أشهد أن الذكرى رحم ولود، والصلاة في الحرب قتال، فيا ابن زياد، توابيت الشهادة دائماً هي التراب، لذلك قررت أن أصعد متوجاً بدمي الصارخ في وثبات الحروب.
أنا قيس بن مسهر الصيداوي، على محض هلاك كان معاوية الذل هباء تضرجه اللعنة بدم فاسد، فاجتمعنا خشية أن يرث المعفون هباء آخر... اجتمعت الكوفة في حدقة عين، فنبض قلبها الحسين بن علي (عليه السلام)، رفض بيعة تئن من هولها التواريخ، رفض بيعة يزيد، فحملت التواقيع قلباً ينبض بالبهجة واليقين...
سيدي يا حسين، سلام الله عليك يقظة الهامات المتمردة على السيوف، تستنهض العزم أشلاء صحوة تريد أن تثور، سمعتها ولولة الكتب المرسلة اليه، مهما كانت مزاياها، لو لم ينهض لها سيدي أبو عبد الله (سلام الله عليه)، لنفخوا في موتها يوما ثورة، وقالوا: لقد هدر الحسين نبضها، فزاغت الى التيه..
نهض ليرسل معنا سيدي مسلم بن عقيل:- أوصيك باللطف والتقوى، وكل وصايا سيرة ملكت رحمة السلام.
أصيح: يا ابن زياد، ألقن مسامعك الوصايا، لتدرك أن اسطورة مجدكم غزاها العنكبوت..!
أنا الذي سأصعد، وأنا الذي سيهوى بجسدي الارض، لكن تأكد انك انت من سيطيح، افترش مسلم بن عقيل سجادة المدينة؛ ليصلي في مسجد رسول الله (ص)، ودع الاهل والاحباب، وسرنا فرحة جبلت بالتقى، والأمل في العيون يتوهج ربيعا وسط هذا الجدب الحالك العطش، فكانت الخطى أحداقا راجلة تمشي الى الالفة، فأخصبت رؤى من ولاء لا يطاول.. لاقنوط، مادامت البيوت مهود كل حلم، يحمل الثورة يقظة لا تمارى.
خذ يا قيس كتابي الى مولاك الحسين، يا لزهوي، وأنا وعابس وشوذب نحمل سارية الازمنة وأمكنة الدهور، وعهود فوارس كل عصر لا يكبو فيه فرس الحلم، كنا نستظل بحكمة مولاي الحسين (عليه السلام)، دمنا كان حينها يفور وتفور ضلوع البرق في عنفوان كل نفس يرجز بالثبات.
هكذا كنا معه حشد تفرس في خلايا كل موقف صبور.. سرنا معه، كنت املي النفس يا ابن زياد ان ارتجز الحرب بلسان هذا السيف المركون على ظاهرة التراب، لكن عند (الرمة) استوقفني مولاي الحسين (عليه السلام)؛ ليبعث معي كتابا الى مسلم بن عقيل والشيعة بالكوفة، حملت الروح نذرا في غايات هذا المدى، وإذا بأذناب العروش من تيه حصين بن نمير يسيروني اليك.
انا فرح جدا؛ لكوني استطعت ان اخرق الكتاب، فلا تعرف ما فيه، عبثا صراخك الارعن هذا يا ابن زياد...
:- دع عنك الهذيان يا قيس، واخبرني الى ايهم كان المقصد، وان لم تخبرني الاسماء فعليك ان تصعد رئة المنبر؛ كي تلعن من سقاك ورد الحقد ضد يزيد، اصعد يا قيس، وأنا سأحجب عنك الموت بهيا بنداك.
:- نعم سأصعد يا ابن زياد، وأدرك ان جموح الفتك سيزرع رمحه، سيفه، او ربما يدا تهوي بي الى ألفة موت عتيد، أطلت اظافر صوتي لتخدش مسامعكم.. متى ما ارتقيت صوتي.. ايها الناس، ان الحسين (عليه السلام) خير خلق الله.. أسمعت يا ابن زياد، ان الحسين (عليه السلام) خير خلق الله، هو ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله خير خلق الله.
بقى ابن زياد اسير دهشته امامي، فصحت:- أنا الممرع طيفا حد اخضرار الفصول، انا رسول الحسين اليكم، ما اجملني حين احمل العهد شهيدا.
:- ايها الناس، لقد فارقته بالهاجر من الرمة فأجيبوه، يا ابن زياد، لعنة الله على احداق تسعد برؤياك، وأمان تجني ثمارها من غصن ذليل.
صاح ابن زياد حينها بغضب:- ارموه، فهويت الى الارض مقطعة اضلاعي.
:- يا ابن زياد، حين هوى جسدي الى الارض، ارتقيت المجد جرح ذاكرة وصوت نداء.
تعليق