بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ما تمنّى غيرها نسلاً ومن يلد الزهراء يزهد في سواها
حين نذكر فاطمة الزهراء(ع) انما نتحدث عن معدن الرسالة، ونور النبوة، ومشكاة العلم، ومورد الفضائل ومكارم الأخلاق، فهي الصدّيقة، الطاهرة، العالمة، الزاهدة، العابدة، الورعة، التقية النقية المعصومة..سيدة نساء العالمين.
وعظمة الزهراء أنها القمة في العبودية لله، والطاعة له والحب، والرحمة، وعشق العطاء والبذل حتى الذوبان فيه، وإلاً ما معنى ان يُسميها والدها(ص) أمَّ أبيها؟
تُرى، كيف يمكن لبنت ان تكون أمّاً لرجل جاء ليعلّم الناس كيف تكون الرحمة وكيف يتراحمون ويتكاملون؟
بمقاييس البشر العاديين، ترتقي البنت الى مقام الأم تجاه أبيها عندما تحبّه، وتكرمه، وتبرّه إلى حد الإيثار ونكران الذات. لكن حب الزهراء كان أكبر من ذلك، ورسول الله لا ينطق عن هوى، إن هو إلاّ وحي يوحى حين يقول: فاطمة بضعة مني ، فاطمة روحي التي بين جنبي. إن امومة فاطمة لأبيها ليست امتيازاً وكرامة لها فحسب، بل إشارة لدور لها في الرسالة فيه الضمانة لاستقامة الأمة واستمرار الرسالة وانسانيتها وكمالها من خلال ذريتها الطاهرة.
و لقد شاء الله تعالى ان يقترن مولد فاطمة(ع) بالبعثة النبوية، وبالإعصار الذي أثارته قريش وعتاتها في وجه الرسول(ص)، وترعرعت وهي ترى ما يعانيه من اضطهاد وظلم، وكيف يتلوى ألماً من اجل عذابات المسلمين الأوائل.
وكم تجرعت الزهراء مرارة الصبر الذي يتجرعه أبوها، ويوم صبّ على رأسه أحد سفهاء قريش حفنات من التراب والأوساخ، عاد النبي(ص) الى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه، وجعلت تمسح رأسه وهي حديثة العهد بوفاة أمها خديجة، فالتفت اليها وعيناها تهمي بالدموع وقال: لا تبكي يا بنيّة، ان الله مانعٌ اباك وناصره على أعدائه.
لقد عاشت الزهراء حياتها القصيرة وهي لا تعرف غير العطاء. كانت الإنسانة التي لم تعش لنفسها لحظة واحدة، تماما ًكما تعلّمت في مدرسة النبوة ، فقد ملأت هذا العمر بالعلم والعبادة والتربية والتوجيه..وهي التي خرجت إلى مواقع الجهاد لتضمّد الجرحى وتسقي العطاشى، وهي من وقفت ضدّ الظلم والانحراف، عندما رفعت صوتها أمام نساء المهاجرين والأنصار ورجالهم، يوم تنكّروا لعليّ(ع) في أمر الخلافة.. ووقفت صارخةً في المسجد تضع النقاط على الحروف، وهي في كلّ ذلك، كانت أمينة على الإسلام أن يبقى قويّاً ولا يتعرّض لكيد الكائدين وانحراف المنحرفين...
فيها نزلت الآية الّتي نزلت برسول الله(ص) وعليّ(ع) وأولادها الحسين والحسين: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهّرَكم تطهيراً }
وهي كما قال عنها رسول الله(ص): "سيّدة نساء العالمين"، و"سيّدة نساء أهل الجنّة".. "فاطمة بضعة منّي، من أغضبها فقد أغضبني، ومن آذاها فقد آذاني"..
وأكثر من ذلك، قال رسول الله(ص) عنها: "يا فاطمة، إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك". " مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار".
أيّها الأحبّة:
إن حب الزهراء أيقونة نحملها في القلوب والمهج، فإذا ذُكر اسمها اهتزّت الأفئدة، ودمعت العيون، ولكن هل هذا يكفي لنكون بمستوى حب الزهراء؟
لقد كانت ريحانة الرسول(ص) قدوة في تحمّل مسؤولية إيمانها، ومسؤولية انتمائها، فكانت تجمع بين العبادة والعمل، وبين الإيمان والسلوك، ومشكلة الكثيرين حتى ممن يحبون الزهراء، انهم عندما يتعبدون ينسون العمل.
إن حب الزهراء سبيل واضح وبين كي نغيّر واقعنا، لنجعل منه واقعاً إن لم يكن مثالياً، فعلى الأقل نجعله واقعاً أكثر صلاحاً وقيمة وعطاء.
لقد أحب الرسول(ص) بضعته الزهراء حباً عظيماً، لكن ذلك لم يمنعه من أن يؤكد للمسلمين ان موقعه كنبي لن يغني عن مسؤولية ابنته امام الرسالة. لقد قال لها وهو يوصيها: "يا فاطمة بنت محمد اعملي لما عند الله فإني لا أُغني عنك من الله شيئاً"، وضربت الزهراء مثلاً في تحمّل هذه المسؤولية.
تحمّلت الزّهراء مسؤوليتها كزوجة وكأم، فكانت قدوة في كيف تكون الزوجة مَحبة وعطاء، ووفاء، ورعاية. وهي التي قالت لزوجها عليّ(ع): "يا بن عمّ، ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني"..
كان الإمام علي(ع) لا ينتهي من حرب الا ويدخل في اخرى، فهل تأفّفت، هل تضجّرت، وهل وقفت لتقول له في اي يوم: أنا بنت نبي، ولم أعد استطيع تحمّل هذه المعيشة ؟ معاذ الله. لم تميّز نفسها من اي زوجة مسلمة مع زوجها، كانت مثقلة بهموم البيت والأولاد، ودائماً تظل الزوجة والأم المثالية. ولنسمع الإمام كيف يصفها إذ يقول: إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها (أي اخشوشنت) وكنست البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القِدر حى دكُنت (أي اسودّت ثيابها)
كانت تفعل كل هذا راضية، صابرة على شظف العيش والفقر قانعة، ضاربة بذلك مثالاً للزوجة المثالية، فكانت أسرتها الأسرة المثالية.. اكتفت من ذلك بوصية رسول الله وهي بان تقرأ تسبيحة قبل ان تنام ، سميت بتسبيحة الزهراء..
ومع ذلك كانت تقوم الليل، وهي الّتي أخلصت لله، عبدته حتى تورّمت قدماها.. وهي من كان لسانها يلهج بذكر الله ولها نوافل في النهار وصلوات وصوم مُستحب، وبذلك كانت امينة على مبادئها، وفضائلها والجمع الدائم بين العبادة والعمل.
من حديث للإمام الحسن عن والدته يقول فيه «رأيت أمي فاطمة(ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسميهم، وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني الجار ثم الدار.
هذا الإيثار ليس غريباً على اهل البيت(ع) اهتمّت بالأيتام والفقراء والمساكين والأسرى الّذين آثرتهم على نفسها، وبقيت تعاني ألم الجوع أيّاماً ثلاثة كي يشبعوا، وفيها وفي عائلتها نزلت الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}.
ايها الاحبة:
لم يعرف الزهراء(ع) حقّ معرفتها الا النبي(ص) وعلي وبنوها(ع). لكن الزهراء وُجدت لتكون حُجَّة. فإذا كنا نحبها ونقدّسها، فلا يكفي ان نجعل منها لوحة راقية نعلّقها رسماً ووصفاً، ونفتخر بها دون الاقتداء بها وبأعمالها ومواقفها.
نعم، لا يمكن لرجالنا ان يصبحوا كعلي(ع) ولا لنسائنا ان يصبحن كفاطمة(ع) ولا لشبابنا ان يرتقوا الى مستوى الحسين(ع).
عندما تكون القمة عالية وشاهقة، فقد يكون من المستحيل الوصول الى آفاقها، لكنك تستطيع ان تحلم، ثم تبدأ في الصعود.
هكذا علمتنا الزهراء.... ان لا نقف في الحياة عند حد بل نبقى في صعود دائم .
الزهراء أذابت عمرها في العطاء ، ولا يكفي ان نحبّها ونقدّسها ونحيي ذكراها ببضع كلمات، ثم تنتهي مهمتنا. هل نكتفي بأن تكون ذكرى الزّهراء في يوم وفاتها، دموعاً نذرفها من مآقينا، وهي تستحقّ دموعنا.. أو فرحاً وأناشيد وزغاريد واحتفالات يوم ولادتها.. ليعود بعد ذلك كلٌّ إلى حياته، يتصرّف بوحي مزاجه وانفعالاته وعصبيّاته..
لنتأمل في واقعنا، واقع أسرنا، وعلاقاتنا وبيوتنا وكيف نربي أطفالنا ونقضي أوقاتنا.
تُرى، لماذا كانت الزهراء تُجلس ولديها الحسن والحسين(ع) في حجرها، إذا أرادت تلاوة ما يتيسّر لها من القرآن الكريم، ولماذا كانت تصرّ ان ترسلهما، في عهد جدّهما(ص) الى المسجد في اوقات الصلاة، حتى اذا عادا راحت تسألهما عما سمعاه، وماذا تعلّما من الجدّ(ص) مما كان يُعلّمه للمسلمين؟
كم من أسرنا تنهج هذا المنهج في التربية الإيمانية لأولادها وأطفالها؟
لقد كانت السيدة زينب جبلاً لا يتزعزع من الصبر والثبات في كربلاء، فمن زرع هذا الجلد في نفسها، وهو عبء تنوء بحمله كواهل الرجال.
أليس صبر زينب، وعنفوان زينب هو ثمرة من ثمرات أمومة فاطمة؟ وكم من أمهاتنا اليوم تستقي من هذا النبع، فيما امهات أُخَر لا همّ لهنّ إلاّ عقد مجالس الأنس واللهو والدردشة .
أن تحُبّ الزهراء، وتكون في نفس الوقت ممن يُبعثرون دقائق العمر لهواً وعبثاً لهو حبّ مزيّف، لا طعم له ولا لون ولا رائحة، فالزهراء علمتنا كيف تكون ضنينة بكل دقيقة من عمرها ان تذهب هدراً، ولا تملؤها حباً وعطاء وبناء.
ان نقدّس الزهراء يعني ان نؤمن ايماناً عملياً ان العمر امانة سوف نُسأل عنها أمام الله تعالى. إنّ حبّنا للزّهراء(ع) لا يكون إلا عندما نتمثّلها في حياتنا؛ أن يكون حجابها حجاب كلّ فتاة، وحياؤها حياء كلّ فتاة، وعفّتها عفّة كلّ فتاة، ورسالتها رسالة كلّ فتاة، أن تكون أنموذجاً وقدوة لكلّ بنت وزوجة وأمّ ورساليّة..
نقدّس الزهراء يعني ان نكون أيادي تعمّر، وارادات تبني، وخطوات أخ نحو أخيه، وجار نحو جاره، وانسان نحو إنسان.
لقد كانت الزهراء تستعين بخادمة في انجاز بعض أشغال البيت، كانت هذه أمة نوبية اسمها فضة. أتعرفون كيف كانت تتعامل معها؟ ولماذا يا تُرى ارتبط اسم فضة باسم الزهراء، ولماذا ذاع صيت هذه الأمة بالورع والتقوى والزهد وحفظ القرآن؟
ببساطة كانت الزهراء تتعامل مع فضة كواحدة من أسرتها، تتواضع لها، تغمرها بالحب والرحمة، تتناوب بالعمل معها يوماً بيوم، يوم لها ويوم لفضة في انجاز اشغال محدودة.
فهل كلّنا نقتفي خطى الزهراء مع من نستأجرهن كخادمات في بيوتنا؟ اسألوا، وفتشوا، حتى بعض من يتغنى بحبه للزهراء، وسوف تصدمكم الحقيقة المرّة .
نعم، حب الزهراء، يمكن ان يكون سبيلاً لاصلاح الكثير في واقعنا، والشرط ان يقترن بالتوق الى تسلّق القمة، وبتوافر النية والإرادة، فالزهراء عليها السلام قدمت بمواقفها وحياتها النموذج للإنسان الرسالي، الذي يذوب في الرسالة، في الطاعة والعبودية لله، والثقة بالله.
وندعو بما كانت تدعو به:
"الّلهمّ فرّغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكّفّلت لي به، ولا تعذّبني وأنا أستغفرك، ولا تحرمني وأنا أسألك، اللّهمّ ذلّل نفسي في نفسي، وعظّم شأنك في نفسي، وألهمني طاعتك، والعمل بما يرضيك، والتجنّب لما يسخطك"
الحمدلله رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ما تمنّى غيرها نسلاً ومن يلد الزهراء يزهد في سواها
حين نذكر فاطمة الزهراء(ع) انما نتحدث عن معدن الرسالة، ونور النبوة، ومشكاة العلم، ومورد الفضائل ومكارم الأخلاق، فهي الصدّيقة، الطاهرة، العالمة، الزاهدة، العابدة، الورعة، التقية النقية المعصومة..سيدة نساء العالمين.
وعظمة الزهراء أنها القمة في العبودية لله، والطاعة له والحب، والرحمة، وعشق العطاء والبذل حتى الذوبان فيه، وإلاً ما معنى ان يُسميها والدها(ص) أمَّ أبيها؟
تُرى، كيف يمكن لبنت ان تكون أمّاً لرجل جاء ليعلّم الناس كيف تكون الرحمة وكيف يتراحمون ويتكاملون؟
بمقاييس البشر العاديين، ترتقي البنت الى مقام الأم تجاه أبيها عندما تحبّه، وتكرمه، وتبرّه إلى حد الإيثار ونكران الذات. لكن حب الزهراء كان أكبر من ذلك، ورسول الله لا ينطق عن هوى، إن هو إلاّ وحي يوحى حين يقول: فاطمة بضعة مني ، فاطمة روحي التي بين جنبي. إن امومة فاطمة لأبيها ليست امتيازاً وكرامة لها فحسب، بل إشارة لدور لها في الرسالة فيه الضمانة لاستقامة الأمة واستمرار الرسالة وانسانيتها وكمالها من خلال ذريتها الطاهرة.
و لقد شاء الله تعالى ان يقترن مولد فاطمة(ع) بالبعثة النبوية، وبالإعصار الذي أثارته قريش وعتاتها في وجه الرسول(ص)، وترعرعت وهي ترى ما يعانيه من اضطهاد وظلم، وكيف يتلوى ألماً من اجل عذابات المسلمين الأوائل.
وكم تجرعت الزهراء مرارة الصبر الذي يتجرعه أبوها، ويوم صبّ على رأسه أحد سفهاء قريش حفنات من التراب والأوساخ، عاد النبي(ص) الى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه، وجعلت تمسح رأسه وهي حديثة العهد بوفاة أمها خديجة، فالتفت اليها وعيناها تهمي بالدموع وقال: لا تبكي يا بنيّة، ان الله مانعٌ اباك وناصره على أعدائه.
لقد عاشت الزهراء حياتها القصيرة وهي لا تعرف غير العطاء. كانت الإنسانة التي لم تعش لنفسها لحظة واحدة، تماما ًكما تعلّمت في مدرسة النبوة ، فقد ملأت هذا العمر بالعلم والعبادة والتربية والتوجيه..وهي التي خرجت إلى مواقع الجهاد لتضمّد الجرحى وتسقي العطاشى، وهي من وقفت ضدّ الظلم والانحراف، عندما رفعت صوتها أمام نساء المهاجرين والأنصار ورجالهم، يوم تنكّروا لعليّ(ع) في أمر الخلافة.. ووقفت صارخةً في المسجد تضع النقاط على الحروف، وهي في كلّ ذلك، كانت أمينة على الإسلام أن يبقى قويّاً ولا يتعرّض لكيد الكائدين وانحراف المنحرفين...
فيها نزلت الآية الّتي نزلت برسول الله(ص) وعليّ(ع) وأولادها الحسين والحسين: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهّرَكم تطهيراً }
وهي كما قال عنها رسول الله(ص): "سيّدة نساء العالمين"، و"سيّدة نساء أهل الجنّة".. "فاطمة بضعة منّي، من أغضبها فقد أغضبني، ومن آذاها فقد آذاني"..
وأكثر من ذلك، قال رسول الله(ص) عنها: "يا فاطمة، إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك". " مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار".
أيّها الأحبّة:
إن حب الزهراء أيقونة نحملها في القلوب والمهج، فإذا ذُكر اسمها اهتزّت الأفئدة، ودمعت العيون، ولكن هل هذا يكفي لنكون بمستوى حب الزهراء؟
لقد كانت ريحانة الرسول(ص) قدوة في تحمّل مسؤولية إيمانها، ومسؤولية انتمائها، فكانت تجمع بين العبادة والعمل، وبين الإيمان والسلوك، ومشكلة الكثيرين حتى ممن يحبون الزهراء، انهم عندما يتعبدون ينسون العمل.
إن حب الزهراء سبيل واضح وبين كي نغيّر واقعنا، لنجعل منه واقعاً إن لم يكن مثالياً، فعلى الأقل نجعله واقعاً أكثر صلاحاً وقيمة وعطاء.
لقد أحب الرسول(ص) بضعته الزهراء حباً عظيماً، لكن ذلك لم يمنعه من أن يؤكد للمسلمين ان موقعه كنبي لن يغني عن مسؤولية ابنته امام الرسالة. لقد قال لها وهو يوصيها: "يا فاطمة بنت محمد اعملي لما عند الله فإني لا أُغني عنك من الله شيئاً"، وضربت الزهراء مثلاً في تحمّل هذه المسؤولية.
تحمّلت الزّهراء مسؤوليتها كزوجة وكأم، فكانت قدوة في كيف تكون الزوجة مَحبة وعطاء، ووفاء، ورعاية. وهي التي قالت لزوجها عليّ(ع): "يا بن عمّ، ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني"..
كان الإمام علي(ع) لا ينتهي من حرب الا ويدخل في اخرى، فهل تأفّفت، هل تضجّرت، وهل وقفت لتقول له في اي يوم: أنا بنت نبي، ولم أعد استطيع تحمّل هذه المعيشة ؟ معاذ الله. لم تميّز نفسها من اي زوجة مسلمة مع زوجها، كانت مثقلة بهموم البيت والأولاد، ودائماً تظل الزوجة والأم المثالية. ولنسمع الإمام كيف يصفها إذ يقول: إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها (أي اخشوشنت) وكنست البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القِدر حى دكُنت (أي اسودّت ثيابها)
كانت تفعل كل هذا راضية، صابرة على شظف العيش والفقر قانعة، ضاربة بذلك مثالاً للزوجة المثالية، فكانت أسرتها الأسرة المثالية.. اكتفت من ذلك بوصية رسول الله وهي بان تقرأ تسبيحة قبل ان تنام ، سميت بتسبيحة الزهراء..
ومع ذلك كانت تقوم الليل، وهي الّتي أخلصت لله، عبدته حتى تورّمت قدماها.. وهي من كان لسانها يلهج بذكر الله ولها نوافل في النهار وصلوات وصوم مُستحب، وبذلك كانت امينة على مبادئها، وفضائلها والجمع الدائم بين العبادة والعمل.
من حديث للإمام الحسن عن والدته يقول فيه «رأيت أمي فاطمة(ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسميهم، وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني الجار ثم الدار.
هذا الإيثار ليس غريباً على اهل البيت(ع) اهتمّت بالأيتام والفقراء والمساكين والأسرى الّذين آثرتهم على نفسها، وبقيت تعاني ألم الجوع أيّاماً ثلاثة كي يشبعوا، وفيها وفي عائلتها نزلت الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}.
ايها الاحبة:
لم يعرف الزهراء(ع) حقّ معرفتها الا النبي(ص) وعلي وبنوها(ع). لكن الزهراء وُجدت لتكون حُجَّة. فإذا كنا نحبها ونقدّسها، فلا يكفي ان نجعل منها لوحة راقية نعلّقها رسماً ووصفاً، ونفتخر بها دون الاقتداء بها وبأعمالها ومواقفها.
نعم، لا يمكن لرجالنا ان يصبحوا كعلي(ع) ولا لنسائنا ان يصبحن كفاطمة(ع) ولا لشبابنا ان يرتقوا الى مستوى الحسين(ع).
عندما تكون القمة عالية وشاهقة، فقد يكون من المستحيل الوصول الى آفاقها، لكنك تستطيع ان تحلم، ثم تبدأ في الصعود.
هكذا علمتنا الزهراء.... ان لا نقف في الحياة عند حد بل نبقى في صعود دائم .
الزهراء أذابت عمرها في العطاء ، ولا يكفي ان نحبّها ونقدّسها ونحيي ذكراها ببضع كلمات، ثم تنتهي مهمتنا. هل نكتفي بأن تكون ذكرى الزّهراء في يوم وفاتها، دموعاً نذرفها من مآقينا، وهي تستحقّ دموعنا.. أو فرحاً وأناشيد وزغاريد واحتفالات يوم ولادتها.. ليعود بعد ذلك كلٌّ إلى حياته، يتصرّف بوحي مزاجه وانفعالاته وعصبيّاته..
لنتأمل في واقعنا، واقع أسرنا، وعلاقاتنا وبيوتنا وكيف نربي أطفالنا ونقضي أوقاتنا.
تُرى، لماذا كانت الزهراء تُجلس ولديها الحسن والحسين(ع) في حجرها، إذا أرادت تلاوة ما يتيسّر لها من القرآن الكريم، ولماذا كانت تصرّ ان ترسلهما، في عهد جدّهما(ص) الى المسجد في اوقات الصلاة، حتى اذا عادا راحت تسألهما عما سمعاه، وماذا تعلّما من الجدّ(ص) مما كان يُعلّمه للمسلمين؟
كم من أسرنا تنهج هذا المنهج في التربية الإيمانية لأولادها وأطفالها؟
لقد كانت السيدة زينب جبلاً لا يتزعزع من الصبر والثبات في كربلاء، فمن زرع هذا الجلد في نفسها، وهو عبء تنوء بحمله كواهل الرجال.
أليس صبر زينب، وعنفوان زينب هو ثمرة من ثمرات أمومة فاطمة؟ وكم من أمهاتنا اليوم تستقي من هذا النبع، فيما امهات أُخَر لا همّ لهنّ إلاّ عقد مجالس الأنس واللهو والدردشة .
أن تحُبّ الزهراء، وتكون في نفس الوقت ممن يُبعثرون دقائق العمر لهواً وعبثاً لهو حبّ مزيّف، لا طعم له ولا لون ولا رائحة، فالزهراء علمتنا كيف تكون ضنينة بكل دقيقة من عمرها ان تذهب هدراً، ولا تملؤها حباً وعطاء وبناء.
ان نقدّس الزهراء يعني ان نؤمن ايماناً عملياً ان العمر امانة سوف نُسأل عنها أمام الله تعالى. إنّ حبّنا للزّهراء(ع) لا يكون إلا عندما نتمثّلها في حياتنا؛ أن يكون حجابها حجاب كلّ فتاة، وحياؤها حياء كلّ فتاة، وعفّتها عفّة كلّ فتاة، ورسالتها رسالة كلّ فتاة، أن تكون أنموذجاً وقدوة لكلّ بنت وزوجة وأمّ ورساليّة..
نقدّس الزهراء يعني ان نكون أيادي تعمّر، وارادات تبني، وخطوات أخ نحو أخيه، وجار نحو جاره، وانسان نحو إنسان.
لقد كانت الزهراء تستعين بخادمة في انجاز بعض أشغال البيت، كانت هذه أمة نوبية اسمها فضة. أتعرفون كيف كانت تتعامل معها؟ ولماذا يا تُرى ارتبط اسم فضة باسم الزهراء، ولماذا ذاع صيت هذه الأمة بالورع والتقوى والزهد وحفظ القرآن؟
ببساطة كانت الزهراء تتعامل مع فضة كواحدة من أسرتها، تتواضع لها، تغمرها بالحب والرحمة، تتناوب بالعمل معها يوماً بيوم، يوم لها ويوم لفضة في انجاز اشغال محدودة.
فهل كلّنا نقتفي خطى الزهراء مع من نستأجرهن كخادمات في بيوتنا؟ اسألوا، وفتشوا، حتى بعض من يتغنى بحبه للزهراء، وسوف تصدمكم الحقيقة المرّة .
نعم، حب الزهراء، يمكن ان يكون سبيلاً لاصلاح الكثير في واقعنا، والشرط ان يقترن بالتوق الى تسلّق القمة، وبتوافر النية والإرادة، فالزهراء عليها السلام قدمت بمواقفها وحياتها النموذج للإنسان الرسالي، الذي يذوب في الرسالة، في الطاعة والعبودية لله، والثقة بالله.
وندعو بما كانت تدعو به:
"الّلهمّ فرّغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكّفّلت لي به، ولا تعذّبني وأنا أستغفرك، ولا تحرمني وأنا أسألك، اللّهمّ ذلّل نفسي في نفسي، وعظّم شأنك في نفسي، وألهمني طاعتك، والعمل بما يرضيك، والتجنّب لما يسخطك"
الحمدلله رب العالمين
تعليق