بسم الله الرحمن الرحيم
يقول آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي [قدس سره] :
قال عزّ مِن قائل : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) ١٧ : ٨٨ .
ونحن نرى النصارى وأعداء الإسلام ، يبذلون الأموال الطائلة في الحطّ مِن كرامة هذا الدين ، والنَيل مِن نبيِّه الأعظم ، وكتابه المقدّس ، ويتكرّر هذا العمل منهم في كلّ عام ، بل في كلّ شهر .
فلو كان مِن الميسور لهم أنْ يعارضوا القرآن ، ولو بمقدار سورة منه ، لكان هذا أعظم لهم في الحجّة ، وأقرب لحصول الأمنية ، ولَما احتاجوا إلى صَرْف هذه الأموال ، وإتعاب النفوس ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ٦١ : ٨ .
على أنّ مَن مارس كلاماً بليغاً ، وبالغ في ممارسته زماناً ، أمكنه أنْ يأتي بمِثْله أو بما يقاربه في الأسلوب ، وهذا مشاهَد في العادة ، ولا يجري مِثْل هذا في القرآن ، فإنّ كثرة ممارسته ودراسته ، لا تُمكِّن الإنسان مِن مشابهته في قليلٍ ولا كثير .
وهذا يكشف لنا أنّ للقرآن أسلوباً خارجاً عن حدود التعليم والتعلّم ، ولو كان القرآن مِن كلام الرسول وإنشائه ، لوجدْنا في بعض خُطَبه وكلماته ما يشبه القرآن في أسلوبه ، ويضارعه في بلاغته .
وكلمات الرسول - ص - وخُطَبه محفوظة مدوّنة تختصّ بأسلوبٍ آخر ، ولو كان في كلماته ما يشبه القرآن لشاع نقله وتدوينه ، وخصوصاً مِن أعدائه الذين يريدون كيد الإسلام بكلّ وسيلة وذريعة .
مع أنّ للبلاغة المألوفة حدوداً لا تتعدّاها في الأغلب ، فإنّا نرى البليغ العربيّ الشاعر أو الناثر ، تختصّ بلاغته في جهة واحدة ، أو جهتَين أو ثلاث جهات ، فيُجيد في الحماسة مثلاً دون المديح ، أو في الرثاء دون النسيب ، والقرآن قد استطرد مواضيع عديدة ، وتعرّض لفنون مِن الكلام كثيرة ، وأتى في جميع ذلك بما يعجز عنه غيره ، وهذا ممتنع على البشر في العادة.
________________________________
البيان في تفسير القرآن