خسرت قريش في معركة بدر الكبرى أشراف القوم وساداتهم، رغم عدم التكافؤ بينها وبين جيش النبيّ صلى الله عليه وآله، فقد كان المشركون يتمتّعون بالتفوّق العسكريّ في العدّة والعدد، ولم يبق لقريش سوى أبي سفيان بن حرب زعيم حروب المستقبل مع النبيّ صلى الله عليه وآله ولكن الله عز وجل نصر نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله على أعدائه، وفي طيّات هذه الآلام والأحاسيس بمرارة الهزيمة استعرت نيران الثأر، ففي السنة الثالثة للهجرة حشّد أهل مكّة الجيوش، وبذلوا الأموال وجهّزوا جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وخرج النبيّ صلى الله عليه وآله في ألف مقاتل من الصحابة، ورحّب فتيان المهاجرين والأنصار بالخروج.
وعقد النبيّ صلى الله عليه وآله ثلاث ألوية، فأعطى لواء المهاجرين لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولواء الأوس إلى أسيد بن خضير، ولواء الخزرج إلى الحبّاب بن المنذر، ولقد كان من ملامح انتصار النبيّ صلى الله عليه وآله وجيشه حكمته، وعظم إدارته للمعركة، فقد وضع خمسين رجلاً من الرماة على سارية الجبل وكانوا مرابطين هناك، ولمّا حان وقت صلاة العصر، صلّى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد وضع العمامة ولبس الدرع وتقلّد سيفه، وأراد المنافقون الغدر بالنبي صلى الله عليه وآله وجرّ المعركة إلى المدينة؛ ليغدروا بالنبيّ صلى الله عليه وآله وجيشه، ويتعاونوا مع المشركين.
ظنّ الرماة أنّ المشركين لن يعودوا بعد أن عاينوا فرارهم، فنزل عددٌ منهم طلباً للغنيمة، وخالفوا أمر النبيّ - صلى الله عليه وآله - بعدم ترك أماكنهم، وعلى الرغم من تذكير أميرهم لهم، إلّا أّنّهم أصرّوا على ترك مواقعهم، وعندها لمح خالد بن الوليد تلك الثغرة، وكان في ذلك الوقت في صفوف المشركين، فالتفّ من خلف الجبل ومعه فرقةً من فرسان قريشٍ، وقتلوا من تبقّى من الرماة على الجبل، وانكشف ظهر جيش المسلمين لخالد فباغتهم من الخلف، فاضطربت صفوفهم، ووقع القتل فيهم، ورجع جيش المشركين وأحاط بالمسلمين من جميع الجهات، وأخذوا بالانسحاب من أرض المعركة، وانقلب النصر المحقّق إلى نكسةٍ عظيمةٍ للمسلمين، وقد كان السبب في تلك الهزيمة مخالفة فريقٍ منهم لأوامر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وفقدَ المسلمون خير الأصحاب وتعرّضوا إلى مواجهة عنيفة، وانتهت المعركة بنتائجها المعروفة التي كان من أحزنها فقدان حمزة بن عبد المطلب عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله ، والمدافع عن المسلمين، فحزن النبيّ صلى الله عليه وآله حزناً شديداً، وعبّر عن ألمه بقوله: (لن أُصاب بمثلك أبداً)، وإلى يومنا هذا تركت تلك المعركة آثارها الوخيمة.
ولكن على الرغم من تلك النكسة إلّا أنّ قريشاً لم تحقّق مبتغاها، حيث كان الهدف من غزوة أحد استئصال المسلمين، وتأمين طريق التجارة إلى الشام (1)
مدينة محمّد أكبر
.................................................. .............................................
1) أضواء على مناسبات شوال،ص17.
تعليق