ومن خطبة له (عليه السلام)
[وهي من أفصح كلامه(عليه السلام)، وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم، ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير]
بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ العلْيَاءَ(1)، وبِنَا انْفَجَرْتُم عَنِ السِّرَارِ(2)، وُقِرَ(3) سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ(4)، كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ(5) مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟
____________
1. تَسَنّمْتم العلياءَ: ركبتم سَنامها، وارتقيتم إلى أعلاها.
2. السِّرار ـ ككتاب ـ: آخر ليلة في الشهر يختفي فيها القمر، وهو كناية عن الظلام.
3. وُقِرَ: صُمّ.
4. الواعية: الصارخة والصراخ نفسه، والمراد هنا العِبرَة والمواعظ الشديدة الاثر ووُقِرَتْ أُذُنُهُ فهي مَوْقُورة، وَوَقِرَت كسَمِعَتْ: صُمّتْ، دعاء بالصّمَم على من لم يفهم الزواجر والعبر.
5. النّبْأة: الصوت الخفي.
مَا زِلتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ(2) بِحِلْيَةِ الـمُغْتَرِّينَ(3)، سَتَرَني عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ(4)، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ، أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الحَقِّ في جَوَادِّ الـمَضَلَّةِ(5)، حيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَلِيلَ، وَتَحْتَفِرُونَ وَلا تُميِهُونَ(6).
اليَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ العَجْمَاءَ(7) ذاتَ البَيَان! عَزَبَ(8) رَأْيُ امْرِىء تَخَلَّفَ
____________
1. رُبط جنانه رِباطةً ـ بكسر الراء ـ: اشتدّ قلبه.
2. أتَوَسّمُكُم: أتَفَرّس فيكم.
3. حِلْيَةُ المغتَرّينَ: أصل الحِلْية الزينة، والمراد هنا صفة أهل الغرور.
4. جِلْبَاب الدّين: ما لبسوه من رسومه الظاهرة.
5. جَوَادّ الـمَضَلّة: الجوادّ جمع جادّة وهي الطريق. والمضَلّة ـ بفتح الضاد وكسرها ـ: الارض يضل سالكها.
6. تُميهُون: تجدون ماءً، من أماهوا أرْكِيَتَهُمْ: أنْبَطُوا ماءها.
7. العَجْماء: البهيمة، وقد شبه بها رموزه وإساراته لغموضها على من لا بصيرة لهم.
8. عَزَبَ: غاب، والمراد: لا رأي لمن تخلّف عني.
عَنِّي، مَا شَكَكْتُ في الحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ! لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً(1) عَلَى نَفْسِهِ، أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ! اليَوْمَ تَوَاقَفْنَا(2) عَلَى سَبِيلِ الحَقِّ وَالباطِلِ، مَنْ وَثِقَ بِمَاء لَمْ يَظْمَأْ!
المخُتَْارِ مِنْ خُطب
مولانا أميرالمؤُمِنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
ص49
تعليق