دور الاسرة والاصدقاء في التربية
الموضوع مستل من كتابي (( المنهج التربوي عند اهل البيت عليهم السلام )) مع الاختصار
تشترك الوراثة مع المحيط في البناء التربوي بحيث لا يمكن فصل بعضهما عن بعض ; لأنهما متكاملان متكاتفان ; حيث تخلق الوراثة القابلية والاستعداد للاتصاف بهذه الصفة أو تلك إن وجدت المحيط التربوي المناسب ، وتشترك الوراثة مع المحيط في خلق الشخصية بما في ذلك المتبنيات العقائدية والقيم ، ومع هذا التكامل والتكاتف يبقى للمحيط التربوي دور متميز في البناء التربوي ،
وهذا واضح من خلال النظرة الى الواقع ، ومن خلال متابعة مسيرة الانسانية التي لا تخلو من نبي مرسل أو وصي نبي ; يقومان بمهمة خلق المحيط التربوي المناسب لاصلاح النفس الانسانية والمجتمع الانساني.
والمحيط التربوي يشمل جميع مواقع التأثير في الواقع الاجتماعي وأهمها: الاسرة ، الاصدقاء ، حلقات الذكر ، المسجد ، علماء الدين ، المدرسة ، الدولة.
1 ـ الاسرة
الاسرة هي المحيط التربوي الأساسي المسؤول عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعية ; ليكون عنصراً صالحاً فعالاً في إدامتها على أساس الصلاح والخير والبناء الفعّال ، والاسرة نقطة البدء التي تزاول انشاء وتنشئة العنصر الانساني ; وتؤثر في كلّ مراحل الحياة ايجاباً وسلباً ، وهي مسؤولة بالدرجة الاولى عن النشأة والترعرع ، وهي التي تحدد مسار الانسان السلوكي ان كانت التنشئة الاجتماعية خارجها ملائمة ومتشابهة.
ولاهمية الاسرة في البناء التربوي أبدى أهل البيت(عليهم السلام) أهمية خاصة بها ، وكانت ارشاداتهم تؤكد على اختيار شريك الحياة الصالح والمتدين ليقوم بالتعاون مع شريكه في اعداد الاطفال اعداداً ينسجم مع المنهج السلوكي في الاسلام ، وحثّ أهل البيت الوالدين على القيام بمسؤوليتهما في التربية وخصوصاً الوالد حيث تقع عليه كامل المسؤولية.
قال الامام زين العابدين(عليه السلام): « وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثاب
على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر الى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه »([1]).
وقال أيضاً: « وأمّا حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فانه سبب للتوبة ، والمداراة له وترك مماحكته فان ذلك أدنى لرشده »([2]).
ودور الاسرة لا يحدد سلوك أفرادها فحسب بل يحدد جميع مقومات الشخصية: الفكرية والعاطفية والنفسية ; حيث ينعكس التعامل مع الأبناء على اتزانهم النفسي والانفعالي ، و لهذا يختلف الوضع النفسي من فرد لآخر في اسرة واحدة أو في اسر متعددة تبعاً لنوع المعاملة معه من حيث الرعاية أو الاهمال.
2 ـ الأصدقاء والأصحاب
يتأثر الانسان وخصوصاً في مراحل حياته الاولى بأصدقائه وأصحابه ; حيث تنعكس آراؤهم ومشاعرهم وممارساتهم على مقوّمات شخصيته عن طريق الاحتكاك والتلقين والاستهواء ، والتي تهيأ العقول للتلقي ، والقلوب للاستجابة ، والارادات للممارسة.
ويتأثر الانسان باصدقائه من حيث متبنياته الفكرية ونظرته الى الكون والحياة ، ومن ثم مواقفه العملية وممارساته السلوكية ; ولهذا جاءت روايات أهل البيت(عليهم السلام) لتؤكد اختيار الاصدقاء الصالحين وتجنب الطالحين.
فمن كتاب لأمير المؤمنين(عليه السلام) كتبه الى الحارث الهمداني جاء فيه: « واحذر صحابة من يفيل رأيه ، ويُنكر عملُه ، فإنّ الصّاحب معتبر بصاحبه... وإيّاك ومصاحبة الفسّاق ، فإنّ الشرّ بالشرّ ملحق »([3]).
وحذّر(عليه السلام) من مصادقة المنحرفين فقال: « إيّاك ومصادقة الأحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصادقة البخيل; فانّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر; فإنّه يبيعك بالتافه ، وإيّاك ومصادقة الكذّاب; فانّه كالسّراب يقرّب عليك البعيد ، ويبعّد عليك القريب »([4]).
ومعاشرة الفساق والسفهاء خصوصاً تؤدي الى فساد الاخلاق كما ورد في حديث الامام محمد الجواد(عليه السلام): « فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء »([5]).
وفي مقابل هذه التحذيرات حثّ أهل البيت(عليهم السلام) على مصادقة ومجالسة الصالحين والاتقياء ; لانّها وسيلة من وسائل اصلاح الفكر وإصلاح السلوك ; لانّ الانسان يتأثر بأفكار وسلوك المحيطين به ، وخصوصاً اذا كانوا أكثر علماً أو تجربة منه ، أو اكثر وجاهة منه ; لان الانسان يتأثر بالأعلى منه ويقتدي بمن فوقه من ذوي المواقع الاجتماعية المتقدّمة.
قال الامام زين العابدين(عليه السلام): « مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح »([6]).
وقال(عليه السلام): « جالسوا أهل الدين والمعرفة ، فان لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم ، فان أبيتم إلاّ مجالسة الناس ، فجالسوا أهل المروّات; فانهم لا يرفثون في مجالسهم »([7]).
وحثّ الامام محمد الباقر(عليه السلام) على مصاحبة واتباع الناصحين فقال: « اتّبع من يبكيك وهو لك ناصح ، ولا تتّبع من يضحكك وهو لك غاشّ... »([8]).
([1]) تحف العقول / الحرّاني : ص 189.
([2]) المصدر السابق نفسه : ص 194.
([3]) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 18 / 42.
([4]) المصدر السابق نفسه : 18 / 157.
([5]) كشف الغمة / الاربلي : 2 / 349.
([6]) تحف العقول / الحرّاني : ص 205.
([7]) مستدرك الوسائل / النوري : 8 / 328.
([8]) الكافي / الكليني : 2 / 638.
الموضوع مستل من كتابي (( المنهج التربوي عند اهل البيت عليهم السلام )) مع الاختصار
تشترك الوراثة مع المحيط في البناء التربوي بحيث لا يمكن فصل بعضهما عن بعض ; لأنهما متكاملان متكاتفان ; حيث تخلق الوراثة القابلية والاستعداد للاتصاف بهذه الصفة أو تلك إن وجدت المحيط التربوي المناسب ، وتشترك الوراثة مع المحيط في خلق الشخصية بما في ذلك المتبنيات العقائدية والقيم ، ومع هذا التكامل والتكاتف يبقى للمحيط التربوي دور متميز في البناء التربوي ،
وهذا واضح من خلال النظرة الى الواقع ، ومن خلال متابعة مسيرة الانسانية التي لا تخلو من نبي مرسل أو وصي نبي ; يقومان بمهمة خلق المحيط التربوي المناسب لاصلاح النفس الانسانية والمجتمع الانساني.
والمحيط التربوي يشمل جميع مواقع التأثير في الواقع الاجتماعي وأهمها: الاسرة ، الاصدقاء ، حلقات الذكر ، المسجد ، علماء الدين ، المدرسة ، الدولة.
1 ـ الاسرة
الاسرة هي المحيط التربوي الأساسي المسؤول عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعية ; ليكون عنصراً صالحاً فعالاً في إدامتها على أساس الصلاح والخير والبناء الفعّال ، والاسرة نقطة البدء التي تزاول انشاء وتنشئة العنصر الانساني ; وتؤثر في كلّ مراحل الحياة ايجاباً وسلباً ، وهي مسؤولة بالدرجة الاولى عن النشأة والترعرع ، وهي التي تحدد مسار الانسان السلوكي ان كانت التنشئة الاجتماعية خارجها ملائمة ومتشابهة.
ولاهمية الاسرة في البناء التربوي أبدى أهل البيت(عليهم السلام) أهمية خاصة بها ، وكانت ارشاداتهم تؤكد على اختيار شريك الحياة الصالح والمتدين ليقوم بالتعاون مع شريكه في اعداد الاطفال اعداداً ينسجم مع المنهج السلوكي في الاسلام ، وحثّ أهل البيت الوالدين على القيام بمسؤوليتهما في التربية وخصوصاً الوالد حيث تقع عليه كامل المسؤولية.
قال الامام زين العابدين(عليه السلام): « وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثاب
على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر الى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه »([1]).
وقال أيضاً: « وأمّا حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فانه سبب للتوبة ، والمداراة له وترك مماحكته فان ذلك أدنى لرشده »([2]).
ودور الاسرة لا يحدد سلوك أفرادها فحسب بل يحدد جميع مقومات الشخصية: الفكرية والعاطفية والنفسية ; حيث ينعكس التعامل مع الأبناء على اتزانهم النفسي والانفعالي ، و لهذا يختلف الوضع النفسي من فرد لآخر في اسرة واحدة أو في اسر متعددة تبعاً لنوع المعاملة معه من حيث الرعاية أو الاهمال.
2 ـ الأصدقاء والأصحاب
يتأثر الانسان وخصوصاً في مراحل حياته الاولى بأصدقائه وأصحابه ; حيث تنعكس آراؤهم ومشاعرهم وممارساتهم على مقوّمات شخصيته عن طريق الاحتكاك والتلقين والاستهواء ، والتي تهيأ العقول للتلقي ، والقلوب للاستجابة ، والارادات للممارسة.
ويتأثر الانسان باصدقائه من حيث متبنياته الفكرية ونظرته الى الكون والحياة ، ومن ثم مواقفه العملية وممارساته السلوكية ; ولهذا جاءت روايات أهل البيت(عليهم السلام) لتؤكد اختيار الاصدقاء الصالحين وتجنب الطالحين.
فمن كتاب لأمير المؤمنين(عليه السلام) كتبه الى الحارث الهمداني جاء فيه: « واحذر صحابة من يفيل رأيه ، ويُنكر عملُه ، فإنّ الصّاحب معتبر بصاحبه... وإيّاك ومصاحبة الفسّاق ، فإنّ الشرّ بالشرّ ملحق »([3]).
وحذّر(عليه السلام) من مصادقة المنحرفين فقال: « إيّاك ومصادقة الأحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصادقة البخيل; فانّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه ، وإيّاك ومصادقة الفاجر; فإنّه يبيعك بالتافه ، وإيّاك ومصادقة الكذّاب; فانّه كالسّراب يقرّب عليك البعيد ، ويبعّد عليك القريب »([4]).
ومعاشرة الفساق والسفهاء خصوصاً تؤدي الى فساد الاخلاق كما ورد في حديث الامام محمد الجواد(عليه السلام): « فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء »([5]).
وفي مقابل هذه التحذيرات حثّ أهل البيت(عليهم السلام) على مصادقة ومجالسة الصالحين والاتقياء ; لانّها وسيلة من وسائل اصلاح الفكر وإصلاح السلوك ; لانّ الانسان يتأثر بأفكار وسلوك المحيطين به ، وخصوصاً اذا كانوا أكثر علماً أو تجربة منه ، أو اكثر وجاهة منه ; لان الانسان يتأثر بالأعلى منه ويقتدي بمن فوقه من ذوي المواقع الاجتماعية المتقدّمة.
قال الامام زين العابدين(عليه السلام): « مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح »([6]).
وقال(عليه السلام): « جالسوا أهل الدين والمعرفة ، فان لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم ، فان أبيتم إلاّ مجالسة الناس ، فجالسوا أهل المروّات; فانهم لا يرفثون في مجالسهم »([7]).
وحثّ الامام محمد الباقر(عليه السلام) على مصاحبة واتباع الناصحين فقال: « اتّبع من يبكيك وهو لك ناصح ، ولا تتّبع من يضحكك وهو لك غاشّ... »([8]).
([1]) تحف العقول / الحرّاني : ص 189.
([2]) المصدر السابق نفسه : ص 194.
([3]) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 18 / 42.
([4]) المصدر السابق نفسه : 18 / 157.
([5]) كشف الغمة / الاربلي : 2 / 349.
([6]) تحف العقول / الحرّاني : ص 205.
([7]) مستدرك الوسائل / النوري : 8 / 328.
([8]) الكافي / الكليني : 2 / 638.
تعليق