◄الناس بالقسط في العقيدة، والعمل، حيث قال عزّ وجلّ من قائل:
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18).
إذ التوحيد، قسط في الاعتقاد، وعدل في الإيمان، حيث انّه مُنزّهٌ عن قسط الشرك، وجور الإلحاد، ومطهر عن لوث الإفراط بتعدّد الآلهة والأرباب المتفرقة، وعن قدرة التفريط بنفي الربّ مطلقاً والتفوه بأنّه لا يهلكنا إلا الدهر. فالاعتقاد العدل هو التوحيد، قال عزّ من قائل:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ...) (الحديد/ 25).
فتحصل: انّ المقصود النهائي، هو قيام الناس بالقسط والعدل في الاعتقاد والعمل، والتجنب عن القسط والجور فيهما.
ثانيها:
انّ من العوامل الهامة، بل من أهمّها في قيام الناس بالقسط، هو البيت الحرام، حيث قال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) (المائدة/ 7).
لأنّ الكعبة: مهبط الوحي، ومدرس التوحيد، ومدار العدل، في العقيدة والعمل، والاجتناب عن الجور فيها.
وثالثها:
إنّ الكعبة، شجرة طيبة، أصلها ثابت في البلد الأمين الذي حرّمه الله، وفروعه وأغصانه في أقطار العالم ونواحيه، وهي المساجد التي تكون بيوت الله في الأرض. وأذن الله لها أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، وأمر الناس أن يقيموا وجوههم عندها ويدعوا الله مخلصين له الدين، حيث قال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (الأعراف/ 29).
وحيث انّ المساجد متجهة نحو الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس، فتكون هي أيضاً قياماً لهم بالقسط. فلعله لذا صدّر الآية بقوله تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)، ثمّ قال: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) – فدلّ على انّ المسجد بما هو مسجد الله – إذ المساجد لله – عامل هام بقيام الناس بالقسط في العقيدة والعمل، منزهاً عن رجس الإفراط ورجز التفريط، فلعله لذا ذيل الآية بقوله تعالى: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، فالمساجد لله، فلا يدّعي فيها مع الله أحد، كما انّ المواضع السبعة إنما تسجد لله لا لغيره، وهي أيضاً له تعالى لا لغيره، فلا اسهم لغير الله فيها.
رابعها:
إنّ السجدة لله هي المائزة بين الملائكة وإبليس. لأنّ الملائكة عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم، وهم بأمره يعملون، ويخافون ربهم من فوقهم، ويفعلون ما يؤمرون، واما إبليس فلا يخضع، ولا يخشع، بل يأبى، ويستكبر، ويترنم بقوله؛ (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)، فهؤلاء الملائكة السجد لا يرون أنفسهم. فلا يرون إلا الله، واما إبليس فلا يرى إلّا نفسه المتكبرة.
فالمسجد، هو الموضع الذي يمتاز فيه الطاعة عن الطغيان، وينحاز فيه الأتقياء عن التمرد، ولعله لذا صار مبدءاً للإسراء وطليعة للعروج إلى الله حيث قال تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (الإسراء/ 1).
وصار عاملاً للقيام بالقسط في جناحي العقيدة والعمل، ولذا انتهى الأمر إلى تطهير الكعبة من أصنام الوثنيين، وتنزيه البيت المقدس عن أوثان الجاهلين، لأنّ العبد الإلهي الذي أسرى به الله ليلاً قد قام بالقسط الاعتقادي، فطهر المعبد عن الشرك والصنم، وأنجى الناس من ذلّ الظلم وقهر الطغيان.
وخامسها:
إنّ المسجد إنما يكون بيت الله في الأرض، ويتجه نحو الكعبة، ويؤذن له أن يرفع إذا كان قد أسس على التقوى، ويتعبد فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا، لا المسجد الذي اتخذ ضراراً وكفرا وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً وترقباً وتوطئةً وتمهيداً لمن حارب الله ورسوله، إذ لا يجوز أن يقام فيه أبداً، بل يلزم هدمه واستيصاله لأنّه بنفسه قسط يدعو إلى الجور في العقيدة والعمل.
وسادسها:
إنّ المسجد بيت الوعي والعقل الذي يعبد به الرحمن، وتكتسب به الجنان، فلا يختلف إليه ولا يستأنس به، ولا يتكل عليه، ولا يحنّ نحوه إلّا أولوا الألباب ومن كان له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد، ولا يرغب عنه إلا من سفه نفسه، ولا يزهد فيه إلا من ختم الله على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، ولا يتبغض إليه إلّا من في قلبه مرض فزاده الله مرضاً.
وحيث انّ المسجد بيت اللبّ والعقل، وكهف الوعي والذكاء، يتجنب فيه عما ينشأ من الوهم ويثير الخيال، ويقوّي الحسّ، ويضعف العقل، ويحيي السنن الجاهلية الجهلاء، ويغذي العصبية الجامدة، ويلقي العداوة والبغضاء، كالأشعار الناشئة عن التخيلات الكاذبة، الناشرة للشحناء، المثيرة للبغضاء، الصادرة عمّن يقول ما لا يفعل وهو يتيه في الأرض ويهيم فيها، ولذا روى مولانا عليّ بن الحسين عن جدّه رسول الله (ص) انّه قال: "من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا: فضَّ الله فاك إنما نصبت المساجد للقرآن"[1].
ولا اختصاص لذلك بالشعر المنظوم بل يعمه، والقصة المنثورة أيضاً، حيث انها لا تُجدي نفعاً، ولا تورث يقيناً، بل تُثير شكاً، أو أمنية، أو لا أقل من تضييع العمر وخسارة الوقت. ولذا لما رأى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) قاصّاً في المسجد ضربه بالدرة وطرده[2].
وكما لا ضير في قصة مُجدية، ونقل يؤيد العقل وحكاية توجب الدراية كذلك لا محذور في شعر يقوّي الشعور، ويعظّم الشعار، حيث انّ من الشعر لحكمة، فلا منع في إنشاده في المسجد لأنّه لا ينافي ما نصب له ولا يباين هدفه السامي. ومن ذلك كلّه يتبيّن سرّ تجنيب المجانين حيث قال مولانا الصادق (ع): "جنّبوا مساجدكم.. والمجانين"[3] وكذا سرِّ التحرز عن ذكر الدنيا – التي حبّها رأس كل خطيئة – فيه. ولأنّه بيت العبادة والتعقل، قال رسول الله (ص): "خير البقاع المساجد، وأحبهم إلى الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً"[4] وقال (ص): "من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علّة فهو منافق إلا أن يريد الرجوع إليه"[5].
ولأنّه بيت الدعوة والدعاء والإجابة حيث انّ الله قريب مجيب. قال رسول الله (ص): "إذا صلى أحدكم المكتوبة وخرج من المسجد فليقف بباب المسجد ثم ليقل: اللّهمّ دعوتني فأجبت دعوتك، وصليت مكتوبتك، وانتشرت في أرضك، كما أمرتني، فاسألك من فضلك، العمل بطاعتك، واجتناب سخطك، والكفاف من الرزق برحمتك"[6].
ولأنّه بيت الله الذي أذن له أن يرفع، يستحب له التحية. حيث قال أبو ذر: دخلت على رسول الله (ص) وهو في المسجد جالس، فقال لي: "يا أبا ذر؛ انّ للمسجد تحية، قلت: وما تحيته؟ قال: ركعتان تركعهما، فقلت يا رسول الله انك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟ قال (ص): "خير موضوع فمن شاء أقلّ ومن شاء أكثر"[7] وكفى بذلك فخراً حيث جعلت الصلاة التي هي عمود الدين تحية له، إذ الصلاة – سيّما الخالصة منها – مما يباهي الله بها الملائكة، حيث قال رسول الله (ص) في وصاياه لأبي ذر: "يا أبا ذر؛ انّ ربك يباهي الملائكة بثلاثة نفر؛ رجل يصبح في أرض قفر، فيؤذّن ثمّ يقيم، ثمّ يصلي، فيقول ربك عزّ وجلّ للملائكة؛ أنظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري. فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه، ويستغرفون له إلى الغد من ذلك اليوم. ورجل قام من الليل يصلّي وحده فسجدَ ونام وهو ساجد فيقول الله تعالى:
"انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد، ورجل في زحف ففرّ أصحابه وثبت هو يقاتل حتى قُتل"[8].
سابعها:
إنّ المسجد، بيت المجتمع الإسلامي، ومأوى الأُمّة الواحدة، ومحل الجمعات والجماعات، فلا يقيم وجهه عنده، ولا يأخذ زينته لديه، إلّا من يحب الكيان الإسلامي، ويودّ الجامعة الدينية، ويشتاق إلى الألفة والوداد النوعي، ويتحنن نحو الوحدة، ويعتصم بالله الذي لا يعتصم به، إلا من هُدي إلى الصراط المستقيم، ولا يتولى عنه، ولا يعرض عنه، إلا الشاذ من المجتمع الإسلامي – والشاذ من الناس للشيطان، كما انّ الشاذ من الغنم للذئب – وإلّا من شقّ عصا المسلمين، وخرج عن ربقتهم، وبدّد شملهم، وفرّق جمعهم. ولعله لذلك كلّه قال النبيّ (ص): "لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده"، وقال (ص): "ليوشك قوم يَدَعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار لتحترق عليهم بيوتهم"[9].
ولأنّه بيت يأوي إليه المسلمون من نواح شتى، يستحب التزيّن والتطيب لمن أراده، حيث انّ ذلك مما يجلب الناس ويؤنسهم، وبذلك يمتثل قوله تعالى:
(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف/ 31).
ويكره دخول من فيه رائحة الثوم أو البصل، حيث نهى رسول الله (ص) عن ذلك وقال (ص): "من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا"[10].
وثامنها:
إنّ المسجد بيت الله في الأرض فيجب تعظيمه، ويستحب تعميره، ويحرم تخريبه، ومنع المسلمين عن التعبد فيه، ويجب صيانته، والذبِّ عنه، ودفع من أراد هدمه، وطرد من اهتم بصد المؤمنين عنه، حيث قال مولانا الصادق (ع) ليونس بن يعقوب: "ملعون ملعون من لم يوفّر المسجد. أتدري يا يونس لِمَ عظّم الله حقّ المساجد وأنزل هذه الآية فيه: "وانّ المساجِدَ لله فلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أحداً؟" كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم أشركوا بالله تعالى فأمر الله سحبانه نبيه أن يوحد الله فيها ويعبده"[11].
وليس المراد من تعميره هو مجرد بنائه وترميمه وتحكيمه الصوري، بل هو كما قال رسول الله لأبي ذر: "يا أبا ذر؛ من أجاب داعي الله، وأحسن عمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنة. فقلت: كيف يعمّر مساجد الله؟ قال لا يرفع الأصوات فيها، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومنَّ يوم القيامة إلا نفسك"[12].
أما الدليل على حرمة هدم المسجد ومنع المسلمين عن التعبد فيه فقوله تعالى:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة/ 114).
وكلّ ظلم وإن كان ظلمة يوم القيامة وقبيحاً مذموماً إلّا أنّ بعضه أظلم وأقبح من بعض، ومن ذلك قوله تعالى:
(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13).
ومنه قوله تعالى:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ).
ولكن لا يمس كرامة الله تعالى شيء من الظلم، ولا يصيبه أثر منه أصلاً، لأنّه عزيز لا يناله شيء وقدير محض لا يعجزه شيء أبداً، فالظلم كائناً ما كان لا يتعدى الظالم بل يحيق به لأنّه (لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) (فاطر/ 43)، ولأنّه لا يسيء أحد إلا على نفسه.
والحاصل، انّ خراب المسجد، ومنع المسلمين عنه، من أفحش الظلم وأسوئه الموجب لأن يكون للمخرب والمانع خزي الدنيا وعذاب الآخرة، فليس لمن لا يوحد الله ولا يعبده أن يعمّر مساجده، حيث قال تعالى:
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة/ 17).
(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة/ 18).
لأنّ تعمير بيت الله عبادة لا ينالها إلا من وحدّه وأخلص دينه له تعالى، وهذا هو الأصل الذي لا يعادله شيء من الأمور الظاهرة، وإن كان عمارة المسجد الحرام، حيث قال تعالى:
(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة/ 19).
والمناصب الدارجة دون أن تعادل شيئاً من التعبد لله والجهاد في سبيله، لأنّ هؤلاء السقاة والعمار كانوا ظالمين، لأنّ الشرك ظلم عظيم، والله لا يهدي القوم الظالمين، واما هؤلاء المؤمنون بالله واليوم الآخر المجاهدون في سبيله فهم فائزون، حيث قال تعالى:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة/ 20).
ولا ولاية لأحد من الظالمين على المسجد، بل الولاية عليه، إنما هي للفائزين، حيث قال تعالى:
(مَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الأنفال/ 34).
وامّا لزوم الذب عن المسجد، ودفع الظالم عنه، وطرد الباغي عليه، فحيث أنّ حفظ الدين الإلهي المتبلور في المسجد واجب، والدفاع عنه لازم، فعلى كلّ مسلم أن يدفع الطاغي عن المسجد الذي في بقائه صلاح الناس وفي خرابه وصدّ الناس عنه فسادهم، وحفظ صلاحهم واجب، ودفع فسادهم لازم.
والقرآن الكريم ينادي بقوله تعالى:
(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 251).
وقوله تعالى:
(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج/ 40).
حيث يدل على لزوم الدفاع عن كيان المسجد، وحمايته، وانّه فضل إلهي يؤتيه من يشاء ويصرفه عن من يشاء، وانّ الدافع هو من جنوده تعالى، وانّ الناصر هو من أنصاره، وانّه لولا الدفع والنصر المذكور لهدمت بيوت الله في الأرض التي يذكر فيها اسم الله، فإذا هدمت ومنع ذكر الله وصار نسياً منسياً فسدت الأرض، حيث انّ صلاحها وصلاح أهلها بذكر الله الذي يأمر بالقسط وكذا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ويعظ الناس لعلهم يتقون ويفلحون.
ومن هذا يتبيّن فضل الدفاع والجهاد في سبيل الله على غيره من الطاعات والحرمات، لأنّ الصلاة وإن كانت عمود الدين، والمسجد وإن كان بيت الله في الأرض، إلا انّه لولا الدفاع والقيام لما بقى من الصلاة شيء ولما دام من المسجد أثر، بل ينعدمان رأساً، ويذهب الصلاح بذهابهما، ولفسدت الأرض بأسرها، ولظهر الفساد في البر والبحر بما يكسبه الناس الذين قتلوا النبيين بغير حق وهدموا صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود ومساجد المسلمين وهي المراكز الهامة لذكر الله.
وكما انّ الدين الإلهي هو حقّ فطري للناس المفطورين، عليه، كذلك حمايته والذب عنه وطرد الطاغي عليه حقّ فطري للناس الجبولين عليه، فعليهم أن يقدموا بهذا الحق الفطري بل لهم أن يقوموا به، فإذا قاموا به صلحوا وصلحت الأرض، وإذا قعدوا عنه فسدوا وفسدت الأرض، ولعله كذلك كلّه جعل القرآن الجهاد والدفاع عن الحقِّ حياة طيبة للإنسان المجاهد والأُمّة المقاتلة في سبيله، حيث قال تعالى في سورة الأنفال بعد عدة آيات تأمر بالقتال في سبيله وبالاستقامة في ذلك وتنهى عن الفرار من الزحف وتدعو إلى لزوم إطاعة الله ورسوله وتزجر عن التولي عنه...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال/ 24).
حيث يدل على انّ القتال في سبيل الله، والدفاع عن دينه حياة معقولة يدعو الله ورسوله المؤمنين إليها، وانّ الجهاد حياة طيبة سواء كانت بالشهادة أو الفتح وكلاهما فتح مبين لأنهما قيام لله بالقسط فهما جنتان يتربص المؤمن إحداهما.
ويدل على انّ المجاهدين في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون سواء استشهدوا أو لا، لأنّ أرواحهم في الجنان وأبدانهم في العمل كما قال سيد المجاهدين في سبيله عليّ بن أبي طالب (ع) كما في النهج يدل على انّ القاعدين عن الدفاع أموات غير أحياء إذا لم يستجيبوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم من القتال في سبيل الله، ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، واطمأنوا بها.
فتحصل أنّه لولا الدفاع عن المساجد لفسدت الأرض وباد أهلها وهلك من عليها، ثمّ أنّه لا خير في الدفاع عن ذلك، بين دفع من أراد هدمها وسعى في خرابها بالتخريب الصوري، ودفع من أراد المكر بالناس وصدَّهم عن الصراط السوي ومنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله كما ينبغي وصرف الناس إلى ما لا يجديهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضراً، وجعل المسجد رهناً لهواه، وأسيراً لمناه، وعبداً لمشتهاه، ورقاً لمبتغاه، كما أفاده الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في كتابه إلى الأشتر حين ولاه مصر، لأنّه قال: "انّ هذا الدِّين كان أسيراً في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، ويطلب به الدنيا".
فتبيّن أنّه لا فرق بين ما فعله أبرهة وأراده من هدم الكعبة والمسجد الحرام، وما فعله المشركون من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام – مع جعله محلاً للأصنام ومعبداً للأوثان – وصد المسلمين عنه ومنع رسول الله (ص) والذين آمنوا معه أن يحجوها ويطوفوا حولها، إذ كلاهما سعى في خرابه وكلاهما صدَّ عن سبيله وكلاهما في النار، طوبى لمن قام ونهض واستشهد في سبيل الله تجاه المسجد الحرام الذي إذا نجا نجت المساجد كلها وإذا استرق وسبي وأسر أسرت المساجد كلها، وإذا أسرت المساجد أسر الناس جميعاً، يستعبد الطغاة اللئام، ومن ذلك يظهر انّ الكعبة البيت الحرام قيام للناس، فقوموا أيها المسلمون لنجاتها واستعينوا أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر في عتقها، لأنّه إذا صار البيت العتيق رقاً للطغاة يصير العتق رقاً فلا عتق في الأرض ولا حرية، في ساهرتها، ولا حر في البر والبحر، تدبّروا القرآن كيف يهتف بالقيام لحفظ المساجد المتجهة نحو المسجد الحرام، ولا تتخذوه مهجوراً، واحيوا المساجد أيها المسلمون بالعبادة والدراسة فيها، واختلفوا إليها ولا تتخلّفوا عنها في الجمعة والجماعة، حيث حدث مولانا الحسين بن عليّ (ع) عن جده رسول الله (ص)، أنّه قال: "من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال الثمانية؛ آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنة قائمة، أو علم مستطرف، أو أخ مستفاد، أو كلمة تدل على هدى، أو ترده عن ردى، وتركه الذنب خشية أو حياء[13] وإياكم والإكتفاء بعمارة أحجارها وجدرانها وسقوفها التي لا تضر ولا تنفع إذا لم يكن هناك قيام بالقسط وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وحفظ لحدود الله.
المقام الثاني: فيما للمحراب من الخصائص وتحقيق ذلك في طيّ أمور:
أحدها: انّ المحراب هو الموضع العالي المشرف، وهو صدر المجلس، ومنه سُميّ محراب المسجد. وهو صدره وأشرف موضع منه.
ويقال: محراب المصلى مأخوذ من المحاربة. فإنّ المصلي يحارب الشيطان، ويحارب نفسه باحضار قلبه.
وفي حديث عن علي (ع): فأبقيت عليهم رجلاً محراباً، أي معروفاً بالحرب، عارفاً بها (والميم مكسورة من أبنية المبالغة كالمعطاء من العطاء).
وقال ابن عباس في عليّ (ع): ما رأيت محراباً مثله.
ثانيها: انّ محراب المسجد بمنزلة رأسه وعينيه الناظرة إلى الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس فجميع ما كان أو يكون للمسجد من الخصائص والأحكام يثبت للمحراب بطريق أولى، وجميع ما يكون لمن في المسجد من الوظائف والتكاليف يثبت للإمام الذي يستقر في المحراب كذلك، لأنّه رائد القوم ووافدهم إلى الله وكلّ ما كان يتوقع من المسجد من البركة والمعنوية يترقب المحراب بنحو أحسن.
ولقد عدّ القرآن الكريم بعض بركات المحراب المعنوية حيث قال تعالى:
(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)[14] (آل عمران/ 37-39).
هذه البركات والأدعية المستجابة وإن كانت لنفوس زكية، إلا انّ لشرافة المحراب الذي يصلى فيه أثراً لا ينكر وسهماً لا يدفع.
ومن ذلك قوله تعالى:
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (مريم/ 11).
إنّ عبادة مريم وخلوصها لله كان في محرابها الخاص لها، ولما رآها زكريا وشاهد منها ما شاهد من الرزق الغيبي المشهود لديها اشتاق إلى ولد صالح طيب. ودعا ربه بقوله:
(رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، فاجيبت دعوته وبشرته الملائكة وهو قائم يصلي في محرابه بيحيى سيداً وحصوراً أمره الله تعالى بقوله:
(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) (مريم/ 12).
وآتاه الحكمَ صَبياً، وحناناً من لدنه، وزكاةً، وكان تقياً، وبراً بوالديه، ولم يكن جباراً عصياً، ولقد استشهد في سبيل الله قياماً بالقسط وأهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، والسلام عليه يوم ولد ببركة المحراب ويوم قتل في سبيل الله ويوم يبعث حياً.
ثالثها:
إنّ الصلاة حرب، ومكانها محراب، والمصلي مجاهد في سبيل الله، وحرب لمن حارب الله ورسوله، كما انّه سلم لمن سالم الله ورسوله.
والذي ينبغي التوجه التام نحوه هو انّ المجاهد في الله يهتدي إلى سبيله، ولا يهيم أبداً، ولا ينهزم أصلاً، سواء كان مجاهداً لعدوه الخارجي، أو لهواه الداخلي الذي يكون هو أعدى عدوه، حيث قال رسول الله: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك".
وانّ الذي أوقد نار الحرب لا ينجح أبداً لأنّ الله يطفئها، حيث قال تعالى:
(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) (المائدة/ 64).
فأي نار أوقدها العدو يخمدها الله ويمحو أثرها إما بأمره الخاص حيث قال تعالى:
(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء/ 69).
وإما بغير ذلك لأنّه تعالى غالب على أمره ولا يعجزه شيء، فعلى المصلي أن يطفئ كلّ نار أوقدها الأعداء أو الأهواء في محراب عبادته ثقة بقوله تعالى:
(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ).
وعليه أن يخمد ناره أوّلاً، حتى يقدر على إطفاء نار أوقدها غيره ثانياً.
حيث قال رسول الله (ص): "ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى مَلَكٌ بين يدي الله: أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفؤها بصلاتِكُم"[15].
فما دام الإنسان يحترق بنار العصيان التي أوقدها على ظهره، لا يقدر على إطفاء نار أوقدها غيره. فعلى الإنسان أن يصلي في محرابه، ويطفئ نيرانه التي أوقدها أوّلاً، ثمّ يجاهد في سبيله حتى يطفئ نار الحرب التي أوقدها الأعداء ثانياً. ولا يوفق لإطفاء نار الحرب إلا من وفقه الله في محراب عبادته لإطفاء نيران عصيانه، ولعله لذا قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة/ 111).
إذ لا يشتري الله من غير المؤمن، لأنّه تعالى لا يتقبل من غير المتقي، فمن لم يظفر في محراب عبادته لإطفاء نيران غضبه وشهواته وجهله لا يظفر في محراب جهاده ودفاعه لإطفاء ما أوقده الأعداء وإن كان الله تعالى يطفئها البتة ولكن بأيدي الصالحين من عباده، حيث قال تعالى:
(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمّد/ 38).
واعلموا عباد الله: انّ وعد الله حقّ، وقوله صدق، وهو يقول الحقّ ويهدي السبيل، ومن أصدق منه تعالى قيلاً، ومن أصدق منه حديثاً وهو تعالى قال:
(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ).
وقال تعالى:
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة/ 32).
وقال تعالى:
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف/ 8).
فكما لا يقدر أحد على إطفاء نور الشمس بنفخة تخرج من فيه، كذلك لا يقدر على إطفاء نور الله بذلك، بل هو أشد امتناعاً، فجميع ما قاله الله تعالى هو نور لا يطفأ أبداً ولا يطفئه أحد أصلاً، لأنّه نور السماوات والأرض ولله تعالى جنودهما، ومن ذلك النور الإلهي الذي لا يطفئه أحد هو هذا الوعد الإلهي الصريح إلى قوله تعالى:
(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ).
فقوموا أيها المسلمون فأطفئوا نيران الحرب التي أوقدها الطغاة اللئام في شرق الأرض أو غربها، وانفروا خفافاً وثقالاً في سبيله، وخذوا حذركم وانجوا المستضعفين الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، واعلموا عباد الله انّ الله يعذبهم بأيديكم وينصركم عليهم، فالبلاد الإسلامية هي المحاريب لهم وكل مسلم فهو بنفسه محراب كما كان عليّ بن أبي طالب (ع) محراباً والصلاة عين الحياة، منها يفور ماء الحياة الذي يطفئ أيّ نار أوقدها أو يوقدها الأعداء. فاعتصموا بالصلاة وحافظوا عليها سيما الجمعة والجماعة لأنها تكفي في الإطفاء إذا اقيمت وتنفع في الإخماد إذا صليت بوجهها، لأنها عمود الدين وقربان كلّ تقي.
واعلموا عباد الله أنّ الذي بايع الله ورسوله، وباع نفسه وماله، لا يملك لنفسه شيئاً ولا يصح له التصرف فيهما إلا بإذنه، فليس له أن يرغب بنفسه عن الإسلام، ليس له أن يبخل بما له، بل عليه أن يحارب من حادَّ الله ورسوله بنفسه وماله، وعليه أن يكون محراباً باتجاه الطغيان، فيقتل أو يغلب ولا سبيل عدا هذين، لأنّ القرآن الكريم قد حصر الحرب في سبيل الله بأمرين لا ثالث لهما حيث قال تعالى:
(وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/ 74).
حيث أفاد أنّ المقاتل في سبيل الله يختار أحد أمرين إما الشهادة وإما الفتح، يقتل فيصير شهيداً، أو يغلب فيصير قائماً، ولا محيص عن أحدهما، ولا ثالث لهما، إذ ليس له الفرار من الزحف، وكذا ليس له المداهنة والإنقياد، وليس له ايهان ولا ادهان، بل إنما عليه أن يقتل أو يغلب، وهذه هي الحرب، وذاك هو المحراب، سواء كان تجاه الاعتداءات الخارجية، أو الأهواء المردية الداخلية.
آية الله الجوادي الآملي
الهوامش:
[1]- وسائل باب (14) من أبواب أحكام المساجد.
[2]- باب (38).
[3]- باب (27).
[4]- باب (68).
[5]- باب (35).
[6]- باب (41).
[7]- باب (47) من أبواب أحكام المساجد.
[8]- باب (69).
[9]- باب (2) من أبواب أحكام المساجد من الوسائل.
[10]- باب (22) وكذا في موطأ مالك، ص22.
[11]- جامع أحاديث الشيعة للبروجردي (قده)، ج2، ص150.
[12]- الوسائل باب (27) من أبواب أحكام المساجد.
[13]- جامع أحاديث الشيعة للبروجردي – قدس سره – ج، 2، ص145.
[14]- نهاية ابن الأثير ومجمع البحرين للطريحي.
[15]- الوسائل، باب 3 من أبواب المواقيت.