قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ)(1) .
لقد دلّت الآية المباركة في إطلاقها على أنّ المضطر إذا دعا ربَّه استحق الإجابة. وهناك رأيان في المقصود من المضطر هذا، هما:
الرأي الأوّل: ما ذكره السيد الطباطبائي (قُدّس سرّه) في تفسيره الكبير (الميزان)(2) من أنّ المضطر هو الإنسان المنقطع إلى الله تعالى ؛ وذلك بدلالة آيتين في القرآن الكريم تفسّر إحداهما الاُخرى:
الأُُولى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(3) . وظاهرها أنّ الدعاء الحقيقي يستلزم الإجابة، مع السكوت عن ماهيّة وجوهر ذلك الدعاء الحقيقي المستلزم للإجابة.
الثانية: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ). وهذه الآية قد فسّرت معنى الدعاء الحقيقي المستلزم للإجابة، وهو دعاء المضطر ؛ لأنّه هو الذي قد تيقّن بفشل جميع الأسباب المادّيّة التي سلكها البشر لكشف ما هم فيه، فالإنسان مثلاً إذا أصابه مرض خطير وأيقن أنّ جميع الأسباب المادّيّة قد فشلت في علاجه وإبرائه، أو أصابه خطر عظيم وأيقن أنّ جميع تلك الأسباب قد فشلت هي الاُخرى في خلاصه ونجاته منه، فهو والحال هذه سيتّجه بكلِّ قواه إلى الله تعالى وينقطع إليه ؛ لأنّه يدرك أن لا سبيل أمامه إلاّ اللجوء إلى بارئه القادر على كلِّ شيء.
الرأي الثاني: أنّ المراد بالمضطر في الآية هو الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه)، وذلك بدليلين:
الأوّل: الروايات. قال الإمام الباقر (عليه السّلام) في تفسير الآية المشار إليها: (هذه نزلت في القائم (عليه السّلام)، إذا خرج تعمَّم وصلّى عند المقام، وتضرع إلى ربِّه فلا ترد له راية أبداً)(4) . وقال الإمام الصادق (عليه السّلام): (نزلت في القائمِ من آلِ محمّد (عليه السّلام)، هو والله المضطر، إذا صلّى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء، ويجعله خليفةً في الأرض)(5) .
الثاني: القرينة السياقيّة في الآية على أنّ المراد بالمضطر هو الإمام (عجّل الله تعالى فرجه)؛ لأنّها عبّرت في ذيلها: (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ)، ولم تعبّر بـ (خليفة في الأرض)، وبينهما فرق كبير ؛ فحينما تقول: (إنَّ الإنسانَ خليفةٌ في الأرض) فهو قابل للصدق على الجميع، فكلُّ فرد له قدرة القيام بدور الخلافة في هذه الأرض.
أمّا إذا قلتَ: (إنَّ الإنسانَ خليفةُ الأرض) فهو أعظم ؛ لأنّه يسيطر على الأرض كلِّها، وتخضع له بكنوزها ومعادنها وبركاتها.
وقد استخدم القرآن الكريم هذا الاُسلوب بعد خطابه للملائكة في خصوص نبيّه آدم (عليه السّلام): (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)(6) ، وكذا في خطابه لنبيّه داود (عليه السّلام): (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ)(7) ، لكنه حينما خاطب اُمّة النبي (صلّى الله عليه وآله) نجد أنَّ لغة الخطاب قد تغيّرت، فقال: (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ).
إذاً إنَّ هذه الاُمّة قد وُعِدت من الله سبحانه بخلافة الأرض كلِّها بما ضمّت وحوت وليس خلافة في الأرض؛ لأنّ هذه الخلافة الأخيرة قد قام بها آدم وداود وغيرهما، ولن يتحقق هذا الوعد إلاّ يوم الظهور.
وعليه فالمضطر هو الذي بيده وعلى عاتقه تحقق الاُمّة الإسلاميّة خلافة الأرض جميعاً، وهذا الإنسان المضطر إنما تنطبق أوصافه حصراً على الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه): (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(8) ؛ ولذا فحينما ندعو بهذه الآية (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ) لا بدّ أن نلتفت إلى أنّنا نقصد بذلك الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه)، أي كأنّنا نتوسل إلى الله تعالى ببركة هذا الإمام أن يكشف عنّا الضرَّ والبلاء، وهذا ما يتجسد أيضاً في دعاء الندبة: (أينَ المضطرُّ الذي يُجابُ إذا دعا)(9)
-------------------------
1 ـ سورة النمل / 62.
2 ـ تفسير الميزان 15 / 381.
3 ـ سورة غافر / 60.
4 ـ تأويل الآيات 1 / 403 ح6.
5 ـ تفسير القمي 2 / 129.
6 ـ سورة البقرة / 30.
7 ـ سورة ص / 26.
8 ـ سورة القصص / 5.
9 ـ المزار ـ ابن المشهدي / 579.
كتبه -السيد منير الخباز- بتصرف
تعليق