حياته الخاصة |
س:هل المعصومون (عليهم السلام) يستخدمون الغيب والإعجاز في حياتهم الخاصة أم ماذا؟ ج: إن الأنبياء (عليهم السلام) والأوصياء ومنهم الأئمة (عليهم السلام) لا يستخدمون الغيب والإعجاز في حياتهم الخاصة إنما يستخدمون ذلك لإثبات أمر عقائدي(سواء كان في أمر التوحيد أو العدل أو النبوة أو الإمامة أو المعاد)، أو لتعميق الإيمان في ذلك، وأما سائر حياتهم الخاصة فهي كحياة سائر بني البشر يعملون حسب الظاهر(قل إنما أنا بشر مثلكم) الكهف/11، وذلك لكي يكونوا أسوة لنا نقتدي بهم، وكمثال على ذلك فقد ورد في النصوص التاريخية في شأن مقتل أمير المؤمنين(عليه السلام) لما اجتمع على قتله عبد الرحمن بن ملجم يعينه على ذلك وردان بن مجالد وشبيب بن بجرة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين(عليه السلام) و واطأهم على ذلك، وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه، وكان حجر بن عدي رضوان الله عليه في تلك الليلة باءتا في المسجد فسمع الأشعث يقول يا ابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح، فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال له: قتلته يا أعور، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ليخبره الخبر ويحذره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين(عليه السلام) من الطريق فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف، وأقبل حجر والناس يقولون قتل أمير المؤمنين(عليه السلام) بحار الأنوار ج42 ص230. فإن حجر بن عدي رضوان الله عليه لو كان قد التقى بالإمام (عليه السلام) وأخبره بمؤامرة القوم كان يتحتم على الإمام أن يتخذ التدابير اللازمة لذلك لكي لا يصدق عليه(إلقاء النفس في التهلكة) وذلك لأن علمه بمؤامرة ابن ملجم صارت من الظاهر لا من الغيب، والمعصومون كسائر بني البشر مكلفون في حياتهم الخاصة أن يعملوا بالظاهر لا بالغيب، ولا يخفى ان الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يعلم بمؤامرة ابن ملجم إلا أن علمه كان من الغيب(الذي لا يستخدمه في حياته الخاصة)، حيث إن الرسول(صلى الله عليه وآله) كان قد أخبره بذلك، فمثال الإمام في حياته الخاصة كأي إنسان لا يعلم بمؤامرة حيكت له في مكان ما فيذهب إلى ذلك المكان فإذا قتل لا يعد من إلقاء النفس في التهلكة. وهكذا سائر الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) ما كانوا يستخدمون الغيب في حياتهم الخاصة فمع علمهم بان اللبن أو الرطب أو العنب كان مسموماً من قبل الأعداء كانوا يتناولونه مما يؤدي إلى شهادتهم، لأن علمهم بذلك ما كان من الظاهر وإنما كان من الغيب وهم مكلفون بالعمل بالظاهر لا بالغيب. وهكذا يستخدمون الإعجاز والغيب لتعميق الإيمان في الأمور العقائدية، وكشاهد على ذلك ما ورد من ان الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان قائماً يصلي حتى وقف ابنه محمد(عليه السلام) وهو طفل الى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها فنظرت إليه أمه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول يا ابن رسول الله غرق ولدك محمد، وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما طال عليها ذلك قالت حزناً على ولدها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله، فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عن كمالها وإتمامها، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلا برشاء طويل فأخرج ابنه محمداً(عليه السلام) على يديه يناغي ويضحك لم يبتل له ثوب ولا جسد بالماء، فقال: ( هاك يا ضعيفة اليقين بالله) فضحكت لسلامة ولدها، وبكت لقوله(عليه السلام) يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم لو علمت أني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني) المناقب ج4 ص135، فإن الأمر يظهر جلياً من قول الإمام زين العابدين(عليه السلام): (يا ضعيفة اليقين بالله)، فمن هذه القرينة نفهم أن الإعجاز كان لتعميق إيمانها بالله تبارك وتعالى. وكذلك يكون الأمر أكثر وضوحاً وجلياً من الرواية التالية: روي عن أبي الصباح الكناني قال: صرت يوماً إلى باب أبي جعفر فقرعت الباب فخرجت إلي وصيفة ناهد، فضربت بيدي على رأس ثديها فقلت لها قولي لمولاك إني بالباب، فصاح من آخر الدار: أدخل لا أم لك، فدخلت وقلت والله ما أردت ريبة ولا قصدت إلا زيادة في يقيني، فقال: صدقت، لئن ظننتم أن هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذا لا فرق بيننا وبينكم، فإياك أن تعاود لمثلها. بحار الأنوار ج46 ص248، فمن هذه الرواية يظهر جلياً ان الإمام (عليه السلام) استخدم الإعجاز لتعميق إيمان الرجل في أمر الإمامة. إذن أهل البيت(عليهم السلام) إنما يستخدمون الإعجاز والغيب في خصوص إثبات الأمور العقائدية أو من أجل تعميق إيمان الناس بها، وهذا ما ستجده في كل معجزة أو غيب استخدمه أهل البيت(عليهم السلام) وذلك بملاحظة القرائن المقالية أو المقامية التي تحيط بالمعجزة والإخبار الغيبي. وقد يقول القائل لماذا لا يستخدمون الغيب والإعجاز في حياتهم الخاصة؟ أقول: لو فعلوا ذلك لما كانوا لنا أسوة نقتدي بهم، والقرآن الكريم يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)الأحزاب/21، فمن مستلزمات كونهم أسوة أن يكونوا كسائر بني البشر في حياتهم الخاصة، وإلا لما اقتدى بهم الناس متعذرين بان المعصومين(عليهم السلام) يستخدمون الإعجاز والغيب في حياتهم، فهم ليسوا كسائر بني البشر حتى نقتدي بهم، فأخْذاً أمام هذا التقاعس من بعض الناس والاعتذار لا بد أن يسير المعصوم في حياته الخاصة كسيرة سائر بني البشر، وقد صرح القرآن الكريم بذلك حيث قال: (قل إنما أنا بشر مثلكم). ولا يخفى أن هذا يدل على قوة إيمانهم بالله تبارك وتعالى، حيث انهم مع علمهم من الغيب بما سيجري عليهم ما كانوا يستخدمون الغيب في حياتهم الخاصة وإنما كانوا يتعاملون مع الأمور حسب ظواهرها كسائر الناس، علماً بان استخدامهم للغيب والإعجاز في حياتهم الخاصة قد يستلزم في بعض الأحيان تعطيل قانون القضاء والقدر في الكون وفي حياة الإنسان. وهذا ما نجده في حركة الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء حيث كان(عليه السلام) يتحدث أحياناً مخبراً عن الغيب بينما يتعامل مع القضايا طبقاً للظاهر، فنراه(عليه السلام) يقول مخبراً عن الغيب: (وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي يتقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) بحار الأنوار ج44 ص366، ومن جانب آخر نراه (عليه السلام) يحمل أسرته وعائلته متوجهاً إلى العراق ليتولى زمام الأمور في العراق بعد أن بايعه أهل العراق عبر رسوله مسلم بن عقيل(رضوان الله عليه). |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
هل المعصومون عليهم السلام يستخدمون الغيب والاعجاز في حياتهم الخاصه ؟
تقليص
X
-
هل المعصومون عليهم السلام يستخدمون الغيب والاعجاز في حياتهم الخاصه ؟
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
الأخت الكريمة
ارض البقيع
عطاء وتميز واضح وانتقاء مفيد
لاحرمنا الله تعالى من فيض عطائكم المبارك
جعله المولى في ميزان حسناتكم .
ولولا أبو طالب وأبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما
فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما
فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى
كما لا يضر إياب الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما
[/CENTER]
- اقتباس
- تعليق
تعليق
تعليق