( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه..)
ان اهم ما لدى الانسان المسلم عقيدته وفلسفته عن الكون والحياة وما ينبثق عنها من الواقع تطبيقي وعملي للحياة، فما من انسان يولد ويكبر إلا وكان تطلعه الى المعرفة والعقيدة في صدارة التطلعات، وهذا التطلع لا يقل أهمية عن نزوعه الى الأكل والشرب وتنسم الهواء.
وقد اشار الفيلسوف الالماني (كانت) الى هذا الحقيقة حيث قال: ( ما من انسان يولد إلاّ ومعه ثلاثة اسئلة :
الأول : مالذي يجب علينا معرفته ؟
الثاني : مالذي يجب علينا عمله ؟
الثالث : مالذي نرجوه ونعلق آمالنا عليه ؟ )
فهذه الاسئلة تضع الانسان امام مسؤولية كبرى في الحياة وتؤكد له انه الكائن الذي خلقه الله تعالى وجعله خليفة في الارض وجبله على معرفته والايمان بوجوده ، ايمانا لا يعتريه الشك ولا تلابسه الشبهات ولا تتخلخله الاوهام والخرافات ، وإلا لكان الانسان- بلا ايمان كما وصفه الله عزوجل في كتابه الكريم - ان كان كافر ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ًونداءً صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) البقرة آية 171- وان كان مشركا ( فمن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) الحج آية 31 – ويأتي قوله تعالى ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) تأكيدا على حقيقة آخرى : وهي ان الانسان الذي جَبل وفطر على معرفة الله والايمان بوجوده خلق بقلبٍ واحد لا يستوعب إلا ايمانا أو كفرا لا بقلبين حتى يؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر أو يحب باحدهما ويكره بالاخر ، فلا يمكن ان يجمع بين عقيدتين متناقضتين ، ولا يتجه اتجاهين ولا اتباعين متناقضين .
فالآية وغيرها من الآيات والنصوص التي تلتقي معها، تعالج حالة الازدواجية التي تعد من الأمراض الخطرة على شخصية الانسان المسلم وعلى الغايات التي خلق من اجلها ، وتؤكد له وحدة الموقف سواء على مستوى العقيدة والقناعة الفكرية ، او على مستوى العاطفة فيما تحب وتكره ، او على مستوى التطبيق والعمل ، فهناك ثلاثة اصعدة يرفع الله عزوجل فيها الانسان المسلم عن الازدواجية الى وحدة الاتجاه والموقف وهذه الاصعدة هي :
الأول : صعيد المعرفة والمعتقد ، حيث انكر الله تعالى على الجيل الأول من الذين امنوا بالله عزوجل وعرفوه ، ولكنهم خالطوا ايمانهم برواسب فكرية ومصالح وانانيات فكتموا الحق عن مسامع قومهم ليضلوا عن الله تعالى فقال عزوجل : ( لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون ) آل عمران/71. وقال ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون ) البقرة / 42. ومن ناحية آخرى اوضح القرآن الكريم نتيجة الموقف الواحد ، والايمان الثابت الذي لا يخالطه كفر أو شرك ، فقال تعالى ( والذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الانعام /82.
فالامان والاطمئنان والدعة وصدق الهداية وثبات الخطى على الخط الصحيح ، ثمرة الصدق والايمان وعمق المعرفة لذلك جاء في الدعاء ( اللهم عرفني نفسك فأنك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك ، اللهم عرفني نبيك فأنك ان لم تعرفني نبيك لم اعرف حجتك ،اللهم عرفني حجتك فأنك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن دينك ) .
وفي دعاء آخر ( اللهم اني أسالك ايمانا لا اجل له دون لقائك ، احيني ما احييتني عليه ، وتوفني إذا توفيتني عليه ، وابعثني اذا بعثتني عليه )
الثاني : صعيد العمل والاتباع ، لان الاتباع افراز عن الايمان والمعرفة وتصديق لواقع العقيدة حيث سئل رسول الله (ص) : مالايمان يا رسول الله ؟ فقال (ص) (ما وقر في القلب وصدقه العمل ).
محاضرات الشيخ
عبد الرزاق فرج الله الأسدي
تعليق