من ذا الذي يدرك ابعاد ليلة القدر، الليلة التي باركها الله تعالى لخلقه بالوحي والتنزيل، وجعلها زماناً لتقدير شؤون العالمين، من ذا الذي يدرك عظمة الوحي، وجلال الملائكة والرّوح، ومعاني السلام الالهي. من ذا الذي يعرف عظمة القرآن الذي هو نورٌ من اللُطف الالهي الذي يصل الارض بالسماء.
انها ليلة فوق مدى استيعاب الانسان بكل ابعادها وفضائلها، وعلى الانسان ألّا يتصوّرفي آنٍ او مكان انه قد بلغ علم تلك الليلة، أواحاط به بمجرد معرفة بعض ابعادها، فليس شأنها ممّا يمكن للانسان ان يدركه بنفسه، لأن ذلك سرٌّ من اسرار الله تعالى في الزمان كما هو سرّه في المكان وفي الاشخاص، بل يسعى ويسعى حتى يبلغ المزيد من معانيها، وكلما استطاع الحصول على مغانم اكبر منها ما استطاع الى ذلك سبيلا.
فقد روي عن الامام الصادق عن الباقر (عليهما السلام) عندما سُئل عن فضل ليلة النصف من شعبان: (..انها الليلة التي جعلها الله تعالى لنا اهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا "صلى الله عليه وآله"..)
إذنْ هي عظيمة بعظمة من جُعلت له. ومن ذا الذي يعرف محمدا (صلى الله عليه وآله) حق معرفته، ((إن هو إلاّ وحيٌ يوحى))، وهو الذي يقول: (يا علي لايعرفني إلاّ الله وانت..)
سميت بهذا الاسم لعدة اسباب نذكر بعضا منها:
- لشرفها وعِظَم قدرها عند الله، فالقدر هو الشرف والرفعة وعلو الدرجة والمنزلة الرفيعة: ((انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين)) الدخان: 3
- وقيل لأن فيها تقدير شؤون الخلائق، وما يكون في تلك السنة: ((فيها يفرق كلَّ أمرٍ حكيم))الدخان: 4
- وقيل لأن فيها انزل الله تعالى كتاباً قديراً بوساطة مَلك ذي قدر على رسول ذي قدر على امة ذات قدر، ولأن الذي يحييها يكون عند الله ذا قدر عظيم، وقال آخرون بالاسباب كلّها.
وقد اختلفت الاحاديث في تحديدها، فقد جاء في بعض الاحاديث:
التمسوها في العشر الأواخر، وجاء في حديث رواه ابو حمزة الثمالي عن الامام الصادق ع هي واحدة من ليلتين؛ احدى وعشرين وثلاث وعشرين، وفي حديث يروى عن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) يحدد فيه ليلة ثلاث وعشرين، حيث قال عبد الله بن انيس الانصاري المعروف بالجُهَنيّ لرسول الله ص: ان منزلي ناءٍ عن المدينة فمُرني بليلة ادخل فيها، فأمره بليلة ثلاث وعشرين.- ومن هنا سُميت ليلة الجُهَنيّ-، وقد روي عن الامام الصادق(عليه السلام)انه قال: التقدير في ليلة القدر التاسعة عشر، والابرام في ليلة احدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين.
ومن هنا يرى اغلب فقهاء الامامية ان ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين، بينما التاسعة عشر واحدى وعشرون هما وسيلتان اليها، فمن وفّق فيهما كان اقرب الى رحمة الله فيها.
ومن علاماتها ان تطيب ريحها، وان كانت في بردٍ دفئت، وان كانت في حرٍ بردت وطابت. وعن النبي(صلى الله عليه وآله): انها ليلة سَمِحة، لاحارّة ولا باردة، تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع.
اما اعمالها فقد اكدت الروايات على احيائها بقراءة القرآن، والدعاء، والصلاة، والاستغفار، والتسبيح، وزيارة الامام الحسين(عليه السلام) فإنه شريك القرآن وخليفة الرحمن ووارث الانبياء والاوصياء.
ومن هنا كان لجريدة صدى الروضتين ان تلتقي ببعض الاخوة الزائرين لمرقدي سيد الشهداء واخيه ابي الفضل(عليهما السلام) ليدلوا بآرائهم وانطباعاتهم عن فضل الزيارة بهذه المناسبة:
الشيخ باسم عبد الله الكربلائي/ قسم الإرشاد والتوجيه الديني في العتبة العباسية المقدسة:
هي ليلة لها قيمة حقيقية، وانها ليلة عظيمة الشرف، وقد اعطاها الله تعالى اهمية كبيرة تختلف عن باقي الليالي، هذه الليلة لها بعد ايماني، تقوائي، روحاني، عرفاني لأن الله تعالى انزل كتابه فيها، وان فيها اسرارا لا يعلمها إلاّ الله تعالى، فعلى الانسان ان يستثمر هذه الليلة بقراءة القرآن والتهجد والعبادة بالاتجاه الحقيقي نحو الله سبحانه وتعالى. ومن المستحبات المؤكدة في هذه الليلة زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، فبحسب ما لدينا من روايات ان ثواب زيارة الامام الحسين ع في ليلة الجمعة يعادل ثواب سبعين حجّة، وان الزائر يصافح (124)الف نبي، فما بالك بليلة هي خير من الف شهر والثواب فيها اضعافا مضاعفة، وما نشاهده الآن من اقبال واسع ومن كل اقطار الارض على زيارة المولى ابي عبد الله واخيه ابي الفضل (عليهما السلام) دليل على مستوى الزائر ووعيه بأهمية الزيارة في هذه الليلة، ومدى ارتباط الامام الحسين ع بليلة القدر والقرآن وقداستهما.
الدكتور باسم ابراهيم العبدلي/ امين عام مجلس جامعة بغداد:
نحن هنا إذ نحيي ليلة القدر تحت قبتي الامام الحسين واخيه ابي الفضل(عليهما السلام) نرفع ايدينا جميعا بالدعاء لله تعالى ان يمنّ علينا وعلى بلاد المسلمين بالأمن والأمان والاستقرار، وان يجعلنا من القائمين والقانتين لإحياء هذه الليلة المباركة، هذه الليلة العظيمة ففيها انزل القران وفيها تنزّل الملائكة، وهي خير من الف شهر اما فيها من الثواب والمغفرة، وما نراه اليوم هنا في العتبة العباسية المقدسة من اجواء روحانية ما يبعث فينا الخشوع، فما بين قائم يصلي، وقارئ للقرآن، ومستغفرٍ، وداعٍ، ومهلل يعزز ذلك الترابط الاسلامي الموجود بقوّة في هذه الليلة وفي هذه البقعة المباركة، فنشاهد الزائرين من مختلف البلدان العربية والاسلامية يدعون لنصرة المسلمين، والفرج لولي العصر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف).
السيد شاهنشاه حسين الشيرازي/ من باكستان:
ليلة القدر، الليلة الثالثة والعشرون من شهر رمضان المبارك هي من اهم الليالي في السنة كلها ففيها أنزل القرآن وفيها يغفر الله لعباده المؤمنين، وفي بعض الاحاديث، ان من لم يغفر له الله تعالى في هذه الليلة لايغفر له إلاّ في عرفة، ونحن الآن في كربلاء لزيارة سيد الشهداء ع لأن زيارته سلام الله عليه في هذه الليلة من الاعمال المؤكدة لإرتباط هذه الليلة بالنبي الكريم ص والقرآن وارتباطه عليه السلام بهما.
الاخ الزائر رحيم عبد كيطان/ محافظة بغداد – مدينة الكاظمية:
هذه هي المرة الاولى التي نحيي فيها ليلة القدر في رحاب الامام الحسين واخيه قمر العشيرة(عليهما السلام)وقد شاهدنا التطور الكبير الذي تشهده العتبتان المقدستان وعلى جميع الصعد والاتجاهات، بالاضافة الى موائد الافطار وتوزيع الشاي والتنظيم الرائع والانسيابية الباهرة في حركة الزائرين والاجواء الايمانية جعلنا نؤدي مراسيم الزيارة بكل راحة واطمئنان. نسأل الله ان يوفق الجميع وان يتقبل منهم بأحسن القبول.
الاخ الزائر مرتضى محمد/ محافظة بابل:
قدمنا لزيارة الامام الحسين(عليه السلام) في هذه الليلة المباركة لأنه القرآن الناطق وخليفة الله وحجته على خلقه، ولما له ولآل بيته من حب في قلوبنا، ولما لثراه من قداسة آثرنا ان نحيي ليلة القدر هنا حيث الطهر والشهادة. نسأل الله ان يتقبّل منا ومن سائر المؤمنين ويحشرنا مع محمد وآله الميامين.