بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين و اللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين.
قال تعالى: (إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر) سورة القدر
لغةً: قَدَرَ ـ قََدراَ وقَدَراَ الرزق: قسمه وـ اللهُ عليه الأمر: قضى وحكم به عليه وـ قَدَارَةً الشيءَ: هيَّأَه ووقَّته. قََدَّرَ الله عليه الأَمرَ وقدَّر له الأَمرَ: قضى وحكم به عليه. استَقدَرَ الله خيراً: سأله ان يقسم له به. والقَدَر بفتح القاف والدال جمعه أقدار: ما يُقَدِّرَه الله من القضاء ويحكم به، وليالي القدر بفتح القاف وسكون الدال ليال مخصوصة من شهر رمضان.
المنجد في اللغة باب قَدَرَ.
تفسيراً: قال الإمام الشيرازي الراحل ـ نور الله مضجعه ـ في التبيين ط2 2002م دار العلوم ص621: سورة القدر مكية وآياتها خمس:
(إِنَّا انزَلْنَاه) أي القرآن (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) في شهر رمضان, فقد انزل بمجموعه على قلب الرسول صلى الله عليه وآله, ثم ابتدأ من يوم المبعث منجماً بواسطة جبرائيل.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) تعظيم لها وإبهام لفضلها.
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فإنها أفضل عند الله من ذلك, وثواب العمل فيها كثير جداً.
(تَنَزَّلُ) تتنزل في كل عام (الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ) جبرئيل عليه السلام (فِيهَا) في تلك الليلة إلى الأرض (بِإِذْنِ رَبِّهِم) بأمره تعالى, يأتون إلى النبي أو الإمام عليه السلام (مِن كُلِّ أَمْرٍ) مربوط بهذا العالم, وذلك مثل عرض الملك ما يريد عمله إلى رئيس الوزراء تشريفاً له.
(سَلاَمٌ هِيَ) ليلة القدر ينزل الله بالسلام لأهل الأرض, لكنهم يغيرونه بسبب المعاصي إلى المكاره حَتَّى (مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فإن عند طلوع الفجر تنقطع الملائكة وقد جاءوا بكل ما يكون في السنة المقبلة.
قداسة الليلة وشرفيتها:
ليلة القدر في الروايات الشريفة لها قدسية خاصة وأهمية كبرى فيستحب للمكلف أن يهتم بالغ الأهمية بإحياء هذه الليلة العظيمة من خلال العبادة والدعاء والصلاة والذكر وتلاوة القرآن المجيد والمناجاة والابتهال إلى الله العزيز القدير وطلب الجنة منه والاستعاذة من النار ودفع الشرور والآفات الدنيوية والأخروية وطلب طول العمر وسعة الرزق وحسن العاقبة بل طلب خير الدنيا والآخرة والاستعاذة من شر الدنيا والآخرة له، والدعاء للوالدين ولذوي الأرحام، ويجتهد في أن لا يفوته إحياء هذه الليلة المقدسة فهي ليلة غفران الذنوب العظام، واستجابة الدعاء والتوفيق لخير الدنيا والآخرة.
وقد نصَّ القرآن الكريم على أن ليلة القدر خير من ألف شهر، فإذا كانت العبادة فيها خيراً من العبادة في ألف شهر كما مر والتي تقارب عبادة ثمانين سنة فأي إنسان فطن عاقل يفوت على نفسه هذا الثواب الجزيل بهذا العمل القليل . بل سيرد أن الأعمال مضاعفة الثواب في هذا الليلة.
كما ورد في التفسير اعلاه أن الملائكة تنزّل فيها وتسلّم على المؤمنين المشتغلين بالعبادة وتصافحهم وتؤمن على دعائهم فمن الذي يرضى أن يكون محروماً من ذلك ونائماً عنه.
وان الإمام المهدي المنتظر صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يجتمع في هذه الليلة مع الملائكة المقربين ويأتون إليه أفواجاً ويسلّمون عليه ويعرضون عليه ما قدر في تلك الليلة له ولسائر الخلق، وفي الحقيقة قبيح على الإنسان أن لا يتأسى في تلك الليلة المباركة بإمام زمانه ويكون فيها غافلاً.
وعن الباقر عليه السلام عن آبائه:«أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يغفل عن ليلة إحدى وعشرين، وعن ليلة ثلاثة وعشرين ونهى أن ينام أحد تلك الليلة».
فقال عليه السلام: «علامتها أن يطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت وإن كانت في حر بردت».
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال »:إن ليلة القدر سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع».
سورة القدر واعمال خاصة:
وردت عدة من الروايات وهي تنوه بدخول السورة في أعمال خاصة تعود بالنفع والتأثير والخير على السالك،ومنها:
لقضاء الحوائج:
قال الشيح الطوسي: من كانت له إلى الله تعالى حاجة، فليقم جوف الليل ويغتسل وليلبس أطهر ثيابه وليأخذ قلة جديدة ملاء من الماء، ثم يصلي ركعتين ويقرأ فيها إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر عشر مرات في الركتين جميعاً، ثم يسأل حاجته فإنه حري أن تقضى إن شاء الله.
للاستشفاء بها مع تربة الحسين عليه السلام:
ورد ختم خاص بهذه السورة على تربة الإمام الحسين عليه السلام بغرض الاستشفاء وذكر الراوندي أن رجلاً سأل الإمام عليه السلام: إني سمعتك تقول: أن تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المفردة، وأنها لا تمر بداء إلا هضمته.
فقال عليه السلام: «كان ذلك»
قال:«إني تناولتها فما انتفعت بها».
قال عليه السلام»: أما أن لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها« فقال له: ما نقول؟
قال عليه السلام:«فقبّلها قبل كل شيء وضعها على عينيك، ولا تتناول منها أكثر من حمصة (فإنه) من تناول أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا. فإذا تناولت فقل: (اللهم إني أسألك بحق الملك الذي قيضها، وأسألك بحق الملك الذي خزنها، وأسألك بحق الوصي الذي حل فيها أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تجعله شفاء من كل داء وأماناً من كل خوف وحفظاً من كل سوء».
للتعوذ بها:
روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في العوذة، قال: تأخذ قلة جديدة فتجعل فيها ماء ثم تقرأ عليها: (إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ثلاثين مرة، ثم تغلق وتشرب منها وتتوضأ ويزاد فيها إن شاء الله.
لزيادة اليقين والاعتقاد بأهل البيت عليهم السلام:
روي عن أبي يحيى الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:«لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ألف مرة لأصبح وهو شديد اليقين بالأعراف بما يخص به فينا، وما ذلك إلا لشيء عاينه في نومه».
للأمان من عذاب القبر:
روى الشرواني بسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: «من أخذ من تراب القبر حال الدفن بيده ـ أي حال إرادته ـ وقرأ (إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) سبع مرات وجعله مع الميت في كفنه أو قبره لم يعذب ذلك الميت في القبر».
لسعة الرزق:
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: من قطع ثوباً جديداً وقرأ إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ستاً وثلاثين مرة، فإذا بلغ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَة أخرج شيئاً من الماء ورش بعضه على الثوب رشاً خفيفاً، ثم صلى فيه ركعتين، ودعا ربه، وقال في دعائه: الحمد الله الذي رزقني مما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي، وأصلي فيه لربي، وحمد الله، لم يزل يأكل في سعة حتى يبلى ذلك الثوب.
ليالي القدر المباركة أعمال وصلوات:
وهي ثلاث ليال, أولها ليلة التاسعة عشر, ثم ليلة الحادي والعشرين, وآخرها ليلة الثالث وعشرين, وفي هذه الليالي تقدر أمور الكون وتهبط الملائكة إلى الأرض لتلتقي ببقية الله الأعظم الإمام الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف وكما تقدم.
وقد ورد في هذه الليالي أعمال كثيرة وأدعية وصلوات...
مذكورة في كتب الأدعية والزيارات ككتاب مفاتيح الجنان وكتاب الدعاء والزيارة، ومن اعمالها:
غسل ليالي القدر:
عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليها لسلام كم أغتسل في شهر رمضان ليلة؟ قال: «ليلة تسع عشر وليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين» قال: قلت: فإن شق علي؟ قال: «في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين» قلت: فإن شق علي؟ قال: «حسبك الآن».
فقد أدرك ليلة القدر:
روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أن النبي صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات وسار إلى منا دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر, فقام خطيب فقال بعد الثناء على الله:
أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أظوها عنكم... اعلموا أيها الناس أنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب».
هي ليلة قدر:
سأل حمران أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: ( إنا أنزلناه) قال: «نعم, هي ليلة قدر, وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر, فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر, قال الله عزوجل: (فيها يفرق كل امر حكيم) قال: يقدر في ليلة القدر كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل, من خير أو شر, أو طاعة أو معصية, أو مولود أو أجل أو رزق, فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم, ولله فيه مشيئة».
قال: قلت له: (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي شيء عنى بها؟ فقال: «العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر, ولولا ما يضاعف الله للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات».
ما أيسر الليلتين:
عن علي بن أبي حمزة قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى أي ليلة هي؟ فقال:
«في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين».
قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟
فقال: «ما أيسر ليلتين فيما تطلب».
قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟
فقال: «ما أيسر أربع ليال فيما تطلب».
قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟
فقال: «ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها».
قلت: جعلت فداك ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني؟
قال: «إن ذلك ليقال».
قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج؟
فقال: «يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر, والمنايا والبلايا والأرزاق ما يكون إلى مثلها في قابل, فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين, وصل في كل واحدة منها مائة ركعة وأحييها إن استطعت إلى النور واغتسل فيهما».
قال: قلت: فان لم تقدر على ذلك وأنا قائم؟
قال: «فصل وانت جالس».
قلت: فان لم استطع؟
قال: «فعلى فراشك».
قلت: فإن لم استطع؟
فقال: «لا عليك أن تكتحل أول الليل بشيء من النوم, إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين وتقبل الأعمال أعمال المؤمنين, نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق».
الليلة الثالثة والعشرون:
عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟
فقال: «تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين».
قلت: فإن إنسانا الفترة أو العلة ما المعتمد عليه من ذلك؟
فقال: «ثلاث وعشرين».
وعن ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: «من أحيا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان, وصلى فيه مائة ركعة, وسع الله عليه معيشته في الدنيا, وكفاه أمر من يعاديه, وأعاذه من الغرق والهدم والسرق, ومن شر السباع, ودفع عنه هول منكر ونكير, وخرج من قبره نور يتلألأ لأهل الجمع, ويعطى كتابه بيمينه, ويكتب له براءة من النار, وجواز على الصراط, وأمان من العذاب, ويدخل الجنة بغير حساب, ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» والحمد لله رب العالمين.
تعليق