بسم الله الرحمن الرحيم
{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩} [الإسراء : 109]
" يخرون " بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة، هي أن الواعين وذوي القلوب اليقظة عندما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالق عز وجل ينجذبون إليه ويولهون به إلى درجة أنهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار .
(أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض، إلا أن تعبير الآية إشارة إلى أن هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أن ذقناهم قد يلمس الأرض عند السجود.
بعض المفسرين احتمل أن الإنسان عند سجوده يضع أولا جبهته على الأرض، ولكن الشخص المدهوش عندما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون).
الآية التي بعدها توضح قولهم عندما يسجدون: ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.
هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده.
فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالمعاد.
والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.
وللتأكيد - أكثر - على تأثر هؤلاء بآيات ربهم، وعلى سجدة الحب التي يسجدونها تقول الآية التي بعدها: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا.
إن تكرار جملة يخرون للأذقان دليل على التأكيد، وعلى الاستمرار أيضا.
الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبهم وعشقهم لخالقهم.
واستخدام الفعل المضارع في جملة يزيدهم خشوعا دليل على أنهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة.
------------------------------
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل.
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
الجزء : ٩.
ص : ١٧٣-١٧٤.
تعليق