السيِّدةُ فاطمةُ الزهراء (عليها السلام) إعطاءُ الله
________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله الطاهرين
ثمةَ مفاهيمٍ عميقةٍ وتطبيقاتٍ دقيقة تتجلى للباحث في سيرة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بدءاً من ولادتها الشريفة وحتى شهادتها الفجيعة
تُقدّم هذه المفاهيم العميقة دلالات واعية وقصدية وجديّة في حَراك ووجود الصديقة الزهراء (عليها السلام) بوصفها بنتاً وزوجةً وأماً لمعصومَين هما (الحسن والحسين ) (عليهما السلام) .
وبوصفها سيدة النساء في العالمين على الإطلاق ومصداق الأسوة الحسنة والمثل الأعلى .
لم تبرح هذه الدلالات الواعية قصداً وسلوكا كل وصفٍ بل لازمتْ الأوصاف المعنيّة مفهوماً وتطبيقا .
وفي إطلالة وجيزة على كلِّ وصفٍ وصف تجد السيدة الزهراء(عليها السلام) حاضرةً بكينونتها القيميّة كما هو في أسمها ولقبها وكنيتها ووصفها ورفعتها وجلالة قدرها .
فالاسمُ مُشتقٌ من عند الله تعالى والألقاب هي منحة تستحقها تشريفا وتكريما وتقديرا .
وأما عصمتها فهي إنما ثبتتْ لها واقعا وتصديقا لعلم الله تعالى بطهارتها نفسيا وروحيا وكليّا حتى نصّ القرآن الكريم على ذلك نصا في قوله تعالى
(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )) (33)الأحزاب
حتى أنَّ عائشة لم تكن قادرة على كتم هذه الحقيقة الثبوتية إثباتاً بحيث روتْ واقعة نزول آية التطهير معترفةً بطهارة وعصمة الزهراء (عليها السلام)
وورد ذلك في صحيح مسلم في كتاب :فضائل الصحابة :باب فضائل أهل البيت (عليهم السلام) :ج7:ص130:
إنّ عصمة الصديقة الزهراء(عليها السلام) هي من جعلتها بأنْ تكون جديرةً بأسوتها الحسنة لنساء العالمين أجمعين وللمؤمنين كافة .
من كونها بنتاً لنبي كريم وعظيم ( ’ ) حيثُ تثبتْ قدرتها سلوكاً ومنهجاً في هذا الباب من التعاطي الحَسن والطيب مع الأب النبي المعصوم دون أدنى تقصير وحاشاها من ذلك .
لتكتسب في النتيجة كُنية (أم أبيها) بحق اختزاناً للقيم الجامعة المانعة في سلسلة البنوة الصادقة والبارة وفي أصالتها لولديها المعصومَين (عليهما السلام) .
في تدليل عميق وكبير من لدن النبي محمد ( ’) على أنَّ السيدة الزهراء هي المُبقيّة للنبوة من جهة البنوة المعصومة , بنوة الحسن والحسين (عليهما السلام) والتسعة المعصومين من ذرية الحسين , وبتجلي الإمامة المعصومة بعلي (عليه السلام) .
وفي وصف الزوجة تكون الصديقة الزهراء (عليه السلام) قد ضربتْ مثلاً أعلى في تطبيقاته , حيث تطيعُ زوجها علي (عليه السلام) وتربي أبنائه ولا تغضبه ولا تعصي له أمرا وتسره وتكشف عنه همومه.
تلك هي الزهراء الزوجة الحامدة والقنوعة والشاكرة والمتواضعة والعابدة ولم تكن قد تأثرت بزخرفة الحياة الدنيا أبدا .
فالحصير والخبز والبساطة والتسبيح قد كفاها هم الدنيا والآخرة.
وأما ثقافة الشكر لله وحمده والرضا بما قدّر فهذه سمةُ عالية وباسقة ألقَتْ بظلالها الوارفة على بيت الزوجية ليجعله جنّة وسَكناً آمنا
قال تعالى
(( وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ )) (19)النمل
وفي جانب الإيثار كانتْ تُقدّم الجارَ في الدعاء قبل أن تدعو لنفسها
(الجار ثم الدار)
وأما حجابها وحشمتها فهذا ما لا يخفى على أحدٍ في معناه ومغزاه وصدقه وجده وحكمته , مما يجعلك تقف عند كيانٍ وجودي قائمٍ على أساس البعد القيمي في كل لبناته الحياتية .
وفي محور حياتي من محاور حَراك الصديقة الزهراء (عليها السلام)
في منطقة القانون الشرعي والحقوق تتصدى بريادة تامة وقوية لمن غصب الحق وسلب الإرث (فدك) وانقلب على النبوة من قريب.
تُحاججُ الخصمَ بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية الشريفة وبمنهج العقلاء في نظمهم البشرية حجاجٌ منطق وفقه وقانون وأخلاق .
(أترثُ أباكَ ولا أرثُ أبي)
كانتْ (عليها السلام) تثقف لمنهج رفض الغصب ومصادرة الحقوق وتحت أي عنوان كان ولو بلون الشرع والدين .
كما صنع الغاصب الأول مُدعيا أنّ فدكاُ فيءٌ للمسلمين .
وقد تمكّنّا وبتوفيق الله تعالى من أن نثبت بالدليل القطعي أنّ السيدة فاطمة الزهراء هي الكوثر في سورة الكوثر في القرآن الكريم
ذلك كون السورة مكيّة النزول وسببها بيّن في كون المُعيّر
(العاص بن وائل السهمي) قد عابَ على رسول الله الأكرم بأنه أبتر خاصة بعد وفاة ولده القاسم من زوجته السيدة خديجة (رض)
وناسب ذلك أن يُطمئن الله تعالى رسوله الأكرم بالذرية الصالحة والمعصومة بالكوثر رداً وإبطالاً لمن زعم أنه أبتر.
وقد تحقق الامتنان الإلهي على نبيه الكريم باعطاءه فاطمة قطعاً للبتر المُعيّر به .
(( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) )) الكوثر
ولم تكن الصديقة الزهراء (عليها السلام) لتقعد عن جهادها العقدي في أصوله خاصة الإمامة المجعولة ربانيا لتقول( وإطاعتنا نظاماً للملّة)
لتحث على ضرورة الأخذ الأمين والموثوق من منهج المعصومين حصرا.
ثم تقول(وإمامتنا أماناً من الفرقة) من علي وإلى المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)
هذا ما وضّحناه في محور(القضية المهدوية بين يدي الصديقة الزهراء)
وفي الختام تزدادُ المحنةُ ألماً في فراقها العصيب
فراق معصومة لمعصومين وفراق أسوة حسنة لمتأسين
وفراق غاضبة على الطاغين وفراق خفي في الثرى عن العالمين
فراقٌ في الليل فراق مُبهم وسريع فراقٌ كسير الحنايا لتترك اللوعة تعتلج في صدر علي وأولادها الطاهرين سرٌ في سرٍ لا يعرفه إلا الله ورسوله .
_____________________________________
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف
تعليق