن المثرم يقرأ عليك السلام ويقول اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله به تتم النبوة وبعلي تتم الوصية.
        قال فبكى أبو طالب وقال: ما اسم هذا المولود؟ قال: اسمه علي، قال أبو طالب: إني لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان مبين ودلالة واضحة، قال المثرم: ما تريد، قال: أريد أن أعلم ما تقوله حق من رب العالمين ألهمك ذلك، قال: فما تريد أن اسأل لك الله تعالى أن يطعمك في مكانك هذا؟ قال أبو طالب: أريد طعاماً من الجنة في وقتي هذا، قال: فدعا الراهب ربه.
        قال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فما استتم المثرم الدعاء حتى أوتي بطبق عليه فاكهة من الجنة وعذق رطب وعنب ورمان فجاء به المثرم إلى أبي طالب فتناول منه رمانة ثم نهض من ساعته إلى فاطمة بنت أسد رضي الله عنها فلما استودعها النور ارتجت الأرض وتزلزلت بهم سبعة أيام حتى أصاب قريشا من ذلك شدة ففزعوا فقالوا مروا بآلهتكم إلى ذروة جبل أبي قبيس حتى نسألهم يسكنون لنا ما نزل بنا وحل بساحتنا قال: فلما اجتمعوا على جبل أبي قبيس وهو يرتج ارتجاجا ويضطرب اضطرابا فتساقطت الآلهة على وجهها فلما نظروا ذلك قالوا: لا طاقة لنا.
        ثم صعد أبو طالب الجبل وقال: لهم أيها الناس اعلموا أنّ الله تعالى عز وجل قد أحدث في هذه الليلة حادثا وخلق فيها خلقا فإن لم تطيعوه وتقروا له بالطاعة وتشهدوا له بالإمامة المستحقة وإلا لم يسكن ما بكم حتى لا يكون بتهامة سكن، قالوا: يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك فبكى ورفع يديه وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودة والعلوية العالية والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة.
        قال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فوالله الذي خلق الحبة وبرأ النسمة قد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فيدعون بها عند شدائدهم في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها متى ولد علي بن أبي طالب عليه السلام فلما كان في الليلة التي ولد فيها عليه السلام أشرقت الأرض وتضاعفت النجوم فأبصرت من ذلك عجبا فصاح بعضهم في بعض وقالوا: إنه قد حدث في السماء حادث ألا ترون إشراق السماء وضياءها وتضاعف النجوم بها قال: فخرج أبو طالب وهو يتخلل سكك مكة ومواقها وأسواقها وهو يقول لهم: أيها الناس ولد الليلة في الكعبة حجة الله تعالى وولي الله فبقي الناس يسألونه عن علة ما يرون من إشراق السماء فقال لهم: أبشروا فقد ولد في هذه الليلة ولي من أولياء الله عز وجل يختم به جميع الشر ويتجنب الشرك والشبهات ولم يزل يذكر هذه الألفاظ حتى أصبح فدخل الكعبة وهو يقول هذه الأبيات:
        يا رب رب الغسق الدجيّ *** والقمر المنبلج المضيّ
        بين لنا من حكمك المقضي *** ماذا ترى لي في اسم ذا الصبي
        فسمع هاتفا يقول:
        خصصتما بالولد الزكي *** والطاهر المطهر المرضي
        إن اسمه من شامخ علي *** علي اشتق من العلي
        فلما سمع هذا خرج من الكعبة وغاب عن قومه أربعين صباحا. قال جابر فقلت يا رسول الله عليك السلام أين غاب؟ قال: «مضى إلى المثرم ليبشره وان بمولد علي بن أبي طالب عليه السلام في جبل لكام فالله وجده حيا بشره وان وجده ميتا انذره.
        فقال جابر: يا رسول الله فكيف يعرف قبره وكيف ينذره، فقال: يا جابر اكتم ما تسمع فإنه من سرائر الله تعالى المكنونة وعلومه المخزونة إن المثرم كان قد وصف لأبي طالب كهفا في جبل لكام وقال له إنك تجدني هناك حيا أو ميتا، فلما ان مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف ودخله فإذا هو بالمثرم ميتا جسده ملفوف في مدرعتين مسجى بهما وإذا بحيتين إحداهما أشد بياضا من القمر والأخرى أشد سواداً من الليل المظلم وهما يدفعان عنه الأذى فلما أبصرتا أبا طالب غابتا في الكهف فدخل أبو طالب وقال: السلام عليك يا ولي الله ورحمة الله وبركاته فأحيى الله تعالى بقدرته المثرم فقام قائما وهو يمسح وجهه وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وأن عليا ولي الله وهو الإمام من بعده.
        ثم قال له المثرم: بشرني يا أبا طالب فقد كان قلبي متعلقا حتى من الله تعالى علي بك وبقدومك، فقال له أبو طالب: أبشر فإنّ علياً طلع إلى الأرض، قال: فما كان علامة الليلة التي ولد فيها، حدثني بأتم ما رأيت في تلك الليلة، قال أبو طالب: نعم أخبرك بما شاهدته، لما مر من الليل الثلث أخذ فاطمة بنت أسد عليها السلام ما يأخذ النساء عند ولادتها فقرأت عليها الأسماء التي فيها النجاة فسكن بإذن الله تعالى فقلت لها: أنا آتيك بنسوة من أحبائك ليعينوك على أمرك، قالت: الرأي لك فاجتمعن النسوة عندها فإذا بهاتف يهتف من وراء البيت أمسك عنهن يا أبا طالب فان ولي الله لا تمسه إلا يد مطهرة.
        فلم يتم الهاتف كلامه حتى أتى محمد بن عبد الله ابن أخي فطرد تلك النسوة وأخرجهن من البيت وإذا أنا بأربع نسوة قد دخلن عليها وعليهن ثياب من حرير بيض وإذا روايحهن أطيب من المسك الأذفر فقلن السلام عليك يا ولية الله فأجابتهن بذلك فجلسن بين يديها ومعهن جونة من فضة فما كان إلا قليلا حتى ولد أمير المؤمنين عليه السلام فلما إن ولد بينهن فإذا به قد طلع عليه السلام فسجد على الأرض وهو يقول: اشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له واشهد أن محمداً رسول الله تختم به النبوة وتختم بي الوصية.
        فأخذته إحداهن من الأرض ووضعته في حجرها فلما حملته نظر إلى وجهها ونادى بلسان طلق يقول: السلام عليك يا أماه، فقالت: وعليك السلام يا بني، فقال كيف والدي؟ قالت: في نعم الله عز وجل، فلما إن سمعت ذلك لم أتمالك أن قلت يا بني أو لست أنا أباك؟ فقال: بلى ولكن أنا وأنت من صلب آدم فهذه أمي حواء فلما سمعت ذلك غضضت وجهي ورأسي وغطيته بردائي وألقيت نفسي حياء منها عليها السلام ثم دنت أخرى ومعها جونة مملوءة من المسك فأخذت عليا عليه السلام فلما نظر إلى وجهها قال: السلام عليك يا أختي، فقالت وعليك السلام يا أخي، فقال: ما خبر عمي؟ قالت: بخير فهو يقرأ عليك السلام، فقلت: يا بني من هذى ومن عمك؟ فقال: هذه مريم ابنة عمران عليها السلام وعمي عيسى عليه السلام فضمخته بطيب كان معها من الجنة.
        ثم أخذته أخرى فأدرجته في ثوب كان معها، فقال أبو طالب: لو طهرناه كان أخف عليه وذلك أن العرب تطهر مواليدها في يوم ولادتهم، فقلن إنه ولد طاهراً مطهراً لأنه لا يذيقه الله حر الحديد إلا على يدي رجل يبغضه الله تعالى وملائكته والسماوات والأرض والجبال وهو أشقى الأشقياء، فقلت لهن: من هو؟ قلن: هو عبد الله بن ملجم لعنه الله تعالى، وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد صلى الله عليه وآله.
        قال أبو طالب: فأنا كنت استمع قولهن، ثم أخذه محمد بن عبد الله أخي من أيديهن ووضع يده في يده وتكلم معه وسأله عن كل شيء فخاطب محمد صلى الله عليه وآله عليا وخاطب علي محمدا باسرار كانت بينهما.
        ثم غابت النسوة فلم أرهن فقلت في نفسي ليتني كنت أعرف الامرأتين الآخرين وكان علي عليه السلام أعلم بذلك فسألته عنهن، فقال لي: يا أبت أما الأولى فكانت أمي حواء، وأما الثانية التي ضمختني بالطيب فكانت مريم ابنة عمران، وأما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية، وأما صاحبة الجونة فكانت أم موسى عليه السلام.
        ثم قال علي عليه السلام الحق بالمثرم يا أبا طالب وبشره وأخبره بما رأيت فإنك تجده في كهف كذا في موضع كذا وكذا، فلما فرغ من المناظرة مع محمد ابن أخي ومن مناظرته عاد إلى طفوليته الأولى فأنبأتك وأخبرتك ثم شرحت لك القصة بأسرها بما عاينت يا مثرم، قال أبو طالب: فلما سمع المثرم ذلك منى بكى بكاء شديداً في ذلك وفكر ساعة ثم سكن وتمطى ثم غطّى رأسه، وقال: بل غطني بفضل مدرعتي فغطيته بفضل مدرعته فتمدد فإذا هو ميت كما كان فأقمت عنده ثلاثة أيام أكمله فلم يجبني فاستوحشت لذلك فخرجت الحيتان وقالتا الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته وكفالته من غيرك.
        فقلت لهما من أنتما قالتا نحن عمله الصالح خلقنا الله عز وجل على الصورة التي ترى لنذب عند الأذى ليلاً ونهاراً إلى يوم القيامة فإذا قامت الساعة كانت إحدانا قائدته والأخرى سائقته ودليلته إلى الجنة. ثم انصرف أبو طالب إلى مكة.
        قال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله: شرحت لك ما سألتني ووجب عليك له الحفظ فان لعلي عند الله من المنزلة الجليلة والعطايا الجزيلة ما لم يعط أحد من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين وحبه واجب على كل مسلم فإنه قسيم الجنة والنار ولا يجوز أحد على الصراط إلا ببراءة من أعداء علي عليه السلام)[13].
        فهذه هي حقيقة ولادة الإمام علي عليه السلام في جوف الكعبة وبها يتضح معنى اختيار الله تعالى بيته الحرام في أن يكون محلاً لدخول فاطمة بنت أسد لتلد فيه خاتم الأوصياء وأبو الأئمة النجباء الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
        بقلم: السيد نبيل الحسني.
        ــــــــــــ
        [1] المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج3، ص482.[2] معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للزرندي الشافعي: ص57.[3] العقول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج1، ص175؛ كشف الغمة للأربلي: ج1، ص60.[4] الغدير للعلامة الأميني: ج7، ص347، نقلاً عن كفاية الطالب للكنجي: ص260.[5] خصائص الأئمة: ص39.[6] المناقب: ج2، ص45.[7] روضة الواعظين: ص81.[8] إقبال الأعمال: ج3، ص131.[9] المزار: ص91.[10] المزار: ص207.[11] البحار: ج96، ص370.[12] كشف الغمة للأربلي: ج1، ص61ـ62؛ الجواهر السنية للحر العاملي (باختصار): ص230؛ شرح إحقاق الحق للمرعشي: ج5، ص57.[13] الفضائل لابن شاذان: ص54 ــ 59.


        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X