مُتباشــــرين بعــــــيد مولدِ ســــيدٍ من آل أحمد أفضــــل الأعيادِ
القائـــــم المهــدي أكـــرم قائـــــمٍ بالحق أفضل ناطــــقٍ بالضـــــادِ
من أرض سامرا تشعشـــعَ نـوُره فامتدَّ مزدهــراً لسبـــــعِ شـــــدادِ
نـــورٌ لنـــور الله ممــــتدٌ إلى نور الوصيِّ لنور طه الهــــــادي
نورٌ أضاء الأرض وازدهرت به عند الصـباح مهامــــهٌ وبــــوادي
نورٌ تشعشع من جبــين مبشــــرٍ بالحق محبـــوبٍ لكـــــل فــــــؤاد
سبـــــط النـــبي محمــدٍ وسميـــــه والطيّب الآباء والأجدادِ
مولى لنصر الدين منتظــر ومـــــا بسواه يُرجى رفــعَ كلِّ فســـــــادِ
فهو الكفيلُ لنصـرة الـــدين الـــذي عُدِمَ النصيرُ ومالـــه من فـــــادِ
فالله أكـبرُ قــــوة وهــــي التـــــي لم تبق من طاغٍ ولا من عــــــــادِ
هي في وليِّ الأمرِ قامت فهــو لا يخشى قوى الشيطان يوم جهــــادِ
وبه العروش تخرُّ حتى لا ترى عرشاً لضلاّلٍ ولا أوغاد
وهناك تزدهرُ الفضيلة والهدى أودى بكلِّ تناحرٍ وعــــــــــوادِ
بالعدل تمتلئُ البسيطةُ بعدمــــا مُلئت بظلمٍ صارخٍ ونكـــــــادِ
التمهيد للولادة المباركة
تمهيد
عاش الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام في زمن ضعفت فيه السلطة العباسيّة إلى درجة سيطرة الموالي والأتراك على مقاليد الحكم.
ولكن رغم ضعف هذه السلطة لم يخفّ الضغط والظلم والتنكيل بالإمام عليه السلام وأصحابه، بل ازدادت وبلغت أوجها على يد الخليفة العباسيّ المعتمد، نتيجة الخوف والتوجُّس من نشاط الإمام وتحرُّكاته، هذا الخوف والتوجّس الذي أصبح عامَّاً يعبّر عنه خطّ اجتماعيّ كامل يناوئ خطّ الإمام عليه السلام وأصحابه.
ومن هنا كان الصراع الدائم بين هذين الخطّين، وممارسة الحاكم لكلّ ضغط ممكن ومحاسبته لكلّ بادرة أو تحرّك محتمل من قبل الإمام عليه السلام، وقبول وشاية الواشين في حقّه "وقد حبسه المتوكّل ولم يذكر سبب ذلك، ولا شكَّ أنّ سببه العداوة والحسد وقبول وشاية الواشين كما جرى لآبائه مع المتوكّل وآبائه من التشريد والحبس والقتل وأنواع الأذى، وروي أنّه عليه السلام قُتِلَ مسموماً على يد المعتمد"1.
ويلاحظ في هذا المجال أنّ هذه الضغوط لم تكن لتخفَّف بتغيُّر الظروف، بل كانت تزداد شدّة ورسوخاً.
المواجهة والجهاد
في مقابل ذلك كان الإمام العسكريّ عليه السلام يقوم بقيادة الأمّة ضمن ما يتاح من فرص يمكن التقاطها ضمن الظروف الصعبة التي يعيشها تحت رقابة الحاكم العباسيّ، ولعلّ الدور الأكثر أهميّة للإمام عليه السلام كان: حفظ هذا الخطّ وأتباعه، وربط الناس بابنه الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف والتمهيد لغيبته.
حفظ الطليعة المؤمنة{
لقد كان الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام يقوم برعاية الطليعة المؤمنة، وحماية وجودها ومدّها بكلّ أساليب الصمود. ويلاحظ في هذا الإطار أنّه عليه السلام كتب محذِّراً محمَّد بن عليّ السمريّ وهو من خاصّة أصحابه والذي سيكون رابع نوَّاب ولده الحجّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته الصُّغرى قائلاً له: "فتنة تضلّكم فكونوا على أهبَّة"2.
التمهيد للغيبة
لقد كان الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام يواجه استحقاقاً جديداً، ليس كباقي الاستحقاقات، وإنّما هو استحقاق أساسيٌّ ومهمّ جدّاً وخطير جدّاً في نفس الوقت، وهو استحقاق الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وغيبته. فإنَّ غيبة الإمام من الأمور التي تحتاج للتمهيد والتذكير بالكثير من المفاهيم والقيم الإلهيّة، ليتسنَّى للمؤمن أن يمسك هذا الموضوع الأساسِيَّ بقوّة، والسبب في ذلك أنّ الإنسان في هذه الدُّنيا اعتاد وألِف الأمور الحسيَّة، وارتباطه بأمر غيبيّ غير حسيّ يحتاج لبعض العناية والتذكير والتمهيد، خصوصاً وأنَّ أمراً كهذا غيبة الإمام لم يحصل قبل ذلك في الإسلام، وهذا هو الدَّور الذي كان على الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أن يقوم به.
فهو يريد تربية جيلٍ واعٍ يكون النُّواة الأساس لتربية الأجيال الآتية، والتي ستبني بجهدها تاريخ الغيبتين الصُّغرى والكبرى.
وإذا عطفنا على ذلك تلك الظروف والمعاناة الصعبة التي عاشها الإمام وأصحابه من قبل الدولة، وضرورة العمل والتبشير بفكرة المهديّ الثوريّة، والتي كانت تعتبر في منطق الحكام أمراً مهدّداً لكيانهم وخروجاً على سلطانهم وتمرّداً على دولتهم.
ومن هنا نحسّ بكلّ وضوح دقّة التخطيط الملقاة على كاهل الإمام العسكريّ عليه السلام وحرج موقفه وهو يدعو لفكرة ولده المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
برنامج التمهيد لغيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
وقد اتَّجه نشاط الإمام العسكريّ عليه السلام وتخطيطه في تحقيق هذا الهدف، حيث قام بعدَّة خطوات في هذا الاتجاه:
أوّلاً، حجب ابنه الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف عن أعين الناس جزئيَّاً، وإظهاره لبعض خاصّته فقط.
ثانياً، شنّ حملة توعية لفكرة الغيبة: حيث هدف إلى إفهام الناس بضرورة تَحمُّلِهم لمسؤوليّاتهم الإسلاميّة تجاهها وتعويدهم على متطلباتها. وكمثال على ذلك نلاحظ ما كتبه الإمام لابن بابويه: "عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزنٍ حتّى يظهر ولدي الذي بشَّر به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا شيخيّ يا أبا الحسن عليّ وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتَّقين"3.
ثالثاً، احتجاب الإمام العسكريّ عليه السلام: لقد احتجب الإمام العسكريّ بنفسه عن الناس، إلا عن خاصّة أصحابه، وأوكل مهمّة تبليغ تعليماته وأحكامه بواسطة عدد من خاصّته وذلك بأسلوب المكاتبات والتوقيعات، ممهّداً بذلك إلى نفس الأسلوب الذي سوف يسير عليه ابنه المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته الصغرى وهو في احتجابه وإيصاله للتعليّمات.
وكان قد بُدأ التحضير والتخطيط لهذه الفكرة بشكل بسيط أيّام الإمام الهادي عليه السلام عندما احتجب عن كثير من مواليه وأخذ يراسلهم عن طريق الكتب والتوقيعات ليعوّد شيعته على هذا المسلك بشكل متدرِّج بطيء موافقاً بذلك الفهم العامَّ لدى الناس.
رابعاً، اعتماد نظام الوكلاء: وكذلك نظام الوكلاء الذي اتَّبعه الإمام العسكريّ مع قواعده الشعبيّة كان أسلوباً آخر من أساليب التمهيد لفكرة الغيبة.
وكان الشيعة إذا حملوا الأموال من الحقوق الواجبة عليهم إلى الإمام عليه السلام نفذوا إلى عثمان بن سعيد العمريّ السمَّان الذي كان يتَّجر بالسمن تغطية لنشاطه في مصلحة الإمام عليه السلام، فكان يجعل الأموال التي يتسلَّمها في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى الإمام بعيداً عن أنظار الحكّام.
ظروف ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه
ولد الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ عجل الله فرجه الشريف في العام 255من الهجرة في ظروف تشبه ولادة النبيّ موسى عليه السلام، حيث كان يسعى الحاكم العباسيُّ لاغتياله، وكما أُخفي أمر ولادة النبيّ موسى عليه السلام كذلك أُخفي أمر ولادة الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف. ولذلك نجد العديد من الروايات عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام تمنع حتّى ذكر اسمه أمام الناس، حتّى لا يتمكّن الأعداء من رصده.
فعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام حينما سُئِلَ مَنْ المهديّ، قال: "الخامس من وُلْدِ السابع4 يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميَته"5.
وقد وازن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بين حفظ الإمام وإبعاده عن يد الحاكم العباسيّ، وبين تعريف الشيعة والأتباع عليه. فلم يكن يُطْلع عليه إلا الخواصّ من الشيعة والموثوق بهم.
حيث قام الإمام العسكريّ عليه السلام بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفويّاً بولادة الإمام المهديّ، كما قام عليه السلام بعرض ابنه المهديّ على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: "هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان أي العمريّ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه"6.
ر
وكذلك قام الإمام عليه السلام بإرسال بعض الرسائل ل
لثُّقاة من أصحابه من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب عليه السلام له: "ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنّا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والوليّ لولايته، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به والسلام"7. كما قام عليه السلام بذبح كذا شاة عقيقه عن ابنه المهديّ، وقام بتوزيع كميّة كبيرة من الخبز واللحم على شخصيّات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنّه عليه السلام عقَّ عنه بثلاثمئة شاة.
* معز الأولياء.سلسلة الدروس الثقافية ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- راجع بحار الأنوار، ج 50، ص 236
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 298
3- ابن شهر آشوب، المناقب، ج 3، ص 527
4- الإمام السابع هو الإمام الكاظم عليه السلام، فيكون الخامس من ولده هو الإمام المهدي ابن الإمام العسكري ابن الإمام الهادي ابن الإمام الجواد ابن الإمام الرضا ابن الإمام الكاظم عليه السلام.
5- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 333
6- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 357
7- الشيخ علي كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهديّ، ج 4، ص 226
تعليق