النص :
لم تكن أول من رمى بيت شعر في البحر
فصدته الامواج ..
خذ بيدك المعنى الى بساطته ...
لا تجعله يضيع بين نباتات الوحل...
كن في المتن هامش بلا شروح
وابتسم حين تثب عليك اللغة
هي دورة للريح ... وتنام في مهب الرحيل بلا انتظارات
ستأكلك الصباحات الخالية
وستمطرك القصائد ببدائية على يباب التاريخ المؤجل
محنط بدمع يفتح النوافذ للغياب
ومحمل ببكاء يهدّ اسوار السماء
لم يكن لك لغة تمارس معها العزلة
وتحدّث بها كل من اشترى الهدوء بصفعة جوع
وتشتري بأحرفها قاربا لا تثقبه الشكوك
تأملْ ابتسامة الفراشات المهربة من الربيع
الفراشات التي بعثرتها حروب الردة وضحكة القردة
وسر بجانب نهار الأمنيات... ولا تنتظر وردة اللغة على الضفاف
سر إليها...
أيها الساكن في دمعة شجرة معزولة...
أمامك حزن كلّ غابات الكلمة..
تتمدّن في نظرتك ... وتستلقي على مرآة المعنى ...
طفلا من ورق...
تسرف في ابتكار جنتك
رغم وساوس ملائكة اليتم
وتتسلّق أغانيك بعد منتصف الحنين
تطارد حبرَ الغيمِ وكتاب المطر
تنثر أسئلتك على كفِّ الريح...
لا تعنيك ممالك النحل وهي تختبيء بين أسطرك
تلوذ بصراخ معنى مغتصب يأتيك من بعيد
وحده القادر على فضِّ بكارة عزلتكَ
تترجّل من أعلى الصمت ...
لا تفتح يدك أيّ باب...
ولا يُكلّم قلبُك أيّ قلب...
ولا تسمع أيّ نداء...
تترجّلُ... ولا تنام
تفرشُ ليلَ الضفاف ...وتتمدّد في يقظة قصيدةٍ طارئة
تتلمسُ أنامل دمك...هدوء الرغبات
وصخب الحشرات ...بلا نوافذ أو جدار
الفجر صديقك الذي لا يخون...
والشمس أمّك التي تموت...
هو ابن هذه العزلة .... ابن هذا البكاء ما بين قطبين منجمدين
حسبته الطيور شجرة... فتيبّس جسده من الأعشاش...
وحسبته الحشرات الليلية مستنقعا... فتمدد كفراغ..
وحسبته الوحوش مفازة... فنامت في خوفه آمنة...
وحسبه البشر بئرا قديمة... فهجرته اللغة
يريد أيّ دلوٍ يقترب من جوفه البعيد....
أيّ قافلة تبحث عن أيّ يوسف...
ما عاد قادراً على البكاء أو الحنين ....
أصبح جزءً من مؤامرة الريح
القراءة:
يحتاج البحر أن يعدّ مراثيك .. قطعاً ممهورة بالخفايا
تحتاج الموجة أن تصافح جدارك كي تبقى تجهل المعنى في دعاء الرمال
يحتاج صوتك ان يمدّ يداً إلى ما ترميه في البحر من مباهج قصيدة منهكة بالرماد . شمسك التي مصابة بالدوار ، تنهض من صمتها ،تعيد ترتيب صباحاتك لطيف ابتسامات تهتك أسمك ، فأرفع أوردتك ، عن رئة النافذة ،لتجعل آخر الزفرات ، يلتئم خلفك .
أيها المبتهل ، كن أول الباسقين، وآخر من تدثر بوصايا الدروب ، ولا تجعل لأصابعك راية للمروق، أيها المتربص ، وراء الأبواق ، قطعة سكّر،لبحة صوتك ـالمنهمر اكتمال كؤوس ،تتأهب للقفزة القادمة .
ليس من سطور تنتهك الوحدة في مسامات لغتك ،ولا أساطير تعيد ترميم حلمك ،فقف هناك ،وحيداً كي يمرّ ماتبقى من مواسم انتهكت قبل رحيلك الأخير. من هنا بدأ الشاعر نصّه ،الذي يحيل على المثل (أعمل خيراً وأرم في البحر) وإن رفضته الأمواج تلك التي منحته مايجدر بها قبوله ،لكنه البحر /الزمن ،طالما غدر بالطيبين وببساطة مايحملونه من قيم . لكن النصّ هنا يبدي حذره ، فيلقي وصاياه أن يكون متناً من أصل الكتاب وبين جملته الرئيسة لامجرد هامش للشرح ،
الإشارة إلى البيت الذي ليس له أبواب ولاشبابيك
هو ذلك البيت الذي حبس فيه سقراط في إطراف أثينا من اجل ان يهرب ، وذلك قبيل ليلة من تنفيذ الحكم بقتله بواسطة كأس السم ،لكن سقراط فضل فناء جسده مع خلود حكمته . الإشارة إلى الفراشات في النص
تذكر بلوحة سيلفادور دالي عن السفينة التي تقودها أشرعة من الفراشات مهربة من الربيع ،ترى هل تستطيع رقة الفراشات أن تواجه قسوة الكلمات؟ وهل للوقت المحسوب من عمر يمضي ،أن يكون زمناً ممتداً في مطلق خالد؟ الصورة واقعية حسية تماما، قلب وزمن وسفينة ،لكن ما أن يهبّ عليها خيال الشعر ،حتى تتبعثر لتجتمع من جديد وفق معطيات ليست بما عرفته عن نفسها أوعرفناه عنها ،ليبدأ سيل من اسئلة تفتح مطارق الأيحاءات على اتساعها ، كيف يرحل القلب عجلاً ، يكسب الشاعر" القلب " صفة مسافر عن الجسد وهو يلقيه الزمن عند الشاعر ،هو حالة متجلية في نفسه وأمانيه (عن نورسٍ صاحب الروح في زمن البرق) هنا الزمن لحظة خاطفة رافقت البرق ثم تلاشت ، كم تبدو المفردات أليفة وقريبة من النفس النورس طائر يرافق الشواطئ في احتفالها ،لكن لشاعر جعله صاحباً للروح الصادحة كما يفعل نورس ،وإن كانت لحظات السعادة لديه يكتنفها قصر كما ومضة برق . لكن الزمن لن يتوقف في وقت يموت أو يترهل ،بل يعاود الظهور في سفينة تقتحم اللجة على أجنحة الفراشات على شكل أشرعة كم تنوء الفراشات بمهمة كهذه؟ تكابد الريح بإشراقة أجنحتها ورقة اللون فيها ، لكن عليها دفع سفينة الزمن في مطلقه أو الحياة بثقلها ،لتمخر يمّاً ينوء بأمواجه . أما الذي حسبته الطيور شجرة ، فربما إشارة إلى نرسيس حسب الأسطورة اليونانية الذي عشق صورته في صفحة المياه وهي دلالة ان صاحب النص على ثقافة عالية ومتمكن من لغته ورغم ان المهمشين هم من يصنع الحياة وهم وقودها فانهم لاينالون منها الا هوامشها اي ماتتركه لهم من جوانبها وفتات موائدها،لذا فصاحب النص حسب تقديري يميل الى جانب المهمشين وقود التاريخ ، لا الى اولئك المتخمين الذين يكتبون التاريخ كيفما يشاؤون وبالتالي يربط هذا المعنى بالتهميش وفي النص صرخة احتجاج واضحة وان كان اشبه بمدح الذات ؟لكنه لايخلو من اشارت الى قدر المبدعين من سقراط وافلاطون .... الى الامام علي ... الى الحلاج وابن رشد - الى ابن المقفع وبشار بن برد .
رؤى خارج النص :
تحتاج الفراشات لقوة مطلقة لتهرب من قوقعة الزمن والفراشات قد تكون الامنيات التي تتغشى هذا العمر فهي والاصرار على تحديث الحياة لصالح افق يتسع لاجنحة ملونة بحجم الامنيات هي امنيات تعرجت بين مد وجزر لتصل الى قطف الفضاء مسرحا لسياحة بلا اصطياد يعاجلها بضربة موت ربما كان زمن البرق حسرة ترجمت سرعة انقضائه او اخذت من البرق لونه حين كان النقاء لايحتمل تهميش الابداع التمرد طابع القصيدة لكن جاء باسلوب هادئ يمكن استشفافه من قرينة الفراشات وهي المخلوقات الرقيقة والسعي لتهريبها .
دم بهيا ألقا
د. احمد الخيال
حميدة العسكري /البصرة
تعليق