◄في شهر رمضان، تكثر مآدب الطعام، وتتزيّن بأشهى المأكولات والمشروبات والحلويات، في سعيٍ من الصائم لتعويض ما يفوته خلال نهار الصيام. وعلى الرغم من أنّ ظاهرة الإسراف غير مستحبّة، لا في هذا الشهر الكريم ولا في غيره من الشهور،
إلا أنّ ما يهمّنا في هذا المقال، هو تسليط الضوء على قضية اجتماعية تعنينا جميعاً. ففي الوقت الذي ينشغل الصائمون بتحضير مائدتهم الغنيّة بألوان الطعام، وترى الأسواق مليئةً بالناس الذين يتجهّزون لإفطارهم، والمحالّ تعجّ بالوافدين، ثمّة مَن يعيش العوز،
ولا يقدر على سدّ جوعه وجوع عياله، ومَن لا يستطيع إلّا أن يأتي بكفاف يومه. فكيف يكون حال هؤلاء، وهم ينظرون إلى ما لذَّ وطاب من المأكولات، تفوح رائحتها من بيوت الجيران، أو تتهادى بزينتها في واجهات المحلّات،
دون أن يكونوا قادرين على شرائها أو تناولها بسبب الحاجة والفقر؟ كيف يكون حال هؤلاء في شهر الرحمة والبركة، وشعور الفقر يتعمَّق فيهم أكثر، ويترك ندوبه في نفوسهم ونفوس عيالهم؟
إنّ جزءاً أساساً من معاني هذا الشهر الفضيل، هو التعاطف مع الفقراء، والإحساس بما يعيشونه من عوز وفاقة
، وما يحرمون منه من ملذَّات الطعام، أو من مظاهر العيش الكريم. ولا يعني ذلك أن نمتنع عن تناول ما نشتهيه من الطعام والشراب طالما نكون قادرين، ولكنّها دعوة إلى التكافل والإحساس بالمعاني الحقيقية لهذا الشهر، من خلال التكفّل بالفقراء ما أمكن،
ومساعدتهم وتقديم المعونة لهم، بما يجعلهم يعيشون الفرحة في هذا الشهر، ويدركون أبعاد الرحمة الإلهيّة بهم. ولو أنّ كلّ واحد منّا تكفّل في هذا الشهر بإطعام مسكين أو فقير واحد، لاستطعنا أن نصنع فرقاً كبيراً، وأن نجعل من هذا الشهر واحةَ إنسانيةٍ وعطاء،
وخصوصاً أنّ العبادة ليست فقط صلاةً وصياماً وحجّاً، بل إنّ مساعدة المحتاجين من أرقى تجلّيات العبادة والتقرّب إلى الله. إنّها دعوة إلى الخير في هذا الشهر الكريم، وليبدأ كلّ منّا بنفسه، فليس من حيّ أو منطقة أو شارع إلّا وفيها فقراء،
ولا سيّما المتعفّفين، الذين تمنعهم عزّة النفس من الطلب وإهدار ماء الوجه بالسؤال، وليكن ذلك بالطريقة التي تحفظ لهم كراماتهم، ولا تخدش لهم شعوراً، وكلّه محسوب عند الله، وفيه الأجر والثواب.►
من صفحة البلاغ