بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
المكافأة معادلة، أي مساواة لأنّها مأخوذة من التكافؤ، إحسان = شكر، يقول الشاعر:
يهوى الثناء مبرّزٌ ومُقصّرٌ **** حُبّ الثناء طبيعة الإنسان
ولكن.. ماذا إذا لم يشكر الإنسان الإحسان والمحسن إليه؟ هل يكون ذلك واقعاً وباعثاً على (قطع سبيل المعروف) عند الذين اصطدموا بأناس لم يقدروا قيمة الإحسان، بل قابلوا الإحسان بالشرّ، حتى قيل: "اتق شرّ من أحسنت إليه" وقد يذكرونك بـ(النعمان) في قتله لـ(السنمّار) وبـ(عبدالرحمان بن ملجم) في قتله لأمير المؤمنين علي (ع) وربّما غيرهم.
لماذا مقابلة الإحسان بالإساءة، والخير بالشرّ؟
الدراسات النفسية في هذا المجال تشير إلى أنّ المحسن إليه – إذا كان سيِّئ الطبع منحرف المزاج خبيث السريرة – يشعر أنّ إحسان المحسن تفضل عليه، وأنّه أدنى من المحسن درجة لأنّه تلقّى الإحسان ولم يقدِّم الإحسان، فبدلاً من أن يعتبر الإحسان جميلاً أو معروفاً يداخله الحسد والغيرة من المحسن فلا يذكر له فضله، بل قد لا يعتبره فضلاً ألبتة، وإنّما يراه حقاً له عنده، وأن من واجب المحسن أداء هذا الحقّ إليه، أحد الشعراء التفت إلى هذه الظاهرة الإنحرافية، فقال:
كم نسجنا ثياب قوم بأيدنا **** أترى الفضل فكرة لفّقتها
فلمّا ارتدوا رأونا مغازل **** حاجة الأرض للناس الأفاضل؟!
فإنّ كنت ممّن ينتظرون (الجزاء) أو (المقابل) أو (العوض)، فإنّه فرص العمل بالمعروف والإحسان والجميل، ستتقلّص لديك أو أمامك، فرغم أنّ الذي يلقي التحية ينتظر ردّ التحية، وأنّ الجزاء الطبيعي للإحسان هو الإحسان؛ لكنك إذا أردت أن تعلوا ببنائك الروحي، وأن ترتقي بمستوى إنسانيتك، إعمل على طريقة المثل الشائع: "إعمل خيراً وارمه في البحر فإذا أنكرته الأسماك ولم تشكره لك، فإنّ الله يذكره ويشكره"، وقيل في الأسلوب العملي للتعاطي مع مسألة التعويض: "لا تبخل بالشكر على أحد ولا تنتظر الشكر من أحد"! ففي حين أنّك مطالب، بوحي من إنسانيتك طبعاً، أن تثني وتشكر وتكافئ لا تمني نفسك كثيراً بالشكر والثناء والمكافأة من الآخرين.
كيف نعالج هذه الإشكالية في سوق الحياة المادية التي تقول لك: كل شيء بثمن.. (ادفع الثمن) (تستلم البضاعة) لا بضاعة بلا ثمن، المعالجة الإسلامية هي:
نعم، كل شيء بعوض؛ ولكن ليس بالضرورة أن يكون العوض مادياً، والأجر مالياً. الإسلام يلخّص نظرته تلك بالقول: "اصنع الخير مع أهله، ومع غير أهله، فإن لم يكن من أهله فأنت من أهله"!
الطبيعة من حولنا معلّمٌ مخلص، تُقدِّم لنا وسائل إيضاح رائعة، تعال نتعلّم بعض دروسها: الشمس تشرق على البرّ والفاجر، على الجاحد والشاكر، على العجلان والصابر، وعلى العامل والعاطل، والفاعل والخامل، والظالم والعادل، تهب دفنها ونورها للجميع بلا تفرقة عنصرية أو طائفية أو دينية، قد لا يرفع أحدهم يده – وهو يتنعّم بالدفء وبالنور – ليلقي التحية على الشمس أو يشكرها على حسن معروفها هذا اليوم؛ لكن ذلك لن يمنع الشمس أو يوقفها عن أن تمارس عطاءها وبنفس الروحية في اليوم التالي!
ينبوع الماء المتدفق من الأرض ماسياً، نقياً، لذيذاً، بارداً، ثرياً، منعشاً، لم يكتب لافتة على مقربة منه تقول: "ممنوع الشرب إلا للشاكرين"! ماؤه مشاعٌ ومباحٌ للجميع، وحتى لو (بصق) عليه جاحد، وألقى عليه حجراً حاقد، لما كفّ عن التدفّق والإرواء، إنّه أكبرُ من هذه (الصغائر)!!
شجرةُ الوردِ الجوريّ المتفتح في هذا الصباح الربيعي الجميل، لم نسمع أنّها منعت أحداً من الكافرين بالزهور وروائحها العطرة ومناظرها النضيرة من أن يشمّها، بل حتى الذي يقطعونها ثمّ يرمونها على قارعة الطريق، لا تحول الجورية دون شمهم لأزهارها..
النحل يصنع العسل بجهود متضافرة، وهو غذاؤه، ورغم أنّ الإنسان يشاركه غذاءه بحصّة الأسد؛ لكن نحلة لم تفكر قط في غلق أبواب مصنع العسل لأنّ الإنسان يشاطرها غذاءها.
تقولُ لي إنّ (الشمس) و(الينبوع) و(الزهرة) و(النحلة) لا يملكون قابلية المنع، هم مخلوقون للعطاء فقط..
هذا اعتراف جميل..
وهذا هو الدرس الذي ألمحنا إليه والذي لابدّ لنا من أن نتعلّمه ونُعلِّمه في مدرسة (الشمس) ومدرسة (الينابيع) ومدرسة (الزهور) ومدرسة (النحل)..
هذا أمر.. الأمر الآخر هو أنّنا نتقاضى على عمل المعروف أجرين: عاجل وآجل، كيف؟
الآجل:
قال أمير المؤمنين علي (ع) لكميل بن زياد: "يا كميل! مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة مَن هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق اللهُ له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة، جرى إليها كالماء في إنحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الأبل".
تحليل النص:
الرواح: السير بعد الظهر **** الإدلاج: السير من أوّل الليل
النصّ من العيار الثقيل لسببين: (القسم) الذي ينطوي عليه، و(القاعدة الكلّية) التي يرتكز عليها، فهو يقسم بالله أن (ما من أحد) أي كل عامل بالمعروف والإحسان والجميل، سيجني من (زراعته) (حصاداً).. ما هو؟
أنت تزرع (سروراً) فتحصد (لطفاً)!!
والتعبيرات هنا ليست عاطفية أو وجدانية، فالسرور (عمل)و(اللطف) عمل، تُقدِّم خدمة، وتسدي معروفاً، وتقضي حاجة، يقاضيك[1] الله بها بأن يقيّض[2] لك مَن يخدمك في الوقت الذي تكون فيه بحاجة إلى الخدمة! دعونا نشبه لذلك بمثل:
بنوك أو مصارف الدم عادة ما تهب المانح أو المتبرع بالدم هوية، وتقول له: متى احتجت إلى الدم، أنت أو أحد من أقربائك، فالمصرف يتعهد بتقديمه لك مجاناً!!
تتبرّع بالدم وأنت في غنى عنه، ويتبرّع إليك به، وأنت أحوج ما تكون له، فتأمّل!
وآجلاً:
نحنُ كمؤمنين نؤمن أنّ الله لا يضيع عمل عامل منّا من ذكر أو أنثى، لأنّه قال ذلك في كتابه وهو أصدق القائلين، والأوفى بوعده إذا وعد، فأيّما عمل من أعمال المعروف والجميل والإحسان، مهما كان صغيراً فسوف لن يضيع عند الله قط، وكتابه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، كلّ عمل صالح أو نافع وجميل وطيّب مدخر عنده، و(فوائد ربوبية) بل وربوية أيضاً، بمعنى أنّها (تربو) عند الله، وتزداد وتتضاعف، قد ننساه نحن؛ لكنّه يذكر لنا ويكافئنا عليه في يوم الفقر والفاقة، وبهذا يمكن القول: المكافأة على الجميل والمعروف مكافئتان: (عاجلة منتظرة) و(آجلة مدخرة)، وما عند الله خير وأبقى.
هذه النظرة، أو النظرية الإسلامية مختلفة تماماً عن نظرية (الإحسان لأهله) و(المعروف في موضوعه) أو قول (المتنبي):
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته **** وإن أنت أكرمتَ اللئيم تمردا
أو قول الشاعر الآخر:
ومَن يزرع المعروف في غير أهله **** يجازي كما جوزي مجير أمّ عامر
و(أم عامر) كنية الضبع، فالذي يجير ضبعاً فقد يفتك به الضبع أو قول الشاعر الجاهلي (زهير بن أبي سلمى):
ومَن يفعل المعروف في غير أهله **** يكن حمده ذمّاً عليه ويندم
إنّ نظرية مقابلة (الإساءة بالإحسان) أو ردّ الإحسان بأحسن منه التي هي نظرية إسلامية يُعرِّفها أحد الشعراء بقوله:
إزرع جميلاً ولو في غير موضعه **** فلا يضيع جميلاً أينما زرعا
هذه المقابلة أو المعاملة أتت بنتائج مذهلة على صعيد انقلاب المسيئين إلى معترفين بفضل المحسنين، ذلك أنّ إحساس المسيء بصدق المحسن، وأنّه لم ينكمش ولم يجحم عن الإحسان رغم ما جوبه به من إساءة، كاف بحد ذاته على إشعار المسيء أنّ المحسن أفضل منه، إذ كان بإمكانه أن يقابل الإساءة بإساءة المنع أو الحجب؛ لكنّه لم يفعل لأنّ روحية العطاء هي الغالبة لديه.
----------------------------اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
المكافأة معادلة، أي مساواة لأنّها مأخوذة من التكافؤ، إحسان = شكر، يقول الشاعر:
يهوى الثناء مبرّزٌ ومُقصّرٌ **** حُبّ الثناء طبيعة الإنسان
ولكن.. ماذا إذا لم يشكر الإنسان الإحسان والمحسن إليه؟ هل يكون ذلك واقعاً وباعثاً على (قطع سبيل المعروف) عند الذين اصطدموا بأناس لم يقدروا قيمة الإحسان، بل قابلوا الإحسان بالشرّ، حتى قيل: "اتق شرّ من أحسنت إليه" وقد يذكرونك بـ(النعمان) في قتله لـ(السنمّار) وبـ(عبدالرحمان بن ملجم) في قتله لأمير المؤمنين علي (ع) وربّما غيرهم.
لماذا مقابلة الإحسان بالإساءة، والخير بالشرّ؟
الدراسات النفسية في هذا المجال تشير إلى أنّ المحسن إليه – إذا كان سيِّئ الطبع منحرف المزاج خبيث السريرة – يشعر أنّ إحسان المحسن تفضل عليه، وأنّه أدنى من المحسن درجة لأنّه تلقّى الإحسان ولم يقدِّم الإحسان، فبدلاً من أن يعتبر الإحسان جميلاً أو معروفاً يداخله الحسد والغيرة من المحسن فلا يذكر له فضله، بل قد لا يعتبره فضلاً ألبتة، وإنّما يراه حقاً له عنده، وأن من واجب المحسن أداء هذا الحقّ إليه، أحد الشعراء التفت إلى هذه الظاهرة الإنحرافية، فقال:
كم نسجنا ثياب قوم بأيدنا **** أترى الفضل فكرة لفّقتها
فلمّا ارتدوا رأونا مغازل **** حاجة الأرض للناس الأفاضل؟!
فإنّ كنت ممّن ينتظرون (الجزاء) أو (المقابل) أو (العوض)، فإنّه فرص العمل بالمعروف والإحسان والجميل، ستتقلّص لديك أو أمامك، فرغم أنّ الذي يلقي التحية ينتظر ردّ التحية، وأنّ الجزاء الطبيعي للإحسان هو الإحسان؛ لكنك إذا أردت أن تعلوا ببنائك الروحي، وأن ترتقي بمستوى إنسانيتك، إعمل على طريقة المثل الشائع: "إعمل خيراً وارمه في البحر فإذا أنكرته الأسماك ولم تشكره لك، فإنّ الله يذكره ويشكره"، وقيل في الأسلوب العملي للتعاطي مع مسألة التعويض: "لا تبخل بالشكر على أحد ولا تنتظر الشكر من أحد"! ففي حين أنّك مطالب، بوحي من إنسانيتك طبعاً، أن تثني وتشكر وتكافئ لا تمني نفسك كثيراً بالشكر والثناء والمكافأة من الآخرين.
كيف نعالج هذه الإشكالية في سوق الحياة المادية التي تقول لك: كل شيء بثمن.. (ادفع الثمن) (تستلم البضاعة) لا بضاعة بلا ثمن، المعالجة الإسلامية هي:
نعم، كل شيء بعوض؛ ولكن ليس بالضرورة أن يكون العوض مادياً، والأجر مالياً. الإسلام يلخّص نظرته تلك بالقول: "اصنع الخير مع أهله، ومع غير أهله، فإن لم يكن من أهله فأنت من أهله"!
الطبيعة من حولنا معلّمٌ مخلص، تُقدِّم لنا وسائل إيضاح رائعة، تعال نتعلّم بعض دروسها: الشمس تشرق على البرّ والفاجر، على الجاحد والشاكر، على العجلان والصابر، وعلى العامل والعاطل، والفاعل والخامل، والظالم والعادل، تهب دفنها ونورها للجميع بلا تفرقة عنصرية أو طائفية أو دينية، قد لا يرفع أحدهم يده – وهو يتنعّم بالدفء وبالنور – ليلقي التحية على الشمس أو يشكرها على حسن معروفها هذا اليوم؛ لكن ذلك لن يمنع الشمس أو يوقفها عن أن تمارس عطاءها وبنفس الروحية في اليوم التالي!
ينبوع الماء المتدفق من الأرض ماسياً، نقياً، لذيذاً، بارداً، ثرياً، منعشاً، لم يكتب لافتة على مقربة منه تقول: "ممنوع الشرب إلا للشاكرين"! ماؤه مشاعٌ ومباحٌ للجميع، وحتى لو (بصق) عليه جاحد، وألقى عليه حجراً حاقد، لما كفّ عن التدفّق والإرواء، إنّه أكبرُ من هذه (الصغائر)!!
شجرةُ الوردِ الجوريّ المتفتح في هذا الصباح الربيعي الجميل، لم نسمع أنّها منعت أحداً من الكافرين بالزهور وروائحها العطرة ومناظرها النضيرة من أن يشمّها، بل حتى الذي يقطعونها ثمّ يرمونها على قارعة الطريق، لا تحول الجورية دون شمهم لأزهارها..
النحل يصنع العسل بجهود متضافرة، وهو غذاؤه، ورغم أنّ الإنسان يشاركه غذاءه بحصّة الأسد؛ لكن نحلة لم تفكر قط في غلق أبواب مصنع العسل لأنّ الإنسان يشاطرها غذاءها.
تقولُ لي إنّ (الشمس) و(الينبوع) و(الزهرة) و(النحلة) لا يملكون قابلية المنع، هم مخلوقون للعطاء فقط..
هذا اعتراف جميل..
وهذا هو الدرس الذي ألمحنا إليه والذي لابدّ لنا من أن نتعلّمه ونُعلِّمه في مدرسة (الشمس) ومدرسة (الينابيع) ومدرسة (الزهور) ومدرسة (النحل)..
هذا أمر.. الأمر الآخر هو أنّنا نتقاضى على عمل المعروف أجرين: عاجل وآجل، كيف؟
الآجل:
قال أمير المؤمنين علي (ع) لكميل بن زياد: "يا كميل! مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة مَن هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق اللهُ له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة، جرى إليها كالماء في إنحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الأبل".
تحليل النص:
الرواح: السير بعد الظهر **** الإدلاج: السير من أوّل الليل
النصّ من العيار الثقيل لسببين: (القسم) الذي ينطوي عليه، و(القاعدة الكلّية) التي يرتكز عليها، فهو يقسم بالله أن (ما من أحد) أي كل عامل بالمعروف والإحسان والجميل، سيجني من (زراعته) (حصاداً).. ما هو؟
أنت تزرع (سروراً) فتحصد (لطفاً)!!
والتعبيرات هنا ليست عاطفية أو وجدانية، فالسرور (عمل)و(اللطف) عمل، تُقدِّم خدمة، وتسدي معروفاً، وتقضي حاجة، يقاضيك[1] الله بها بأن يقيّض[2] لك مَن يخدمك في الوقت الذي تكون فيه بحاجة إلى الخدمة! دعونا نشبه لذلك بمثل:
بنوك أو مصارف الدم عادة ما تهب المانح أو المتبرع بالدم هوية، وتقول له: متى احتجت إلى الدم، أنت أو أحد من أقربائك، فالمصرف يتعهد بتقديمه لك مجاناً!!
تتبرّع بالدم وأنت في غنى عنه، ويتبرّع إليك به، وأنت أحوج ما تكون له، فتأمّل!
وآجلاً:
نحنُ كمؤمنين نؤمن أنّ الله لا يضيع عمل عامل منّا من ذكر أو أنثى، لأنّه قال ذلك في كتابه وهو أصدق القائلين، والأوفى بوعده إذا وعد، فأيّما عمل من أعمال المعروف والجميل والإحسان، مهما كان صغيراً فسوف لن يضيع عند الله قط، وكتابه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، كلّ عمل صالح أو نافع وجميل وطيّب مدخر عنده، و(فوائد ربوبية) بل وربوية أيضاً، بمعنى أنّها (تربو) عند الله، وتزداد وتتضاعف، قد ننساه نحن؛ لكنّه يذكر لنا ويكافئنا عليه في يوم الفقر والفاقة، وبهذا يمكن القول: المكافأة على الجميل والمعروف مكافئتان: (عاجلة منتظرة) و(آجلة مدخرة)، وما عند الله خير وأبقى.
هذه النظرة، أو النظرية الإسلامية مختلفة تماماً عن نظرية (الإحسان لأهله) و(المعروف في موضوعه) أو قول (المتنبي):
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته **** وإن أنت أكرمتَ اللئيم تمردا
أو قول الشاعر الآخر:
ومَن يزرع المعروف في غير أهله **** يجازي كما جوزي مجير أمّ عامر
و(أم عامر) كنية الضبع، فالذي يجير ضبعاً فقد يفتك به الضبع أو قول الشاعر الجاهلي (زهير بن أبي سلمى):
ومَن يفعل المعروف في غير أهله **** يكن حمده ذمّاً عليه ويندم
إنّ نظرية مقابلة (الإساءة بالإحسان) أو ردّ الإحسان بأحسن منه التي هي نظرية إسلامية يُعرِّفها أحد الشعراء بقوله:
إزرع جميلاً ولو في غير موضعه **** فلا يضيع جميلاً أينما زرعا
هذه المقابلة أو المعاملة أتت بنتائج مذهلة على صعيد انقلاب المسيئين إلى معترفين بفضل المحسنين، ذلك أنّ إحساس المسيء بصدق المحسن، وأنّه لم ينكمش ولم يجحم عن الإحسان رغم ما جوبه به من إساءة، كاف بحد ذاته على إشعار المسيء أنّ المحسن أفضل منه، إذ كان بإمكانه أن يقابل الإساءة بإساءة المنع أو الحجب؛ لكنّه لم يفعل لأنّ روحية العطاء هي الغالبة لديه.
[1]- المقايضة: المبادلة، تعطي شيئاً فتأخذ من مقابله شيء.
[2]- يقيّض: يهيِّئ وييسر ويوفّر.
تعليق